2035- عن بن الحسين رضي الله عنهما: أن صفية - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( أَنَّ صَفِيَّة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ ) عِنْد اِبْن حِبَّان فِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن " حَدَّثَتْنِي صَفِيَّة " وَهِيَ صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ مُصَغَّرًا , اِبْن أَخْطَبَ , كَانَ أَبُوهَا رَئِيس خَيْبَر وَكَانَتْ تَكَنَّى أُمَّ يَحْيَى , وَسَيَأْتِي شَرْحُ تَزْوِيجهَا فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي تَصْرِيح عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بِأَنَّهَا حَدَّثَتْهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ قَبْل ذَلِكَ , لِأَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا وُلِدَ بَعْد ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ أَوْ نَحْوَهَا , وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَاتَتْ سَنَة خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدهَا , وَكَانَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حِين سَمِعَ مِنْهَا صَغِيرًا , وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرُّوَاة عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي وَصْل هَذَا الْحَدِيث , وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّف الطَّرِيق الْمَوْصُولَة وَحَمَلَ الطَّرِيق الْمُرْسَلَة عَلَى أَنَّهَا عِنْد عَلِيّ عَنْ صَفِيَّة فَلَمْ يَجْعَلهَا عِلَّةً لِلْمَوْصُولِ كَمَا صَنَعَ فِي طَرِيق مَالِك فِي الْبَاب قَبْله.
قَوْله : ( أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اِعْتِكَافه ) وَفِي رِوَايَة مَعْمَر الْآتِيَة فِي صِفَةِ إِبْلِيسَ فَأَتَيْته أَزُورُهُ لَيْلًا , وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن يُوسُف عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ " كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد وَعِنْده أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ , وَقَالَ لِصَفِيَّةَ : لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِف مَعَك " وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ اِخْتِصَاص صَفِيَّة بِذَلِكَ لِكَوْنِ مَجِيئِهَا تَأَخَّرَ عَنْ رُفْقَتِهَا فَأَمَرَهَا بِتَأْخِيرِ التَّوَجُّه لِيَحْصُلَ لَهَا التَّسَاوِي فِي مُدَّةِ جُلُوسِهِنَّ عِنْده , أَوْ أَنَّ بُيُوتَ رُفْقَتِهَا كَانَتْ أَقْرَب مِنْ مَنْزِلهَا فَخَشِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا , أَوْ كَانَ مَشْغُولًا فَأَمَرَهَا بِالتَّأَخُّرِ لِيَفْرُغَ مِنْ شُغْلِهِ وَيُشَيِّعَهَا , وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق مَرْوَان بْن سَعِيد بْن الْمُعَلَّى " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي الْمَسْجِد فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ , فَقَالَ لِصَفِيَّةَ أَقْلِبُك إِلَى بَيْتك , فَذَهَبَ مَعَهَا حَتَّى أَدْخَلَهَا بَيْتَهَا وَفِي رِوَايَة هِشَام الْمَذْكُورَة " وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ " زَادَ فِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر " وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَار أُسَامَةَ بْن زَيْد " أَيْ الدَّار الَّتِي صَارَتْ بَعْد ذَلِكَ لِأُسَامَةَ اِبْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ أُسَامَةَ إِذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَارٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِحَيْثُ تَسْكُنُ فِيهَا صَفِيَّة , وَكَانَتْ بُيُوت أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَالَيْ أَبْوَاب الْمَسْجِد وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ تَرْجَمَةِ الْمُصَنِّف.
قَوْله : ( فَتَحَدَّثَتْ عِنْده سَاعَةً ) زَادَ اِبْن أَبِي عَتِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ " سَاعَةً مِنْ الْعِشَاءِ ".
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ ) أَيْ تَرُدُّ إِلَى بَيْتِهَا ( فَقَامَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ يَرُدُّهَا إِلَى مَنْزِلِهَا.
قَوْله : ( حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَاب الْمَسْجِد عِنْد بَاب أُمّ سَلَمَة ) فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي عَتِيق " الَّذِي عِنْد مَسْكَن أُمّ سَلَمَة " وَالْمُرَاد بِهَذَا بَيَان الْمَكَان الَّذِي لَقِيَهُ الرَّجُلَانِ فِيهِ لِإِتْيَانِ مَكَان بَيْت صَفِيَّة.
قَوْله : ( مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَار ) لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَتِهِمَا فِي شَيْء مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ , إِلَّا أَنَّ اِبْن الْعَطَّار فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ " زَعَمَ أَنَّهُمَا أُسَيْد بْن حُضَيْر وَعَبَّاد بْن بِشْر وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سُفْيَانَ الْآتِيَة بَعْد ثَلَاثَة أَبْوَاب " فَأَبْصَرَهُ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار " بِالْإِفْرَادِ , وَقَالَ اِبْن التِّين إِنَّهُ وَهْمٌ ثُمَّ قَالَ : يَحْتَمِل تَعَدُّدَ الْقِصَّة , قُلْت : وَالْأَصْل عَدَمُهُ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ تَبَعًا لِلْآخَرِ أَوْ خُصَّ أَحَدهمَا بِخِطَابِ الْمُشَافَهَةِ دُونَ الْآخَر , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الزُّهْرِيُّ كَانَ يَشُكُّ فِيهِ فَيَقُول تَارَة رَجُل وَتَارَة رَجُلَانِ , فَقَدْ رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ " لَقِيَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ " بِالشَّكِّ , وَلَيْسَ لِقَوْلِهِ رَجُلٌ مَفْهُومٌ , نَعَمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْه آخَرَ مِنْ حَدِيث أَنَس بِالْإِفْرَادِ , وَوَجْهه مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ تَبَعًا لِلْآخَرِ فَحَيْثُ أَفْرَدَ ذَكَرَ الْأَصْلَ وَحَيْثُ ثَنَّى ذَكَرَ الصُّورَةَ.
قَوْله : ( فَسَلَّمَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة مَعْمَر " فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَجَازَا " أَيْ مَضَيَا يُقَال جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنًى " وَيُقَالُ جَازَ الْمَوْضِعَ إِذَا سَارَ فِيهِ وَأَجَازَهُ إِذَا قَطَعَهُ وَخَلَّفَهُ , وَفِي رِوَايَةِ اِبْن أَبِي عَتِيق " ثُمَّ نَفَذَا " وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَة أَيْ خَلَّفَاهُ , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا " أَيْ فِي الْمَشْي , وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيِّ عِنْد اِبْن حِبَّانَ " فَلَمَّا رَأَيَاهُ اِسْتَحْيَيَا فَرَجَعَا " فَأَفَادَ سَبَب رُجُوعهمَا وَكَأَنَّهُمَا لَوْ اِسْتَمَرَّا ذَاهِبَيْنِ إِلَى مَقْصِدِهِمَا مَا رَدَّهُمَا بَلْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُمَا تَرَكَا مَقْصِدَهُمَا وَرَجَعَا رَدَّهُمَا.
قَوْله : ( عَلَى رِسْلِكُمَا ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ عَلَى هِينَتِكُمَا فِي الْمَشْي فَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ تَكْرَهَانِهِ , وَفِيهِ شَيْءٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ اِمْشِيَا عَلَى هِينَتِكُمَا , وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَر " فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَالَيَا " وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَيْ قِفَا , وَأَنْكَرَهُ اِبْن التِّين وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مَعْنَاهُ بِغَيْرِ دَلِيل , وَفِي رِوَايَة سُفْيَان , فَلَمَّا أَبْصَرَهُ دَعَاهُ فَقَالَ تَعَالَ ".
قَوْله : ( إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيّ ) فِي رِوَايَة سُفْيَانَ " هَذِهِ صَفِيَّةُ ".
قَوْله : ( فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّه يَا رَسُول اللَّه وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق بِشْر بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ ذَلِكَ , مِثْلُهُ فِي رِوَايَة اِبْن مُسَافِر الْآتِيَة فِي الْخَمْس , وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْ أَبِي الْيَمَان شَيْخ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ , وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي عَتِيق عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْأَدَب " وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا مَا قَالَ " وَلَهُ مِنْ طَرِيق عَبْد الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَر " فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا " وَفِي رِوَايَة هُشَيْمٍ " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه هَلْ نَظُنُّ بِك إِلَّا خَيْرًا ".
قَوْله : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ اِبْن آدَم مَبْلَغ الْقَدَمِ ) كَذَا فِي رِوَايَة اِبْن مُسَافِرٍ وَابْن أَبِي عَتِيق ; وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَان مَجْرَى الدَّم " وَكَذَا لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيق عُثْمَانَ بْن عُمَر التَّيْمِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ , زَادَ عَبْد الْأَعْلَى فَقَالَ " إِنِّي خِفْت أَنْ تَظُنَّا ظَنًّا , إِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي , إِلَخْ " وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق " مَا أَقُول لَكُمَا هَذَا أَنْ تَكُونَا تَظُنَّانِ شَرًّا , وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ اِبْن آدَم مَجْرَى الدَّم ".
قَوْله : ( اِبْن آدَم ) الْمُرَاد جِنْس أَوْلَاد آدَم فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَقَوْلِهِ : ( يَا بَنِي آدَم ) وَقَوْله ( يَا بَنِي إِسْرَائِيل ) بِلَفْظِ الْمُذَكَّرِ إِلَّا أَنَّ الْعُرْفَ عَمَّمَهُ فَأَدْخَلَ فِيهِ النِّسَاءَ.
قَوْله : ( وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ) كَذَا فِي رِوَايَة اِبْن مُسَافِر , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا " وَعِنْد مُسْلِم وَأَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَد مِنْ حَدِيث مَعْمَر " شَرًّا " بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ بَدَلَ سُوءًا , وَفِي رِوَايَة هُشَيْمٍ " إِنِّي خِفْت أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْكُمَا شَيْئًا " وَالْمُحَصَّلُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْسُبْهُمَا إِلَى أَنَّهُمَا يَظُنَّانِ بِهِ سُوءًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْده مِنْ صِدْقِ إِيمَانِهِمَا , وَلَكِنْ خَشِيَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُمَا الشَّيْطَان ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ فَقَدْ يُفْضِي بِهِمَا ذَلِكَ إِلَى الْهَلَاكِ فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامهمَا حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَتَعْلِيمًا لِمَنْ بَعْدَهُمَا إِذَا وَقَعَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى , فَقَدْ رَوَى الْحَاكِم أَنَّ الشَّافِعِيّ كَانَ فِي مَجْلِس اِبْن عُيَيْنَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنَّمَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمَا الْكُفْرَ إِنْ ظَنَّا بِهِ التُّهْمَةَ فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامِهِمَا نَصِيحَةً لَهُمَا قَبْل أَنْ يَقْذِفَ الشَّيْطَانُ فِي نُفُوسهمَا شَيْئًا يَهْلِكَانِ بِهِ.
قُلْت : وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ الطُّرُق الَّتِي أَسْلَفْتهَا , وَغَفَلَ الْبَزَّارُ فَطَعَنَ فِي حَدِيث صَفِيَّةَ هَذَا وَاسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ وَلَمْ يَأْتِ بِطَائِلٍ , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَوْله " يَبْلُغ " أَوْ " يَجْرِي " قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَقَدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَقِيلَ هُوَ عَلَى سَبِيل الِاسْتِعَارَة مِنْ كَثْرَةِ إِغْوَائِهِ , وَكَأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ كَالدَّمِ فَاشْتَرَكَا فِي شِدَّة الِاتِّصَال وَعَدَمِ الْمُفَارَقَةِ.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز اِشْتِغَال الْمُعْتَكِفِ بِالْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مِنْ تَشْيِيعِ زَائِرِهِ وَالْقِيَام مَعَهُ وَالْحَدِيث مَعَ غَيْره , وَإِبَاحَة خَلْوَةِ الْمُعْتَكِفِ بِالزَّوْجَةِ , وَزِيَارَة الْمَرْأَة لِلْمُعْتَكِفِ , وَبَيَان شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّته وَإِرْشَادهمْ إِلَى مَا يَدْفَع عَنْهُمْ الْإِثْم.
وَفِيهِ التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ الظَّنّ وَالِاحْتِفَاظ مِنْ كَيَدِ الشَّيْطَان وَالِاعْتِذَار , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَهَذَا مُتَأَكِّد فِي حَقّ الْعُلَمَاء وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَا يَجُوز لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلًا يُوجِب سُوء الظَّنّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مَخْلَص لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إِلَى إِبْطَال الِانْتِفَاع بِعِلْمِهِمْ , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّن لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجْه الْحُكْم إِذَا كَانَ خَافِيًا نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ.
وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِمَظَاهِرِ السُّوءِ وَيَعْتَذِر بِأَنَّهُ يُجَرِّبُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ , وَقَدْ عَظُمَ الْبَلَاءُ بِهَذَا الصِّنْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهِ إِضَافَة بُيُوت أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِنَّ , وَفِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ لَيْلًا , وَفِيهِ قَوْلُ " سُبْحَانَ اللَّهِ " عِنْد التَّعَجُّبِ , قَدْ وَقَعَتْ فِي الْحَدِيث لِتَعْظِيمِ الْأَمْر وَتَهْوِيله وَلِلْحَيَاءِ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا فِي حَدِيث أُمّ سُلَيْمٍ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد فِي جَوَاز تَمَادِي الْمُعْتَكِف إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَان اِعْتِكَافه لِحَاجَتِهِ وَأَقَامَ زَمَنًا يَسِيرًا زَائِدًا عَنْ الْحَاجَة مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ أَكْثَرَ الْيَوْمِ , وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَنَّ مَنْزِلَ صَفِيَّةَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَاصِلٌ زَائِدٌ , وَقَدْ حَدَّ بَعْضهمْ الْيَسِير بِنِصْفِ يَوْم وَلَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: سألت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، قلت: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكر ليلة القدر؟ قال: نعم، اعتكفنا مع رس...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة، والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي...
عن علي بن الحسين رضي الله عنهما، أن صفية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته ح وحدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، ع...
عن علي بن الحسين رضي الله عنهما: أن صفية بنت حيي، أخبرته ح وحدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: سمعت الزهري، يخبر عن علي بن الحسين، أن صفية رضي ا...
عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتانا رسول الله صلى الله علي...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعتكف في كل رمضان، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه، قال: فاستأذنته عائشة أن ت...
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أوف نذرك...
عن نافع، عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام - قال: أراه قال ليلة: -، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف ب...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما»