2586- عن النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما، فقال: «أكل ولدك نحلت مثله»، قال: لا، قال: «فارجعه»
أخرجه مسلم في الهبات باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة رقم 1623.
(نحلت) أعطيت من النحلة وهي العطاء
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير ) كَذَا لِأَكْثَر أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ اِبْن شِهَاب " أَنَّ مُحَمَّد بْن النُّعْمَان وَحُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَاهُ عَنْ بَشِير بْن سَعْد " جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَد بَشِير فَشَذَّ بِذَلِكَ , وَالْمَحْفُوظ أَنَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النُّعْمَان , وَبَشِير وَالِد النُّعْمَان هُوَ اِبْن سَعْد بْن ثَعْلَبَة بْن الْجُلَاس - بِضَمِّ الْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام - الْخَزْرَجِيّ , صَحَابِيّ شَهِير مِنْ أَهْل بَدْر وَشَهِدَ غَيْرهَا , وَمَاتَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر سَنَة ثَلَاث عَشْرَة , وَيُقَال إِنَّهُ أَوَّل مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْر مِنْ الْأَنْصَار , وَقِيلَ عَاشَ إِلَى خِلَافَة عُمَر.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ النُّعْمَان عَدَد كَثِير مِنْ التَّابِعِينَ , مِنْهُمْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر عِنْد مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُدَ , وَأَبُو الضُّحَى عِنْد النَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّان وَأَحْمَد وَالطَّحَاوِيّ , وَالْمُفَضَّل بْن الْمُهَلَّب عِنْد أَحْمَد وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ , وَعَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ بْن مَسْعُود عِنْد أَحْمَد , وَعَوْن بْن عَبْد اللَّه عِنْد أَبِي عَوَانَة , وَالشَّعْبِيّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ وَابْن حِبَّان وَغَيْرهمْ , وَرَوَاهُ عَنْ الشَّعْبِيّ عَدَد كَثِير أَيْضًا , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتهمْ مِنْ الْفَوَائِد الزَّائِدَة عَلَى هَذِهِ الطَّرِيق مُفَصِّلًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة الشَّعْبِيّ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ " أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّة , فَقَالَتْ عَمْرَة بِنْت رَوَاحَة : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْت اِبْنِي مِنْ عَمْرَة بِنْت رَوَاحَة عَطِيَّة " وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَات مِنْ طَرِيق أَبِي حِبَّان عَنْ الشَّعْبِيّ سَبَب سُؤَالهَا شَهَادَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظه " عَنْ النُّعْمَان قَالَ : سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَة لِي مِنْ مَاله " زَادَ مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَالْتَوَى بِهَا سَنَة " أَيْ مَطَلَهَا , وَفِي رِوَايَة اِبْن حِبَّان مِنْ هَذَا الْوَجْه " بَعْد حَوْلَيْنِ " وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُدَّة كَانَتْ سَنَة وَشَيْئًا فَجَبَرَ الْكَسْر تَارَة وَأَلْغَى أُخْرَى , قَالَ : " ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي , فَقَالَتْ لَهُ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَام " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ النُّعْمَان " اِنْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلنِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِهِ فَمَشَى مَعَهُ بَعْض الطَّرِيق وَحَمَلَهُ فِي بَعْضهَا لِصِغَرِ سِنّهُ , أَوْ عَبَّرَ عَنْ اِسْتِتْبَاعه إِيَّاهُ بِالْحَمْلِ , وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَة الْبَاب أَنَّ الْعَطِيَّة كَانَتْ غُلَامًا , وَكَذَا فِي رِوَايَة اِبْن حِبَّان الْمَذْكُورَة , وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنْ الشَّعْبِيّ , وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَة عُرْوَة وَحَدِيث جَابِر مَعًا , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي حَرِيز بِمُهْمَلَةٍ وَرَاء ثُمَّ زَاي بِوَزْنٍ عَظِيمٍ عِنْد اِبْن حِبَّان وَالطَّبَرَانِيّ عَنْ الشَّعْبِيّ " أَنَّ النُّعْمَان خَطَبَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ : إِنَّ وَالِدِي بَشِير بْن سَعْد أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ عَمْرَةَ بِنْت رَوَاحَة نَفِسَتْ بِغُلَامٍ , وَإِنِّي سَمَّيْته النُّعْمَان , وَإِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى جَعَلْت لَهُ حَدِيقَة مِنْ أَفْضَل مَال هُوَ لِي وَأَنَّهَا قَالَتْ : أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِيهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ " وَجَمَعَ اِبْن حِبَّان بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِالْحَمْلِ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عِنْد وِلَادَة النُّعْمَان وَكَانَتْ الْعَطِيَّة حَدِيقَة , وَالْأُخْرَى بَعْد أَنْ بَرَّكَ النُّعْمَان وَكَانَتْ الْعَطِيَّة عَبْدًا , وَهُوَ جَمْع لَا بَأْس بِهِ , إِلَّا أَنَّهُ يُعَكِّر عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَنْسَى بَشِير بْن سَعْد مَعَ جَلَالَته الْحُكْم فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى يَعُودَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَشْهِدهُ عَلَى الْعَطِيَّة الثَّانِيَة بَعْد أَنْ قَالَ لَهُ فِي الْأُولَى " لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ " وَجَوَّزَ اِبْن حِبَّان أَنْ يَكُون بَشِير ظَنَّ نَسْخ الْحُكْم.
وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون حَمَلَ الْأَمْر الْأَوَّل عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه , أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الِامْتِنَاع فِي الْحَدِيقَة الِامْتِنَاع فِي الْعَبْد لِأَنَّ ثَمَن الْحَدِيقَة فِي الْأَغْلَب أَكْثَر مِنْ ثَمَن الْعَبْد.
ثُمَّ ظَهَرَ لِي وَجْه آخَر مِنْ الْجَمْع يَسْلَم مِنْ هَذَا الْخَدْش وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ وَهُوَ أَنَّ عَمْرَة لَمَّا اِمْتَنَعَتْ مِنْ تَرْبِيَته إِلَّا أَنْ يَهَبَ لَهُ شَيْئًا يَخُصُّهُ بِهِ وَهَبَهُ الْحَدِيقَة الْمَذْكُورَة تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا , ثُمَّ بَدَا لَهُ فَارْتَجَعَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ أَحَد غَيْره , فَعَاوَدَتْهُ عَمْرَة فِي ذَلِكَ فَمَطَلَهَا سَنَة أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ طَابَتْ نَفْسه أَنْ يَهَب لَهُ بَدَل الْحَدِيقَة غُلَامًا وَرَضِيَتْ عَمْرَة بِذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهَا خَشِيَتْ أَنْ يَرْتَجِعَهُ أَيْضًا فَقَالَتْ لَهُ أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُرِيد بِذَلِكَ تَثْبِيت الْعَطِيَّة وَأَنْ تَأْمَنَ مِنْ رُجُوعه فِيهَا , وَيَكُون مَجِيئُهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِشْهَادِ مَرَّة وَاحِدَة وَهِيَ الْأَخِيرَة , وَغَايَة مَا فِيهِ أَنَّ بَعْض الرُّوَاة حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظ بَعْض , أَوْ كَانَ النُّعْمَان يَقُصُّ بَعْض الْقِصَّة تَارَة وَيَقُصُّ بَعْضهَا أُخْرَى , فَسَمِعَ كُلّ مَا رَوَاهُ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ , وَاللَّه أَعْلَم.
وَعَمْرَة الْمَذْكُورَة هِيَ بِنْت رَوَاحَة بْن ثَعْلَبَة الْخَزْرَجِيَّة أُخْت عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور.
وَوَقَعَ عِنْد أَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق عَوْن بْن عَبْد اللَّه أَنَّهَا بِنْت عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة وَالصَّحِيح الْأَوَّل , وَبِذَلِكَ ذَكَرَهَا اِبْن سَعْد وَغَيْره وَقَالُوا : كَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النِّسَاء , وَفِيهَا يَقُول قَيْس بْن الْخَطِيم بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة : وَعَمْرَة مِنْ سَرَوَات النِّسَاء تَنْفَح بِالْمِسْكِ أَرْدَانهَا قَوْله : ( إِنِّي نَحَلْت ) بِفَتْحِ النُّون وَالْمُهْمَلَة , وَالنِّحْلَة بِكَسْرِ النُّون وَسُكُون الْمُهْمَلَة الْعَطِيَّة بِغَيْرِ عِوَض.
قَوْله : ( فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدك نَحَلْت ) زَادَ فِي رِوَايَة أَبِي حَيَّان " فَقَالَ أَلَك وَلَد سِوَاهُ ؟ قَالَ نَعَمْ " وَقَالَ مُسْلِم لَمَّا رَوَاهُ مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيِّ أَمَّا يُونُس وَمَعْمَر فَقَالَا : " أَكُلّ بَنِيك " وَأَمَّا اللَّيْث وَابْن عُيَيْنَةَ فَقَالَا : " أَكُلّ وَلَدك ".
قُلْت : وَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا لِأَنَّ لَفْظ الْوَلَد يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانُوا ذُكُورًا , أَوْ إِنَاثًا وَذُكُورًا , وَأَمَّا لَفْظ الْبَنِينَ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا فَظَاهِر وَإِنْ كَانُوا إِنَاثًا وَذُكُورًا فَعَلَى سَبِيل التَّغْلِيب ; وَلَمْ يَذْكُر اِبْن سَعْد لِبَشِيرٍ وَالِد النُّعْمَان وَلَدًا غَيْر النُّعْمَان , وَذَكَرَ لَهُ بِنْتًا اِسْمهَا أُبَيَّة بِالْمُوَحَّدَةِ تَصْغِير أَبٍ.
قَوْله : ( نَحَلْت مِثْله ) فِي رِوَايَة أَبِي حَيَّان عِنْد مُسْلِم " فَقَالَ أَكُلّهمْ وَهَبْت لَهُ هَذَا , قَالَ : لَا " وَلَهُ مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ " فَقَالَ أَلَكَ بَنُونَ سِوَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ : فَكُلّهمْ أَعْطَيْت مِثْل هَذَا ؟ قَالَ : لَا " وَفِي رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم فِي " الْمُوَطَّآت لِلدَّارَقُطْنِيّ " عَنْ مَالِك " قَالَ لَا وَاللَّه يَا رَسُول اللَّه ".
قَوْله : ( قَالَ فَارْجِعْهُ ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ فَارْدُدْهُ وَلَهُ وَلِلنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق عُرْوَة مِثْله , وَفِي رِوَايَة الشَّعْبِيّ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّته وَلِمُسْلِمٍ فَرَدَّ تِلْك الصَّدَقَة زَادَ فِي رِوَايَة أَبِي حَيَّان فِي الشَّهَادَات " قَالَ : لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْر " وَمِثْله لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة عَاصِم عَنْ الشَّعْبِيّ , وَفِي رِوَايَة أَبِي حَرِيز الْمَذْكُورَة " لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْر " وَقَدْ عَلَّقَ مِنْهَا الْبُخَارِيّ هَذَا الْقَدْر فِي الشَّهَادَات , وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل عَنْ الشَّعْبِيّ , وَلَهُ فِي رِوَايَة أَبِي حَيَّان " فَقَالَ : فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ; فَإِنِّي لَا أَشْهَد عَلَى جَوْرٍ " وَلَهُ فِي رِوَايَة الْمُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ " فَإِنِّي لَا أَشْهَد عَلَى جَوْر , لِيَشْهَد عَلَى هَذَا غَيْرِي " وَلَهُ وَلِلنَّسَائِيّ فِي رِوَايَة دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد قَالَ : " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " وَفِي حَدِيث جَابِر " فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ " وَلِعَبْدِ الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ مُرْسَلًا " لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى الْحَقّ , لَا أَشْهَدُ بِهَذِهِ " وَفِي رِوَايَة عُرْوَة عِنْد النَّسَائِيِّ " فَكَرِهَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ " وَفِي رِوَايَة الْمُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ عِنْد مُسْلِم " اِعْدِلُوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي النِّحَل , كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنكُمْ فِي الْبِرّ " وَفِي رِوَايَة مُجَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عِنْد أَحْمَد " إِنَّ لِبَنِيك عَلَيْك مِنْ الْحَقّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنهمْ , فَلَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْر , أَيَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبِرّ سَوَاء ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَلَا إِذًا " وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْه " إِنَّ لَهُمْ عَلَيْك مِنْ الْحَقّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنهمْ , كَمَا أَنَّ لَك عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقّ أَنْ يَبَرُّوك " , وَلِلنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي الضُّحَى " أَلَا سَوَّيْت بَيْنهمْ " وَلَهُ وَلِابْنِ حِبَّان مِنْ هَذَا الْوَجْه " سَوِّ بَيْنهمْ " وَاخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْوَاحِدَة يَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ , وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ السَّوِيَّة فِي عَطِيَّة الْأَوْلَاد , وَبِهِ صَرَّحَ الْبُخَارِيّ , وَهُوَ قَوْل طَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ بِهِ بَعْض الْمَالِكِيَّة.
ثُمَّ الْمَشْهُور عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَة.
وَعَنْ أَحْمَد تَصِحُّ , وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ.
وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ , كَأَنْ يَحْتَاجَ الْوَلَد لِزَمَانَتِهِ وَدَيْنه أَوْ نَحْو ذَلِكَ دُون الْبَاقِينَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف : تَجِب التَّسْوِيَة إِنْ قَصَدَ بِالتَّفْضِيلِ الْإِضْرَار.
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ التَّسْوِيَة مُسْتَحَبَّة , فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضًا صَحَّ وَكُرِهَ.
وَاسْتُحِبَّتْ الْمُبَادَرَة إِلَى التَّسْوِيَة أَوْ الرُّجُوع , فَحَمَلُوا الْأَمْر عَلَى النَّدْب وَالنَّهْي عَلَى التَّنْزِيه.
وَمِنْ حُجَّة مَنْ أَوْجَبَهُ أَنَّهُ مُقَدَّمَة الْوَاجِب لِأَنَّ قَطْع الرَّحِم وَالْعُقُوق مُحَرَّمَانِ فَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا يَكُون مُحَرَّمًا وَالتَّفْضِيل مِمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة التَّسْوِيَة فَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَبَعْض الشَّافِعِيَّة وَالْمَالِكِيَّة.
الْعَدْل أَنْ يُعْطِيَ الذَّكَر حَظَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ حَظُّهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَال لَوْ أَبْقَاهُ الْوَاهِب فِي يَده حَتَّى مَاتَ.
وَقَالَ غَيْرهمْ : لَا فَرْق بَيْن الذَّكَر وَالْأُنْثَى , وَظَاهِر الْأَمْر بِالتَّسْوِيَةِ يَشْهَد لَهُ.
وَاسْتَأْنَسُوا بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس رَفَعَهُ " سَوُّوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي الْعَطِيَّة , فَلَوْ كُنْت مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْت النِّسَاء " أَخْرَجَهُ سَعِيد بْن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقه وَإِسْنَاده حَسَن.
وَأَجَابَ مَنْ حَمَلَ الْأَمْر بِالتَّسْوِيَةِ عَلَى النَّدْب عَنْ حَدِيث النُّعْمَان بِأَجْوِبَةٍ : أَحَدهَا : أَنَّ الْمَوْهُوب لِلنُّعْمَانِ كَانَ جَمِيع مَال وَالِده وَلِذَلِكَ مَنَعَهُ , فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّة عَلَى مَنْع التَّفْضِيل حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ مَالِك.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ طُرُق حَدِيث النُّعْمَان صَرَّحَ بِالْبَعْضِيَّةِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَمِنْ أَبْعَد التَّأْوِيلَات أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ وَهَبَ جَمِيع مَاله لِبَعْضِ وَلَده كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سَحْنُون , وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي نَفْس هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْمَوْهُوب كَانَ غُلَامًا وَأَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ لَمَّا سَأَلَتْهُ الْأُمّ الْهِبَة مِنْ بَعْض مَاله , قَالَ : وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْهُ عَلَى الْقَطْع أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَال غَيْره.
ثَانِيهَا : أَنَّ الْعَطِيَّة الْمَذْكُورَة لَمْ تُنْجَزْ , وَإِنَّمَا جَاءَ بَشِير يَسْتَشِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا تَفْعَلَ , فَتَرَكَ.
حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ.
وَفِي أَكْثَر طُرُق حَدِيث الْبَاب مَا يُنَابِذُهُ.
ثَالِثهَا : أَنَّ النُّعْمَان كَانَ كَبِيرًا وَلَمْ يَكُنْ قَبَضَ الْمَوْهُوب فَجَازَ لِأَبِيهِ الرُّجُوع , ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ , وَهُوَ خِلَاف مَا فِي أَكْثَر طُرُق الْحَدِيث أَيْضًا خُصُوصًا قَوْله : " اِرْجِعْهُ " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ وُقُوعِ الْقَبْض , وَالَّذِي تَضَافَرَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ أَبُوهُ قَابِضًا لَهُ لِصِغَرِهِ , فَأَمَرَ بِرَدِّ الْعَطِيَّة الْمَذْكُورَة بَعْدَمَا كَانَتْ فِي حُكْم الْمَقْبُوض.
رَابِعهَا : أَنَّ قَوْله : " اِرْجِعْهُ " دَلِيل عَلَى الصِّحَّة , وَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَة لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوع , وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَل خِلَاف ذَلِكَ , لَكِنْ اِسْتِحْبَاب التَّسْوِيَة رُجِّحَ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِهِ , وَفِي الِاحْتِجَاج بِذَلِكَ نَظَر , وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : " اِرْجِعْهُ " أَيْ لَا تُمْضِ الْهِبَة الْمَذْكُورَة , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ تَقَدُّم صِحَّة الْهِبَة.
خَامِسهَا : أَنَّ قَوْله : " أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " إِذْن بِالْإِشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنَّمَا اِمْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْإِمَام , وَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَشْهَدُ لِأَنَّ الْإِمَام لَيْسَ مِنْ شَأْنه أَنْ يَشْهَد وَإِنَّمَا مِنْ شَأْنه أَنْ يَحْكُم , حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا , وَارْتَضَاهُ اِبْن الْقَصَّار.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْن الْإِمَام لَيْسَ مِنْ شَأْنه أَنْ يَشْهَد أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَحَمُّلِ الشَّهَادَة وَلَا مِنْ أَدَائِهَا إِذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ , وَقَدْ صَرَّحَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَام إِذَا شَهِدَ عِنْد بَعْض نُوَّابه جَازَ , وَأَمَّا قَوْله إِنَّ قَوْله : " أَشْهِدْ " صِيغَةُ إِذْنٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ هُوَ لِلتَّوْبِيخِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّة أَلْفَاظ الْحَدِيث , وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْجُمْهُور فِي هَذَا الْمَوْضِع.
وَقَالَ اِبْن حِبَّان : قَوْله : " أَشْهِدْ " صِيغَة أَمْر وَالْمُرَاد بِهِ نَفْي الْجَوَاز وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِعَائِشَة : " اِشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاء " اِنْتَهَى.
سَادِسهَا : التَّمَسُّك بِقَوْلِهِ : " أَلَا سَوَّيْت بَيْنهمْ " عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْأَمْرِ الِاسْتِحْبَاب وَبِالنَّهْيِ التَّنْزِيه , وَهَذَا جَيِّدٌ لَوْلَا وُرُودُ تِلْك الْأَلْفَاظ الزَّائِدَة عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَة , وَلَا سِيَّمَا أَنَّ تِلْك الرِّوَايَة بِعَيْنِهَا وَرَدَتْ بِصِيغَةِ الْأَمْر أَيْضًا حَيْثُ قَالَ : " سَوِّ بَيْنهمْ ".
سَابِعهَا : وَقَعَ عِنْد مُسْلِم عَنْ اِبْن سِيرِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْفُوظ فِي حَدِيث النُّعْمَان " قَارِبُوا بَيْن أَوْلَادكُمْ " لَا " سَوُّوا " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُوجِبُونَ الْمُقَارَبَة كَمَا لَا يُوجِبُونَ التَّسْوِيَة.
ثَامِنهَا : فِي التَّشْبِيه الْوَاقِع فِي التَّسْوِيَة بَيْنهمْ بِالتَّسْوِيَةِ مِنْهُمْ فِي بِرّ الْوَالِدَيْنِ قَرِينَة تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْر لِلنَّدْبِ , لَكِنْ إِطْلَاق الْجَوْر عَلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ , وَالْمَفْهُوم مِنْ قَوْله : " لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقّ " وَقَدْ قَالَ فِي آخِر الرِّوَايَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّشْبِيه " قَالَ فَلَا إِذًا ".
تَاسِعهَا : عَمَل الْخَلِيفَتَيْنِ أَبِي بَكْر وَعُمَر بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدَم التَّسْوِيَة قَرِينَة ظَاهِرَة فِي أَنَّ الْأَمْر لِلنَّدْبِ , فَأَمَّا أَبُو بَكْر فَرَوَاهُ الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ عَائِشَة أَنَّ أَبَا بَكْر قَالَ لَهَا فِي مَرَض مَوْته " إِنِّي كُنْت نَحَلْتُك نُحْلًا فَلَوْ كُنْت اِخْتَرْتِيهِ لَكَانَ لَك , وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم لِلْوَارِثِ " وَأَمَّا عُمَر فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْره أَنَّهُ نَحَلَ اِبْنه عَاصِمًا دُون سَائِر وَلَده , وَقَدْ أَجَابَ عُرْوَة عَنْ قِصَّة عَائِشَة بِأَنَّ إِخْوَتهَا كَانُوا رَاضِينَ بِذَلِكَ , وَيُجَابُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنْ قِصَّة عُمَر.
عَاشِر الْأَجْوِبَة : أَنَّ الْإِجْمَاع اِنْعَقَدَ عَلَى جَوَاز عَطِيَّة الرَّجُل مَاله لِغَيْرِ وَلَده , فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيع وَلَده مِنْ مَاله جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضهمْ , ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ , وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ لِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وُجُود النَّصّ , وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : " لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْر " أَيْ لَا أَشْهَد عَلَى مَيْل الْأَب لِبَعْضِ الْأَوْلَاد دُون بَعْض , وَفِي هَذَا نَظَر لَا يَخْفَى , وَيَرُدُّهُ قَوْله فِي الرِّوَايَة " لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى الْحَقّ " وَحَكَى اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيّ أَنَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة اِحْتَجَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَاف ظَاهِر حَدِيث النُّعْمَان , ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَكَذَلِكَ الْأُمّ , وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْفُقَهَاء , إِلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّة فَرَّقُوا بَيْن الْأَب وَالْأُمّ فَقَالُوا لِلْأُمِّ أَنْ تَرْجِعَ إِنْ كَانَ الْأَب حَيًّا دُون مَا إِذَا مَاتَ , وَقَيَّدُوا رُجُوع الْأَب بِمَا إِذَا كَانَ الِابْن الْمَوْهُوب لَهُ لَمْ يَسْتَحْدِثْ دَيْنًا أَوْ يَنْكِحْ , وَبِذَلِكَ قَالَ إِسْحَاق , وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لِلْأَبِ الرُّجُوع مُطْلَقًا , وَقَالَ أَحْمَد : لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مُطْلَقًا , وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : إِنْ كَانَ الْمَوْهُوب صَغِيرًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ الرُّجُوع , وَكَذَا إِنْ كَانَ كَبِيرًا وَقَبَضَهَا , قَالُوا وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَة لِزَوْجٍ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ لِذِي رَحِمٍ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوع فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَوَافَقَهُمْ إِسْحَاق فِي ذِي الرَّحِم وَقَالَ : لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْجِعَ بِخِلَافِ الزَّوْج , وَالِاحْتِجَاج لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ يَطُولُ , وَحُجَّة الْجُمْهُور فِي اِسْتِثْنَاء الْأَب أَنَّ الْوَلَد وَمَاله لِأَبِيهِ فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعًا , وَعَلَى تَقْدِير كَوْنه رُجُوعًا فَرُبَّمَا اِقْتَضَتْهُ مَصْلَحَة التَّأْدِيب , وَنَحْو ذَلِكَ , سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هِبَة الزَّوْجَيْنِ فِي الْبَاب بَعْده.
وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا النَّدْب إِلَى التَّآلُفِ بَيْن الْإِخْوَة وَتَرْك مَا يُوقِعُ بَيْنَهُمْ الشَّحْنَاء أَوْ يُورِثُ الْعُقُوق لِلْآبَاءِ , وَأَنَّ عَطِيَّة الْأَب لِابْنِهِ الصَّغِير فِي حِجْره لَا تَحْتَاج إِلَى قَبْض , وَأَنَّ الْإِشْهَاد فِيهَا يُغْنِي عَنْ الْقَبْض.
وَقِيلَ إِنْ كَانَتْ الْهِبَة ذَهَبًا أَوْ فِضَّة فَلَا بُدَّ مِنْ عَزْلهَا وَإِفْرَازهَا.
وَفِيهِ كَرَاهَة تَحَمُّل الشَّهَادَة فِيمَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَأَنَّ الْإِشْهَاد فِي الْهِبَة مَشْرُوع وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَفِيهِ جَوَاز الْمَيْل إِلَى بَعْض الْأَوْلَاد وَالزَّوْجَات دُون بَعْض وَإِنْ وَجَبَتْ التَّسْوِيَة بَيْنهمْ فِي غَيْر ذَلِكَ.
وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَم أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَة , وَتَظْهَرُ فَائِدَتهَا إِمَّا لِيَحْكُمَ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ عِنْد مَنْ يُجِيزُهُ , أَوْ يُؤَدِّيهَا عِنْد بَعْض نُوَّابِهِ.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة اِسْتِفْصَال الْحَاكِم وَالْمُفْتِي عَمَّا يَحْتَمِلُ الْاِسْتِفْصَال , لِقَوْلِهِ : " أَلَك وَلَد غَيْره " فَلَمَّا قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : " أَفَكُلّهمْ أَعْطَيْت مِثْله " فَلَمَّا قَالَ : " لَا " قَالَ : " لَا أَشْهَدُ " فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ نَعَمْ لَشَهِدَ.
وَفِيهِ جَوَاز تَسْمِيَة الْهِبَة صَدَقَة , وَأَنَّ لِلْإِمَامِ كَلَامًا فِي مَصْلَحَة الْوَلَد , وَالْمُبَادَرَة إِلَى قَبُول الْحَقّ , وَأَمَرَ الْحَاكِم وَالْمُفْتِي بِتَقْوَى اللَّه فِي كُلّ حَال.
وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى سُوء عَاقِبَة الْحِرْص وَالتَّنَطُّع , لِأَنَّ عَمْرَة لَوْ رَضِيَتْ بِمَا وَهَبَهُ زَوْجهَا لِوَلَدِهِ لَمَا رَجَعَ فِيهِ , فَلَمَّا اِشْتَدَّ حِرْصُهَا فِي تَثْبِيت ذَلِكَ أَفْضَى إِلَى بُطْلَانه.
وَقَالَ الْمُهَلَّب : فِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ مِمَّنْ يُعْرَفُ مِنْهُ هُرُوبًا عَنْ بَعْض الْوَرَثَة , وَاللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْهُ
عن عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله علي...
عن عبيد الله بن عبد الله،قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج بين...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه»
عن أسماء رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي الزبير، فأتصدق؟ قال: «تصدقي، ولا توعي فيوعى عليك»
عن أسماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنفقي، ولا تحصي، فيحصي الله عليك، ولا توعي، فيوعي الله عليك»
عن كريب مولى ابن عباس، أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته، أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان يومها الذي يدور عليها...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن ي...
عن كريب مولى ابن عباس، إن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدة لها، فقال لها: «ولو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك»
عن طلحة بن عبد الله - رجل من بني تيم بن مرة - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا»...