1736- عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع، فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، قال: «اذبح ولا حرج»، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: «ارم ولا حرج»، فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج»
(وقف) أي وهو قاعد على ناقته ليراه الناس ويسألوه
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( مَالِك عَنْ اِبْن شِهَاب ) كَذَا فِي " الْمُوَطَّإ " , وَعِنْد النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى وَهُوَ الّقَطَّانُ عَنْ مَالِك " حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ ".
قَوْله : ( عَنْ عِيسَى ) فِي رِوَايَة صَالِح " حَدَّثَنِي عِيسَى ".
قَوْله : ( وَقَفَ فِي حَجَّة الْوَدَاعِ) لَمْ يُعَيِّن الْمَكَان وَلَا الْيَوْم , لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ مَالِك " بِمِنًى " وَكَذَا فِي رِوَايَة مَعْمَر , وَفِيهِ مِنْ طَرِيق عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة عَنْ الزُّهْرِيِّ " عِنْد الْجَمْرَة " وَفِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ وَهِيَ الطَّرِيق الثَّانِيَة هُنَا " يَخْطُب يَوْم النَّحْر " وَفِي رِوَايَة صَالِح وَمَعْمَر كَمَا تَقَدَّمَ " عَلَى رَاحِلَته " قَالَ عِيَاض : جَمَعَ بَعْضهمْ بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات بِأَنَّهُ مَوْقِف وَاحِد عَلَى أَنَّ مَعْنَى خَطَبَ أَيْ عَلَّمَ النَّاس لَا أَنَّهَا مِنْ خُطَب الْحَجّ الْمَشْرُوعَة , قَالَ : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي مَوْطِنَيْنِ أَحَدهمَا عَلَى رَاحِلَته عِنْد الْجَمْرَة وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا خَطَبَ , وَالثَّانِي يَوْم النَّحْر بَعْد صَلَاة الظُّهْر وَذَلِكَ وَقْت الْخُطْبَة الْمَشْرُوعَة مِنْ خُطَب الْحَجّ يُعَلِّم الْإِمَام فِيهَا النَّاس مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكهمْ.
وَصَوَّبَ النَّوَوِيّ هَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي.
فَإِنْ قِيلَ لَا مُنَافَاة بَيْن هَذَا الَّذِي صَوَّبَهُ وَبَيْن الَّذِي قَبْله فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ طُرُق الْحَدِيثَيْنِ - حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو - بَيَان الْوَقْت الَّذِي خَطَبَ فِيهِ مِنْ النَّهَار , قُلْت : نَعَمْ لَمْ يَقَع التَّصْرِيح بِذَلِكَ , لَكِنْ فِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس " أَنَّ بَعْض السَّائِلِينَ قَالَ رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ بَعْد الزَّوَال لِأَنَّ الْمَسَاء يُطْلَق عَلَى مَا بَعْد الزَّوَال , وَكَأَنَّ السَّائِل عَلِمَ أَنَّ السُّنَّة لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَة أَوَّلَ مَا يَقْدَم ضُحًى فَلَمَّا أَخَّرَهَا إِلَى بَعْد الزَّوَال سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ , عَلَى أَنَّ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مِنْ مَخْرَج وَاحِد لَا يُعْرَف لَهُ طَرِيق إِلَّا طَرِيق الزُّهْرِيِّ هَذِهِ عَنْ عِيسَى عَنْهُ , الِاخْتِلَاف فِيهِ مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ , وَغَايَته أَنَّ بَعْضهمْ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرهُ الْآخَر , وَاجْتَمَعَ مِنْ مَرْوِيّهمْ وَرِوَايَة اِبْن عَبَّاس أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم النَّحْر بَعْد الزَّوَال وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته يَخْطُب عِنْد الْجَمْرَة , وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد الزَّوَال يَوْم النَّحْر تَعَيَّنَ أَنَّهَا الْخُطْبَة الَّتِي شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ بَقِيَّة الْمَنَاسِك , فَلَيْسَ قَوْله خَطَبَ مَجَازًا عَنْ مُجَرَّد التَّعْلِيم بَلْ حَقِيقَة , وَلَا يَلْزَم مِنْ وُقُوفه عِنْد الْجَمْرَة أَنْ يَكُون حِينَئِذٍ رَمَاهَا فَسَيَأْتِي فِي آخِر الْبَاب الَّذِي يَلِيه مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْم النَّحْر بَيْن الْجَمَرَات فَذَكَر خُطْبَته , فَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْد أَنْ أَفَاضَ وَرَجَعَ إِلَى مِنًى.
قَوْله : ( فَقَالَ رَجُل ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه بَعْد الْبَحْث الشَّدِيد , وَلَا عَلَى اِسْم أَحَد مِمَّنْ سَأَلَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة , وَسَأُبَيِّنُ أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَة , لَكِنْ فِي حَدِيث أُسَامَة بْن شَرِيك عِنْد الطَّحَاوِيّ وَغَيْره كَانَ الْأَعْرَاب يَسْأَلُونَهُ , وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي عَدَم ضَبْط أَسْمَائِهِمْ.
قَوْله : ( لَمْ أَشْعُر ) أَيْ لَمْ أَفْطِن , يُقَال شَعَرْت بِالشَّيْءِ شُعُورًا إِذَا فَطِنْت لَهُ , وَقِيلَ الشُّعُور الْعِلْم , وَلَمْ يُفْصِح فِي رِوَايَة مَالِك بِمُتَعَلَّقِ الشُّعُور , وَقَدْ بَيَّنَهُ يُونُس عِنْد مُسْلِم وَلَفْظه " لَمْ أَشْعُر أَنَّ الرَّمْي قَبْل النَّحْر فَنَحَرْت قَبْل أَنْ أَرْمِيَ " وَقَالَ آخَر " لَمْ أَشْعُر أَنَّ النَّحْر قَبْل الْحَلْق فَحَلَقْت قَبْل أَنْ أَنْحَر " وَفِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ : كُنْت أَحْسِب أَنَّ كَذَا قَبْل كَذَا , وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَة يُونُس , وَزَادَ فِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ : وَأَشْبَاه ذَلِكَ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن أَبِي حَفْصَة عَنْ الزُّهْرِيِّ عِنْد مُسْلِم " حَلَقْت قَبْل أَنْ أَرْمِيَ " وَقَالَ آخَر " أَفَضْت إِلَى الْبَيْت قَبْل أَنْ أَرْمِيَ " وَفِي حَدِيث مَعْمَر عِنْد أَحْمَد زِيَادَة الْحَلْق قَبْل الرَّمْي أَيْضًا , فَحَاصِل مَا فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو السُّؤَال عَنْ أَرْبَعَة أَشْيَاء : الْحَلْق قَبْل الذَّبْح , وَالْحَلْق قَبْل الرَّمْي , وَالنَّحْر قَبْل الرَّمْي , وَالْإِفَاضَة قَبْل الرَّمْي , وَالْأُولَيَانِ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَيْضًا كَمَا مَضَى , وَعِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَيْضًا السُّؤَال عَنْ الْحَلْق قَبْل الرَّمْي , وَكَذَا فِي حَدِيث جَابِر وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد الطَّحَاوِيّ , وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد أَحْمَد السُّؤَال عَنْ الْإِفَاضَة قَبْل الْحَلْق , وَفِي حَدِيثه عِنْد الطَّحَاوِيّ السُّؤَال عَنْ الرَّمْي وَالْإِفَاضَة مَعًا قَبْل الْحَلْق , وَفِي حَدِيث جَابِر الَّذِي عَلَّقَهُ الْمُصَنِّف فِيمَا مَضَى وَوَصَلَهُ اِبْن حِبَّانَ وَغَيْره السُّؤَال عَنْ الْإِفَاضَة قَبْل الذَّبْح , وَفِي حَدِيث أُسَامَة بْن شَرِيك عِنْد أَبِي دَاوُدَ السُّؤَال عَنْ السَّعْي قَبْل الطَّوَاف.
قَوْله : ( اِذْبَحْ وَلَا حَرَج ) أَيْ لَا ضِيق عَلَيْك فِي ذَلِكَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب الذَّبْح قَبْل الْحَلْق " تَقْرِير تَرْتِيبه , وَذَلِكَ أَنَّ وَظَائِف يَوْم النَّحْر بِالِاتِّفَاقِ أَرْبَعَة أَشْيَاء : رَمْي جَمْرَة الْعَقَبَة , ثُمَّ نَحْر الْهَدْي أَوْ ذَبْحه , ثُمَّ الْحَلْق أَوْ التَّقْصِير , ثُمَّ طَوَاف الْإِفَاضَة.
وَفِي حَدِيث أَنَس فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا , ثُمَّ أَتَى مَنْزِله بِمِنًى فَنَحَرَ , وَقَالَ لِلْحَالِقِ خُذْ " وَلِأَبِي دَاوُدَ " رَمَى ثُمَّ نَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ " وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى مَطْلُوبِيَّة هَذَا التَّرْتِيب , إِلَّا أَنَّ اِبْن الْجَهْم الْمَالِكِيّ اِسْتَثْنَى الْقَارِن فَقَالَ : لَا يَحْلِق حَتَّى يَطُوف , كَأَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّهُ فِي عَمَل الْعُمْرَة وَالْعُمْرَة يَتَأَخَّر فِيهَا الْحَلْق عَنْ الطَّوَاف , وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيّ بِالْإِجْمَاعِ , وَنَازَعَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد فِي ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز تَقْدِيم بَعْضهَا عَلَى بَعْض فَأَجْمَعُوا عَلَى الْإِجْزَاء فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ اِبْن قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي وُجُوب الدَّم فِي بَعْض الْمَوَاضِع , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَلَمْ يَثْبُت عَنْهُ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا عَلَى شَيْء فَعَلَيْهِ دَم , وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَالْحَسَن وَالنَّخَعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي اِنْتَهَى.
وَفِي نِسْبَة ذَلِكَ إِلَى النَّخَعِيِّ وَأَصْحَاب الرَّأْي نَظَر , فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ إِلَّا فِي بَعْض الْمَوَاضِع كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ : وَذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور السَّلَف وَالْعُلَمَاء وَفُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث إِلَى الْجَوَاز وَعَدَم وُجُوب الدَّم لِقَوْلِهِ لِلسَّائِلِ " لَا حَرَج " فَهُوَ ظَاهِر فِي رَفْع الْإِثْم وَالْفِدْيَة مَعًا , لِأَنَّ اِسْم الضِّيق يَشْمَلهُمَا.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : ظَاهِر الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى التَّوْسِعَة فِي تَقْدِيم بَعْض هَذِهِ الْأَشْيَاء عَلَى بَعْض , قَالَ : إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْله " لَا حَرَج " أَيْ لَا إِثْم فِي ذَلِكَ الْفِعْل , وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا , وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ الْمُخَالفَة فَتَجِب عَلَيْهِ الْفِدْيَة , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ وُجُوب الْفِدْيَة يَحْتَاج إِلَى دَلِيل , وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ وَقْت الْحَاجَة وَلَا يَجُوز تَأْخِيره.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : لَمْ يُسْقِط النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرَج إِلَّا وَقَدْ أَجْزَأَ الْفِعْل , إِذْ لَوْ لَمْ يُجْزِئ لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْجَهْل وَالنِّسْيَان لَا يَضَعَانِ عَنْ الْمَرْء الْحُكْم الَّذِي يَلْزَمهُ فِي الْحَجّ , كَمَا لَوْ تَرَكَ الرَّمْي وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يَأْثَم بِتَرْكِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنْ يَجِب عَلَيْهِ الْإِعَادَة.
وَالْعَجَب مِمَّنْ يَحْمِل قَوْله " وَلَا حَرَج " عَلَى نَفْي الْإِثْم فَقَطْ ثُمَّ يَخُصّ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْأُمُور دُون بَعْض , فَإِنْ كَانَ التَّرْتِيب وَاجِبًا يَجِب بِتَرْكِهِ دَم فَلْيَكُنْ فِي الْجَمِيع وَإِلَّا فَمَا وَجْه تَخْصِيص بَعْض دُون بَعْض مِنْ تَعْمِيم الشَّارِع الْجَمِيع بِنَفْيِ الْحَرَج.
وَأَمَّا اِحْتِجَاج النَّخَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَقْدِيم الْحَلْق عَلَى غَيْره بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) قَالَ : فَمَنْ حَلَقَ قَبْل الذَّبْح أَهْرَاق دَمًا عَنْهُ رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيح , فَقَدْ أُجِيب بِأَنَّ الْمُرَاد بِبُلُوغِ مَحِلّه وُصُوله إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي يَحِلّ ذَبْحه فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ , وَإِنَّمَا يَتِمّ مَا أَرَادَ أَنْ لَوْ قَالَ وَلَا تَحْلِقُوا حَتَّى تَنْحَرُوا.
وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ نُسُكه أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِق لِذَلِكَ دَمًا , قَالَ وَهُوَ أَحَد مَنْ رَوَى أَنْ لَا حَرَج , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِنَفْيِ الْحَرَج نَفْي الْإِثْم فَقَطْ.
وَأُجِيب بِأَنَّ الطَّرِيق بِذَلِكَ إِلَى اِبْن عَبَّاس فِيهَا ضَعْف , فَإِنَّ اِبْن أَبِي شَيْبَة أَخْرَجَهَا وَفِيهَا إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر وَفِيهِ مَقَال , وَعَلَى تَقْدِير الصِّحَّة فَيَلْزَم مَنْ يَأْخُذ بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس أَنْ يُوجِب الدَّم فِي كُلّ شَيْء مِنْ الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَلَا يَخُصّهُ بِالْحَلْقِ قَبْل الذَّبْح أَوْ قَبْل الرَّمْي.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : مَنَعَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة تَقْدِيمَ الْحَلْق عَلَى الرَّمْي وَالذَّبْح لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُون حَلْقًا قَبْل وُجُود التَّحَلُّلَيْنِ , وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل مِثْله , وَقَدْ بُنِيَ الْقَوْلَانِ لَهُ عَلَى أَنَّ الْحَلْق نُسُك أَوْ اِسْتِبَاحَة مَحْظُور ؟ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ نُسُك جَازَ تَقْدِيمه عَلَى الرَّمْي وَغَيْره لِأَنَّهُ يَكُون مِنْ أَسْبَاب التَّحَلُّل , وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ اِسْتِبَاحَة مَحْظُور فَلَا , قَالَ : وَفِي هَذَا الْبِنَاء نَظَر , لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْن الشَّيْء نُسُكًا أَنْ يَكُون مِنْ أَسْبَاب التَّحَلُّل , لِأَنَّ النُّسُك مَا يُتَاب عَلَيْهِ , وَهَذَا مَالِك يَرَى أَنَّ الْحَلْق نُسُك وَيَرَى أَنَّهُ لَا يُقَدَّم عَلَى الرَّمْي مَعَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إِنْ أَفَاضَ قَبْل الرَّمْي أَهْرَاقَ دَمًا.
وَقَالَ عِيَاض : اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِك فِي تَقْدِيم الطَّوَاف عَلَى الرَّمْي.
وَرَوَى اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ إِعَادَة الطَّوَاف , فَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَى بَلَده بِلَا إِعَادَة وَجَبَ عَلَيْهِ دَم.
قَالَ اِبْن بَطَّال : وَهَذَا يُخَالِف حَدِيث اِبْن عَبَّاس , وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ اِنْتَهَى.
قُلْت : وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي حَفْصَة عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَكَأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَحْفَظ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
قَوْله : ( فَمَا سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ ) فِي رِوَايَة يُونُس عِنْد مُسْلِم وَصَالِح عِنْد أَحْمَد " فَمَا سَمِعْته سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ أَمْر مِمَّا يَنْسَى الْمَرْء أَوْ يَجْهَل مِنْ تَقْدِيم بَعْض الْأُمُور عَلَى بَعْض أَوْ أَشْبَاههَا إِلَّا قَالَ : اِفْعَلُوا ذَلِكَ وَلَا حَرَج " وَاحْتَجَّ بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة مَالِك " لَمْ أَشْعُر " بِأَنَّ الرُّخْصَة تَخْتَصّ بِمَنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ لَا بِمَنْ تَعَمَّدَ , قَالَ صَاحِب " الْمُغْنِي " قَالَ الْأَثْرَم عَنْ أَحْمَد : إِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث " لَمْ أَشْعُر ".
وَأَجَابَ بَعْض الشَّافِعِيَّة بِأَنَّ التَّرْتِيب لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ بِالسَّهْوِ , كَالتَّرْتِيبِ بَيْن السَّعْي وَالطَّوَاف فَإِنَّهُ لَوْ سَعَى قَبْل أَنْ يَطُوف وَجَبَ إِعَادَة السَّعْي , وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيث أُسَامَة بْن شَرِيك فَمَحْمُول عَلَى مَنْ سَعَى بَعْد طَوَاف الْقُدُوم ثُمَّ طَافَ طَوَاف الْإِفَاضَة فَإِنَّهُ يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ سَعَى قَبْل الطَّوَاف أَيْ طَوَاف الرُّكْن , وَلَمْ يَقُلْ بِظَاهِرِ حَدِيث أُسَامَة إِلَّا أَحْمَد وَعَطَاء فَقَالَا : لَوْ لَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَقَدَّمَ السَّعْي قَبْل طَوَاف الْإِفَاضَة أَجْزَأَهُ , أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْهُ.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : مَا قَالَهُ أَحْمَد قَوِيّ مِنْ جِهَة أَنَّ الدَّلِيل دَلَّ عَلَى وُجُوب اِتِّبَاع الرَّسُول فِي الْحَجّ بِقَوْلِهِ " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " وَهَذِهِ الْأَحَادِيث الْمُرَخِّصَة فِي تَقْدِيم مَا وَقَعَ عَنْهُ تَأْخِيره قَدْ قُرِنَتْ بِقَوْلِ السَّائِل " لَمْ أَشْعُر " فَيَخْتَصّ الْحُكْم بِهَذِهِ الْحَالَة وَتَبْقَى حَالَة الْعَمْد عَلَى أَصْل وُجُوب الِاتِّبَاع فِي الْحَجّ.
وَأَيْضًا فَالْحُكْم إِذَا رُتِّبَ عَلَى وَصْف يُمْكِن أَنْ يَكُون مُعْتَبَرًا لَمْ يَجُزْ اطِّرَاحُهُ , وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَم الشُّعُور وَصْف مُنَاسِب لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَة , وَقَدْ عُلِّقَ بِهِ الْحُكْم فَلَا يُمْكِن اطِّرَاحُهُ بِإِلْحَاقِ الْعَمْد بِهِ إِذْ لَا يُسَاوِيه , وَأَمَّا التَّمَسُّك بِقَوْلِ الرَّاوِي " فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْء إِلَخْ " فَإِنَّهُ يُشْعِر بِأَنَّ التَّرْتِيب مُطْلَقًا غَيْر مُرَاعًى , فَجَوَابه أَنَّ هَذَا الْإِخْبَار مِنْ الرَّاوِي يَتَعَلَّق بِمَا وَقَعَ السُّؤَال عَنْهُ وَهُوَ مُطْلَق بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَال السَّائِل وَالْمُطْلَق لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَحَد الْخَاصَّيْنِ سُنَّة فَلَا يَبْقَى حُجَّة فِي حَال الْعَمْد وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( عَنْ عَبْد اللَّه ) فِي رِوَايَة صَالِح " أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه " , وَفِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ وَهِيَ الثَّانِيَة " إِنَّ عَبْد اللَّه حَدَّثَهُ ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ
عن عيسى بن طلحة، أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، حدثه: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: «يا أيها الناس أي يوم هذا؟»، قالوا: يوم حرام، قال: «فأي بلد هذا؟...
عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات» تابعه ابن عيينة، عن عمرو
عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: «أتدرون أي يوم هذا؟»، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه ب...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنى: «أتدرون أي يوم هذا؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: «فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أي...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، رخص النبي صلى الله عليه وسلم ح 1744 - حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عبيد الله، عن نافع، عن...
عن وبرة، قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما، متى أرمي الجمار؟ قال: «إذا رمى إمامك، فارمه» فأعدت عليه المسألة، قال: «كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا»
عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: رمى عبد الله من بطن الوادي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها؟ فقال: «والذي لا إله غيره، هذا مقام الذي أنزل...
عن عبد الله رضي الله عنه، أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى بسبع وقال: «هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله...