3654- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس وقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله»، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه: أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر ) هُوَ الْعَقَدِيّ وَ ( فُلَيْح ) هُوَ اِبْن سُلَيْمَان , وَهُوَ وَمَنْ فَوْقه مَدَنِيُّونَ.
قَوْله : ( عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ ) تَقَدَّمَ بَيَان الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَادِهِ فِي " بَاب الْخَوْخَة فِي الْمَسْجِد " فِي أَوَائِل الصَّلَاة.
قَوْله : ( خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة مَالِك عَنْ أَبِي النَّضْر الْآتِيَة فِي الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة " جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَر فَقَالَ " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَاضِي تِلْو حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي " بَاب الْخَوْخَة " مِنْ أَوَائِل الصَّلَاة " فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث جُنْدَبٍ " سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول قَبْل أَنْ يَمُوت بِخَمْسِ لَيَالٍ " وَفِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب الَّذِي سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا " إِنَّ أَحْدَث عَهْدِي بِنَبِيِّكُمْ قَبْل وَفَاته بِثَلَاثٍ " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي خُطْبَة أَبِي بَكْر , وَهُوَ طَرَف مِنْ هَذَا , وَكَأَنَّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَهِمَ الرَّمْز الَّذِي أَشَارَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَرِينَة ذِكْره ذَلِكَ فِي مَرَض مَوْته , فَاسْتَشْعَرَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْسه فَلِذَلِكَ بَكَى.
قَوْله : ( بَيْن الدُّنْيَا وَبَيْن مَا عِنْده ) فِي رِوَايَة مَالِك الْمَذْكُورَة " بَيْن أَنْ يُؤْتِيه مِنْ زَهْرَة الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْن مَا عِنْده ".
قَوْله : ( فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ ) وَقَعَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن سِنَان فِي " بَاب الْخَوْخَة " الْمَذْكُورَة " فَقُلْت فِي نَفْسِي " وَفِي رِوَايَة مَالِك " فَقَالَ النَّاس اُنْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ يُخْبِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْد , وَهُوَ يَقُول فَدَيْنَاك " وَيُجْمَع بِأَنَّ أَبَا سَعِيد حَدَّثَ نَفْسه بِذَلِكَ فَوَافَقَ تَحْدِيث غَيْره بِذَلِكَ فَنُقِلَ جَمِيع ذَلِكَ.
قَوْله : ( وَكَانَ أَبُو بَكْر أَعْلَمَنَا ) فِي رِوَايَة مَالِك " وَكَانَ أَبُو بَكْر هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ " أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ بِالْمُرَادِ مِنْ الْكَلَام الْمَذْكُور , زَادَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن سِنَان " فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْر لَا تَبْكِ ".
قَوْله : ( إِنَّ أَمَنَّ النَّاس عَلَيَّ فِي صُحْبَته وَمَاله أَبُو بَكْر ) فِي رِوَايَة مَالِك كَذَلِكَ , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن سِنَان " إِنَّ مِنْ أَمَنّ النَّاس عَلَيَّ " بِزِيَادَةِ مِنْ , وَقَالَ فِيهَا " أَبَا بَكْر " بِالنَّصْبِ لِلْأَكْثَرِ , وَلِبَعْضِهِمْ " أَبُو بَكْر " بِالرَّفْعِ , وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الرَّفْع خَطَأ وَالصَّوَاب النَّصْب لِأَنَّهُ اِسْم إِنَّ , وَوَجْه الرَّفْع بِتَقْدِيرِ ضَمِير الشَّأْن أَيْ إِنَّهُ , وَالْجَار وَالْمَجْرُور بَعْده خَبَر مُقَدَّم وَأَبُو بَكْر مُبْتَدَأ مُؤَخَّر , أَوْ عَلَى أَنَّ مَجْمُوع الْكُنْيَة اِسْم فَلَا يُعْرَب مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الْأَدَاة أَوْ " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ أَوْ إِنَّ " مِنْ " زَائِدَة عَلَى رَأْي الْكِسَائِيّ , وَقَالَ اِبْن بَرِّيّ : يَجُوز الرَّفْع إِذَا جَعَلْت مِنْ صِفَة لِشَيْءٍ مَحْذُوف تَقْدِيره إِنَّ رَجُلًا أَوْ إِنْسَانًا مِنْ أَمَنّ النَّاس فَيَكُون اِسْم إِنَّ مَحْذُوفًا وَالْجَارّ وَالْمَجْرُور فِي مَوْضِع الصِّفَة , وَقَوْله : " أَبُو بَكْر " الْخَبَر , وَقَوْله " أَمَنّ " أَفْعَل تَفْضِيل مِنْ الْمَنّ بِمَعْنَى الْعَطَاء وَالْبَذْل , بِمَعْنَى إِنَّ أَبْذَل النَّاس لِنَفْسِهِ وَمَاله , لَا مِنْ الْمِنَّة الَّتِي تُفْسِد الصَّنِيعَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي " بَاب الْخَوْخَة " وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمِنَّة وَقَالَ : تَقْدِيره لَوْ كَانَ يَتَوَجَّه لِأَحَدٍ الِامْتِنَان عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَوَجَّهَ لَهُ , وَالْأَوَّل أَوْلَى.
وَقَوْله : " أَمَنّ النَّاس " فِي رِوَايَة الْبَاب مَا يُوَافِق حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِلَفْظِ " لَيْسَ أَحَد مِنْ النَّاس أَمَنّ عَلَيَّ فِي نَفْسه وَمَاله مِنْ أَبِي بَكْر " وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا " مِنْ " فَإِنْ قُلْنَا زَائِدَة فَلَا تَخَالُف , وَإِلَّا فَتُحْمَل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ لِغَيْرِهِ مُشَارَكَة مَا فِي الْأَفْضَلِيَّة إِلَّا أَنَّهُ مُقَدَّم فِي ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّيَاق وَمَا تَأَخَّرَ , وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " مَا لِأَحَدٍ لَهُ عِنْدنَا يَد إِلَّا كَافَأْنَاهُ عَلَيْهَا ; مَا خَلَا أَبَا بَكْر فَإِنَّ لَهُ عِنْدنَا يَدًا يُكَافِئهُ اللَّه بِهَا يَوْم الْقِيَامَة " فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى ثُبُوت يَد لِغَيْرِهِ , إِلَّا أَنَّ لِأَبِي بَكْر رُجْحَانًا.
فَالْحَاصِل أَنَّهُ حَيْثُ أَطْلَقَ أَرَادَ أَنَّهُ أَرْجَحهمْ فِي ذَلِكَ , وَحَيْثُ لَمْ يُطْلِق أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى مَنْ شَارَكَهُ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَوَقَعَ بَيَان ذَلِكَ فِي حَدِيث آخَر لِابْنِ عَبَّاس رَفَعَهُ نَحْو حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَزَادَ " مِنَّة أَعْتَقَ بِلَالًا وَمِنَّة هَاجَرَ بِنَبِيِّهِ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ , وَعَنْهُ فِي طَرِيق أُخْرَى " مَا أَحَد أَعْظَم عِنْدِي يَدًا مِنْ أَبِي بَكْر : وَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَاله , وَأَنْكَحَنِي اِبْنَته " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ , وَفِي حَدِيث مَالِك بْن دِينَار عَنْ أَنَس رَفَعَهُ " إِنَّ أَعْظَم النَّاس عَلَيْنَا مَنًّا أَبُو بَكْر , زَوَّجَنِي اِبْنَته , وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ.
وَإِنَّ خَيْر الْمُسْلِمِينَ مَالًا أَبُو بَكْر , أَعْتَقَ مِنْهُ بِلَالًا , وَحَمَلَنِي إِلَى دَار الْهِجْرَة " أَخْرَجَهُ اِبْن عَسَاكِر , وَأَخْرَجَ مِنْ رِوَايَة اِبْن حِبَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ نَحْوه , وَجَاءَ عَنْ عَائِشَة مِقْدَار الْمَال الَّذِي أَنْفَقَهُ أَبُو بَكْر , فَرَوَى اِبْن حِبَّانَ مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ " أَنْفَقَ أَبُو بَكْر عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْف دِرْهَم " وَرَوَى الزُّبَيْر بْن بَكَّار عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة " أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ مَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ".
قَوْله : ( لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا ) يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ بَعْد بَاب , قَالَ الدَّاوُدِيُّ : لَا يُنَافِي هَذَا قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَأَبِي ذَرّ وَغَيْرهمَا " أَخْبَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِز لَهُمْ , وَلَا يَجُوز لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَقُول أَنَا خَلِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا يُقَال إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه وَلَا يُقَال اللَّه خَلِيل إِبْرَاهِيم.
قُلْت : وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
قَوْله : ( وَلَكِنْ أُخُوَّة الْإِسْلَام وَمَوَدَّته ) أَيْ حَاصِلَة , وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْآتِي بَعْد بَاب " أَفْضَل " وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن تَمَّام عَنْ خَالِد الْحَذَّاء بِلَفْظِ " وَلَكِنْ أُخُوَّة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام أَفْضَل " وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق يَعْلَى بْن حَكِيم عَنْ عِكْرِمَة بِلَفْظِ " وَلَكِنْ خُلَّة الْإِسْلَام أَفْضَل " وَفِيهِ إِشْكَال , فَإِنَّ الْخُلَّة أَفْضَل مِنْ أُخُوَّة الْإِسْلَام لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِم ذَلِكَ وَزِيَادَة , فَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّ مَوَدَّة الْإِسْلَام مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْضُل مِنْ مَوَدَّته مَعَ غَيْره , وَقِيلَ : أَفْضَل بِمَعْنَى فَاضِل , وَلَا يُعَكِّر عَلَى ذَلِكَ اِشْتَرَاك جَمِيع الصَّحَابَة فِي هَذِهِ الْفَضِيلَة لِأَنَّ رُجْحَان أَبِي بَكْر عُرِفَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ , وَأُخُوَّة الْإِسْلَام وَمَوَدَّته مُتَفَاوِتَة بَيْن الْمُسْلِمِينَ فِي نَصْر الدِّين وَإِعْلَاء كَلِمَة الْحَقّ وَتَحْصِيل كَثْرَة الثَّوَاب , وَلِأَبِي بَكْر مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمه وَأَكْثَره , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات " وَلَكِنْ خُوَّة الْإِسْلَام " بِغَيْرِ أَلِف فَقَالَ اِبْن بَطَّال : لَا أَعْرِف مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَة وَلَمْ أَجِد خُوَّة بِمَعْنَى خُلَّة فِي كَلَام الْعَرَب , وَقَدْ وَجَدْت فِي بَعْض الرِّوَايَات " وَلَكِنْ خُلَّة الْإِسْلَام " وَهُوَ الصَّوَاب : وَقَالَ اِبْن التِّين : لَعَلَّ الْأَلِف سَقَطَتْ مِنْ الرِّوَايَة فَإِنَّهَا ثَابِتَة فِي سَائِر الرِّوَايَات , وَوَجَّهَ اِبْن مَالِك بِأَنَّهُ نُقِلَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة إِلَى النُّون فَحُذِفَ الْأَلِف , وَجَوَّزَ مَعَ حَذْفهَا ضَمّ نُون لَكِنْ وَسُكُونهَا , قَالَ : وَلَا يَجُوز مَعَ إِثْبَات الْهَمْزَة إِلَّا سُكُون النُّون فَقَطْ.
وَفِي قَوْله : " وَلَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا إِلَخْ " مَنْقَبَة عَظِيمَة لِأَبِي بَكْر لَمْ يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد.
وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : " وَلَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا " لَوْ كُنْت أَخُصّ أَحَدًا بِشَيْءٍ مِنْ أَمْر الدِّين لَخَصَصْت أَبَا بَكْر , قَالَ : وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى كَذِب الشِّيعَة فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَصَّ عَلِيًّا بِأَشْيَاء مِنْ الْقُرْآنِ وَأُمُور الدِّين لَمْ يَخُصّ بِهَا غَيْره.
قُلْت : وَالِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ مُتَوَقِّف عَلَى صِحَّة التَّأْوِيل الْمَذْكُور وَمَا بَعْدهَا.
قَوْله : ( لَا يَبْقَيَنَّ ) بِفَتْحِ أَوَّله وَبِنُونِ التَّأْكِيد , وَفِي إِضَافَة النَّهْي إِلَى الْبَاب تَجَوُّز لِأَنَّ عَدَم بَقَائِهِ لَازِم لِلنَّهْيِ عَنْ إِبْقَائِهِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا تُبْقُوهُ حَتَّى لَا يَبْقَى.
وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضهمْ بِضَمِّ أَوَّله وَهُوَ وَاضِح.
قَوْله : ( إِلَّا سُدَّ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَة , وَفِي رِوَايَة مَالِك " خَوْخَة " بَدَل " بَاب " وَالْخَوْخَة طَاقَة فِي الْجِدَار تُفْتَح لِأَجْلِ الضَّوْء وَلَا يُشْتَرَط عُلُوّهَا , وَحَيْثُ تَكُون سُفْلَى يُمْكِن الِاسْتِطْرَاق مِنْهَا لِاسْتِقْرَابِ الْوُصُول إِلَى مَكَان مَطْلُوب , وَهُوَ الْمَقْصُود هُنَا , وَلِهَذَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا بَاب , وَقِيلَ : لَا يُطْلَق عَلَيْهَا بَاب إِلَّا إِذَا كَانَتْ تُغْلَق.
قَوْله : ( إِلَّا بَاب أَبِي بَكْر ) هُوَ اِسْتِثْنَاء مُفَرَّغ , وَالْمَعْنَى لَا تُبْقُوا بَابًا غَيْر مَسْدُود إِلَّا بَاب أَبِي بَكْر فَاتْرُكُوهُ بِغَيْرِ سَدّ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَابْن بَطَّال وَغَيْرهمَا : فِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِصَاص ظَاهِر لِأَبِي بَكْر , وَفِيهِ إِشَارَة قَوِيَّة إِلَى اِسْتِحْقَاقه لِلْخِلَافَةِ , وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِر حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْت الَّذِي أَمَرَهُمْ فِيهِ أَنْ لَا يَؤُمّهُمْ إِلَّا أَبُو بَكْر.
وَقَدْ اِدَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ الْبَاب كِنَايَة عَنْ الْخِلَافَة وَالْأَمْر بِالسَّدِّ كِنَايَة عَنْ طَلَبهَا كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَطْلُبَن أَحَد الْخِلَافَة إِلَّا أَبَا بَكْر فَإِنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِ فِي طَلَبهَا , وَإِلَى هَذَا جَنَحَ اِبْن حِبَّانَ فَقَالَ بَعْد أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث : فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَة بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ حَسَمَ بِقَوْلِهِ : " سُدُّوا عَنِّي كُلّ خَوْخَة فِي الْمَسْجِد " أَطْمَاع النَّاس كُلّهمْ عَنْ أَنْ يَكُونُوا خُلَفَاء بَعْده.
وَقَوَّى بَعْضهمْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْزِلَ أَبِي بَكْر كَانَ بِالسُّنْحِ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَة كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْد بَاب فَلَا يَكُون لَهُ خَوْخَة إِلَى الْمَسْجِد , وَهَذَا الْإِسْنَاد ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْن مَنْزِله كَانَ بِالسُّنْحِ أَنْ لَا يَكُون لَهُ دَارَ مُجَاوِرَة لِلْمَسْجِدِ , وَمَنْزِله الَّذِي كَانَ بِالسُّنْحِ هُوَ مَنْزِل أَصْهَاره مِنْ الْأَنْصَار , وَقَدْ كَانَ لَهُ إِذْ ذَاكَ زَوْجَة أُخْرَى وَهِيَ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس بِالِاتِّفَاقِ وَأُمّ رُومَان عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَة يَوْمَئِذٍ.
وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ كَلَام اِبْن حِبَّانَ فَقَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ عُمَر بْن شَبَّة فِي " أَخْبَار الْمَدِينَة " أَنَّ دَارَ أَبِي بِكْر الَّتِي أَذِنَ لَهُ فِي إِبْقَاء الْخَوْخَة مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِد كَانَتْ مُلَاصِقَة لِلْمَسْجِدِ وَلَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَبِي بَكْر حَتَّى اِحْتَاجَ إِلَى شَيْء يُعْطِيه لِبَعْضِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ فَبَاعَهَا فَاشْتَرَتْهَا مِنْهُ حَفْصَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آلَاف دِرْهَم فَلَمْ تَزَلْ بِيَدِهَا إِلَى أَنْ أَرَادُوا تَوْسِيع الْمَسْجِد فِي خِلَافَة عُثْمَان فَطَلَبُوهَا مِنْهَا لِيُوَسِّعُوا بِهَا الْمَسْجِد فَامْتَنَعَتْ وَقَالَتْ : كَيْف بِطَرِيقِي إِلَى الْمَسْجِد ؟ فَقِيلَ لَهَا نُعْطِيك دَارًا أَوْسَعَ مِنْهَا وَنَجْعَل لَك طَرِيقًا مِثْلهَا , فَسَلَّمَتْ وَرَضِيَتْ.
قَوْله : ( إِلَّا بَاب أَبِي بَكْر ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث بِمَعْنَاهُ " فَإِنِّي رَأَيْت عَلَيْهِ نُورًا ".
( تَنْبِيهٌ ) : جَاءَ فِي سَدّ الْأَبْوَاب الَّتِي حَوْل الْمَسْجِد أَحَادِيث يُخَالِف ظَاهِرهَا حَدِيث الْبَاب , مِنْهَا حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : " أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَدِّ الْأَبْوَاب الشَّارِعَة فِي الْمَسْجِد وَتَرَكَ بَاب عَلِيّ " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَإِسْنَاده قَوِيّ , وَفِي رِوَايَة لِلطَّبَرَانِيّ فِي " الْأَوْسَط " رِجَالهَا ثِقَات مِنْ الزِّيَادَة " فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه سَدَدْت أَبْوَابنَا , فَقَالَ : مَا أَنَا سَدَدْتهَا وَلَكِنْ اللَّه سَدَّهَا " وَعَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ : " كَانَ لِنَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَة أَبْوَاب شَارِعَة فِي الْمَسْجِد , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب عَلِيّ , فَتَكَلَّمَ نَاس فِي ذَلِكَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي وَاَللَّه مَا سَدَدْت شَيْئًا وَلَا فَتَحْته وَلَكِنْ أُمِرْت بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْته " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَرِجَاله ثِقَات , وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : " أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِد فَسُدَّتْ إِلَّا بَاب عَلِيّ " وَفِي رِوَايَة " وَأَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَاب غَيْر بَاب عَلِيّ فَكَانَ يَدْخُل الْمَسْجِد وَهُوَ جُنُب لَيْسَ لَهُ طَرِيق غَيْره " أَخْرَجَهُمَا أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَرِجَالهمَا ثِقَات.
وَعَنْ جَابِر بْن سَمُرَة قَالَ : " أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَدِّ الْأَبْوَاب كُلّهَا غَيْر بَاب عَلِيّ , فَرُبَّمَا مَرَّ فِيهِ وَهُوَ جُنُب " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَعَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : " كُنَّا نَقُول فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْر النَّاس ثُمَّ أَبُو بَكْر ثُمَّ عُمَر , وَلَقَدْ أُعْطِيَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ثَلَاث خِصَال لَأَنْ يَكُون لِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ حُمْر النَّعَم : زَوَّجَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنَته وَوَلَدَتْ لَهُ , وَسَدَّ الْأَبْوَاب إِلَّا بَابه فِي الْمَسْجِد , وَأَعْطَاهُ الرَّايَة يَوْم خَيْبَر " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَإِسْنَاده حَسَن.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق الْعَلَاء بْن عَرَار بِمُهْمَلَاتٍ قَالَ : " فَقُلْت لِابْنِ عُمَر : أَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيّ وَعُثْمَان - فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ - وَأَمَّا عَلِيّ فَلَا تَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا وَانْظُرْ إِلَى مَنْزِلَته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ سَدَّ أَبْوَابنَا فِي الْمَسْجِد وَأَقَرَّ بَابه " وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح إِلَّا الْعَلَاء وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيث يُقَوِّي بَعْضهَا بَعْضًا وَكُلّ طَرِيق مِنْهَا صَالِح لِلِاحْتِجَاجِ فَضْلًا عَنْ مَجْمُوعهَا.
وَقَدْ أَوْرَدَ اِبْن الْجَوْزِيّ هَذَا الْحَدِيث فِي الْمَوْضُوعَات , أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَزَيْد بْن أَرْقَم وَابْن عُمَر مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْض طُرُقه عَنْهُمْ , وَأَعَلَّهُ بِبَعْضِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ رُوَاته , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ لِمَا ذَكَرْت مِنْ كَثْرَة الطُّرُق , وَأَعَلَّهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُخَالِف لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الثَّابِتَة فِي بَاب أَبِي بَكْر وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ وَضْع الرَّافِضَة قَابَلُوا بِهِ الْحَدِيث الصَّحِيح فِي بَاب أَبِي بَكْر اِنْتَهَى , وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ خَطَأ شَنِيعًا فَإِنَّهُ سَلَكَ فِي ذَلِكَ رَدّ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِتَوَهُّمِهِ الْمُعَارَضَة , مَعَ أَنَّ الْجَمْع بَيْن الْقِصَّتَيْنِ مُمْكِن , وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَزَّار فِي مُسْنَده فَقَالَ : وَرَدَ مِنْ رِوَايَات أَهْل الْكُوفَة بِأَسَانِيد حِسَان فِي قِصَّة عَلِيّ , وَوَرَدَ مِنْ رِوَايَات أَهْل الْمَدِينَة فِي قِصَّة أَبِي بَكْر , فَإِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَات أَهْل الْكُوفَة فَالْجَمْع بَيْنهمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْرُق هَذَا الْمَسْجِد جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرك " وَالْمَعْنَى أَنَّ بَاب عَلِيّ كَانَ إِلَى جِهَة الْمَسْجِد وَلَمْ يَكُنْ لِبَيْتِهِ بَاب غَيْره فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَر بِسَدِّهِ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي فِي " أَحْكَام الْقُرْآن " مِنْ طَرِيق الْمُطَّلِب بْن عَبْد اللَّه بْن حَنْطَب " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْذَن لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرّ فِي الْمَسْجِد وَهُوَ جُنُب إِلَّا لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب لِأَنَّ بَيْته كَانَ فِي الْمَسْجِد " وَمُحَصَّل الْجَمْع أَنَّ الْأَمْر بِسَدِّ الْأَبْوَاب وَقَعَ مَرَّتَيْنِ , فَفِي الْأُولَى اُسْتُثْنِيَ عَلِيّ لِمَا ذَكَرَهُ , وَفِي الْأُخْرَى اُسْتُثْنِيَ أَبُو بَكْر , وَلَكِنْ لَا يَتِمّ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يُحْمَل مَا فِي قِصَّة عَلِيّ عَلَى الْبَاب الْحَقِيقِيّ وَمَا فِي قِصَّة أَبِي بَكْر عَلَى الْبَاب الْمَجَازِيّ وَالْمُرَاد بِهِ الْخَوْخَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْض طُرُقه , وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِسَدِّ الْأَبْوَاب سَدُّوهَا وَأَحْدَثُوا خِوَخًا يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخُول إِلَى الْمَسْجِد مِنْهَا فَأُمِرُوا بَعْد ذَلِكَ بِسَدِّهَا , فَهَذِهِ طَرِيقَة لَا بَأْس بِهَا فِي الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ , وَبِهَا جَمَعَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِل الْآثَار , وَهُوَ فِي أَوَائِل الثُّلُث الثَّالِث مِنْهُ , وَأَبُو بَكْر الْكَلَابَاذِيّ فِي " مَعَانِي الْأَخْبَار " وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَيْت أَبِي بَكْر كَانَ لَهُ بَاب مِنْ خَارِج الْمَسْجِد وَخَوْخَة إِلَى دَاخِل الْمَسْجِد , وَبَيْت عَلِيّ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَاب إِلَّا مِنْ دَاخِل الْمَسْجِد , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَأَنَّهُ كَانَ مُتَأَهِّلًا لِأَنْ يَتَّخِذهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلِيلًا لَوْلَا الْمَانِع الْمُتَقَدِّم ذِكْرُهُ , وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ لِلْخَلِيلِ صِفَة خَاصَّة تَقْتَضِي عَدَم الْمُشَارَكَة فِيهَا , وَأَنَّ الْمَسَاجِد تُصَان عَنْ التَّطَرُّق إِلَيْهَا لِغَيْرِ ضَرُورَة مُهِمَّة , وَالْإِشَارَة بِالْعِلْمِ الْخَاصّ دُون التَّصْرِيح لِإِثَارَةِ أَفْهَام السَّامِعِينَ وَتَفَاوُت الْعُلَمَاء فِي الْفَهْم وَأَنَّ مَنْ كَانَ أَرْفَع فِي الْفَهْم اِسْتَحَقَّ أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ أَعْلَم , وَفِيهِ التَّرْغِيب فِي اِخْتِيَار مَا فِي الْآخِرَة عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا , وَفِيهِ شُكْر الْمُحْسِن وَالتَّنْوِيه بِفَضْلِهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهِ.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : فِيهِ أَنَّ الْمُرَشَّح لِلْإِمَامَةِ يُخَصّ بِكَرَامَةٍ تَدُلّ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي حَقّ الصِّدِّيق فِي هَذِهِ الْقِصَّة.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم»
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي»
عن أيوب، وقال: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل» حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب مثله
عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد، فقال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كنت متخذا من هذه الأمة خليل...
عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت، قال صل...
عن همام، قال: سمعت عمارا، يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه، إلا خمسة أعبد، وامرأتان وأبو بكر»
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه و...
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: " أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»، فقلت: من الرجال؟...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة فطلبه الراعي، فالتفت إليه ال...