1917- عن سهل بن سعد، قال: " أنزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض، من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} ، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {من الفجر} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار "
أخرجه مسلم في الصيام باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر رقم 1091
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ , وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ ) كَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخَيْنِ لَهُ , وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ وَحْدَهُ , وَظَهَرَ مِنْ سِيَاقِهِ أَنَّ اللَّفْظَ هُنَا لِأَبِي غَسَّانَ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ الذُّهْلِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخَيْهِ وَبَيَّنَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ أَنَّ لَفْظَهُمَا وَاحِدٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ : ( فَكَانَ رِجَالٌ ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ , وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُفَسَّرَ بَعْضُهُمْ بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لِأَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَيَأْتِي.
قَوْلُهُ : ( رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ ) فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا أَبْيَضَ وَخَيْطًا أَسْوَدَ فَيَضَعُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِهِ فَيَنْظُرُ مَتَى يَسْتَبِينُهُمَا " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ فَعَلَ هَذَا وَبَعْضُهُمْ فَعَلَ هَذَا , أَوْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَهُمَا تَحْتَ الْوِسَادَةِ إِلَى السَّحَرِ فَيَرْبِطُونَهُمَا حِينَئِذٍ فِي أَرْجُلِهِمْ لِيُشَاهِدُوهُمَا.
قَوْلُهُ : ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّشْدِيدِ , ولِلكُشْمِيهَنِيِّ " حَتَّى يَسْتَبِينَ " بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ.
قَوْلُهُ : ( رُؤْيَتُهُمَا ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ , وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ " رِئْيُهُمَا " بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " زِيُّهُمَا " بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ , قَالَ صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ " ضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ.
قَالَ عِيَاضٌ : وَلَا وَجْهَ لَهُ إِلَّا بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ , وَكَأَنَّهُ رِئْيٌ بِمَعْنَى مَرْئِيٍّ , وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الرِّئْيَ التَّابِعُ مِنْ الْجِنِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لِتَرَائِيِهِ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْإِنْسِ.
قَوْلُهُ : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ : مِنْ الْفَجْرِ ) ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : حَدِيثُ عَدِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) نَزَلَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ : ( مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) بِخِلَافِ حَدِيثِ سَهْلٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ الْإِشْكَالِ.
قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ نُزُولِهِمَا عَامٌ كَامِلٌ , قَالَ : فَأَمَّا عَدِيٌّ فَحَمَلَ الْخَيْطَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) مِنْ أَجْلِ الْفَجْرِ فَفَعَلَ مَا فَعَلَ.
قَالَ : وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ , فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ , وَإِنَّمَا سَمِعَ الْآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُ الْخَيْطَيْنِ عَنْ الْآخَرِ , وَأَنَّ قَوْلَهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " يَتَبَيَّنَ " قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّتَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ - يَعْنِي فِي قِصَّةِ عَدِيٍّ - تَلَا الْآيَةَ تَامَّةً كَمَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ حَالَ النُّزُولِ إِنَّمَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ.
قُلْت : وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرَةٌ لِتَأَخُّرِ إِسْلَامِهِ كَمَا قَدَّمْته , وَقَدْ رَوَى اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ : يَا اِبْنَ حَاتِمٍ أَلَمْ أَقُلْ لَك مِنْ الْفَجْرِ " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَالِدٍ وَغَيْرِهِ " فَقَالَ عَدِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ أَوْصَيْتنِي قَدْ حَفِظْته غَيْرَ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ , إِنِّي بِتّ الْبَارِحَةَ مَعِي خَيْطَانِ أَنْظُرُ إِلَى هَذَا وَإِلَى هَذَا , قَالَ : إِنَّمَا هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ " فَتَبَيَّنَ أَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُغَايِرَةٌ لِقِصَّةِ سَهْلٍ , فَأَمَّا مَنْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ فَحَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَلَمَّا نَزَلَ " مِنْ الْفَجْرِ " عَلِمُوا الْمُرَادَ فَلِذَلِكَ قَالَ سَهْلٌ فِي حَدِيثِهِ " فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " وَأَمَّا عَدِيٌّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اِسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ , وَحَمَلَ قَوْلَهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) عَلَى السَّبَبِيَّةِ فَظَنَّ أَنَّ الْغَايَةَ تَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَظْهَرَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْخَيْطَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِضِيَاءِ الْفَجْرِ , أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ , قَالَ الشَّاعِرُ : وَلَمَّا تَبَدَّتْ لَنَا سَدْفَةٌ وَلَاحَ مِنْ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا قَوْلُهُ : ( فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " فَعَلِمُوا أَنَّهُ يَعْنِي " وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ " سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ " وَمَعْنَى الْآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ , وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ النَّهَار.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْمُرَادُ بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ اللَّيْلُ وَبِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ الْفَجْرُ الصَّادِقُ , وَالْخَيْطُ اللَّوْنُ , وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَبْيَضِ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْ الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْأُفُقِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ , وَبِالْأَسْوَدِ مَا يَمْتَدُّ مَعَهُ مِنْ غَبَشِ اللَّيْلِ شَبِيهًا بِالْخَيْطِ , قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
قَالَ : وَقَوْلُهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الْأَبْيَضِ , وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلْآخَرِ.
قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْفَجْرِ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ : ( مِنْ الْفَجْرِ ) مِنْ الِاسْتِعَارَةِ إِلَى التَّشْبِيهِ , كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ رَأَيْت أَسَدًا مَجَازٌ فَإِذَا زِدْت فِيهِ مِنْ فُلَانٍ رَجَعَ تَشْبِيهًا.
ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ جَازَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْعَبَثَ لِأَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِ ( مِنْ الْفَجْرِ ) لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الْحَقِيقَةُ وَهِيَ غَيْرُ مُرَادَةٍ , ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ - وَهُمْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ - لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ سَهْلٍ , وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُهُ فَيَقُولُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ وُجُوبَ الْخِطَابِ وَيَعْزِمُ عَلَى فِعْلِهِ إِذَا اِسْتَوْضَحَ الْمُرَادَ بِهِ.
اِنْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي التَّجْوِيزِ عَنْ الْأَكْثَرِ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا سَيَأْتِي , وَجَوَابُهُ عَنْهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ مَرْدُودٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ مِمَّا اِتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ , وَمَسْأَلَةُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ , وَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ , وَقَدْ حَكَى اِبْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ : الْجَوَازُ مُطْلَقًا عَنْ اِبْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ خَيْرَانَ , وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْرَفِيِّ , ثَالِثُهَا جَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ دُونَ الْعَامِّ.
رَابِعُهَا عَكْسُهُ وَكِلَاهُمَا عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالَ اِبْنُ الْحَاجِبِ : تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ إِلَّا عِنْدَ مُجَوِّزِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ , يَعْنِي وَهُمْ الْأَشَاعِرَةُ فَيُجَوِّزُونَهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَقَعْ.
قَالَ شَارِحُهُ : وَالْخِطَابُ الْمُحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا لَهُ ظَاهِرٌ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي خِلَافِهِ , وَالثَّانِي مَا لَا ظَاهِرَ لَهُ فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ : يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ , وَاخْتَارَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ , وَمَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ كُلُّهُمْ إِلَى اِمْتِنَاعِهِ , وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ , وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ : وَإِنَّمَا حَمَلَ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا بَعْضُ مَنْ لَا فِقْهَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَعْرَابِ كَالرِّجَالِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ سَهْلٌ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِ اِسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي الصُّبْحِ كَعَدِيٍّ , وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَالدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّسْخِ وَأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ أَوَّلًا عَلَى ظَاهِرِهِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْخَيْطَيْنِ , وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا نُقِلَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَازِ الْأَكْلِ إِلَى الْإِسْفَارِ , قَالَ : ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( مِنْ الْفَجْرِ ).
قُلْت : وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ " أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ : الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ وَاَللَّهِ أَصْبَحْت.
فَقَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ بِلَالًا , لَوْلَا بِلَالٌ لَرَجَوْنَا أَنْ يُرَخَّصَ لَنَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ " وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ - كَمَا قَالَ عِيَاضٌ - وُجُوبُ التَّوَقُّفِ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ وَطَلَبُ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَأَنَّهَا لَا تُحْمَلُ عَلَى أَظْهَرْ وُجُوهِهَا وَأَكْثَرِ اِسْتِعْمَالَاتِهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْبَيَانِ.
وَقَالَ اِبْنُ بَزِيزَةَ فِي " شَرْحِ الْأَحْكَامِ " : لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلَاتِ , لِأَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا أَوَّلًا عَلَى مَا سَبَقَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ بِمُقْتَضَى اللِّسَانِ فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ مَا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ.
قُلْت : وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فَعَلُوا مَا نَقَلَهُ سَهْلُ اِبْنُ سَعْدٍ , وَفِيهِ نَظَرٌ , وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَنَزَعَ تَمَّ صَوْمُهُ , وَفِيهِ اِخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ التَّبْيِينُ , وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " أَحَلَّ اللَّهُ لَك الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْت " وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نَحْوُهُ , وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ " سَأَلَ رَجُلٌ اِبْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السُّحُورِ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ : كُلْ حَتَّى لَا تَشُكَّ , فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : إِنْ هَذَا لَا يَقُولُ شَيْئًا كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لَا تَشُكَّ " قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ : وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِي.
وَقَالَ اِبْنُ بَزِيزَةَ فِي " شَرْحِ الْأَحْكَامِ " : اِخْتَلَفُوا هَلْ يَحْرُمُ الْأَكْلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بِتَبَيُّنِهِ عِنْدَ النَّاظِرِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ , وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ إِمْسَاكُ جُزْءٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ هَذَا الْبَحْثِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ح حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أُنْزِلَتْ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } وَلَمْ يَنْزِلْ { مِنْ الْفَجْرِ } فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ { مِنْ الْفَجْرِ } فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
عن عائشة رضي الله عنها، أن بلالا كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»،...
عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: «كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»
عن أنس، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: «تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة»، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ " قال: «قدر خمسين آ...
عن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل، فواصل الناس، فشق عليهم فنهاهم، قالوا: إنك تواصل، قال: «لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى»
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة»
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء «إن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل»
عن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: كنت أنا وأبي حين دخلنا على عائشة، وأم سلمة، ح 1926 - وحدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر بن...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه»، وقال: قال ابن عباس {مآرب} : «حاجة»، قال طاوس: {غ...
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ح، وحدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «إن كان رسول الله صلى ال...