2508- عن أنس رضي الله عنه، قال: ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير، ومشيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد سمعته يقول: «ما أصبح لآل محمد صلى الله عليه وسلم، إلا صاع، ولا أمسى وإنهم لتسعة أبيات»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم ) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْبُيُوعِ مَقْرُونًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ , وَسَاقَهُ هُنَاكَ عَلَى لَفْظِهِ وَهُنَا عَلَى لَفْظِ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم.
قَوْلُهُ : ( وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوف , بَيَّنَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبَانَ الْعَطَّار عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس " أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُ " وَالدِّرْعُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.
قَوْلُهُ : ( بِشَعِير ) وَقْع فِي أَوَائِل الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظ " وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْد يَهُودِيّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ " وَهَذَا الْيَهُودِيّ هُوَ أَبُو الشَّحْمِ , بَيَّنَهُ الشَّافِعِيّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْد أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ رَجُل مِنْ بَنِي ظَفَر فِي شَعِير " اِنْتَهَى , وَأَبُو الشَّحْمِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ اِسْمه كُنْيَته , وَظَفَر بِفَتْحِ الظَّاءِ وَالْفَاءِ بَطْن مِنْ الْأَوْس وَكَانَ حَلِيفًا لَهُمْ , وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَمْزَةٍ مُوَحَّدَةٍ مَمْدُودَة وَمَكْسُورَة اِسْم الْفَاعِلِ مِنْ الْإِبَاءِ , وَكَأَنَّهُ اِلْتَبَسَ عَلَيْهِ بِأَبِي اللَّحْمِ الصَّحَابِيّ , وَكَانَ قَدْر الشَّعِير الْمَذْكُور ثَلَاثِينَ صَاعًا كَمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة فِي الْجِهَادِ وَأَوَاخِر الْمَغَازِي.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَا : " بِعِشْرِينَ " وَلَعَلَّهُ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِينَ فَجَبَرَ الْكَسْر تَارَةً وَأَلْغَى أُخْرَى , وَوَقَعَ لِابْن حِبَّان مِنْ طَرِيق شَيْبَان عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ قِيمَة الطَّعَام كَانَتْ دِينَارًا وَزَادَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق شَيْبَان الْآتِيَة فِي آخِرِهِ " فَمَا وَجَدَ مَا يَفْتَكّهَا بِهِ حَتَّى مَاتَ ".
قَوْلُهُ : ( وَمَشَيْت إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِير وَإِهَالَة سَنِخَة ) وَالْإِهَالَة بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيف الْهَاء مَا أُذِيبَ مِنْ الشَّحْمِ وَالْإِلْيَة , وَقِيلَ هُوَ كُلّ دَسَمٍ جَامِدٍ , وَقِيلَ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ مِنْ الْأَدْهَان , وَقَوْلُهُ : " سَنِخَة " بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا مُعْجَمَة مَفْتُوحَة أَيْ الْمُتَغَيِّرَةِ الرِّيح , وَيُقَالُ فِيهَا بِالزَّاي أَيْضًا.
وَوَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيق شَيْبَان عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس " لَقَدْ دُعِيَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْمٍ عَلَى خُبْزِ شَعِير وَإِهَالَة سَنِخَة " فَكَأَنَّ الْيَهُودِيَّ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لِسَانِ أَنَس فَلِهَذَا قَالَ : " مَشَيْت إِلَيْهِ " بِخِلَاف مَا يَقْتَضِيه ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ : ( وَلَقَدْ سَمِعْته ) فَاعِل " سَمِعْت " أَنَس وَالضَّمِير لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فَاعِل يَقُولُ , وَجَزَمَ الْكَرْمَانِيّ بِأَنَّهُ أَنَس وَفَاعِل سَمِعْت قَتَادَة , وَقَدْ أَشَرْت إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي أَوَائِل الْبُيُوعِ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق شَيْبَان الْمَذْكُورَةَ بِلَفْظ " وَلَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ " فَذَكَرَ الْحَدِيث لَفْظَ اِبْن مَاجَهْ وَسَاقَهُ أَحْمَد بِتَمَامِهِ.
قَوْلُهُ : ( مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّد إِلَّا صَاع وَلَا أَمْسَى ) كَذَا لِلْجَمِيعِ , وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي " الْجَمْعِ " , وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَجِ " مِنْ طَرِيق الْكَجِّيّ عَنْ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِلَفْظ " مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّد وَلَا أَمْسَى إِلَّا صَاع " وَخُولِفَ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم فِي ذَلِكَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ أَبِي عَامِر وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقِهِ وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقِ اِبْن أَبِي عَدِيّ وَمُعَاذ بْن هِشَام وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ هِشَام بِلَفْظ " مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّد صَاع مِنْ تَمْرٍ وَلَا صَاع مِنْ حَبّ " وَتَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي أَوَائِل الْبُيُوعِ بِلَفْظ " بُرّ " بَدَل تَمْر.
قَوْلُهُ : ( وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَة أَبْيَات ) فِي رِوَايَةِ الْمَذْكُورِينَ " وَإِنَّ عِنْدَهُ يَوْمئِذَ لَتِسْع نِسْوَة " وَسَيَأْتِي سِيَاق أَسْمَائِهِنَّ فِي كِتَاب الْمَنَاقِب إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ أَنَس لِهَذَا الْقَدْرِ مَعَ مَا قَبْلَهُ الْإِشَارَة إِلَى سَبَبِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ مُتَضَجِّرًا وَلَا شَاكِيًا - مَعَاذَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ - وَإِنَّمَا قَالَهُ مُعْتَذِرًا عَنْ إِجَابَتِهِ دَعْوَة الْيَهُودِيِّ وَلِرَهْنِهِ عِنْدَهُ دِرْعه , وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ الَّذِي زَعَمَ بِأَنَّ قَائِل ذَلِكَ هُوَ أَنَس فِرَارًا مِنْ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّضَجُّرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيث جَوَاز مُعَامَلَة الْكُفَّار فِيمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَحْرِيم عَيْن الْمُتَعَامَلِ فِيهِ وَعَدَم الِاعْتِبَارِ بِفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ , وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ جَوَاز مُعَامَلَة مَنْ أَكْثَر مَالِهِ حَرَام.
وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ السِّلَاحِ وَرَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرْبِيًّا , وَفِيهِ ثُبُوتُ أَمْلَاكِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَيْدِيهِمْ وَجَوَاز الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَاِتِّخَاذ الدُّرُوع وَالْعُدَد وَغَيْرهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ , وَأَنَّ قُنْيَة آلَة الْحَرْبِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَحْبِيسِهَا قَالَهُ اِبْن الْمُنِير , وَأَنَّ أَكْثَرَ قُوت ذَلِكَ الْعَصْر الشَّعِير قَالَهُ الدَّاوُدِيّ , وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْل الْمُرْتَهِن فِي قِيمَةِ الْمَرْهُونِ مَعَ يَمِينِهِ حَكَاهُ اِبْنُ التِّينِ.
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوَاضُعِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا , وَالْكَرَمِ الَّذِي أَفْضَى بِهِ إِلَى عَدَمِ الِادِّخَارِ حَتَّى اِحْتَاجَ إِلَى رَهْنِ دِرْعِهِ , وَالصَّبْرِ عَلَى ضِيقِ الْعَيْشِ وَالْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ , وَفَضِيلَة لِأَزْوَاجِهِ لِصَبْرِهِنَّ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَضَى وَيَأْتِي.
قَالَ الْعُلَمَاء : الْحِكْمَةُ فِي عُدُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُعَامَلَة مَيَاسِير الصَّحَابَة إِلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِ إِمَّا لِبَيَان الْجَوَاز , أَوْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ طَعَام فَاضِل عَنْ حَاجَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ خَشِيَ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثَمَنًا أَوْ عِوَضًا فَلَمْ يُرِدْ التَّضْيِيق عَلَيْهِمْ , فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ إِذْ ذَاكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَكْثَر مِنْهُ فَلَعَلَّهُ لَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَطْلَعَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا بِهِ مِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَاعٌ وَلَا أَمْسَى وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم «اشترى من يهودي طعاما إلى أجل، ورهنه درعه»
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»، فقال محمد...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «الرهن يركب بنفقته، ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا»
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرهن يركب بنفقته، إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته، إذا كان مرهونا، وعلى الذي...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما، ورهنه درعه»
عن ابن أبي مليكة، قال: كتبت إلى ابن عباس فكتب إلي: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه»
عن أبي وائل، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: من حلف على يمين يستحق بها مالا وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك: {إن الذين يش...
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل أعتق امرأ مسلما، استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار» قال سعيد بن مرجا...
عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله»، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أعلاها ثمنا،...