3092- عن عروة بن الزبير، أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته، أن فاطمة - عليها السلام - ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقسم لها ميراثها، مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، 3093 - فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة»، فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وفدك، وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي، وعباس، وأما خيبر، وفدك، فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم، قال أبو عبد الله: «اعتراك افتعلت من عروته، فأصبته ومنه يعروه واعتراني»
أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث.
.
رقم 1759.
(أفاء الله) من الفيء وهو يأخذه المسلمون من عدوهم بدون قتال.
(فهجرت) أي لازمت بيتها ولم تلتق به.
(فدك) مكان بينه وبين المدينة مرحلتان.
(صدقته) أملاكه التي صارت بعده صدقة موقوفة.
(فدفعها) سلمها إليهما ليتصرفا فيها وينتفعا منها بقدر حقهما كما كان يتصرف النبي صلى الله عليه وسلم لا على أنها ملك لهما.
(تعروه) تنزل به وتنتابه.
(نوائبه) جمع نائبة وهي الحادثة التي تصيب الإنسان.
(على ذلك) أي لم يغير حكمهما عما كان عليه زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث عَائِشَة فِي قِصَّةِ فَاطِمَة.
قَوْله : ( عَنْ صَالِحِ ) هُوَ ابْن كَيْسَان قَوْله : ( أَنَّ فَاطِمَة سَأَلَتْ أَبَا بَكْر ) زَاد مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ " وَالْعَبَّاس أَتَيَا أَبَا بَكْر " وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ قَوْله : ( مَا تَرَكَ ) هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ " مِيرَاثهَا " وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيّ " مِمَّا تَرَكَ " وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَرَأَ قَوْله " لَا يُورَثُ " بِالتَّحْتَانِيَّةِ أَوَّله وَ " صَدَقَة " بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ , وَهِيَ دَعْوَى مِنْ بَعْضِ الرَّافِضَةِ فَادَّعَى أَنَّ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَةِ هَذَا الْحَدِيثِ هَكَذَا , وَالَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْل الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ " لَا نُورَثُ " بِالنُّونِ وَ " صَدَقَة " بِالرَّفْعِ وَأَنَّ لِلْكَلَامِ جُمْلَتَيْنِ وَ " مَا تَرَكْنَا " فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِالِابْتِدَاءِ وَ " صَدَقَة " خَبَرُهُ , وَيُؤَيِّدُهُ وُرُوده فِي بَعْضِ طُرُقِ الصَّحِيحِ " مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَة " وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بَعْضِ الْإِمَامِيَّةِ بِأَنَّ أَبَا بَكْر اِحْتَجَّ بِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيمَا اِلْتَمَسَتْ مِنْهُ مِنْ الَّذِي خَلَفَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَرَاضِي وَهُمَا مِنْ أَفْصَح الْفُصَحَاءِ وَأَعْلَمهمْ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ , وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقْرَؤُهُ الرَّافِضِيّ لَمْ يَكُنْ فِيمَا اِحْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْر حُجَّة وَلَا كَانَ جَوَابه مُطَابِقًا لِسُؤَالِهَا , وَهَذَا وَاضِح لِمَنْ أَنْصَفَ قَوْله : ( مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ ) سَيَأْتِي بَيَانه قَرِيبًا قَوْله : ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَر " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهُوَ يَرُدُّ تَأْوِيلَ الدَّاوُدِيّ الشَّارِح فِي قَوْلِهِ إِنَّ فَاطِمَة حَمَلَتْ كَلَام أَبِي بَكْر عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ , وَلِذَلِكَ غَضِبَتْ , وَمَا قَدَّمْتهُ مِنْ التَّأْوِيلِ أَوْلَى قَوْله : ( فَغَضِبَتْ فَاطِمَة فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْر فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَته ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَر " فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَة فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَ " وَوَقَعَ عِنْدَ عُمَر بْن شَبَّة مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَعْمَر " فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ " , وَكَذَا نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ فَاطِمَة لِأَبِي بَكْر وَعُمَر لَا أُكَلِّمُكُمَا أَيْ فِي هَذَا الْمِيرَاثِ , وَتَعَقَّبَهُ الشَّاشِيّ بِأَنَّ قَرِينَة قَوْله " غَضِبَتْ " تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا اِمْتَنَعَتْ مِنْ الْكَلَامِ جُمْلَة وَهَذَا صَرِيح الْهَجْر , وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي الطُّفَيْل قَالَ " أَرْسَلَتْ فَاطِمَة إِلَى أَبِي بَكْر : أَنْتَ وَرِثْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ أَهْلُهُ ؟ قَالَ : لَا بَلْ أَهْله , قَالَتْ : فَأَيْنَ سَهْم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَة ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهَا لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ , فَرَأَيْت أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَتْ : فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْته " فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ صَرِيح الْهِجْرَان , وَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ , وَهِيَ قَوْلُ أَبِي بَكْر " بَلْ أَهْله " فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " أَنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ " نَعَمْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ " أَنَّ أَبَا بَكْر عَادَ فَاطِمَة , فَقَالَ لَهَا عَلِيّ : هَذَا أَبُو بَكْر يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك قَالَتْ : أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَأَذِنَتْ لَهُ , فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَتَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ " وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَإِسْنَاده إِلَى الشَّعْبِيِّ صَحِيح , وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي جَوَازِ تَمَادِي فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَامُ عَلَى هَجْرِ أَبِي بَكْر وَقَدْ قَالَ بَعْض الْأَئِمَّةِ : إِنَّمَا كَانَتْ هِجْرَتهَا اِنْقِبَاضًا عَنْ لِقَائِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْهِجْرَانِ الْمُحَرَّمِ ; لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَلْتَقِيَا فَيُعْرِضُ هَذَا وَهَذَا , وَكَأَنَّ فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام لَمَّا خَرَجَتْ غَضْبَى مِنْ عِنْدِ أَبِي بَكْر تَمَادَتْ فِي اِشْتِغَالِهَا بِحُزْنِهَا , ثُمَّ بِمَرَضِهَا.
وَأَمَّا سَبَبُ غَضَبِهَا مَعَ اِحْتِجَاجِ أَبِي بَكْر بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلِاعْتِقَادِهَا تَأْوِيل الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو بَكْر وَكَأَنَّهَا اِعْتَقَدَتْ تَخْصِيص الْعُمُوم فِي قَوْلِهِ " لَا نُورَثُ " وَرَأَتْ أَنَّ مَنَافِعَ مَا خَلَّفَهُ مِنْ أَرْضٍ وَعَقَارٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُورَثَ عَنْهُ , وَتَمَسَّكَ أَبُو بَكْر بِالْعُمُومِ , وَاخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ لِلتَّأْوِيلِ فَلَمَّا صَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ اِنْقَطَعَتْ عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِهِ لِذَلِكَ , فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيث الشَّعْبِيّ أَزَالَ الْإِشْكَال وَأَخْلَقُ بِالْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ وُفُور عَقْلهَا وَدِينهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ , وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ زِيَادَة فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ , وَيَأْتِي الْكَلَام فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ " جَاءَتْ فَاطِمَة إِلَى أَبِي بَكْر فَقَالَتْ : مَنْ يَرِثُك ؟ قَالَ : أَهْلِي وَوَلَدِي , قَالَتْ فَمَا لِي لَا أَرِثُ أَبِي ؟ قَالَ أَبُو بَكْر : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا نُورَثُ , وَلَكِنِّي أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُهُ " قَوْله : ( وَكَانَتْ فَاطِمَة تَسْأَلُ أَبَا بَكْر نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَك وَصَدَقَته بِالْمَدِينَةِ ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَّفَ , وَإِنَّمَا طَلَبَتْ شَيْئًا مَخْصُوصًا , فَأَمَّا خَيْبَرُ فَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ " وَسَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ " , وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَهْلِ بْن أَبِي خَيْثَمَة قَالَ " قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَته , وَنِصْفُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ : قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا " وَرَوَاهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْ بَشِير بْن يَسَار مُرْسَلًا لَيْسَ فِيهِ سَهْل.
وَأَمَّا فَدَك وَهِيَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُهْمَلَة بَعْدَهَا كَافٌ : بَلَدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاث مَرَاحِلَ , وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا مَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ أَهْل فَدَكَ كَانُوا مِنْ يَهُود , فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَر أَرْسَلَ أَهْلُ فَدَكَ يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْبَلَدَ وَيَرْحَلُوا , وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ اِبْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيِّ وَغَيْره قَالُوا " بَقِيَتْ بَقِيَّة مِنْ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا , فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَفَعَلَ , فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْل فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ , وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة " , وَلِأَبِي دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَر عَنْ اِبْن شِهَاب " صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ فَدَكَ وَقُرًى سَمَّاهَا وَهُوَ يُحَاصِرُ قَوْمًا آخَرِينَ " يَعْنِي بَقِيَّة أَهْلِ خَيْبَرَ وَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةَ بَنِي النَّضِير فَقَالَ فِي آخِرِهِ " وَكَانَتْ نَخْل بَنِي النَّضِير لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً أَعْطَاهَا إِيَّاهُ فَقَالَ ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ) الْآيَة قَالَ فَأَعْطَى أَكْثَرهَا لِلْمُهَاجِرِينَ , وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَة " , وَرَوَى عُمَر بْن شَبَّة مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ " كَانَتْ صَدَقَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَمْوَالًا لِمُخَيْرِيق بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مُصَغَّرًا , وَكَانَ يَهُودِيًّا مِنْ بَقَايَا بَنِي قَيْنُقَاعَ نَازِلًا بِبَنِي النَّضِير , فَشَهِدَ أُحُدًا فَقُتِلَ بِهِ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُخَيْرِيقٌ سَابِق يَهُودَ , وَأَوْصَى مُخَيْرِيقٌ بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمِنْ طَرِيق الْوَاقِدِيّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب قَالَ " قَالَ مُخَيْرِيق إِنْ أُصِبْت فَأَمْوَالِي لِمُحَمَّد يَضَعُهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ " فَهِيَ عَامَّة صَدَقَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ : وَكَانَتْ أَمْوَال مُخَيْرِيق فِي بَنِي النَّضِير , وَعَلَى هَذِهِ فَقَوْله فِي الْحَدِيثِ الْآتِي " وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُولِهِ مَنْ بَنِي النَّضِير " شَمِلَ جَمِيع ذَلِكَ قَوْله : ( لَسْت تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْت بِهِ ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَة فِي الْمَنَاقِبِ " وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَات رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهَذَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ سَهْم النَّبِيّ يَصْرِفُهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِمَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُهُ لَهُ , وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ , وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ وَفِي وَجْه : هُوَ لِلْإِمَامِ وَقَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ : يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ وَقَالَ أَحْمَد يُصْرَفُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَقَالَ اِبْن جَرِير يُرَدُّ إِلَى الْأَرْبَعَةِ قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : كَانَ أَحَقّ النَّاسِ بِهَذَا الْقَوْلِ مَنْ يُوجِبُ قَسْمَ الزَّكَاةَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ , فَإِنْ فُقِدَ صِنْفٌ رُدَّ عَلَى الْبَاقِينَ يَعْنِي الشَّافِعِيّ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة يُرَدُّ مَعَ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى إِلَى الثَّلَاثَةِ , وَقِيلَ : يُرَدُّ خُمُس الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إِلَى الْغَانِمِينَ وَمِنْ الْفَيْءِ إِلَى الْمَصَالِحِ قَوْله : ( فَأَمَّا صَدَقَتُهُ ) أَيْ : صَدَقَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله : ( فَدَفَعَهَا عُمَر إِلَى عَلِيّ وَعَبَّاس ) سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيه قَوْله : ( وَأَمَّا خَيْبَرُ ) أَيْ : الَّذِي كَانَ يَخُصُّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ( وَفَدَك فَأَمْسَكَهَا عُمَر ) أَيْ : لَمْ يَدْفَعْهَا لِغَيْرِهِ , وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَدَقَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مَنْ بَنِي النَّضِير , وَأَمَّا سَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَك فَكَانَ حُكْمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَكَانَ أَبُو بَكْر يُقَدِّمُ نَفَقَة نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرهَا مِمَّا كَانَ يَصْرِفُهُ فَيَصْرِفُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَك , وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ لِمَقْلِهِ فِي الْمَصَالِحِ وَعَمِلَ عُمَرُ بَعْدَهُ بِذَلِكَ , فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان تَصَرَّفَ فِي فَدَك بِحَسَبِ مَا رَآهُ , فَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ بْن مِقْسَمٍ قَالَ " جَمَعَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز بَنِي مَرْوَانَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِقُ مِنْ فَدَكَ عَلَى بَنِي هَاشِم وَيُزَوِّجُ أَيِّمَهمْ , وَأَنَّ فَاطِمَة سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى , وَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر , ثُمَّ أَقْطَعَهَا مَرْوَان يَعْنِي فِي أَيَّام عُثْمَان " قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَقْطَعَ عُثْمَان فَدَك لِمَرْوَانَ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ , فَاسْتَغْنَى عُثْمَان عَنْهَا بِأَمْوَالِهِ فَوَصَلَ بِهَا بَعْضَ قَرَابَتِهِ , وَيَشْهَدُ لِصَنِيعِ أَبِي بَكْر حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْمَرْفُوعُ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظ " مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة " فَقَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْر وَعُمَر بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قَامَ لَهُمَا , وَسَيَأْتِي تَمَام الْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ " لَا نُورَثُ " فِي كِتَاب الْفَرَائِض إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله : ( فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ ) هُوَ كَلَام الزُّهْرِيّ أَيْ : حِينِ حَدَّثَ بِذَلِكَ قَوْله : ( قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه ) أَيْ : الْمُصَنِّفِ ( اِعْتَرَاك : اِفْتَعَلْت ) كَذَا فِيهِ , وَلَعَلَّهُ كَانَ " افْتَعَلَكَ " وَكَذَا وَقَعَ فِي " الْمَجَازِ " لِأَبِي عُبَيْدَة وَقَوْله " مِنْ عُرْوَتِهِ فَأَصَبْته وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي " أَرَادَ بِذَلِكَ شَرْحَ قَوْلِهِ " يَعْرُوهُ " وَبَيَّنَ تَصَارِيفَهُ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِصَابَة كَيْفَمَا تَصَرَّفَ , وَأَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنْ نَقُولُ إِلَّا اِعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) وَهَذِهِ عَادَة الْبُخَارِيّ يُفَسِّرُ اللَّفْظَة الْغَرِيبَة مِنْ الْحَدِيثِ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظَةِ الْغَرِيبَةِ مِنْ الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَالَتْ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَالَ لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ قَالَ فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ اعْتَرَاكَ افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ فَأَصَبْتُهُ وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي
عن مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن جبير، - ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك، فانطلقت حتى أدخل على مالك بن أوس، فسألته عن ذلك الحديث، فقال مالك - بينا أنا...
عن أبي جمرة الضبعي، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: قدم وفد عبد القيس فقالوا: يا رسول الله، إنا هذا الحي من ربيعة، بيننا وبينك كفار مضر، فلس...
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي، فهو صدقة»
عن عائشة، قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني»
عمرو بن الحارث، قال: «ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه وبغلته البيضاء، وأرضا تركها صدقة»
عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عائشة رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: «لما ثقل رسول الله صلى ال...
عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه "، قالت:...
عن علي بن حسين، أن صفية - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أخبرته: أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره، وهو معتكف في المسجد، في العشر الأواخر م...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة، مستقبل الشأم»