2718-
جابر رضي الله عنه: أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم، فضربه فدعا له ، فسار بسير ليس يسير مثله، ثم قال: «بعنيه بوقية»، قلت: لا، ثم قال: «بعنيه بوقية»، فبعته، فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على إثري، قال: « ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك ذلك، فهو مالك»، قال شعبة: عن مغيرة، عن عامر، عن جابر: أفقرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إلى المدينة، وقال إسحاق: عن جرير، عن مغيرة: فبعته على أن لي فقار ظهره، حتى أبلغ المدينة، وقال عطاء، وغيره: «لك ظهره إلى المدينة» وقال محمد بن المنكدر، عن جابر: شرط ظهره إلى المدينة، وقال زيد بن أسلم: عن جابر: ولك ظهره حتى ترجع، وقال أبو الزبير: عن جابر: أفقرناك ظهره إلى المدينة، وقال الأعمش: عن سالم، عن جابر: تبلغ عليه إلى أهلك، وقال عبيد الله، وابن إسحاق: عن وهب، عن جابر: اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بوقية.
وتابعه زيد بن أسلم، عن جابر، وقال ابن جريج: عن عطاء، وغيره، عن جابر: أخذته بأربعة دنانير، «وهذا يكون وقية على حساب الدينار بعشرة دراهم ولم يبين الثمن»، مغيرة، عن الشعبي، عن جابر، وابن المنكدر، وأبو الزبير، عن جابر، وقال الأعمش، عن سالم، عن جابر: وقية ذهب، وقال أبو إسحاق: عن سالم، عن جابر: بمائتي درهم، وقال داود بن قيس، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر: اشتراه بطريق تبوك، أحسبه قال: بأربع أواق، وقال أبو نضرة: عن جابر: اشتراه بعشرين دينارا " وقول الشعبي: بوقية أكثر الاشتراط أكثر وأصح عندي " قاله أبو عبد الله
أخرجه مسلم في المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه رقم 715.
(فاستثنيت حملانه إلى أهلي) اشترطت أن يكون لي حق الركوب والحمل عليه إلى المدينة.
(على أثري) ورائي.
(أفقرني) حملني على فقاره وهو عظام ظهره.
(تبلغ) فعل أمر من بلغت المكان إذا وصلته
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( سَمِعْت عَامِرًا ) هُوَ الشَّعْبِيّ.
قَوْله : ( أَنَّهُ كَانَ يَسِير عَلَى جَمَل لَهُ قَدْ أَعْيَا ) أَيْ تَعِبَ , فِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر عَنْ زَكَرِيَّا عِنْد مُسْلِم " أَنَّهُ كَانَ يَسِير عَلَى جَمَل فَأَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبهُ " أَيْ يُطْلِقهُ وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنْ يَجْعَلهُ سَائِبَة لَا يَرْكَبهُ أَحَد كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة لِأَنَّهُ لَا يَجُوز فِي الْإِسْلَام , فَفِي أَوَّل رِوَايَة مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْجِهَاد " غَزَوْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاحَقَ بِي وَتَحْتِي نَاضِح لِي قَدْ أَعْيَا فَلَا يَكَاد يَسِير " وَالنَّاضِح بِنُونٍ وَمُعْجَمَة ثُمَّ مُهْمَلَة هُوَ الْجَمَل الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِنَضْحِهِ بِالْمَاءِ حَال سَقْيه.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين هَذِهِ الْغَزْوَة كَمَا سَيَأْتِي بَعْد هَذَا , وَوَقَعَ عِنْد الْبَزَّار مِنْ طَرِيق أَبِي الْمُتَوَكِّل عَنْ جَابِر أَنَّ الْجَمَل كَانَ أَحْمَر.
قَوْله : ( فَمَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ ) كَذَا فِيهِ بِالْفَاءِ فِيهِمَا كَأَنَّهُ عَقَّبَ الدُّعَاء لَهُ بِضَرْبِهِ.
وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَدَعَا لَهُ " وَفِي رِوَايَة يُونُس بْن بُكَيْرٍ عَنْ زَكَرِيَّا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فَضَرَبَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ فَمَشَى مِشْيَة مَا مَشَى قَبْل ذَلِكَ مِثْلهَا " وَفِي رِوَايَة مُغِيرَة الْمَذْكُورَة " فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ " وَفِي رِوَايَة عَطَاء وَغَيْره عَنْ جَابِر الْمُتَقَدِّمَة فِي الْوَكَالَة " فَمَرَّ بِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْت : جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : مَا لَك ؟ قُلْت : إِنِّي عَلَى جَمَل ثِفَال.
فَقَالَ : أَمَعَك قَضِيب ؟ قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ : أَعْطِنِيهِ , فَأَعْطَيْته فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَان مِنْ أَوَّل الْقَوْم " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَأَزْحَفَ فَزَجَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْبَسَطَ حَتَّى كَانَ أَمَام الْجَيْش " وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ عَنْ جَابِر الْمُتَقَدِّمَة فِي الْبُيُوع " فَتَخَلَّفَ.
فَنَزَلَ فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنَةٍ ثُمَّ قَالَ : اِرْكَبْ , فَرَكِبْت , فَقَدْ رَأَيْته أَكُفّهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعِنْد أَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا , قَالَ : أَنِخْهُ , وَأَنَاخَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا - أَوْ اِقْطَعْ لِي عَصَا مِنْ شَجَرَة - فَفَعَلْت , فَأَخَذَهَا فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَات فَقَالَ : اِرْكَبْ , فَرَكِبْت " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَة زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ جَابِر فَأَبْطَأَ عَلَيَّ حَتَّى ذَهَبَ النَّاس , فَجَعَلْت أَرْقُبهُ وَيُهِمّنِي شَأْنه , فَإِذَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَجَابِر ؟ قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ : مَا شَأْنك ؟ قُلْت : أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي , فَنَفَثَ فِيهَا - أَيْ الْعَصَا - ثُمَّ مَجَّ مِنْ الْمَاء فِي نَحْره ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا فَوَثَبَ " وَلِابْنِ سَعْد مِنْ هَذَا الْوَجْه " وَنَضَحَ مَاء فِي وَجْهه وَدُبُره وَضَرَبَهُ بِعُصَيَّةٍ فَانْبَعَثَ , فَمَا كِدْت أُمْسِكهُ " وَفِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر عِنْد مُسْلِم " فَكُنْت بَعْد ذَلِكَ أَحْبِس خِطَامه لِأَسْمَع حَدِيثه " وَلَهُ مِنْ طَرِيق أَبِي نَضْرَة عَنْ جَابِر " فَنَخَسَهُ ثُمَّ قَالَ : اِرْكَبْ بِسْمِ اللَّه " زَادَ فِي رِوَايَة مُغِيرَة الْمَذْكُورَة " فَقَالَ كَيْفَ تَرَى بَعِيرك ؟ قُلْت بِخَيْرٍ , قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتك ".
قَوْله : ( ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ : قُلْت لَا ) فِي رِوَايَة أَحْمَد " فَكَرِهْت أَنْ أَبِيعهُ " وَفِي رِوَايَة مُغِيرَة الْمَذْكُورَة " قَالَ أَتَبِيعُنِيهِ ؟ فَاسْتَحْيَيْت وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِح غَيْره , فَقُلْت.
نَعَمْ " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْه " وَكَانَتْ لِي إِلَيْهِ حَاجَة شَدِيدَة " وَلِأَحْمَد مِنْ رِوَايَة نُبَيْح وَهُوَ بِالنُّونِ وَالْمُوَحَّدَة وَالْمُهْمَلَة مُصَغَّر , وَفِي رِوَايَة عَطَاء قَالَ : " بِعْنِيهِ , قُلْت بَلْ هُوَ لَك يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : بِعْنِيهِ " زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي الزُّبَيْر قَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ , اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ " وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيق أَبِي نَضْرَة عَنْ جَابِر " فَقَالَ أَتَبِيعُ نَاضِحك هَذَا وَاَللَّه يَغْفِر لَك " زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه " وَكَانَتْ كَلِمَة تَقُولهَا الْعَرَب : اِفْعَلْ كَذَا وَاَللَّه يَغْفِر لَك ".
وَلِأَحْمَد " قَالَ سُلَيْمَان - يَعْنِي بَعْض رُوَاته - فَلَا أَدْرِي كَمْ مِنْ مَرَّة " يَعْنِي قَالَ لَهُ وَاَللَّه يَغْفِر لَك , وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر " اِسْتَغْفَرَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْبَعِير خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّة " وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ عَنْ جَابِر عِنْد أَحْمَد " أَتَبِيعُنِي جَمَلك هَذَا يَا جَابِر ؟ قُلْت : بَلْ أَهَبهُ لَك.
قَالَ : لَا , وَلَكِنْ بِعْنِيهِ " وَفِي كُلّ ذَلِكَ رَدّ لِقَوْلِ اِبْن التِّين إِنَّ قَوْله : " لَا " لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّة.
قَوْله : ( بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) فِي رِوَايَة سَالِم عَنْ جَابِر عِنْد أَحْمَد " فَقَالَ بِعْنِيهِ , قُلْت : هُوَ لَك , قَالَ : قَدْ أَخَذْته بِوُقِيَّةٍ " وَلِابْنِ سَعْد وَأَبِي عَوَانَة مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيَّ قُلْت : إِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّة مِنْ ذَهَب هُوَ لَك بِهَا , قَالَ : نَعَمْ " وَالْوُقِيَّة مِنْ الْفِضَّة كَانَتْ فِي عُرْف ذَلِكَ الزَّمَان أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَفِي عُرْف النَّاس بَعْد ذَلِكَ عَشَرَة دَرَاهِم وَفِي عُرْف أَهْل مِصْر الْيَوْم اِثْنَا عَشَر دِرْهَمًا وَسَيَأْتِي بَيَان الِاخْتِلَاف فِي قَدْر الثَّمَن فِي آخِر الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث : قَوْله : ( فَاسْتَثْنَيْت حُمْلَانه إِلَى أَهْلِي ) الْحُمْلَان بِضَمِّ الْمُهْمَلَة الْحَمْل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف , أَيْ اِسْتَثْنَيْت حَمْله إِيَّايَ , وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظِ " وَاسْتَثْنَيْت ظَهْره إِلَى أَنْ نُقْدِم " وَلِأَحْمَد مِنْ طَرِيق شَرِيك عَنْ مُغِيرَة " اِشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا عَلَى أَنْ يُفْقِرنِي ظَهْره سَفَرِي ذَلِكَ " وَذَكَرَ الْمُصَنِّف الِاخْتِلَاف فِي أَلْفَاظه عَلَى جَابِر , وَسَيَأْتِي بَيَانه.
قَوْله : ( فَلَمَّا قَدِمْنَا ) زَادَ مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ كَمَا مَضَى فِي الِاسْتِقْرَاض " فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَة اِسْتَأْذَنْته فَقَالَ : تَزَوَّجْت بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا " وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي النِّكَاح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَزَادَ فِيهِ " فَقَدِمْت الْمَدِينَة فَأَخْبَرْت خَالِي بِبَيْعِ الْجَمَل فَلَامَنِي ".
وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد مِنْ رِوَايَة نُبَيْح الْمَذْكُورَة " فَأَتَيْت عَمَّتِي بِالْمَدِينَةِ فَقُلْت لَهَا : أَلَمْ تَرَيْ أَنِّي بِعْت نَاضِحنَا , فَمَا رَأَيْتهَا أَعْجَبَهَا ذَلِكَ " وَسَيَأْتِي الْقَوْل فِي بَيَان تَسْمِيَة خَاله فِي أَوَائِل الْهِجْرَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَجَزَمَ اِبْن لُقَطَة بِأَنَّهُ جَدّ بِفَتْحِ الْجِيم وَتَشْدِيد الدَّال اِبْن قَيْس , وَأَمَّا عَمَّته فَاسْمهَا هِنْد بِنْت عَمْرو , وَيَحْتَمِل أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَمْ يُعْجِبهُمَا بَيْعه لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْده نَاضِح غَيْره.
وَأَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْه فِي كِتَاب الْجِهَاد بِلَفْظِ " ثُمَّ قَالَ : اِئْتِ أَهْلك , فَتَقَدَّمْت النَّاس إِلَى الْمَدِينَة " وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ فِي أَوَائِل الْبُيُوع " وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة قَبْلِي , وَقَدِمْت بِالْغَدَاةِ فَجِئْت إِلَى الْمَسْجِد فَوَجَدْته فَقَالَ : الْآن قَدِمْت ؟ قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : فَدَعْ الْجَمَل وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " وَظَاهِرهمَا التَّنَاقُض , لِأَنَّ فِي إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ النَّاس إِلَى الْمَدِينَة وَفِي الْأُخْرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ قَبْله , فَيَحْتَمِل فِي الْجَمْع بَيْنهمَا أَنْ يُقَال أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ قَوْله فَتَقَدَّمْت النَّاس أَنْ يَسْتَمِرّ سَبْقه لَهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا لَحِقُوهُ بَعْد أَنْ تَقَدَّمَهُمْ إِمَّا لِنُزُولِهِ لِرَاحَةٍ أَوْ نَوْم أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَلَعَلَّهُ اِمْتَثَلَ أَمْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لَا يَدْخُل لَيْلًا فَبَاتَ دُون الْمَدِينَة وَاسْتَمَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ دَخَلَهَا سَحَرًا وَلَمْ يَدْخُلهَا جَابِر حَتَّى طَلَعَ النَّهَار , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( أَتَيْته بِالْجَمَلِ ) فِي رِوَايَة مُغِيرَة " فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة غَدَوْت إِلَيْهِ بِالْبَعِيرِ " وَلِأَبِي الْمُتَوَكِّل عَنْ جَابِر كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِهَاد " فَدَخَلْت - يَعْنِي الْمَسْجِد - إِلَيْهِ وَعَقَلْت الْجَمَل فَقُلْت : هَذَا جَمَلك , فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيف بِالْجَمَلِ وَيَقُول : جَمَلنَا , فَبَعَثَ إِلَيَّ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَب ثُمَّ قَالَ : اِسْتَوْفَيْت الثَّمَن ؟ قُلْت نَعَمْ ".
قَوْله : ( وَنَقَدَنِي ثَمَنه ثُمَّ اِنْصَرَفْت ) فِي رِوَايَة مُغِيرَة الْمَاضِيَة فِي الِاسْتِقْرَاض فَأَعْطَانِي ثَمَن الْجَمَل وَالْجَمَل وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْم " وَفِي رِوَايَته الْآتِيَة فِي الْجِهَاد " فَأَعْطَانِي ثَمَنه وَرَدَّهُ عَلَيَّ " وَهِيَ كُلّهَا بِطَرِيقِ الْمَجَاز لِأَنَّ الْعَطِيَّة إِنَّمَا وَقَعَتْ لَهُ بِوَاسِطَةِ بِلَال كَمَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَة قَالَ لِبِلَالٍ : أَعْطِهِ أُوقِيَّة مِنْ ذَهَب وَزِدْهُ , قَالَ فَأَعْطَانِي أُوقِيَّة وَزَادَنِي قِيرَاطًا , فَقُلْت لَا تُفَارِقنِي زِيَادَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَدِيث , وَفِيهِ ذِكْر أَخْذ أَهْل الشَّام لَهُ يَوْم الْحَرَّة , وَتَقَدَّمَ نَحْوه فِي الْوَكَالَة لِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيق عَطَاء وَغَيْره عَنْ جَابِر , وَلِأَحْمَد وَأَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق وَهْب بْن كَيْسَانَ " فَوَاَللَّهِ مَا زَالَ يَنْمِي وَيَزِيد عِنْدنَا وَنَرَى مَكَانه مِنْ بَيْتنَا حَتَّى أُصِيبَ أَمْس فِيمَا أُصِيبَ لِلنَّاسِ يَوْم الْحَرَّة " وَفِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر عِنْد النَّسَائِيِّ " فَقَالَ : يَا بِلَال أَعْطِهِ ثَمَنه , فَلَمَّا أَدْبَرْت دَعَانِي فَخِفْت أَنْ يَرُدّهُ عَلَيَّ فَقَالَ : هُوَ لَك " وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ فِي النِّكَاح " فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَزِن لِي أُوقِيَّة فَوَزَنَ بِلَال وَأَرْجَحَ لِي فِي الْمِيزَان , فَانْطَلَقْت حَتَّى وَلَّيْت فَقَالَ : اُدْعُ جَابِرًا , فَقُلْت.
الْآن يَرُدّ عَلَيَّ الْجَمَل , وَلَمْ يَكُنْ شَيْء أَبْغَض إِلَيَّ مِنْهُ فَقَالَ : خُذْ جَمَلك وَلَك ثَمَنه " وَهَذِهِ الرِّوَايَة مُشْكِلَة مَعَ قَوْله الْمُتَقَدِّم " وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِح غَيْره " وَقَوْله : " وَكَانَتْ لِي إِلَيْهِ حَاجَة شَدِيدَة وَلَكِنِّي اِسْتَحْيَيْت مِنْهُ " وَمَعَ تَنْدِيم خَاله لَهُ عَلَى بَيْعه , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّل الْحَال , وَكَانَ الثَّمَن أَوْفَر مِنْ قِيمَته وَعَرَفَ أَنَّهُ يُمْكِن أَنْ يَشْتَرِي بِهِ أَحْسَن مِنْهُ وَيَبْقَى لَهُ بَعْض الثَّمَن فَلِذَلِكَ صَارَ يَكْرَه رَدَّهُ عَلَيْهِ.
وَلِأَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي هُبَيْرَة عَنْ جَابِر " فَلَمَّا أَتَيْته دَفَعَ إِلَيَّ الْبَعِير وَقَالَ : هُوَ لَك , فَمَرَرْت بِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُود فَأَخْبَرْته فَجَعَلَ يَعْجَب وَيَقُول : اِشْتَرَى مِنْك الْبَعِير وَدَفَعَ إِلَيْك الثَّمَن ثُمَّ وَهَبَهُ لَك ؟ قُلْت : نَعَمْ ".
قَوْله : ( مَا كُنْت لِآخُذ جَمَلك , فَخُذْ جَمَلك ذَلِكَ فَهُوَ مَالِك ) كَذَا وَقَعَ هُنَا , وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ أَبِي نُعَيْم شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِلَفْظِ " أَتَرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِآخُذ جَمَلك , خُذْ جَمَلك وَدَرَاهِمك هُمَا لَك " أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " عَنْ الطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر عَنْ زَكَرِيَّا , لَكِنْ قَالَ فِي آخِره " فَهُوَ لَك " وَعَلَيْهَا اِقْتَصَرَ صَاحِب " الْعُمْدَة " وَوَقَعَ لِأَحْمَد عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ زَكَرِيَّا بِلَفْظِ " قَالَهُ أَظَنَنْت حِين مَاكَسْتُكَ أَذْهَب بِجَمَلِك ؟ خُذْ جَمَلك وَثَمَنه فَهُمَا لَك " وَهَذِهِ الرِّوَايَة وَكَذَلِكَ رِوَايَة الْبُخَارِيّ تُوَضِّح أَنَّ اللَّام فِي قَوْله " لِآخُذ " لِلتَّعْلِيلِ وَبَعْدهَا هَمْزَة مَمْدُودَة , وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاة مُسْلِم كَمَا حَكَاهُ عِيَاض لَا بِصِيغَةِ النَّفْي , " خُذْ " بِصِيغَةِ الْأَمْر , وَيَلْزَم عَلَيْهِ التَّكْرَار فِي قَوْله : " خُذْ جَمَلك " وَقَوْله : " مَاكَسْتُكَ " هُوَ مِنْ الْمُمَاكَسَة أَيْ الْمُنَاقَصَة فِي الثَّمَن , وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَقَعَ بَيْنهمَا مِنْ الْمُسَاوَمَة عِنْد الْبَيْع كَمَا تَقَدَّمَ , قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : هَذَا مِنْ أَحْسَن التَّكَرُّم , لِأَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا فَهُوَ فِي الْغَالِب مُحْتَاج لِثَمَنِهِ , فَإِذَا تَعَوَّضَ مِنْ الثَّمَن بَقِيَ فِي قَلْبه مِنْ الْمَبِيع أَسَف عَلَى فِرَاقه كَمَا قِيلَ : وَقَدْ تَخْرُج الْحَاجَات يَا أُمّ مَالِك نَفَائِس مِنْ رَبّ بِهِنَّ ضَنِين فَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيع مَعَ ثَمَنه ذَهَبَ الْهَمّ عَنْهُ وَثَبَتَ فَرَحه وَقُضِيَتْ حَاجَته , فَكَيْفَ مَعَ مَا اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الزِّيَادَة فِي الثَّمَن.
قَوْله : ( وَقَالَ شُعْبَة عَنْ مُغِيرَة ) أَيْ اِبْن مِقْسَم الضَّبِّيّ ( عَنْ عَامِر ) هُوَ الشَّعْبِيّ ( عَنْ جَابِر : أَفْقَرَنِي ظَهْره ) بِتَقْدِيمِ الْفَاء عَلَى الْقَاف أَيْ حَمَلَنِي عَلَى فَقَاره , وَالْفَقَار عِظَام الظَّهْر , وَرِوَايَة شُعْبَة هَذِهِ وَصَلَهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن كَثِير عَنْهُ.
قَوْله : ( وَقَالَ إِسْحَاق ) أَيْ اِبْن إِبْرَاهِيم ( عَنْ جَرِير عَنْ مُغِيرَة : فَبِعْته عَلَى أَنَّ لِي فَقَار ظَهْره حَتَّى أَبْلُغ الْمَدِينَة ) وَهَذِهِ الرِّوَايَة تَأْتِي مَوْصُولَة فِي الْجِهَاد , وَهِيَ دَالَّة عَلَى الِاشْتِرَاط , بِخِلَافِ رِوَايَة شُعْبَة عَنْ مُغِيرَة فَإِنَّهَا لَا تَدُلّ عَلَيْهِ , وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَة عَنْ مُغِيرَة عِنْد النَّسَائِيِّ بِلَفْظٍ مُحْتَمَل قَالَ فِيهِ : " قَالَ بِعْنِيهِ وَلَك ظَهْره حَتَّى تَقْدَم " وَوَافَقَ زَكَرِيَّا عَلَى ذِكْر الِاشْتِرَاط فِيهِ يَسَار عَنْ الشَّعْبِيّ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه بِلَفْظِ " فَاشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا عَلَى أَنَّ لِي ظَهْره حَتَّى أَقَدَمَ الْمَدِينَة ".
قَوْله : ( وَقَالَ عَطَاء وَغَيْره ) أَيْ عَنْ جَابِر ( وَلَك ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة ) تَقَدَّمَ مَوْصُولًا مُطَوَّلًا فِي الْوَكَالَة وَلَفْظه " قَالَ بِعْنِيهِ , قُلْت : هُوَ لَك , قَالَ : قَدْ أَخَذْته بِأَرْبَعَةِ دَنَانِير وَلَك ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة " وَلَيْسَ فِيهَا أَيْضًا دَلَالَة عَلَى الِاشْتِرَاط.
قَوْله : ( وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر : شَرَطَ لِي ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة ) وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق الْمُنْكَدِر بْن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِيهِ بِهِ , وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عُثْمَان بْن مُحَمَّد الْأَخْنَسِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر بِلَفْظِ " فَبِعْته إِيَّاهُ وَشَرَطْته - أَيْ رُكُوبه - إِلَى الْمَدِينَة ".
قَوْله : ( وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ جَابِر : وَلَك ظَهْره حَتَّى تَرْجِع ) وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ بِتَمَامِهِ.
قَوْله : ( وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر : أَفْقَرْنَاك ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة ) وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي الزُّبَيْر بِهِ , وَهُوَ عِنْد مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " فَبِعْته مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ , قُلْت : عَلَى أَنَّ لِي ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة , قَالَ : وَلَك ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوب قَالَ : " قَدْ أَخَذْته بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ أَعَرْتُك ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة ".
قَوْله : ( وَقَالَ الْأَعْمَش عَنْ سَالِم ) هُوَ اِبْن أَبِي الْجَعْد ( عَنْ جَابِر تَبْلُغ بِهِ إِلَى أَهْلك ) وَصَلَهُ أَحْمَد وَمُسْلِم وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ وَغَيْرهمْ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش , وَهَذَا لَفْظ عَبْد بْن حُمَيْدٍ , وَلَفْظ اِبْن سَعْد وَالْبَيْهَقِيِّ " تَبْلُغ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلك " وَلَفْظ مُسْلِم " فَتَبْلُغ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة " وَلَفْظ أَحْمَد " قَدْ أَخَذْته بِوُقِيَّةٍ , اِرْكَبْهُ , فَإِذَا قَدِمْت فَائْتِنَا بِهِ " وَهِيَ مُتَقَارِبَة.
قَوْله : ( قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه ) هُوَ الْمُصَنِّف : ( الِاشْتِرَاط أَكْثَر وَأَصَحّ عِنْدِي ) أَيْ أَكْثَر طُرُقًا وَأَصَحّ مَخْرَجًا , وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الرُّوَاة اِخْتَلَفُوا عَنْ جَابِر فِي هَذِهِ الْوَاقِعَة هَلْ وَقَعَ الشَّرْط فِي الْعَقْد عِنْد الْبَيْع أَوْ كَانَ رُكُوبه لِلْجَمَلِ بَعْد بَيْعه إِبَاحَة مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد شِرَائِهِ عَلَى طَرِيق الْعَارِيَة , وَأَصْرَح مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ رِوَايَة النَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَة , لَكِنْ اِخْتَلَفَ فِيهَا حَمَّاد بْن زَيْد وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , وَحَمَّاد أَعْرَف بِحَدِيثِ أَيُّوب مِنْ سُفْيَان , وَالْحَاصِل أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرُوهُ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاط أَكْثَر عَدَدًا مِنْ الَّذِينَ خَالَفُوهُمْ وَهَذَا وَجْه مِنْ وُجُوه التَّرْجِيح فَيَكُون أَصَحّ , وَيَتَرَجَّح أَيْضًا بِأَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاط مَعَهُمْ زِيَادَة وَهُمَا حُفَّاظ فَتَكُون حُجَّة , وَلَيْسَ رِوَايَة مَنْ لَمْ يَذْكُر الِاشْتِرَاط مُنَافِيَة لِرِوَايَةِ مَنْ ذَكَرَهُ , لِأَنَّ قَوْله : " لَك ظَهْره " وَ " أَفْقَرْنَاك ظَهْره " وَ " تَبْلُغ عَلَيْهِ " لَا يَمْنَع وُقُوع الِاشْتِرَاط قَبْل ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ جَابِر بِمَعْنَى الِاشْتِرَاط أَيْضًا أَبُو الْمُتَوَكِّل عِنْد أَحْمَد وَلَفْظه " فَبِعْنِي وَلَك ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة " لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي الْجِهَاد مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل فَلَمْ يَتَعَرَّض لِلشَّرْطِ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا , وَرَوَاهُ أَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " أَتَبِيعُنِي جَمَلك ؟ قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ : أَقْدَم عَلَيْهِ الْمَدِينَة " وَرَوَاهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي هُبَيْرَة عَنْ جَابِر بِلَفْظِ " فَاشْتَرَى مِنِّي بَعِيرًا فَجَعَلَ لِي ظَهْره حَتَّى أَقْدَم الْمَدِينَة " وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ وَغَيْره مِنْ طَرِيق أَبِي نَضْرَة عَنْ جَابِر بِلَفْظِ " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه هُوَ نَاضِحك إِذَا أَتَيْت الْمَدِينَة ".
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِر نُبَيْح الْعَنَزِيّ عِنْد أَحْمَد فَلَمْ يَذْكُر الشَّرْط وَلَفْظه " قَدْ أَخَذْته بِوُقِيَّةٍ , قَالَ فَنَزَلْت إِلَى الْأَرْض فَقَالَ : مَالَك ؟ قُلْت : جَمَلك.
قَالَ اِرْكَبْ , فَرَكِبْت حَتَّى أَتَيْت الْمَدِينَة " وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق وَهْب بْن كَيْسَانَ عَنْ جَابِر فَلَمْ يَذْكُر الشَّرْط قَالَ فِيهِ " حَتَّى بَلَغَ أُوقِيَّة , قُلْت قَدْ رَضِيت , قَالَ.
نَعَمْ , قُلْت : فَهُوَ لَك , قَالَ : قَدْ أَخَذْته.
ثُمَّ قَالَ : يَا جَابِر هَلْ تَزَوَّجْت " الْحَدِيث.
وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّف مِنْ تَرْجِيح رِوَايَة الِاشْتِرَاط هُوَ الْجَارِي عَلَى طَرِيقَة الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْل الْحَدِيث لِأَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ تَصْحِيح الْمَتْن إِذَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَاف إِلَّا إِذَا تَكَافَأَتْ الرِّوَايَات , وَهُوَ شَرْط الِاضْطِرَاب الَّذِي يُرَدّ بِهِ الْخَبَر , وَهُوَ مَفْقُود هُنَا مَعَ إِمْكَان التَّرْجِيح , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد.
إِذَا اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات وَكَانَتْ الْحُجَّة بِبَعْضِهَا دُون بَعْض تَوَقَّفَ الِاحْتِجَاج بِشَرْطِ تَعَادُل الرِّوَايَات , أَمَّا إِذَا وَقَعَ التَّرْجِيح لِبَعْضِهَا بِأَنْ تَكُون رُوَاتهَا أَكْثَر عَدَدًا أَوْ أَتْقَنَ حِفْظًا فَيَتَعَيَّن الْعَمَل بِالرَّاجِحِ , إِذْ الْأَضْعَف لَا يَكُون مَانِعًا مِنْ الْعَمَل بِالْأَقْوَى , وَالْمَرْجُوح لَا يَمْنَع التَّمَسُّك بِالرَّاجِحِ , وَقَدْ جَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى تَصْحِيح الِاشْتِرَاط لَكِنْ تَأَوَّلَهُ بِأَنَّ الْبَيْع الْمَذْكُور لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَقِيقَة لِقَوْلِهِ فِي آخِره " أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ إِلَخْ " قَالَ : فَإِنَّهُ يُشْعِر بِأَنَّ الْقَوْل الْمُتَقَدِّم لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّبَايُع حَقِيقَة , وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّهُ دَعْوَى مُجَرَّدَة وَتَغْيِير وَتَحْرِيف لَا تَأْوِيل , قَالَ : وَكَيْفَ يَصْنَع قَائِله فِي قَوْله : " بِعْته مِنْك بِأُوقِيَّةٍ " بَعْد الْمُسَاوَمَة ؟ وَقَوْله : " قَدْ أَخَذْته " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظ الْمَنْصُوصَة فِي ذَلِكَ ؟ وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ بِأَنَّ الرُّكُوب إِنْ كَانَ مِنْ مَال الْمُشْتَرِي فَالْبَيْع فَاسِد لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا قَدْ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي , وَإِنْ كَانَ مِنْ مَاله فَفَاسِد لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَمْ يَمْلِك الْمَنَافِع بَعْد الْبَيْع مِنْ جِهَة الْبَائِع , وَإِنَّمَا مَلَكَهَا لِأَنَّهَا طَرَأَتْ فِي مِلْكه.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْفَعَة الْمَذْكُورَة قُدِّرَتْ بِقَدْرٍ مِنْ ثَمَن الْمَبِيع وَوَقَعَ الْبَيْع بِمَا عَدَاهَا , وَنَظِيره مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتهَا , وَالْمُمْتَنِع إِنَّمَا هُوَ اِسْتِثْنَاء شَيْء مَجْهُول لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي , أَمَّا لَوْ عَلِمَاهُ مَعًا فَلَا مَانِع , فَيُحْمَل مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة عَلَى ذَلِكَ.
وَأَغْرَبَ اِبْن حَزْم فَزَعَمَ أَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ الْحَدِيث أَنَّ الْبَيْع لَمْ يَتِمّ لِأَنَّ الْبَائِع بَعْد عَقَدَ الْبَيْع مُخَيَّر قَبْل التَّفَرُّق , فَلَمَّا قَالَ فِي آخِره " أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ " دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ اِخْتَارَ تَرْك الْأَخْذ , وَإِنَّمَا اِشْتَرَطَ لِجَابِرٍ رُكُوب جَمَل نَفْسه , فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّة لِمَنْ أَجَازَ الشَّرْط فِي الْبَيْع , وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّأْوِيل مِنْ التَّكَلُّف.
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : قَوْله : " وَلَك ظَهْره " وَعْد قَامَ مَقَام الشَّرْط لِأَنَّ وَعْده لَا خُلْف فِيهِ وَهِبَته لَا رُجُوع فِيهَا لِتَنْزِيهِ اللَّه تَعَالَى لَهُ عَنْ دَنَاءَة الْأَخْلَاق , فَلِذَلِكَ سَاغَ لِبَعْضِ الرُّوَاة أَنْ يُعَبِّر عَنْهُ بِالشَّرْطِ , وَلَا يَلْزَم أَنْ يَجُوز ذَلِكَ فِي حَقّ غَيْره.
وَحَاصِله أَنَّ الشَّرْط لَمْ يَقَع فِي نَفْس الْعَقْد وَإِنَّمَا وَقَعَ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا , فَتَبَرَّعَ بِمَنْفَعَتِهِ أَوَّلًا كَمَا تَبَرَّعَ بِرَقَبَتِهِ آخِرًا.
وَوَقَعَ فِي كَلَام الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّة أَنَّ فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْخَبَر " فَلَمَّا نَقَدَنِي الثَّمَن شَرَطْت حُمْلَانِي إِلَى الْمَدِينَة " وَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى أَنَّ الشَّرْط تَأَخَّرَ عَنْ الْعَقْد , لَكِنْ لَمْ أَقِف عَلَى الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة , وَإِنْ ثَبَتَتْ فَيَتَعَيَّن تَأْوِيلهَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى " نَقَدَنِي الثَّمَن " أَيْ قَرَّرَهُ لِي وَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينه , لِأَنَّ الرِّوَايَات الصَّحِيحَة صَرِيحَة فِي أَنَّ قَبْضه الثَّمَن إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ , وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّن تَأْوِيل رِوَايَة الطَّحَاوِيِّ " أَتَبِيعُنِي جَمَلك هَذَا إِذَا قَدِمْنَا الْمَدِينَة بِدِينَارٍ " الْحَدِيث , فَالْمَعْنَى أَتَبِيعُنِي بِدِينَارٍ أُوفِيكَهُ إِذَا قَدِمْنَا الْمَدِينَة.
وَقَالَ الْمُهَلَّب : يَنْبَغِي تَأْوِيل مَا وَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات مِنْ ذِكْر الشَّرْط عَلَى أَنَّهُ شَرْط تَفَضُّل لَا شَرْط فِي أَصْل الْبَيْع لِيُوَافِق رِوَايَة مَنْ رَوَى " أَفْقَرْنَاك ظَهْره " وَ " أَعَرْتُك ظَهْره " وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ , قَالَ : وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ الْقِصَّة جَرَتْ كُلّهَا عَلَى وَجْه التَّفَضُّل وَالرِّفْق بِجَابِرٍ , وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا قَوْل جَابِر " هُوَ لَك , قَالَ : لَا بَلْ بِعْنِيهِ " فَلَمْ يَقْبَل مِنْهُ إِلَّا بِثَمَنٍ رِفْقًا بِهِ , وَسَبَقَ الْإِسْمَاعِيلِيّ إِلَى نَحْو هَذَا , وَزَعَمَ أَنَّ النُّكْتَة فِي ذِكْر الْبَيْع أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَبَرّ جَابِرًا عَلَى وَجْه لَا يَحْصُل لِغَيْرِهِ طَمَع فِي مِثْله فَبَايَعَهُ فِي جَمَله عَلَى اِسْم الْبَيْع لِيَتَوَفَّر عَلَيْهِ بِرّه وَيَبْقَى الْبَعِير قَائِمًا عَلَى مِلْكه فَيَكُون ذَلِكَ أَهْنَأ لِمَعْرُوفِهِ.
قَالَ : وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَمَرَهُ بِلَالًا أَنْ يَزِيدهُ عَلَى الثَّمَن زِيَادَة مُهِمَّة فِي الظَّاهِر , فَإِنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ زِيَادَة الْإِحْسَان إِلَيْهِ مِنْ غَيْر أَنْ يَحْصُل لِغَيْرِهِ تَأْمِيل فِي نَظِير ذَلِكَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَ لَكَانَ الْحَال بَاقِيًا فِي التَّأْمِيل الْمَذْكُور عِنْد رَدّه عَلَيْهِ الْبَعِير الْمَذْكُور وَالثَّمَن مَعًا , وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَالَة السَّفَر غَالِبًا تَقْتَضِي قِلَّة الشَّيْء بِخِلَافِ حَالَة الْحَضَر فَلَا مُبَالَاة عِنْد التَّوْسِعَة مِنْ طَمَع الْآمِل.
وَأَقْوَى هَذِهِ الْوُجُوه فِي نَظَرِي مَا تَقَدَّمَ نَقْله عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ أَنَّهُ وَعْد حَلَّ مَحَلّ الشَّرْط.
وَأَبْدَى السُّهَيْلِيّ فِي قِصَّة جَابِر مُنَاسَبَة لَطِيفَة غَيْر مَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ , مُلَخَّصهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخْبَرَ جَابِرًا بَعْد قَتْل أَبِيهِ بِأُحُدٍ أَنَّ اللَّه أَحْيَاهُ وَقَالَ : " مَا تَشْتَهِي فَأَزِيدك " أَكَّدَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر بِمَا يَشْتَهِيه فَاشْتَرَى مِنْهُ الْجَمَل وَهُوَ مَطِيَّته بِثَمَنٍ مَعْلُوم , ثُمَّ وَفَّرَ عَلَيْهِ الْجَمَل وَالثَّمَن وَزَادَهُ عَلَى الثَّمَن , كَمَا اِشْتَرَى اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ بِثَمَنٍ هُوَ الْجَنَّة ثُمَّ رَدّ عَلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ وَزَادَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة ).
قَوْله : ( وَقَالَ عُبَيْد اللَّه ) أَيْ اِبْن عُمَر الْعُمَرِيّ ( وَابْن إِسْحَاق عَنْ وَهْب ) أَيْ اِبْن كَيْسَانَ ( عَنْ جَابِر ) أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيث ( اِشْتَرَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُوقِيَّةٍ ) وَطَرِيق اِبْن إِسْحَاق وَصَلَهَا أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّار مُطَوَّلَة وَفِيهَا " قَالَ قَدْ أَخَذْته بِدِرْهَمٍ , قُلْت : إِذًا تَغْبِننِي يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : فَبِدِرْهَمَيْنِ , قُلْت : لَا , فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَع لِي حَتَّى بَلَغَ أُوقِيَّة " الْحَدِيث , وَرِوَايَة عُبَيْد اللَّه وَصَلَهَا الْمُؤَلِّف فِي الْبُيُوع وَلَفْظه قَالَ : " أَتَبِيعُ جَمَلك ؟ قُلْت نَعَمْ , فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ ".
قَوْله : ( وَتَابَعَهُ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ جَابِر ) أَيْ فِي ذِكْر الْأُوقِيَّة , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَوْصُول عِنْد الْبَيْهَقِيِّ.
قَوْله : ( وَقَالَ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء وَغَيْره عَنْ جَابِر : أَخَذْته بِأَرْبَعَةِ دَنَانِير ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَوْصُول عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْوَكَالَة , وَقَوْله : " وَهَذَا يَكُون أُوقِيَّة عَلَى حِسَاب الدِّينَار بِعَشَرَةٍ " هُوَ مِنْ كَلَام الْمُصَنِّف قَصَدَ بِهِ الْجَمْع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ , وَهُوَ كَمَا قَالَ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْأُوقِيَّةِ أَيْ مِنْ الْفِضَّة وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا , وَقَوْله : " الدِّينَار " مُبْتَدَأ وَقَوْله : " بِعَشَرَة " خَبَره أَيْ دِينَار ذَهَب بِعَشَرَةِ دَرَاهِم فِضَّة , نَسَبَ شَيْخنَا اِبْن الْمُلَقِّن هَذَا الْكَلَام إِلَى رِوَايَة عَطَاء وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق لَا فِي الْبُخَارِيّ وَلَا فِي غَيْره , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَام الْبُخَارِيّ.
قَوْله : ( وَلَمْ يُبَيِّن الثَّمَن مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر , وَابْن الْمُنْكَدِر وَأَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر ) اِبْن الْمُنْكَدِر مَعْطُوف عَلَى مُغِيرَة , وَأَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة لَمْ يُعَيِّنُوا الثَّمَن فِي رِوَايَتهمْ , فَأَمَّا رِوَايَة مُغِيرَة فَتَقَدَّمَتْ مَوْصُولَة فِي الِاسْتِقْرَاض وَتَأْتِي مُطَوَّلَة فِي الْجِهَاد وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْر الثَّمَن , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرهمَا , وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَيِّن يَسَار عَنْ الشَّعْبِيّ فِي رِوَايَته الثَّمَن أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ طَرِيقه , وَرَوَاهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق يَسَار فَقَالَ : " عَنْ أَبِي هُبَيْرَة عَنْ جَابِر " وَلَمْ يُعَيِّن الثَّمَن فِي رِوَايَته أَيْضًا.
وَأَمَّا اِبْن الْمُنْكَدِر فَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ التَّعْيِين أَيْضًا.
وَأَمَّا أَبُو الزُّبَيْر فَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُعَيِّن الثَّمَن , لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم فَعَيَّنَ الثَّمَن وَلَفْظه " فَبِعْته مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ , قُلْت عَلَى أَنَّ لِي ظَهْره إِلَى الْمَدِينَة " وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ اِبْن سَعْد , وَرُوِّينَاهُ فِي " فَوَائِد تَمَّام " مِنْ طَرِيق سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ أَبِي الزُّبَيْر فَقَالَ فِيهِ : " أَخَذْته مِنْك بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ".
قَوْله : ( وَقَالَ الْأَعْمَش عَنْ سَالِم ) أَيْ اِبْن أَبِي الْجَعْد ( عَنْ جَابِر : أُوقِيَّة ذَهَب ) وَصَلَهُ أَحْمَد وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا هَكَذَا , وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد صَحِيحَة " قَدْ أَخَذْته بِوُقِيَّةٍ " وَلَمْ يَصِفهَا لَكِنْ مَنْ وَصَفَهَا حَافِظ فَزِيَادَته مَقْبُولَة.
قَوْله : ( وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق عَنْ سَالِم ) أَيْ اِبْن أَبِي الْجَعْد ( عَنْ جَابِر بِمِائَتَيْ دِرْهَم , وَقَالَ دَاوُد بْن قَيْس عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مِقْسَم عَنْ جَابِر : اِشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوك , أَحْسِبهُ قَالَ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ ) .
أَمَّا رِوَايَة أَبِي إِسْحَاق فَلَمْ أَقِف عَلَى مَنْ وَصَلَهَا , وَلَمْ تَخْتَلِف نُسَخ الْبُخَارِيّ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا.
" بِمِائَتَيْ دِرْهَم ".
وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ فِي بَعْض رِوَايَات الْبُخَارِيّ " ثَمَانمِائَةِ دِرْهَم " وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ أَصْلًا , وَلَعَلَّهُ أَرَادَ هَذِهِ الرِّوَايَة فَتَصَحَّفَتْ.
وَأَمَّا رِوَايَة دَاوُدَ بْن قَيْس فَجَزَمَ بِزَمَانِ الْقِصَّة وَشَكَّ فِي مِقْدَار الثَّمَن , فَأَمَّا جَزْمه بِأَنَّ الْقِصَّة وَقَعَتْ فِي طَرِيق تَبُوك فَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل عَنْ جَابِر " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِجَابِرٍ فِي غَزْوَة تَبُوك " فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل فَقَالَ : " فِي بَعْض أَسْفَاره " وَلَمْ يُعَيِّنهُ , وَكَذَا أَبْهَمَهُ أَكْثَر الرُّوَاة عَنْ جَابِر , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : " كُنْت فِي سَفَر " وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : " كُنْت فِي غَزْوَة تَبُوك " وَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا.
وَفِي رِوَايَة أَبِي الْمُتَوَكِّل فِي الْجِهَاد " لَا أَدْرِي غَزْوَة أَوْ عُمْرَة " وَيُؤَيِّد كَوْنه كَانَ فِي غَزْوَة قَوْله فِي آخِر رِوَايَة أَبِي عَوَانَة عَنْ مُغِيرَة " فَأَعْطَانِي الْجَمَل وَثَمَنه وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْم " لَكِنْ جَزَمَ اِبْن إِسْحَاق عَنْ وَهْب بْن كَيْسَانَ فِي رِوَايَته الْمُشَار إِلَيْهَا قَبْل بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَة ذَات الرِّقَاع مِنْ نَخْل , وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيّ مِنْ طَرِيق عَطِيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس عَنْ جَابِر , وَهِيَ الرَّاجِحَة فِي نَظَرِي لِأَنَّ أَهْل الْمَغَازِي أَضْبَط لِذَلِكَ مِنْ غَيْرهمْ , وَأَيْضًا فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي رُجُوعهمْ مِنْ طَرِيق مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , وَلَيْسَتْ طَرِيق تَبُوك مُلَاقِيَة لِطَرِيقِ مَكَّة بِخِلَافِ طَرِيق غَزْوَة ذَات الرِّقَاع , وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي كَثِير مِنْ طُرُقه أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ فِي تِلْكَ الْقِصَّة " هَلْ تَزَوَّجْت ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَتَزَوَّجْت بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا " الْحَدِيث , وَفِيهِ اِعْتِذَاره بِتَزَوُّجِهِ الثَّيِّب بِأَنَّ أَبَاهُ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَتَرَكَ أَخَوَاته فَتَزَوَّجَ ثَيِّبًا لِتُمَشِّطهُنَّ وَتَقُوم عَلَيْهِنَّ , فَأَشْعَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ وَفَاة أَبِيهِ , فَيَكُون وُقُوع الْقِصَّة فِي ذَات الرِّقَاع أَظْهَر مِنْ وُقُوعهَا فِي تَبُوك , لِأَنَّ ذَات الرِّقَاع كَانَتْ بَعْد أُحُد بِسَنَةٍ وَاحِدَة عَلَى الصَّحِيح , وَتَبُوك كَانَتْ بَعْدهَا بِسَبْعِ سِنِينَ وَاَللَّه أَعْلَم , لَا جُرْم جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " بِمَا قَالَ اِبْن إِسْحَاق.
قَوْله : ( وَقَالَ أَبُو نَضْرَة عَنْ جَابِر اِشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ) وَصَلَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق الْجُرَيْرِيّ عَنْهُ بِلَفْظِ " فَمَا زَالَ يَزِيدنِي دِينَارًا دِينَارًا حَتَّى بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي نَضْرَة فَأَبْهَمَ الثَّمَن.
قَوْله : ( وَقَوْل الشَّعْبِيّ بِأُوقِيَّةٍ أَكْثَر ) أَيْ مُوَافَقَة لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَال , وَالْحَاصِل مِنْ الرِّوَايَات أُوقِيَّة وَهِيَ رِوَايَة الْأَكْثَر , وَأَرْبَعَة دَنَانِير وَهِيَ لَا تُخَالِفهَا كَمَا تَقَدَّمَ , وَأُوقِيَّة ذَهَب وَأَرْبَع أَوَاقٍ وَخَمْس أَوَاقٍ وَمِائَتَا دِرْهَم وَعِشْرُونَ دِينَارًا هَذَا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّف ; وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد وَالْبَزَّار مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل " ثَلَاثَة عَشَر دِينَارًا " وَقَدْ جَمَعَ عِيَاض وَغَيْره بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات فَقَالَ : سَبَب الِاخْتِلَاف أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى , وَالْمُرَاد أُوقِيَّة الذَّهَب , وَالْأَرْبَع أَوَاقٍ وَالْخَمْس بِقَدْرِ ثَمَن الْأُوقِيَّة الذَّهَب , وَالْأَرْبَعَة دَنَانِير مَعَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا مَحْمُولَة عَلَى اِخْتِلَاف الْوَزْن وَالْعَدَد , وَكَذَلِكَ رِوَايَة الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مَعَ الْمِائَتَيْ دِرْهَم , قَالَ : وَكَأَنَّ الْإِخْبَار بِالْفِضَّةِ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْد , وَبِالذَّهَبِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْوَفَاء أَوْ بِالْعَكْسِ ا ه مُلَخَّصًا.
وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : الْمُرَاد أُوقِيَّة ذَهَب , وَيُحْمَل عَلَيْهَا قَوْل مَنْ أَطْلَقَ , وَمَنْ قَالَ خَمْس أَوَاقٍ أَوْ أَرْبَع أَرَادَ مِنْ فِضَّة وَقِيمَتهَا يَوْمئِذٍ أُوقِيَّة ذَهَب , قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب الِاخْتِلَاف مَا وَقَعَ مِنْ الزِّيَادَة عَلَى الْأُوقِيَّة , وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّف قَالَ الْقُرْطُبِيّ : اِخْتَلَفُوا فِي ثَمَن الْجَمَل اِخْتِلَافًا لَا يَقْبَل التَّلْفِيق , وَتَكَلُّف ذَلِكَ بَعِيد عَنْ التَّحْقِيق , وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى أَمْر لَمْ يَصِحّ نَقْله وَلَا اِسْتَقَامَ ضَبْطه , مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّق بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ حُكْم , وَإِنَّمَا تَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوع الرِّوَايَات أَنَّهُ بَاعَهُ الْبَعِير بِثَمَنٍ مَعْلُوم بَيْنهمَا وَزَادَهُ عِنْد الْوَفَاء زِيَادَة مَعْلُومَة , وَلَا يَضُرّ عَدَم الْعِلْم بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ.
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : لَيْسَ اِخْتِلَافهمْ فِي قَدْر الثَّمَن بِضَارٍّ , لِأَنَّ الْغَرَض الَّذِي سَبَقَ الْحَدِيث لِأَجْلِهِ بَيَان كَرَمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعه وَحُنُوّهُ عَلَى أَصْحَابه وَبَرَكَة دُعَائِهِ وَغَيْر ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَم مِنْ وَهْم بَعْضهمْ فِي قَدْر الثَّمَن تَوْهِينه لِأَصْلِ الْحَدِيث.
قُلْت : وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيّ مِنْ التَّرْجِيح أَقْعَد , وَبِالرُّجُوعِ إِلَى التَّحْقِيق أَسْعَد , فَلْيُعْتَمَدْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَفِي الْحَدِيث جَوَاز الْمُسَاوَمَة لِمَنْ يَعْرِض سِلْعَته لِلْبَيْعِ , وَالْمُمَاكَسَة فِي الْمَبِيع قَبْل اِسْتِقْرَار الْعَقْد , وَابْتِدَاء الْمُشْتَرِي بِذِكْرِ الثَّمَن , وَأَنَّ الْقَبْض لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّة الْبَيْع , وَأَنَّ إِجَابَة الْكَبِير بِقَوْلِ " لَا " جَائِز فِي الْأَمْر الْجَائِز , وَالتَّحَدُّث بِالْعَمَلِ الصَّالِح لِلْإِتْيَانِ بِالْقِصَّةِ عَلَى وَجْههَا لَا عَلَى وَجْه تَزْكِيَة النَّفْس وَإِرَادَة الْفَخْر.
وَفِيهِ تَفَقُّد الْإِمَام وَالْكَبِير لِأَصْحَابِهِ وَسُؤَاله عَمَّا يَنْزِل بِهِمْ , وَإِعَانَتهمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ حَال أَوْ مَال أَوْ دُعَاء , وَتَوَاضُعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِيهِ جَوَاز ضَرْب الدَّابَّة لِلسَّيْرِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْر مُكَلَّفَة , وَمَحَلّه مَا إِذَا لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا مِنْ فَرْط تَعَب وَإِعْيَاء.
وَفِيهِ تَوْقِير التَّابِع لِرَئِيسِهِ.
وَفِيهِ الْوَكَالَة فِي وَفَاء الدُّيُون , وَالْوَزْن عَلَى الْمُشْتَرِي , وَالشِّرَاء بِالنَّسِيئَةِ.
وَفِيهِ رَدّ الْعَطِيَّة قَبْل الْقَبْض لِقَوْلِ جَابِر " هُوَ لَك , قَالَ لَا بَلْ بِعْنِيهِ " وَفِيهِ جَوَاز إِدْخَال الدَّوَابّ وَالْأَمْتِعَة إِلَى رِحَاب الْمَسْجِد وَحَوَالَيْهِ , وَاسْتَدَلَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَة أَبْوَال الْإِبِل , وَلَا حُجَّة فِيهِ.
وَفِيهِ الْمُحَافَظَة عَلَى مَا يُتَبَرَّك بِهِ لِقَوْلِ جَابِر.
" لَا تُفَارِقنِي الزِّيَادَة ".
وَفِيهِ جَوَاز الزِّيَادَة فِي الثَّمَن عِنْد الْأَدَاء , وَالرُّجْحَان فِي الْوَزْن لَكِنْ بِرِضَا الْمَالِك , وَهِيَ هِبَة مُسْتَأْنَفَة حَتَّى لَوْ رُدَّتْ السِّلْعَة بِعَيْبٍ مَثَلًا لَمْ يَجِب رَدّهَا , أَوْ هِيَ تَابِعَة لِلثَّمَنِ حَتَّى تُرَدّ فِيهِ اِحْتِمَال.
وَفِيهِ فَضِيلَة لِجَابِرٍ حَيْثُ تَرَكَ حَظّ نَفْسه وَامْتَثَلَ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِبَيْعِ جَمَله مَعَ اِحْتِيَاجه إِلَيْهِ.
وَفِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَوَاز إِضَافَة الشَّيْء إِلَى مَنْ كَانَ مَالِكه قَبْل ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ , وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّة الْبَيْع بِغَيْرِ تَصْرِيح بِإِيجَابٍ وَلَا قَبُول , لِقَوْلِهِ فِيهِ : " قَالَ بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ , فَبِعْته " وَلَمْ يَذْكُر صِيغَة.
وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّ عَدَم الذِّكْر لَا يَسْتَلْزِم عَدَم الْوُقُوع , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عَطَاء الْمَاضِيَة فِي الْوَكَالَة " قَالَ بِعْنِيهِ , قَالَ قَدْ أَخَذْته بِأَرْبَعَةِ دَنَانِير " فَهَذَا فِيهِ الْقَبُول , وَلَا إِيجَاب فِيهِ , وَفِي رِوَايَة جَرِير الْآتِيَة فِي الْجِهَاد " قَالَ بَلْ بِعْنِيهِ , قُلْت : لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّة ذَهَب فَهُوَ لَك بِهَا , قَالَ : قَدْ أَخَذْته " فَفِيهِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول مَعًا.
وَأَبْيَن مِنْهَا رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق عَنْ وَهْب بْن كَيْسَانَ عِنْد أَحْمَد " قُلْت قَدْ رَضِيت , قَالَ : نَعَمْ , قُلْت.
فَهُوَ لَك بِهَا , قَالَ.
قَدْ أَخَذْته " فَيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى الِاكْتِفَاء فِي صِيَغ الْعُقُود بِالْكِنَايَاتِ.
( تَكْمِيل ) : آلَ أَمْر جَمَل جَابِر هَذَا لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ بَرَكَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَآل حَسَن , فَرَأَيْت فِي تَرْجَمَة جَابِر مِنْ " تَارِيخ اِبْن عَسَاكِر " بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : " فَأَقَامَ الْجَمَل عِنْدِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر , فَعَجَزَ , فَأَتَيْت بِهِ عُمَر فَعَرَفَ قِصَّته فَقَالَ : اِجْعَلْهُ فِي إِبِل الصَّدَقَة وَفِي أَطْيَب الْمَرَاعِي , فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ ".
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ حَدَّثَنِي جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ قُلْتُ لَا ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ فَبِعْتُهُ فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي قَالَ مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ فَهُوَ مَالُكَ قَالَ شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ إِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ فَبِعْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ لَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ شَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرٍ وَلَكَ ظَهْرُهُ حَتَّى تَرْجِعَ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَفْقَرْنَاكَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ تَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِكَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ اشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَقِيَّةٍ وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَهَذَا يَكُونُ وَقِيَّةً عَلَى حِسَابِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ مُغِيرَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَقِيَّةُ ذَهَبٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ أَحْسِبُهُ قَالَ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوَقِيَّةٍ أَكْثَرُ الِاشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ عِنْدِي قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: «لا»، فقال: «تكفونا المئونة ونشرككم في الث...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها»
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»
عن حنظلة الزرقي، قال: سمعت رافع بن خديج رضي الله عنه، يقول: كنا أكثر الأنصار حقلا، فكنا نكري الأرض، فربما أخرجت هذه، ولم تخرج ذه، فنهينا عن ذلك ولم نن...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يزيدن على بيع أخيه، ولا يخطبن على خطبته، ولا تسأل المر...
عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما، أنهما قالا: إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا...
عن عبد الواحد بن أيمن المكي، عن أبيه، قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت علي بريرة وهي مكاتبة، فقالت: يا أم المؤمنين اشتريني، فإن أهلي يبيع...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التلقي، وأن يبتاع المهاجر للأعرابي، وأن تشترط المرأة طلاق أختها، وأن يستام الرجل...
عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " موسى رسول الله - فذكر الحديث - {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} ، كانت الأولى نسيانا، وال...