1229- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال محمد: وأكثر ظني العصر - ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذو اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، قال: «بلى قد نسيت، فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، فكبر، ثم وضع رأسه، فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر»
(سرعان الناس) أوائلهم والمستعجلون منهم
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم ) هُوَ اَلتُّسْتَرِيّ , وَمُحَمَّد هُوَ اِبْنُ سِيرِينَ , وَالْإِسْنَاد كُلّه بَصْرِيُّونَ.
قَوْله : ( وَأَكْثَر ظَنِّي أَنَّهَا اَلْعَصْرُ ) هُوَ قَوْلُ اِبْنِ سِيرِينَ بِالْإِسْنَادِ اَلْمَذْكُورِ , وَإِنَّمَا رَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ اَلْجَزْمَ بِأَنَّهَا اَلْعَصْرُ كَمَا تَقَدَّمَتْ اَلْإِشَارَة إِلَيْهِ قَبْل.
) قَوْله : ( ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ اَلْمَسْجِدِ ) أَيْ فِي جِهَةِ اَلْقِبْلَةِ.
قَوْله : ( فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا ) تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة اِبْنِ عَوْنٍ عَنْ اِبْنِ سِيرِينَ بِلَفْظ " فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي اَلْمَسْجِدِ " أَيْ مَوْضُوعَةٍ بِالْعَرْضِ , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ " ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ اَلْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا " وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذِهِ اَلرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اَلْجِذْعَ قَبْلَ اِتِّخَاذِ اَلْمِنْبَرِ كَانَ مُمْتَدًّا بِالْعَرْضِ , وَكَأَنَّهُ اَلْجِذْعُ اَلَّذِي كَانَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ قَبْلَ اِتِّخَاذِ اَلْمِنْبَرِ , وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ اَلشُّرَّاحِ.
قَوْله : ( فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ) فِي رِوَايَة اِبْنِ عَوْن " فَهَابَاهُ " بِزِيَادَةِ اَلضَّمِيرِ , وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا غَلَبَ عَلَيْهِمَا اِحْتِرَامه وَتَعْظِيمه عَنْ اَلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا ذُو اَلْيَدَيْنِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ حِرْصُهُ عَلَى تَعَلُّمِ اَلْعِلْمِ.
قَوْله : ( وَخَرَجَ سَرَعَانُ ) بِفَتْحِ اَلْمُهْمَلَاتِ , وَمِنْهُمْ مَنْ سَكَّنَ اَلرَّاء وَحَكَى عِيَاض أَنَّ اَلْأَصِيلِيّ ضَبَطَهُ بِضَمٍّ ثُمَّ إِسْكَان كَأَنَّهُ جَمْعُ سَرِيع كَكَثِيب وَكُثْبَان وَالْمُرَاد بِهِمْ أَوَائِل اَلنَّاسِ خُرُوجًا مِنْ اَلْمَسْجِدِ وَهُمْ أَصْحَابُ اَلْحَاجَاتِ غَالِبًا.
قَوْله : ( فَقَالُوا أَقُصِرَتْ اَلصَّلَاةُ ) كَذَا هُنَا بِهَمْزَةِ اَلِاسْتِفْهَامِ , وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَة اِبْنِ عَوْنٍ بِحَذْفِهَا فَتُحْمَلُ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ , وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وَرَعِهِمْ إِذْ لَمْ يَجْزِمُوا بِوُقُوعِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهَابُوا اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلُوهُ , وَإِنَّمَا اسْتَفْهَمُوهُ لِأَنَّ اَلزَّمَانَ زَمَان اَلنَّسْخ.
وَقُصِرَتْ بِضَمِّ اَلْقَافِ وَكَسْرِ اَلْمُهْمَلَةِ عَلَى اَلْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أَنَّ اَللَّهَ قَصَرَهَا , وَبِفَتْحٍ ثُمَّ ضَمٍّ عَلَى اَلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ صَارَتْ قَصِيرَة.
قَالَ اَلنَّوَوِيّ : هَذَا أَكْثَر وَأَرْجَح.
قَوْله : ( وَرَجُل يَدْعُوهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ يُسَمِّيه ( ذَا اَلْيَدَيْنِ ) وَالتَّقْدِيرُ وَهُنَاكَ رَجُل , وَفِي رِوَايَة اِبْنِ عَوْن " وَفِي اَلْقَوْمِ رَجُل فِي يَدِهِ طُول يُقَالُ لَهُ ذُو اَلْيَدَيْنِ " وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اَلْحَقِيقَةِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ طُولِهَا بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْبَذْلِ قَالَهُ اَلْقُرْطُبِيّ , وَجَزَمَ اِبْن قُتَيْبَةَ بِأَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا , وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاح " اَلتَّنْبِيه " أَنَّهُ قَالَ : كَانَ قَصِيرَ اَلْيَدَيْنِ فَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ حُمَيْد اَلطَّوِيل فَهُوَ اَلَّذِي فِيهِ اَلْخِلَاف , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اَلصَّوَابَ اَلتَّفْرِقَة بَيْنَ ذِي اَلْيَدَيْنِ وَذِي الشِّمَالَيْنِ , وَذَهَبَ اَلْأَكْثَر إِلَى أَنَّ اِسْمَ ذِي اَلْيَدَيْنِ اَلْخِرْبَاق بِكَسْر اَلْمُعْجَمَة وَسُكُون اَلرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَة وَآخِره قَاف اِعْتِمَادًا عَلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَان بْن حُصَيْن عِنْد مُسْلِم وَلَفْظه " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ اَلْخِرْبَاق وَكَانَ فِي يَدِهِ طُول " وَهَذَا صَنِيع مَنْ يُوَحِّدُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَهُوَ اَلرَّاجِحُ فِي نَظَرِي , وَإِنْ كَانَ اِبْن خُزَيْمَة وَمَنْ تَبِعَهُ جَنَحُوا إِلَى اَلتَّعَدُّدِ , وَالْحَامِل لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ اَلِاخْتِلَافِ اَلْوَاقِعِ فِي اَلسِّيَاقَيْنِ , فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ اَلسَّلَامَ وَقَعَ مِنْ اِثْنَتَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي اَلْمَسْجِدِ , وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِله لَمَّا فَرَغَ مِنْ اَلصَّلَاةِ , فَأَمَّا اَلْأَوَّلُ فَقَدْ حَكَى اَلْعَلَائِيّ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ اَلْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي اِبْتِدَاءِ اَلرَّكْعَةِ اَلثَّالِثَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ , وَلَكِنَّ طَرِيقَ اَلْجَمْعِ يُكْتَفَى فِيهَا بِأَدْنَى مُنَاسَبَة , وَلَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ دَعْوَى تَعَدُّد اَلْقِصَّة فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْن ذِي اَلْيَدَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اِسْتَفْهَمَ اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتَفْهَمَ اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلصَّحَابَة عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ , وَأَمَّا اَلثَّانِي فَلَعَلَّ اَلرَّاوِيَ لَمَّا رَآهُ تَقَدَّمَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى جِهَةِ اَلْخَشَبَةِ ظَنَّ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِله لِكَوْن اَلْخَشَبَة كَانَتْ فِي جِهَةِ مَنْزِلِهِ , فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَرِوَايَة أَبِي هُرَيْرَةَ أَرْجَحُ لِمُوَافَقَةِ اِبْن عُمَر لَهُ عَلَى سِيَاقه كَمَا أَخْرَجَهُ اَلشَّافِعِيّ وَأَبُو دُوَاد وَابْن مَاجَهْ وَابْن خُزَيْمَة , وَلِمُوَافَقَةِ ذِي اَلْيَدَيْنِ نَفْسه لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْر اَلْأَثْرَمُ وَعَبْد اَللَّهَ بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات اَلْمُسْنَد وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي خَيْْثَمَةَ وَغَيْرهمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب تَشْبِيك اَلْأَصَابِعِ " مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ رَاوِي اَلْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة كَانَ يَرَى اَلتَّوْحِيد بَيْنَهُمَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِر حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " نُبِّئْت أَنَّ عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ : ثُمَّ سَلَّمَ ".
قَوْله : ( فَقَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ ) كَذَا فِي أَكْثَرِ اَلطُّرُقِ , وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ اَلنِّسْيَانِ وَنَفْيِ اَلْقَصْرِ , وَفِيهِ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة أَبِي سُفْيَان عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " كُلّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ " وَتَأْيِيد لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُ اَلْمَعَانِي : إِنَّ لَفْظ كُلّ إِذَا تَقَدَّمَ وَعَقِبَهَا اَلنَّفْيُ كَانَ نَفْيًا لِكُلِّ فَرْدٍ لَا لِلْمَجْمُوعِ , بِخِلَافِ مَا إِذَا تَأَخَّرَتْ كَأَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ كُلُّ ذَلِكَ , وَلِهَذَا أَجَابَ ذُو اَلْيَدَيْنِ فِي رِوَايَة أَبِي سُفْيَان بِقَوْلِهِ " قَدْ كَانَ بَعْض ذَلِكَ " وَأَجَابَهُ فِي هَذِهِ اَلرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ " بَلَى قَدْ نَسِيت " لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى اَلْأَمْرَيْنِ وَكَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَ اَلصَّحَابِيِّ أَنَّ اَلسَّهْوَ غَيْر جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي اَلْأُمُورِ اَلْبَلَاغِيَّةِ جَزَمَ بِوُقُوع اَلنِّسْيَان لَا بِالْقَصْرِ , وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ : إِنْ اَلسَّهْوَ جَائِز عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ فِيمَا طَرِيقُهُ اَلتَّشْرِيع , وَإِنْ كَانَ عِيَاضٌ نَقَلَ اَلْإِجْمَاع عَلَى عَدَمِ جَوَازِ دُخُول اَلسَّهْو فِي اَلْأَقْوَالِ التَّبْلِيغِيَّة وَخَصَّ اَلْخِلَاف بِالْأَفْعَالِ , لَكِنَّهُمْ تَعَقَّبُوهُ.
نَعَمْ اِتَّفَقَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ يَقَعُ لَهُ بَيَانُ ذَلِكَ إِمَّا مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا اَلْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ " لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ " ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ , وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَنْسَ أَيْ فِي اِعْتِقَادِي لَا فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ , وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ اَلِاعْتِقَادَ عِنْدَ فَقْد اَلْيَقِين يَقُومُ مَقَام اَلْيَقِين , وَفَائِدَة جَوَاز اَلسَّهْو فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَيَان اَلْحُكْمِ اَلشَّرْعِيِّ إِذَا وَقَعَ مِثْله لِغَيْره , وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ اَلسَّهْو مُطْلَقًا فَأَجَابُوا عَنْ هَذَا اَلْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ فَقِيلَ : قَوْلُهُ لَمْ أَنْسَ نَفْيٌ لِلنِّسْيَانِ , وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْي اَلسَّهْو.
وَهَذَا قَوْل مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا , وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ.
وَيَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ اَلرِّوَايَةِ " بَلَى قَدْ نَسِيت " وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ : قَوْلُهُ لَمْ أَنْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَكَانَ يَتَعَمَّدُ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ لِيَقَع اَلتَّشْرِيعُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ مِنْ اَلْقَوْلِ , وَتُعُقِّبَ بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود اَلْمَاضِي فِي " بَابِ اَلتَّوَجُّهِ نَحْوَ اَلْقِبْلَةِ " فَفِيهِ " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ " فَأَثْبَتَ اَلْعِلَّة قَبْلَ اَلْحُكْمِ وَقَيَّدَ اَلْحُكْمَ بِقَوْلِهِ " إِنَّمَا أَنَا بَشَر " وَلَمْ يَكْتَفِ بِإِثْبَاتِ وَصْف اَلنِّسْيَان حَتَّى دَفَعَ قَوْل مَنْ عَسَاهُ يَقُولُ لَيْسَ نِسْيَانه كَنِسْيَانِنَا فَقَالَ : " كَمَا تَنْسَوْنَ " وَبِهَذَا اَلْحَدِيثِ يُرَدُّ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَنْسَ إِنْكَار اَللَّفْظِ اَلَّذِي نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ إِنَّى لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى , وَإِنْكَار اَللَّفْظِ اَلَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَى غَيْره حَيْثُ قَالَ " بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيت آيَة كَذَا وَكَذَا " وَقَدْ تَعَقَّبُوا هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيث إِنِّي لَا أَنْسَى لَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَلَاغَاتِ مَالِك اَلَّتِي لَمْ تُوجَدْ مَوْصُولَة بَعْدَ اَلْبَحْثِ اَلشَّدِيدِ , وَأَمَّا اَلْآخَر فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَمّ إِضَافَة نِسْيَان اَلْآيَةِ ذَمّ إِضَافَة نِسْيَان كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ اَلْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاضِح جِدًّا , وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَنْسَ رَاجِع إِلَى اَلسَّلَامِ أَيْ سَلَّمْت قَصْدًا بَانِيًا عَلَى مَا فِي اِعْتِقَادِي أَنِّي صَلَّيْت أَرْبَعًا وَهَذَا جَيِّد , وَكَأَنَّ ذَا اَلْيَدَيْنِ فَهِمَ اَلْعُمُوم فَقَالَ " بَلَى قَدْ نَسِيت " وَكَأَنَّ هَذَا اَلْقَوْلَ أَوْقَعَ شَكًّا اِحْتَاجَ مَعَهُ إِلَى اِسْتِثْبَات اَلْحَاضِرِينَ.
وَبِهَذَا اَلتَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَاد مَنْ اِسْتَشْكَلَ كَوْنَ ذِي اَلْيَدَيْنِ عَدْلًا وَلَمْ يَقْبَلْ خَبَره بِمُفْرَدِهِ , فَسَبَب اَلتَّوَقُّفِ فِيهِ كَوْنه أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ اَلْمَسْئُولِ مُغَايِر لِمَا فِي اِعْتِقَادِهِ.
وَبِهَذَا يُجَابُ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ حِسِّيٍّ بِحَضْرَة جَمْع لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ اَلتَّوَاطُؤ وَلَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَى اَلسُّكُوتِ عَنْهُ ثُمَّ لَمْ يُكَذِّبُوهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ , فَإِنَّ سَبَبَ عَدَمِ اَلْقَطْعِ كَوْن خَبَرِهِ مُعَارَضًا بِاعْتِقَادِ اَلْمَسْئُولِ خِلَاف مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وَفِيهِ أَنَّ اَلثِّقَةَ إِذَا اِنْفَرَدَ بِزِيَادَة خَبَرٍ وَكَانَ اَلْمَجْلِس مُتَّحِدًا أَوْ مَنَعَتْ اَلْعَادَة غَفْلَتهمْ عَنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقْبَلَ خَبَره.
وَفِيهِ اَلْعَمَلُ بِالِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّ ذَا اَلْيَدَيْنِ اِسْتَصْحَبَ حُكْم اَلْإِتْمَامِ فَسَأَلَ , مَعَ كَوْن أَفْعَال اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّشْرِيعِ , وَالْأَصْلُ عَدَم اَلسَّهْوِ وَالْوَقْت قَابِل لِلنَّسْخِ , وَبَقِيَّة اَلصَّحَابَةِ تَرَدَّدُوا بَيْنَ اَلِاسْتِصْحَابِ وَتَجْوِيز اَلنَّسْخِ فَسَكَتُوا , وَالسَّرَعَانُ هُمْ اَلَّذِينَ بَنَوْا عَلَى اَلنَّسْخِ فَجَزَمُوا بِأَنَّ اَلصَّلَاةَ قُصِرَتْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَاز اَلِاجْتِهَاد فِي اَلْأَحْكَامِ.
وَفِيهِ جَوَازُ اَلْبِنَاءِ عَلَى اَلصَّلَاةِ لِمَنْ أَتَى بِالْمُنَافِي سَهْوًا , قَالَ سَحْنُون : إِنَّمَا يَبْنِي مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ ذِي اَلْيَدَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ اَلْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَوْرِد اَلنَّصّ وَأُلْزِمَ بِقَصْرِ ذَلِكَ عَلَى إِحْدَى صَلَاتَيْ اَلْعَشِيّ فَيَمْنَعُهُ مَثَلًا فِي اَلصُّبْحِ , وَاَلَّذِينَ قَالُوا يَجُوزُ اَلْبِنَاءُ مُطْلَقًا قَيَّدُوهُ بِمَا إِذَا لَمْ يَطُلْ اَلْفَصْلُ , وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْر اَلطُّول فَحَدَّهُ اَلشَّافِعِيّ فِي " اَلْأُمِّ " بِالْعُرْفِ , وَفِي الْبُوَيْطِيّ بِقَدْر رَكْعَة , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَدْر اَلصَّلَاةِ اَلَّتِي يَقَعُ اَلسَّهْو فِيهَا.
وَفِيهِ أَنَّ اَلْبَانِيَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْبِيرَة اَلْإِحْرَام , وَأَنَّ اَلسَّلَامَ وَنِيَّة اَلْخُرُوجِ مِنْ اَلصَّلَاةِ سَهْوًا لَا يَقْطَعُ اَلصَّلَاةَ , وَأَنَّ سُجُودَ اَلسَّهْوِ بَعْدَ اَلسَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْبَحْثُ فِيهِ , وَأَنَّ اَلْكَلَام سَهْوًا لَا يَقْطَعُ اَلصَّلَاةَ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ قِصَّةَ ذِي اَلْيَدَيْنِ كَانَتْ قَبْلَ نَسْخ اَلْكَلَام فِي اَلصَّلَاةِ فَضَعِيف لِأَنَّهُ اِعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ اَلزُّهْرِيِّ إِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ بَدْر , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إِمَّا وَهِمَ فِي ذَلِكَ أَوْ تَعَدَّدَتْ اَلْقِصَّةُ لِذِي الشِّمَالَيْنِ اَلْمَقْتُول بِبَدْر وَلِذِي اَلْيَدَيْنِ اَلَّذِي تَأَخَّرَتْ وَفَاته بَعْدَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَدْ ثَبَتَ شُهُود أَبِي هُرَيْرَة لِلْقِصَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَشَهِدَهَا عِمْرَان بْن حُصَيْن وَإِسْلَامه مُتَأَخِّر أَيْضًا , وَرَوَى مُعَاوِيَة بْن حُدَيْج بِمُهْمَلَة وَجِيم مُصَغَّرًا قِصَّة أُخْرَى فِي اَلسَّهْوِ وَوَقَعَ فِيهَا اَلْكَلَامُ ثُمَّ اَلْبِنَاء أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَغَيْرُهُمَا وَكَانَ إِسْلَامه قَبْلَ مَوْتِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ , وَقَالَ اِبْن بَطَّال : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْل زَيْد بْن أَرْقَمَ " وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَام " أَيْ إِلَّا إِذَا وَقَعَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا لِمَصْلَحَةِ اَلصَّلَاةِ , فَلَا يُعَارِضُ قِصَّةَ ذِي اَلْيَدَيْنِ اِنْتَهَى.
وَسَيَأْتِي اَلْبَحْث فِي الْكَلَام اَلْعَمْد لِمَصْلَحَةِ اَلصَّلَاةِ بَعْدَ هَذَا.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اَلْمُقَدَّرَ فِي حَدِيثِ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي اَلْخَطَأ وَالنِّسْيَان " أَيْ إِثْمُهُمَا وَحُكْمُهُمَا خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَى اَلْإِثْمِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَلَام لِمَصْلَحَةِ اَلصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا نَاسِيًا , وَأَمَّا قَوْلُ ذِي اَلْيَدَيْنِ لَهُ " بَلَى قَدْ نَسِيت " وَقَوْل اَلصَّحَابَةِ لَهُ " صَدَقَ ذُو اَلْيَدَيْنِ " فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا مُعْتَقِدِينَ اَلنَّسْخ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ فِيهِ فَتَكَلَّمُوا ظَنًّا أَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي صَلَاة , كَذَا قِيلَ وَهُوَ فَاسِد , لِأَنَّهُمْ كَلَّمُوهُ بَعْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ تُقْصَرْ " وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا وَإِنَّمَا أَوْمَئُوا كَمَا عِنْد أَبِي دَاوُد فِي رِوَايَة سَاقَ مُسْلِمٌ إِسْنَادهَا , وَهَذَا اِعْتَمَدَهُ اَلْخَطَّابِيّ وَقَالَ : حَمْلُ اَلْقَوْل عَلَى اَلْإِشَارَةِ مَجَاز سَائِغ بِخِلَاف عَكْسه فَيَنْبَنِي رَدُّ اَلرِّوَايَاتِ اَلَّتِي فِيهَا اَلتَّصْرِيح بِالْقَوْلِ إِلَى هَذِهِ , وَهُوَ قَوِيّ , وَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ غَيْره : يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ بَعْضهمْ قَالَ بِالنُّطْقِ وَبَعْضهمْ بِالْإِشَارَةِ , لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُ ذِي اَلْيَدَيْنِ " بَلَى قَدْ نَسِيت " وَيُجَابُ عَنْهُ وَعَنْ اَلْبَقِيَّةِ عَلَى تَقْدِير تَرْجِيح أَنَّهُمْ نَطَقُوا بِأَنَّ كَلَامَهُمْ كَانَ جَوَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابه لَا يَقْطَعُ اَلصَّلَاة كَمَا سَيَأْتِي اَلْبَحْث فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ اَلْأَنْفَالِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ اَلْإِجَابَةِ عَدَم قَطْعِ اَلصَّلَاةِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ مُخَاطَبَته فِي اَلتَّشَهُّدِ وَهُوَ حَيٌّ بِقَوْلِهِمْ " اَلسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ " وَلَمْ تَفْسُدْ اَلصَّلَاة , وَالظَّاهِر أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ مَا دَامَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُ اَلْمُصَلِّي فَجَائِز لَهُ جَوَابه حَتَّى تَنْقَضِيَ اَلْمُرَاجَعَة فَلَا يَخْتَصُّ اَلْجَوَاز بِالْجَوَابِ لِقَوْلِ ذِي اَلْيَدَيْنِ " بَلَى قَدْ نَسِيت " وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهِ أَنَّ سُجُودَ اَلسَّهْوِ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّر اَلسَّهْو - وَلَوْ اِخْتَلَفَ اَلْجِنْس - خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيّ , وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اَلنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيّ أَنَّ لِكُلِّ سَهْوِ سَجْدَتَيْنِ , وَوَرَدَ عَلَى وَفْقِهِ حَدِيث ثَوْبَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْنَاده مُنْقَطِع , وَحُمِلَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ سَهَا بِأَيِّ سَهْوٍ كَانَ شُرِعَ لَهُ اَلسُّجُود أَيْ لَا يَخْتَصُّ بِمَا سَجَدَ فِيهِ اَلشَّارِعُ , وَرَوَى اَلْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة " سَجْدَتَا اَلسَّهْوِ تُجْزِئَانِ مِنْ كُلِّ زِيَادَة وَنُقْصَان ".
وَفِيهِ أَنَّ اَلْيَقِينَ لَا يُتْرَكُ إِلَّا بِالْيَقِينِ , لِأَنَّ ذَا اَلْيَدَيْنِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ فَرْضَهُمْ اَلْأَرْبَع , فَلَمَّا اِقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى اِثْنَتَيْنِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ.
وَفِيهِ أَنَّ اَلظَّنَّ قَدْ يَصِيرُ يَقِينًا بِخَبَرِ أَهْلِ اَلصِّدْقِ , وَهَذَا مَبْنِيّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ لِخَبَرِ اَلْجَمَاعَة , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اَلْإِمَامَ يَرْجِعُ لِقَوْلِ اَلْمَأْمُومِينَ فِي أَفْعَالِ اَلصَّلَاةِ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَغَيْرهمَا , وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا كَانَ اَلْإِمَام مُجَوِّزًا لِوُقُوع اَلسَّهْو مِنْهُ , بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مُتَحَقِّقًا لِخِلَافِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ تَرْك رُجُوعه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذِي اَلْيَدَيْنِ وَرُجُوعه لِلصَّحَابَةِ , وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْله فِي حَدِيثِ اِبْن مَسْعُود اَلْمَاضِي " فَإِذَا نَسِيت فَذَكِّرُونِي " وَقَالَ اَلشَّافِعِيّ : مَعْنَى قَوْلِهِ " فَذَكِّرُونِي " أَيْ لِأَتَذَكَّرَ , وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ لِمُجَرَّدِ إِخْبَارِهِمْ , وَاحْتِمَال كَوْنِهِ تَذَكَّرَ عِنْدَ إِخْبَارِهِمْ لَا يُدْفَعُ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب هَلْ يَأْخُذُ اَلْإِمَام بِقَوْلِ اَلنَّاسِ " مِنْ أَبْوَابِ اَلْإِمَامَةِ مَا يُقَوِّي ذَلِكَ.
وَفَرَّقَ بَعْض اَلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ اَلْمُخْبِرُونَ مِمَّنْ يَحْصُلُ اَلْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ فَيُقْبَلُ وَيُقَدَّمُ عَلَى ظَنِّ اَلْإِمَامِ أَنَّهُ قَدْ كَمَّلَ اَلصَّلَاةَ بِخِلَافِ غَيْرهمْ , وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ اَلْعُلَمَاءِ اَلْقَائِلِينَ بِالرُّجُوعِ اِشْتِرَاط اَلْعَدَد فِي مِثْلِ هَذَا وَأَلْحَقُوهُ بِالشَّهَادَةِ , وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ اَلْحَاكِمَ إِذَا نَسِيَ حُكْمَهُ وَشَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمَا , وَاسْتَدَلَّ بِهِ اَلْحَنَفِيَّة عَلَى أَنَّ اَلْهِلَالَ لَا يُقْبَلُ بِشَهَادَةِ اَلْآحَادِ إِذَا كَانَتْ اَلسَّمَاء مُصْحِيَة بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَدَدِ اَلِاسْتِفَاضَةِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سَبَب اَلِاسْتِثْبَات كَوْنه أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ اَلْهِلَالِ فَإِنَّ اَلْأَبْصَارَ لَيْسَتْ مُتَسَاوِيَة فِي رُؤْيَتِهِ بَلْ مُتَفَاوِتَة قَطْعًا , وَعَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَتَمَّ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ هَلْ أَتَمَّ أَوْ نَقَصَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِاعْتِقَادِهِ اَلْأَوَّلِ وَلَا يَجِب عَلَيْهِ اَلْأَخْذ بِالْيَقِينِ , وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَا اَلْيَدَيْنِ لَمَّا أَخْبَرَ أَثَارَ خَبَرُهُ شَكًّا , وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اِسْتَثْبَتَ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ اَلْبُخَارِيّ عَلَى جَوَاز تَشْبِيك اَلْأَصَابِعِ فِي اَلْمَسْجِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ اَلْمَسَاجِدِ , وَعَلَى أَنَّ اَلْإِمَامَ يَرْجِعُ لِقَوْلِ اَلْمَأْمُومِينَ إِذَا شَكَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اَلْإِمَامَةِ , وَعَلَى جَوَاز اَلتَّعْرِيف بِاللَّقَبِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ اَلْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى , وَعَلَى اَلتَّرْجِيحِ بِكَثْرَة اَلرُّوَاة وَتَعَقَّبَهُ اِبْنُ دَقِيقِ اَلْعِيدِ بِأَنَّ اَلْمَقْصُودَ كَانَ تَقْوِيَةَ اَلْأَمْرِ اَلْمَسْئُولِ عَنْهُ لَا تَرْجِيحَ خَبَرٍ عَلَى خَبَرٍ.
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ
عن عبد الله ابن بحينة الأسدي، حليف بني عبد المطلب: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين، فكبر في ك...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل،...
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم،...
عن كريب، أن ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم، أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا، وسلها...
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف، كان بينهم شيء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بين...
عن أسماء، قالت: دخلت على عائشة رضي الله عنها، وهي «تصلي قائمة والناس قيام»، فقلت: ما شأن الناس؟ «فأشارت برأسها إلى السماء»، فقلت: آية؟ فقالت برأسها: «...
عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك جالسا، وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إ...
عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني آت من ربي، فأخبرني - أو قال: بشرني - أنه: من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل...
عن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النار» وقلت أنا: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة»