حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

اليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الزكاة باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى « (حديث رقم: 1429 )


1429- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، ح وحدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة، والتعفف، والمسألة: " اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا: هي المنفقة، والسفلى: هي السائلة "

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى.
.
رقم 1033 (المسألة) سؤال الناس وطلب العطاء منهم

شرح حديث (اليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

حَدِيث اِبْن عُمَر مِنْ وَجْهَيْنِ فِي ذِكْرِ الْيَدِ الْعُلْيَا , وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِيُفَسِّر بِهِ مَا أُجْمِلَ فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ , قَالَ اِبْن رَشِيد : وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَدِيثَ حَكِيم بْن حِزَام لَمَّا اِشْتَمَلَ عَلَى شَيْئَيْنِ : حَدِيثُ " الْيَدِ الْعُلْيَا " وَحَدِيث " لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْر غِنًى " ذَكَرَ مَعَهُ حَدِيث اِبْن عُمَر الْمُشْتَمِل عَلَى الشَّيْءِ الْأَوَّلِ تَكْثِيرًا لِطُرُقِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُنَاسَبَة حَدِيث " الْيَد الْعُلْيَا " لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إِطْلَاق كَوْن الْيَد الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ , مَحِلُّهُ مَا إِذَا كَانَ الْإِنْفَاق لَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِالشَّرْعِ كَالْمِدْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ , فَعُمُومه مَخْصُوص بِقَوْلِهِ " لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى " وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( تَنْبِيه ) : ‏ ‏لَمْ يَسُقْ الْبُخَارِيّ مَتْنَ طَرِيق حَمَّاد عَنْ أَيُّوبَ , وَعَطَفَ عَلَيْهِ طَرِيق مَالِك , فَرُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّهُمَا سَوَاء , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي دَاوُد.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي " التَّمْهِيدِ " : لَمْ تَخْتَلِفْ الرُّوَاة عَنْ مَالِكٍ أَيْ : فِي سِيَاقِهِ , كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَقَعَ تَفْسِير الْيَد الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى فِي حَدِيثِ اِبْن عُمَر هَذَا , وَهُوَ نَصٌّ يَرْفَعُ الْخِلَاف وَيَدْفَعُ تَعَسُّف مَنْ تَعَسَّفَ فِي تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ اِنْتَهَى.
لَكِنْ اِدَّعَى أَبُو الْعَبَّاس الدَّانِيّ فِي " أَطْرَاف الْمُوَطَّأ " أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ , وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ.
ثُمَّ وَجَدْت فِي " كِتَابِ الْعَسْكَرِيِّ فِي الصَّحَابَةِ " بِإِسْنَاد لَهُ فِيهِ اِنْقِطَاع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بِشْر بْن مَرْوَان " إِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْر مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى , وَلَا أَحْسَبُ الْيَدَ السُّفْلَى إِلَّا السَّائِلَة , وَلَا الْعُلْيَا إِلَّا الْمُعْطِيَة " فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ اِبْن عُمَر , وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيقِ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ ".
‏ ‏قَوْله : ( وَذَكَرَ الصَّدَقَة وَالتَّعَفُّف وَالْمَسْأَلَة ) ‏ ‏كَذَا لِلْبُخَارِيِّ بِالْوَاو قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ , وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَة عَنْ مَالِك " وَالتَّعَفُّف عَنْ الْمَسْأَلَةِ " وَلِأَبِي دَاوُدَ " وَالتَّعَفُّف مِنْهَا " أَيْ : مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَحُضُّ الْغَنِيَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْفَقِيرَ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ أَوْ يَحُضُّهُ عَلَى التَّعَفُّفِ وَيَذُمُّ الْمَسْأَلَةَ.
‏ ‏قَوْله : ( فَالْيَد الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ ) ‏ ‏قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْأَكْثَر عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد : الْمُنْفِقَةُ , وَقَالَ وَاحِد عَنْهُ : الْمُتَعَفِّفَةُ , وَكَذَا قَالَ عَبْد الْوَارِث عَنْ أَيُّوبَ اِنْتَهَى.
فَأَمَّا الَّذِي قَالَ عَنْ حَمَّاد الْمُتَعَفِّفَة بِالْعَيْنِ وَفَاءَيْنِ فَهُوَ مُسَدَّدٌ , كَذَلِكَ رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي مُسْنَدِهِ رِوَايَة مُعَاذ بْن الْمُثَنَّى عَنْهُ , وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي " التَّمْهِيدِ " وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الرَّبِيع الزَّهْرَانِيُّ كَمَا رُوِّينَاهُ فِي " كِتَاب الزَّكَاة لِيُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي " حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيع.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْد الْوَارِث فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَوْصُولَة.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَجِ " مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ حَمَّاد بِلَفْظِ " وَالْيَدِ الْعُلْيَا يَد الْمُعْطِي " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظ " الْمُتَعَفِّفَة " فَقَدْ صَحَّفَ.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَرَوَاهُ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ نَافِعٍ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا , فَقَالَ حَفْص بْن مَيْسَرَة عَنْهُ " الْمُنْفِقَة " كَمَا قَالَ مَالِك.
قُلْت : وَكَذَلِكَ قَالَ فُضَيْل بْن سُلَيْمَان عَنْهُ أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ : وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى فَقَالَ " الْمُنْفِقَة " قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : رِوَايَةُ مَالِك أَوْلَى وَأَشْبَه بِالْأُصُولِ.
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيث طَارِق الْمُحَارِبِيّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ " قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاس وَهُوَ يَقُولُ : يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا " اِنْتَهَى.
وَلِابْن أَبِي شَيْبَة وَالْبَزَّار مِنْ طَرِيق ثَعْلَبَة بْن زَهْدَم مِثْلُهُ , وَلِلطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حَكِيم بْن حِزَام مَرْفُوعًا " يَد اللَّهِ فَوْقَ يَد الْمُعْطِي , وَيَد الْمُعْطِي فَوْقَ يَد الْمُعْطَى , وَيَد الْمُعْطَى أَسْفَل الْأَيْدِي " وَلِلطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيّ الْجُذَامِيّ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ , وَلِأَبِي دَاوُدَ وَابْن خُزَيْمَة مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْف بْن مَالِك عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا " الْأَيْدِي ثَلَاثَة : فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا , وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا , وَيَد السَّائِلِ السُّفْلَى " وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّة السَّعْدِيّ " الْيَد الْمُعْطِيَة هِيَ الْعُلْيَا , وَالسَّائِلَة هِيَ السُّفْلَى " فَهَذِهِ الْأَحَادِيث مُتَضَافِرَة عَلَى أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ الْمُعْطِيَةُ وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ , وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَقِيلَ الْيَد السُّفْلَى الْآخِذَة سَوَاء كَانَ بِسُؤَالٍ أَمْ بِغَيْرِ سُؤَال , وَهَذَا أَبَاهُ قَوْم وَاسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ يَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : التَّحْقِيقُ أَنَّ السُّفْلَى يَد السَّائِلِ , وَأَمَّا يَدُ الْآخِذِ فَلَا , لِأَنَّ يَدَ اللَّهِ هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَيَدَ اللَّهِ هِيَ الْآخِذَةُ وَكِلْتَاهُمَا عُلْيَا وَكِلْتَاهُمَا يَمِينٌ اِنْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْبَحْثَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَيْدِي الْآدَمِيِّينَ , وَأَمَّا يَدُ اللَّهِ تَعَالَى فَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَالِك كُلّ شَيْءٍ نُسِبَتْ يَدُهُ إِلَى الْإِعْطَاءِ , وَبِاعْتِبَارِ قَبُولِهِ لِلصَّدَقَةِ وَرِضَاهُ بِهَا نُسِبَتْ يَدُهُ إِلَى الْأَخْذِ وَيَدُهُ الْعُلْيَا عَلَى كُلِّ حَال , وَأَمَّا يَدُ الْآدَمِيِّ فَهِيَ أَرْبَعَة : يَد الْمُعْطِي , وَقَدْ تَضَافَرَتْ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا عُلْيَا.
ثَانِيهَا يَد السَّائِلِ , وَقَدْ تَضَافَرَتْ بِأَنَّهَا سُفْلَى سَوَاء أَخَذَتْ أَمْ لَا , وَهَذَا مُوَافِق لِكَيْفِيَّةِ الْإِعْطَاءِ وَالْأَخْذِ غَالِبًا وَلِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ الْمُشْتَقّ مِنْهُمَا.
ثَالِثُهَا يَد الْمُتَعَفِّف عَنْ الْأَخْذِ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ تُمَدَّ إِلَيْهِ يَد الْمُعْطِي مَثَلًا , وَهَذِهِ تُوصَفُ بِكَوْنِهَا عُلْيَا عُلُوًّا مَعْنَوِيًّا.
رَابِعُهَا يَد الْآخِذِ بِغَيْرِ سُؤَال , وَهَذِهِ قَدْ اِخْتُلِفَ فِيهَا فَذَهَبَ جَمْع إِلَى أَنَّهَا سُفْلَى , وَهَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَمْرِ الْمَحْسُوسِ , وَأَمَّا الْمَعْنَوِيّ فَلَا يَطَّرِدُ فَقَدْ تَكُونُ عُلْيَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ , وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَام مَنْ أَطْلَقَ كَوْنهَا عُلْيَا.
قَالَ اِبْن حِبَّانَ : الْيَدُ الْمُتَصَدِّقَةُ أَفْضَل مِنْ السَّائِلَةِ لَا الْآخِذَةُ بِغَيْرِ سُؤَال , إِذْ مُحَال أَنْ تَكُونَ الْيَد الَّتِي أُبِيحُ لَهَا اِسْتِعْمَال فِعْلٍ بِاسْتِعْمَالِهِ , دُون مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ إِتْيَان شَيْءٍ فَأَتَى بِهِ أَوْ تَقَرَّبَ إِلَى رَبِّهِ مُتَنَفِّلًا , فَرُبَّمَا كَانَ الْآخِذُ لِمَا أُبِيحُ لَهُ أَفْضَل وَأَوْرَع مِنْ الَّذِي يُعْطِي اِنْتَهَى.
وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُعْطِيَةُ وَالسُّفْلَى الْمَانِعَة وَلَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ.
وَأَطْلَقَ آخَرُونَ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ أَنَّ الْيَدَ الْآخِذَةَ أَفْضَل مِنْ الْمُعْطِيَةِ مُطْلَقًا , وَقَدْ حَكَى اِبْن قُتَيْبَة فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " ذَلِكَ عَنْ قَوْمٍ ثُمَّ قَالَ : وَمَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَوْمًا اِسْتَطَابُوا السُّؤَال فَهُمْ يَحْتَجُّونَ لِلدَّنَاءَةِ , وَلَوْ جَازَ هَذَا لَكَانَ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ هُوَ الَّذِي كَانَ رَقِيقًا فَأُعْتِقَ وَالْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي أَعْتَقَهُ اِنْتَهَى.
وَقَرَأْت فِي " مَطْلَع الْفَوَائِد " لِلْعَلَّامَةِ جَمَال الدِّين بْن نُبَاتَةَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى آخَر فَقَالَ : الْيَدُ هُنَا هِيَ النِّعْمَةُ , وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْعَطِيَّةَ الْجَزِيلَةَ خَيْر مِنْ الْعَطِيَّةِ الْقَلِيلَةِ.
قَالَ : وَهَذَا حَثٌّ عَلَى الْمَكَارِمِ بِأَوْجَزِ لَفْظ , وَيَشْهَدُ لَهُ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ " مَا أَبْقَتْ غِنًى " أَيْ : مَا حَصَلَ بِهِ لِلسَّائِلِ غِنًى عَنْ سُؤَالِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ فَلَوْ أَعْطَاهَا لِمِائَةِ إِنْسَانٍ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ الْغِنَى , بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَاهَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ.
قَالَ : وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْل الْيَد عَلَى الْجَارِحَةِ , لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَمِرُّ إِذْ فِيمَنْ يَأْخُذُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ يُعْطِي.
قُلْت : التَّفَاضُلُ هُنَا يَرْجِعُ إِلَى الْإِعْطَاءِ وَالْأَخْذِ , وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْطِي أَفْضَلَ مِنْ الْآخِذِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَقَدْ رَوَى إِسْحَاق فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُرْوَة بْن الزُّبَيْر " أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام قَالَ : يَا رَسُول اللَّهِ , مَا الْيَدُ الْعُلْيَا ؟ قَالَ : الَّتِي تُعْطِي وَلَا تَأْخُذُ " فَقَوْله " وَلَا تَأْخُذُ " صَرِيح فِي أَنَّ الْآخِذَةَ لَيْسَتْ بِعُلْيَا وَاللَّه أَعْلَمُ.
وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَعَسَّفَةِ تَضْمَحِلُّ عِنْدَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْمُرَادِ , فَأَوْلَى مَا فُسِّرَ الْحَدِيثُ بِالْحَدِيثِ , وَمُحَصَّل مَا فِي الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْ أَعْلَى الْأَيْدِي الْمُنْفِقَة , ثُمَّ الْمُتَعَفِّفَة عَنْ الْآخِذِ , ثُمَّ الْآخِذَة بِغَيْرِ سُؤَال.
وَأَسْفَل الْأَيْدِي السَّائِلَة وَالْمَانِعَة وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَفِي الْحَدِيثِ إِبَاحَة الْكَلَامِ لِلْخَطِيبِ بِكُلِّ مَا يَصْلُحُ مِنْ مَوْعِظَة وَعِلْم وَقُرْبَة.
وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوه الطَّاعَة.
وَفِيهِ تَفْضِيل الْغِنَى مَعَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ عَلَى الْفَقْرِ , لِأَنَّ الْعَطَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْغِنَى , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ " ذَهَبَ أَهْل الدُّثُور " فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاة.
وَفِيهِ كَرَاهَةُ السُّؤَالِ وَالتَّنْفِير عَنْهُ , وَمَحِلّه إِذَا لَمْ تَدْعُ إِلَيْهِ ضَرُورَة مِنْ خَوْف هَلَاك وَنَحْوِهِ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عُمَر بِإِسْنَاد فِيهِ مَقَال مَرْفُوعًا " مَا الْمُعْطِي مِنْ سَعَة بِأَفْضَلَ مِنْ الْآخِذِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا " وَسَيَأْتِي حَدِيث حَكِيم مُطَوَّلًا فِي " بَاب الِاسْتِعْفَاف عَنْ الْمَسْأَلَةِ " وَفِيهِ بَيَانُ سَبَبِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


حديث اليد العليا خير من اليد السفلى فاليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو النُّعْمَانِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَيُّوبَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِكٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ ‏ ‏الْيَدُ الْعُلْيَا ‏ ‏خَيْرٌ مِنْ ‏ ‏الْيَدِ السُّفْلَى ‏ ‏فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فق...

عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه ، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فأسرع، ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج، فقلت أو قيل له، فقال: «كنت خلفت في...

وعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي القلب وال...

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد، فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء، ومعه بلال فوعظهن، وأمرهن أن...

إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال اشفعوا تؤجرو...

عن أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله...

لا توكي فيوكى عليك لا تحصي فيحصي الله عليك

عن أسماء رضي الله عنها، قالت: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «لا توكي فيوكى عليك» حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن عبدة، وقال: «لا تحصي فيحصي الله عليك»...

لا توعي فيوعي الله عليك ارضخي ما استطعت

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا توعي فيوعي الله عليك، ارضخي ما استطعت»

فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصد...

عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال عمر رضي الله عنه: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة؟ قال: قلت: أنا أحفظه كما قال، قال: إنك عليه لج...

أسلمت على ما سلف من خير

عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة، وصلة رحم، فهل فيها من أجر؟ فقال النبي صل...

لها أجرها ولزوجها بما كسب وللخازن مثل ذلك

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها، ولزوجها بما كسب، وللخازن مثل...

الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به كاملا

عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخازن المسلم الأمين، الذي ينفذ - وربما قال: يعطي - ما أمر به كاملا موفرا طيبا به نفسه، فيدفعه إلى الذ...