حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

صلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذا تناول منه - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الأذان باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة، فخرج فصلى (حديث رقم: 701 )


701- عن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع، فيؤم قومه، فصلى العشاء، فقرأ بالبقرة، فانصرف الرجل، فكأن معاذا تناول منه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فتان، فتان، فتان» ثلاث مرار - أو قال: «فاتنا، فاتنا، فاتنا» - وأمره بسورتين من أوسط المفصل، قال عمرو: لا أحفظهما

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في الصلاة باب القراءة في العشاء رقم 465 (فانصرف) فارق الإمام وصلى منفردا.
(الرجل) هو حزم بن أبي كعب وقيل حرام بن ملحان.
(تناول منه) ذكره بسوء قيل قال إنه منافق.
(فتان) منفر عن الجماعة وتصد الناس عنها.
(فاتن) وفي نسخة (فاتنا) فالرفع على أنه خبر أي أنت فاتن والنصب على أنه خبر (تكون) المحذوفة أي أتكون فاتنا.
(المفصل) هي السور التي تبدأ من الحجرات وأوسطها من عم وقصارها من الضحى وقيل غير ذلك

شرح حديث (صلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذا تناول منه)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏( فَصَلَّى الْعِشَاءَ ) ‏ ‏كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيّ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِب " صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِب " وَكَذَا لِعَبْد الرَّزَّاق مِنْ رِوَايَةِ أَبِي اَلزُّبَيْر , فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاء مَجَازًا تَمَّ , وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحّ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ ) ‏ ‏اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْبَقَرَةَ بَلْ سُورَة الْبَقَرَةِ , لَكِنْ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن بَشَّار شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ " فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَة نَحْوُهُ , وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ " فَقَرَأَ بِهِمْ الْبَقَرَة " فَالظَّاهِر أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الرُّوَاةِ , وَالْمُرَادُ أَنَّهُ اِبْتَدَأَ فِي قِرَاءَتِهَا , وَبِهِ صَرَّحَ مُسْلِم وَلَفْظُهُ " فَافْتَتَحَ سُورَة الْبَقَرَةِ " وَفِي رِوَايَةِ مُحَارِب " فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ " عَلَى الشَّكِّ , وَلِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَة مِسْعَر عَنْ مُحَارِب " فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ " كَذَا رَأَيْته بِخَطّ الزَّكِيّ الْبَرْزَالِيّ بِالْوَاو , فَإِنْ كَانَ ضَبَطَهُ اِحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالنِّسَاءِ , وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ " فَقَرَأَ اِقْتَرَبَتْ اَلسَّاعَة " وَهِيَ شَاذَّةٌ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ , وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَسْمِيَة هَذَا اَلرَّجُلِ , لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ اَلطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَزَّار مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ طَالِب بْن حَبِيب عَنْ عَبْد اَلرَّحْمَن بْن جَابِر عَنْ أَبِيهِ قَالَ " مَرَّ حَزْم بْن أُبَيِّ بْن كَعْب بِمُعَاذ بْن جَبَل وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمِهِ صَلَاة الْعَتَمَة فَافْتَتَحَ بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ وَمَعَ حَزْمٍ نَاضِح لَهُ " الْحَدِيث.
قَالَ الْبَزَّار : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّاهُ عَنْ جَابِر إِلَّا اِبْن جَابِر ا ه.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ طَالِبٍ فَجَعَلَهُ عَنْ اِبْنِ جَابِر عَنْ حَزْم صَاحِب الْقِصَّةِ , وَابْن جَابِر لَمْ يُدْرِكْ حَزْمًا.
وَوَقَعَ عِنْدَهُ " صَلَاة الْمَغْرِبِ " وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي رِوَايَةِ مُحَارِب , وَرَوَاهُ اِبْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي اَلزُّبَيْر عَنْ جَابِر فَسَمَّاهُ حَازِمًا وَكَأَنَّهُ صَحَّفَهُ , أَخْرَجَهُ اِبْن شَاهِين مِنْ طَرِيقِهِ , وَرَوَاهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْن السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن صُهَيْب عَنْ أَنَس قَالَ " كَانَ مُعَاذ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَدَخَلَ حَرَامٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ " الْحَدِيث كَذَا فِيهِ بِرَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ , وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَرَام بْن مِلْحَانَ خَال أَنَس وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ , لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي الرِّوَايَةِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ حَزْمٍ فَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ , وَإِلَى ذَلِكَ يُومِئُ صَنِيع اِبْن عَبْد الْبَرّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّحَابَةِ حَرَام بْن أُبَيِّ بْن كَعْب وَذَكَرَ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّة , وَعَزَا تَسْمِيَتَهُ لِرِوَايَةِ عَبْد الْعَزِيز بْن صُهَيْب عَنْ أَنَس , وَلَمْ أَقِفْ فِي رِوَايَةِ عَبْد الْعَزِيز عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ اِسْمَهُ تَصَحَّفَ وَالْأَبُ وَاحِد , سَمَّاهُ جَابِر وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَس , وَجَاءَ فِي تَسْمِيَتِهِ قَوْل آخَر أَخْرَجَهُ أَحْمَد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذ بْن رِفَاعَة عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَة يُقَالُ لَهُ سُلَيْم أَنَّهُ " أَتَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّهِ إِنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَنُصَلِّي , فَيَأْتِي مُعَاذ بْن جَبَل فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَأْتِيه فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا " الْحَدِيث , وَفِيهِ أَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ , وَهَذَا مُرْسَل ; لِأَنَّ مُعَاذ بْن رِفَاعَة لَمْ يُدْرِكْهُ , وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُعَاذ بْن رِفَاعَة أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِمَة فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا , وَرَوَاهُ الْبَزَّار مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِر وَسَمَّاهُ سُلَيْمًا أَيْضًا , لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ اِبْنِ حَزْمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ اِسْمَهُ سَلْمٌ بِفَتْح أَوَّله وَسُكُون اَللَّامِ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيف - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَا اَلِاخْتِلَافِ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ , وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ الْمَغْرِبُ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي السُّورَةِ هَلْ هِيَ الْبَقَرَةُ أَوْ اِقْتَرَبَتْ , وَبِالِاخْتِلَافِ فِي عُذْرِ الرَّجُلِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ جَاءَ مِنْ الْعَمَلِ وَهُوَ تَعْبَان أَوْ لِكَوْنِهِ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ إِذْ ذَاكَ أَوْ لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَى الْمَاءِ فِي النَّخْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.
وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْجَمْع ; لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُ بِالتَّخْفِيفِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى اَلتَّطْوِيلِ , وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ أَوَّلًا بِالْبَقَرَةِ فَلَمَّا نَهَاهُ قَرَأَ اِقْتَرَبَتْ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اَلسُّوَرِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْي أَوَّلًا وَقَعَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْض مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ , ثُمَّ لَمَّا اِطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ بِالْإِسْلَامِ ظَنَّ أَنَّ الْمَانِعَ زَالَ فَقَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ ; لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَصَادَفَ صَاحِب اَلشُّغْلِ , وَجَمَعَ النَّوَوِيّ بِاحْتِمَال أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُل , ثُمَّ قَرَأَ اِقْتَرَبَتْ فِي اَلثَّانِيَةِ فَانْصَرَفَ آخَر.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْر عِنْدَ مُسْلِم " فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَّا " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي سَلِمَة , وَيُقَوِّي رِوَايَة مَنْ سَمَّاهُ سُلَيْمًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَانْصَرَفَ اَلرَّجُلُ ) ‏ ‏اللَّام فِيهِ لِلْعَهْدِ اَلذِّهْنِيِّ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْس , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاحِد مِنْ اَلرِّجَالِ ; لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيف الْجِنْس كَالنَّكِرَةِ فِي مُؤَدَّاهُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيّ " فَقَامَ رَجُلٌ فَانْصَرَفَ " وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْم بْن حَيَّانَ " فَتَجَوَّزَ رَجُل فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً " وَلِابْن عُيَيْنَة عِنْد مُسْلِم " فَانْحَرَفَ رَجُل فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ " وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاة , لَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ مُحَمَّد بْن عَبَّاد شَيْخ مُسْلِم تَفَرَّدَ عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَة بِقَوْلِهِ " ثُمَّ سَلَّمَ " , وَأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ اِبْن عُيَيْنَة وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِهِ عَمْرو بْن دِينَار وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ جَابِر لَمْ يَذْكُرُوا السَّلَامَ , وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ قَطَعَ الصَّلَاةَ ; لِأَنَّ السَّلَامَ يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ اَلصَّلَاةِ , وَسَائِر الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَة فَقَطْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ اِسْتَمَرَّ فِيهَا مُنْفَرِدًا.
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي " شَرْح الْمُسْنَد " فِي الْكَلَامِ عَلَى رِوَايَةِ اَلشَّافِعِيِّ عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَة فِي هَذَا الْحَدِيثِ " فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ ".
هَذَا يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَتَنَحَّى عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَاسْتَأْنَفَهَا لِنَفْسِهِ , لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ اِنْتَهَى.
وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّة عَلَى أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَعَ الْقُدْوَة وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا.
وَنَازَعَ اَلنَّوَوِيّ فِيهِ فَقَالَ : لَا دَلَالَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ , بَلْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ سَلَّمَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ اِسْتَأْنَفَهَا , فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ اَلصَّلَاةِ وَإِبْطَالِهَا لِعُذْر.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَكَأَنَّ مُعَاذًا يَنَالُ مِنْهُ ) ‏ ‏وَلِلْمُسْتَمْلِي " تَنَاوَلَ مِنْهُ " وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ " فَكَأَنَّ - بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ - مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ " وَالْأُولَى تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَاف الثَّانِيَة , وَمَعْنَى يَنَالُ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ : ذَكَرَهُ بِسُوء , وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْم بْنِ حَيَّانَ وَلَفْظُهُ " فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ إِنَّهُ مُنَافِق " وَكَذَا لِأَبِي الزُّبَيْر , وَلِابْن عُيَيْنَة " فَقَالُوا لَهُ : أَنَافَقْت يَا فُلَان ؟ قَالَ : لَا , وَاَللَّه لَآتِيَنَّ رَسُول اَللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأُخْبِرَنَّهُ " وَكَأَنَّ مُعَاذًا قَالَ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَهُ أَصْحَابُ مُعَاذ لِلرَّجُلِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) ‏ ‏بَيَّنَ اِبْن عُيَيْنَة فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا مُحَارِب وَأَبُو اَلزُّبَيْر أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذ , وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ " فَقَالَ مُعَاذ : لَئِنْ أَصْبَحْت لَأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى اَلَّذِي صَنَعْت ؟ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّهِ عَمِلْت عَلَى نَاضِحٍ لِي " فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَكَأَنَّ مُعَاذًا سَبَقَهُ بِالشَّكْوَى , فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَقَالَ فَتَّان ) ‏ ‏فِي رِوَايَةِ اِبْن عُيَيْنَة " أَفَتَّان أَنْتَ " زَادَ مُحَارِب " ثَلَاثًا ".
‏ ‏قَوْلُهُ : ( أَوْ قَالَ فَاتِنًا ) ‏ ‏شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي , وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَة , وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْر " أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَاتِنًا " وَلِأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ مُعَاذ بْن رِفَاعَة الْمُتَقَدِّمِ " يَا مُعَاذ لَا تَكُنْ فَاتِنًا " وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَس " لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ " وَمَعْنَى الْفِتْنَة هَاهُنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ , وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي الشُّعَبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ " لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اَللَّهِ عِبَادَهُ يَكُونُ أَحَدكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ الصَّلَاة حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ ".
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ " فَتَّان " أَيْ : مُعَذِّب ; لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بِالتَّطْوِيلِ , وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ ) قِيلَ مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّل , قَالَ عَمْرو ) ‏ ‏أَيْ : اِبْن دِينَار ( ‏ ‏لَا أَحْفَظُهُمَا ) ‏ ‏وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَال تَحْدِيثه لِشُعْبَة , وَإِلَّا فَفِي رِوَايَةِ سُلَيْم بْن حَيَّانَ عَنْ عَمْرو " اِقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَنَحْوَهَا ".
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ اِبْن عُيَيْنَة عِنْدَ مُسْلِم " اِقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا " قَالَ اِبْن عُيَيْنَة : فَقُلْتُ لِعَمْرو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْر حَدَّثَنَا عَنْ جَابِر أَنَّهُ قَالَ : اِقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى وَبِسَبِّحْ اِسْم رَبِّك الْأَعْلَى.
فَقَالَ عَمْرو نَحْوَ هَذَا , وَجَزَمَ بِذَلِكَ مُحَارِب فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِر , وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَنْ أَبِي اَلزُّبَيْر عِنْدَ مُسْلِم مَعَ الثَّلَاثَةِ " اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك " زَادَ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر " وَالضُّحَى " أَخْرَجَهُ عَبْد اَلرَّزَّاق , وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ عَنْ اِبْن عُيَيْنَة مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَل " وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ " وَفِي الْمُرَادِ بِالْمُفَصَّلِ أَقْوَال سَتَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَصَحّهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّل ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآن.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( أَوْسَط ) ‏ ‏يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُتَوَسِّط وَالسُّوَر الَّتِي مَثَّلَ بِهَا مِنْ قِصَار الْمُتَوَسِّط , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُعْتَدِل أَيْ : الْمُنَاسِبِ لِلْحَالِ مِنْ الْمُفَصَّلِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اِقْتِدَاء الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ; بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْل , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَ " هِيَ لَهُ تَطَوُّع وَلَهُمْ فَرِيضَة " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رِجَاله رِجَال الصَّحِيحِ , وَقَدْ صَرَّحَ اِبْن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ عَبْد اَلرَّزَّاق بِسَمَاعِهِ فِيهِ فَانْتَفَتْ تُهْمَة تَدْلِيسه , فَقَوْل اِبْنِ الْجَوْزِيِّ : إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْدُود , وَتَعْلِيل الطَّحَاوِيّ لَهُ بِأَنَّ اِبْن عُيَيْنَة سَاقَهُ عَنْ عَمْرو أَتَمّ مِنْ سِيَاق اِبْن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَة لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ ; لِأَنَّ اِبْن جُرَيْجٍ أَسَنُّ وَأَجَلُّ مِنْ اِبْن عُيَيْنَة وَأَقْدَم أَخْذًا عَنْ عَمْرو مِنْهُ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَيْسَتْ مُنَافِيَة لِرِوَايَة مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ عَدَدًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا.
وَأَمَّا رَدُّ اَلطَّحَاوِيّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُدْرَجَة فَجَوَابه أَنَّ الْأَصْلَ عَدَم الْإِدْرَاجِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّفْصِيلُ , فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ , وَالْأَمْر هُنَا كَذَلِكَ , فَإِنَّ اَلشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِر مُتَابِعًا لِعَمْرو بْن دِينَار عَنْهُ , وَقَوْل الطَّحَاوِيّ هُوَ ظَنٌّ مِنْ جَابِر مَرْدُود ; لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُظَنُّ بِجَابِر أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا اِحْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة " فَلَيْسَ بِجَيِّد ; لِأَنَّ حَاصِلَهُ النَّهْي عَنْ التَّلَبُّسِ بِصَلَاةٍ غَيْر الَّتِي أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنِيَّة فَرْض أَوْ نَفْل , وَلَوْ تَعَيَّنَتْ نِيَّة الْفَرِيضَة لَامْتَنَعَ عَلَى مُعَاذ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَة بِقَوْمِهِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ فَرْضًا لَهُ , وَكَذَلِكَ قَوْل بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يُظَنُّ بِمُعَاذ أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَة الْفَرْض خَلْفَ أَفْضَلِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ , فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْع تَرْجِيح لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ : إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْفَضْلُ بِالِاتِّبَاعِ , وَكَذَلِكَ قَوْل الْخَطَّابِيّ : إِنَّ الْعِشَاءَ فِي قَوْلِهِ " كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ " حَقِيقَة فِي الْمَفْرُوضَةِ , فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّع ; لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ : هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِيَ بِهَا اَلتَّنَفُّل.
وَأَمَّا قَوْل اِبْن حَزْم : إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرْض إِذَا أُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَهُ مُتَطَوِّعًا فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَى مُعَاذ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ ؟ فَهَذَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ نَقْضٌ قَوِيٌّ , وَأَسْلَمُ الْأَجْوِبَة التَّمَسُّك بِالزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيّ : لَا حُجَّةَ فِيهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَقْرِيره.
فَجَوَابه أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ حُجَّة , وَالْوَاقِعُ هُنَا كَذَلِكَ , فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ مُعَاذ كُلّهمْ صَحَابَةٌ وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عَقَبِيًّا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا , قَالَهُ اِبْن حَزْم , قَالَ : وَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ اِمْتِنَاع ذَلِكَ , بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عُمَر , وَابْن عُمَر , وَأَبُو اَلدَّرْدَاء وَأَنَس وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيّ : لَوْ سَلَّمْنَا جَمِيع ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّة لِاحْتِمَال أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ الْفَرِيضَة فِيهِ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ أَيْ : فَيَكُونُ مَنْسُوخًا , فَقَدْ تَعَقَّبَهُ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَات النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ لَا يَسُوغُ , وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِقَامَة اَلدَّلِيلِ عَلَى مَا اِدَّعَاهُ مِنْ إِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ ا ه.
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كِتَابِهِ فَإِنَّهُ قَدْ سَاقَ فِيهِ دَلِيل ذَلِكَ وَهُوَ حَدِيثُ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " لَا تُصَلُّوا الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ " وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَل " إِنَّ أَهْل الْعَالِيَة كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ " فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ نَظَرٌ , لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اَلنَّهْي عَنْ أَنْ يُصَلُّوهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَة , وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ , بَلْ لَوْ قَالَ قَائِل : هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخ بِحَدِيثِ مُعَاذ , لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا , وَلَا يُقَالُ الْقِصَّة قَدِيمَة ; لِأَنَّ صَاحِبَهَا اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ ; لِأَنَّا نَقُولُ : كَانَتْ أُحُد فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَة فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّهْي فِي الْأُولَى وَالْإِذْن فِي الثَّالِثَةِ مَثَلًا , وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ " إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِد جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا نَافِلَة " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيد بْن الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيّ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ , وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا أَمْره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَدْرَكَ الْأَئِمَّة اَلَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ مِيقَاتِهَا أَنْ " صَلُّوهَا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ اِجْعَلُوهَا مَعَهُمْ نَافِلَة ".
وَأَمَّا اِسْتِدْلَالُ اَلطَّحَاوِيّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى مُعَاذًا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سُلَيْمِ بْن الْحَارِث " إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِك " وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّي مَعِي وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِك وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِك وَلَا تُصَلِّ مَعِي , فَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ : بَلْ اَلتَّقْدِير إِمَّا أَنْ تُصَلِّي مَعِي فَقَطْ إِذَا لَمْ تُخَفِّفْ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِك فَتُصَلِّي مَعِي , وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ اَلتَّخْفِيفِ بِتَرْكِ التَّخْفِيفِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَنَازَع فِيهِ , وَأَمَّا تَقْوِيَةُ بَعْضِهِمْ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا بِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَقَعَتْ مِرَارًا عَلَى صِفَةٍ فِيهَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ فِي حَالِ الْأَمْن , فَلَوْ جَازَتْ صَلَاة الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَقَعُ فِيهِ مُنَافَاة , فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ , فَجَوَابه أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ صَرِيحًا , وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِر نَحْوُهُ , وَأَمَّا صَلَاتُهُ بِهِمْ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فَلِبَيَان الْجَوَاز.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ : كَانَ فِعْل مُعَاذ لِلضَّرُورَةِ لِقِلَّة الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ ; لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ حَافِظُوهُ كَثِيرًا , وَمَا زَادَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِارْتِكَابِ أَمْرٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ.
وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اِسْتِحْبَاب تَخْفِيفِ اَلصَّلَاةِ مُرَاعَاة لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ , وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ التَّطْوِيل إِذَا عَلِمَ رِضَاء الْمَأْمُومِينَ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ لَا يَعْلَمُ حَالَ مَنْ يَأْتِي فَيَأْتَمُّ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ , فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ التَّطْوِيل مُطْلَقًا إِلَّا إِذَا فُرِضَ فِي مُصَلٍ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ فِي مَكَانٍ لَا يَدْخُلُهُ غَيْرُهُمْ.
وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا عُذْر فِي تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ , وَجَوَاز إِعَادَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَجَوَاز خُرُوجِ الْمَأْمُومِ مِنْ الصَّلَاةِ لِعُذْر , وَأَمَّا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضهمْ وَتُعُقِّبَ , وَقَالَ اِبْن الْمُنِير : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِ الْأَئِمَّة بِالتَّخْفِيفِ فَائِدَة , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فَائِدَة الْأَمْر بِالتَّخْفِيفِ الْمُحَافَظَة عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ , وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَوَاز اَلصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا , وَهَذَا كَمَا اِسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِالْقِصَّةِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفِيهِ نَحْوُ هَذَا اَلنَّظَرِ.
وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ إِذَا كَانَ بِعُذْر.
وَفِيهِ الْإِنْكَارُ بِلُطْفٍ لِوُقُوعِهِ بِصُورَة الِاسْتِفْهَام , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَعْزِيز كُلّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ , وَالِاكْتِفَاءِ فِي التَّعْزِيزِ بِالْقَوْلِ , وَالْإِنْكَار فِي الْمَكْرُوهَاتِ , وَأَمَّا تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا فَلِلتَّأْكِيدِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ.
‏ ‏وَفِيهِ اِعْتِذَارُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَطَأٌ فِي الظَّاهِرِ , وَجَوَاز الْوُقُوع فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ فِي مَحْذُور ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْر بَاطِن لِلتَّنْفِيرِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ , وَأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا , وَأَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِ.


حديث فتان فتان فتان ثلاث مرار أو قال فاتنا فاتنا فاتنا وأمره بسورتين من

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏غُنْدَرٌ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَمْرٍو ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏كَانَ ‏ ‏مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ‏ ‏يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ ‏ ‏بِالْبَقَرَةِ ‏ ‏فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَكَأَنَّ ‏ ‏مُعَاذًا ‏ ‏تَنَاوَلَ مِنْهُ ‏ ‏فَبَلَغَ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ ثَلَاثَ مِرَارٍ ‏ ‏أَوْ قَالَ فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا ‏ ‏وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ ‏ ‏الْمُفَصَّلِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏عَمْرٌو ‏ ‏لَا أَحْفَظُهُمَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيه...

عن أبو مسعود، أن رجلا، قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد...

إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن منهم الضعيف والسقيم...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم للناس، فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء»...

يا أيها الناس إن منكم منفرين فمن أم الناس فليتجوز...

عن أبي مسعود، قال: قال رجل: يا رسول الله إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رأيته غضب في موضع...

إنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة

جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل، فوافق معاذا يصلي، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة - أو النساء - فانطلق ال...

كان النبي ﷺ يوجز الصلاة ويكملها

عن أنس بن مالك، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها»

أسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على...

عن أبيه أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه» ت...

ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي ﷺ

عن أنس بن مالك، يقول: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ليسمع بكاء الصبي، فيخفف مخافة أن تفتن أمه»

إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء ا...

عن أنس بن مالك، حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أم...

لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي

عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه» وقال...