3866-
عن عبد الله بن عمر قال: «ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس، إذ مر به رجل جميل، فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل، فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك، قال: بينما أنا يوما في السوق، جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها، ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها.
قال عمر: صدق، بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا أنت، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي.»
(كاهنهم) كاهن قومه، يتنبأ لهم بالأمور المستقبلة بدون دليل.
(علي الرجل) أحضروه إلي وقربوه مني، والرجل هو سواد بن قارب.
(أعزم عليك) أقسم عليك.
(جنيتك) أنثى الجن.
(إبلاسها) تحيرها، وقيل: صيرورتها مثل إبليس حائرا.
(إنكاسها) انتكاسها، وهو الانقلاب على الرأس.
(بالقلاص) جمع قلوص، وهي الناقة الشابة.
(أحلاسها) جمع حلس، وهو كساء رقيق يوضع تحت ما يجلس عليه الراكب على ظهر الدابة.
(صارخ) يسمع صوته ولا ترى صورته.
(جليح) اسم رجل، ناداه به، ومعناه: الوقح الكاشف بالعداوة.
(نجيح) من النجاح، وهو الظفر بالحوائج.
(فصيح) من الفصاحة، وهي: البيان، وسلامة الألفاظ من الإبهام وسوء التأليف.
(ما نشبنا) ما مكثنا وتعلقنا بشيء.
(أن قيل) إذ ظهر القول بين الناس بخروج النبي صلى الله عليه وسلم.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنِي عُمَر ) هُوَ اِبْن مُحَمَّد بْن زَيْد , وَهُوَ شَيْخ اِبْن وَهْب فِي الْحَدِيث الثَّانِي , وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عُمَر بْن الْحَارِث كَالْكَلَابَاذِيّ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ عُمَر بْن مُحَمَّد.
قَوْله : ( مَا سَمِعْت عُمَر يَقُول لِشَيْءٍ إِنِّي لَأَظُنّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ ) أَيْ عَنْ شَيْء , وَاللَّام قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِهِ : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ).
قَوْله : ( إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنّ ) هُوَ مُوَافِق لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبه أَنَّهُ كَانَ مُحَدَّثًا بِفَتْحِ الدَّال , وَتَقَدَّمَ شَرْحه.
قَوْله : ( إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُل جَمِيل ) هُوَ سَوَاد - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَآخِره مُهْمَلَة - اِبْن قَارِب بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَة , وَهُوَ سَدُوسِيّ أَوْ دُوسِيّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْره مِنْ طَرِيق أَبِي جَعْفَر الْبَاقِر قَالَ : " دَخَلَ رَجُل يُقَال لَهُ سَوَاد بْن قَارِب السَّدُوسِيّ عَلَى عُمَر , فَقَالَ.
يَا سَوَاد أَنْشُدك اللَّه , هَلْ تُحْسِن مِنْ كِهَانَتك شَيْئًا " فَذَكَرَ الْقِصَّة.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِم وَغَيْرهمَا مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ قَالَ : " بَيْنَمَا عُمَر قَاعِد فِي الْمَسْجِد " فَذَكَرَ مِثْل سِيَاق أَبِي جَعْفَر وَأَتَمَّ مِنْهُ , وَهُمَا طَرِيقَانِ مُرْسَلَانِ يُعَضِّد أَحَدهمَا الْآخَر.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عَبَّاد بْن عَبْد الصَّمَد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : " أَخْبَرَنِي سَوَاد بْن قَارِب قَالَ : كُنْت نَائِمًا " فَذَكَرَ قِصَّته الْأُولَى دُون قِصَّته مَعَ عُمَر.
وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى تَأَخُّر وَفَاته , لَكِنَّ عَبَّادًا ضَعِيف.
وَلِابْنِ شَاهِينَ مِنْ طَرِيق أُخْرَى ضَعِيفَة عَنْ أَنَس قَالَ : " دَخَلَ رَجُل مِنْ دَوْس يُقَال لَهُ سَوَاد بْن قَارِب عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ قِصَّته أَيْضًا , وَهَذِهِ الطُّرُق يَقْوَى بَعْضهَا بِبَعْضٍ , وَلَهُ طُرُق أُخْرَى سَأَذْكُرُ مَا فِيهَا مِنْ فَائِدَة.
قَوْله : ( لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي ) فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " لَقَدْ كُنْت ذَا فَرَاسَة , وَلَيْسَ لِي الْآن رَأْي إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُل يَنْظُر فِي الْكِهَانَة ".
قَوْله : ( أَوْ ) بِسُكُونِ الْوَاو ( عَلَى دِين قَوْمه فِي الْجَاهِلِيَّة ) أَيْ مُسْتَمِرّ عَلَى عِبَادَة مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ.
قَوْله : ( أَوْ ) بِسُكُونِ الْوَاو أَيْضًا ( لَقَدْ كَانَ كَاهِنهمْ ) أَيْ كَانَ كَاهِن قَوْمه.
وَحَاصِله أَنَّ عُمَر ظَنَّ شَيْئًا مُتَرَدِّدًا بَيْن شَيْئَيْنِ أَحَدهمَا يَتَرَدَّد بَيْن شَيْئَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا الظَّنّ إِمَّا خَطَأ أَوْ صَوَاب فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَهَذَا الْآن إِمَّا بَاقٍ عَلَى كُفْره وَإِمَّا كَانَ كَاهِنًا , وَقَدْ أَظْهَرَ الْحَال الْقِسْم الْأَخِير , وَكَأَنَّهُ ظَهَرَتْ لَهُ مِنْ صِفَة مَشْيه أَوْ غَيْر ذَلِكَ قَرِينَة أَثَّرَتْ لَهُ ذَلِكَ الظَّنّ , فَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( عَلَيَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( الرَّجُلَ ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَحْضِرُوهُ إِلَيَّ وَقَرِّبُوهُ مِنِّي.
قَوْله : ( فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ ) أَيْ مَا قَالَهُ فِي غَيْبَته مِنْ التَّرَدُّد.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن كَعْب " فَقَالَ لَهُ فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ كِهَانَتك " فَغَضِبَ , وَهَذَا مِنْ تَلَطُّف عُمَر , لِأَنَّهُ اِقْتَصَرَ عَلَى أَحْسَن الْأَمْرَيْنِ.
قَوْله : ( مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ) أَيْ رَأَيْت شَيْئًا مِثْل مَا رَأَيْت الْيَوْم.
قَوْله : ( اُسْتُقْبِلَ ) بِضَمِّ التَّاء عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ.
قَوْله : ( رَجُل مُسْلِم ) فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأَبِي ذَرّ " رَجُلًا مُسْلِمًا " وَرَأَيْته مُجَوَّدًا بِفَتْحِ تَاء " اِسْتَقْبَلَ " عَلَى الْبِنَاء لِلْفَاعِلِ وَهُوَ مَحْذُوف تَقْدِيره أَحَد , وَضَبَطَهُ الْكَرْمَانِيُّ اُسْتُقْبِلَ بِضَمِّ التَّاء وَأَعْرَبَ رَجُلًا مُسْلِمًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول رَأَيْت , وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِير فِي قَوْله " بِهِ " يَعُود عَلَى الْكَلَام , وَيَدُلّ عَلَيْهِ السِّيَاق , وَبَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَة مُرْسَلَة " قَدْ جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَمَا لَنَا وَلِذِكْرِ الْجَاهِلِيَّة ".
قَوْله : ( فَإِنِّي أَعْزِم عَلَيْك ) أَيْ أُلْزِمُك , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن كَعْب " مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك أَعْظَم مِمَّا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ كِهَانَتك ".
قَوْله : ( إِلَّا أَخْبَرْتنِي ) أَيْ مَا أَطْلُب مِنْك إِلَّا الْإِخْبَار.
قَوْله : ( كُنْت كَاهِنهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة ) الْكَاهِن الَّذِي يَتَعَاطَى الْخَبَر مِنْ الْأُمُور الْمُغَيَّبَة , وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة كَثِيرًا , فَمُعْظَمهمْ كَانَ يَعْتَمِد عَلَى تَابِعه مِنْ الْجِنّ , وَبَعْضهمْ كَانَ يَدَّعِي مَعْرِفَة ذَلِكَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَاب يَسْتَدِلّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعهَا مِنْ كَلَام مَنْ يَسْأَلهُ , وَهَذَا الْأَخِير يُسَمَّى الْعَرَّاف بِالْمُهْمَلَتَيْنِ , وَسَيَأْتِي حُكْم ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَاب الطِّبّ , وَتَقَدَّمَ طَرَف مِنْهُ فِي آخِر الْبُيُوع.
وَلَقَدْ تَلَطَّفَ سَوَاد فِي الْجَوَاب إِذْ كَانَ سُؤَال عُمَر عَنْ حَاله فِي كِهَانَته إِذْ كَانَ مِنْ أَمْر الشِّرْك , فَلَمَّا أَلْزَمهُ أَخْبَرَهُ بِآخِرِ شَيْء وَقَعَ لَهُ لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ الْإِعْلَام بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ.
قَوْله : ( مَا أَعْجَبُ ) بِالضَّمِّ وَ " مَا " اِسْتِفْهَامِيَّة.
قَوْله : ( جِنِّيَّتك ) بِكَسْرِ الْجِيم وَالنُّون الثَّقِيلَة أَيْ الْوَاحِدَة مِنْ الْجِنّ كَأَنَّهُ أَنْتَ تَحْقِيرًا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَرَفَ أَنَّ تَابِع سَوَاد مِنْهُمْ كَانَ أُنْثَى , أَوْ هُوَ كَمَا يُقَال تَابِع الذَّكَر يَكُون أُنْثَى وَبِالْعَكْسِ.
قَوْله : ( أَعْرِف فِيهَا الْفَزَع ) بِفَتْحِ الْفَاء وَالزَّاي أَيْ الْخَوْف , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن كَعْب " إِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهُوَ بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَانِ ".
قَوْله : ( أَلَمْ تَرَ الْجِنّ وَإِبْلَاسهَا ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَة وَالْمُرَاد بِهِ الْيَأْس ضِدّ الرَّجَاء , وَفِي رِوَايَة أَبِي جَعْفَر " عَجِبْت لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسهَا " وَهُوَ أَشْبَهُ بِإِعْرَابِ بَقِيَّة الشِّعْر , وَمِثْله لِمُحَمَّدِ بْن كَعْب لَكِنْ قَالَ : " وَتَحْسَاسهَا " بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة وَبِمُهْمَلَاتٍ , أَيْ أَنَّهَا فَقَدَتْ أَمْرًا فَشَرَعَتْ تُفَتِّش عَلَيْهِ.
قَوْله : ( وَيَأْسهَا مِنْ بَعْد إِنْكَاسِهَا ) الْيَأْس بِالتَّحْتَانِيَّةِ ضِدّ الرَّجَاء وَالْإِنْكَاس الِانْقِلَاب , قَالَ اِبْن قَارِس : مَعْنَاهُ أَنَّهَا يَئِسَتْ مِنْ اِسْتِرَاق السَّمْع بَعْد أَنْ كَانَتْ قَدْ أَلِفَتْهُ , فَانْقَلَبَتْ عَنْ الِاسْتِرَاق قَدْ يَئِسَتْ مِنْ السَّمْع , وَوَقَعَ فِي شَرْح الدَّاوُدِيّ بِتَقْدِيمِ السِّين عَلَى الْكَاف , وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي أَلِفَتْهُ , قَالَ : وَوَقَعَ فِي رِوَايَة " مِنْ بَعْد إِينَاسِهَا " أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ أَنِسَتْ بِالِاسْتِرَاقِ , وَلَمْ أَرَ مَا قَالَهُ فِي شَيْء مِنْ الرِّوَايَات , وَقَدْ شَرَحَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى اللَّفْظ الْأَوَّل الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّاوُدِيّ وَقَالَ : الْإِنْسَاك جَمْع نُسُك , وَالْمُرَاد بِهِ الْعِبَادَة , وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَسِيم فِي غَيْر الطَّرِيق الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيّ.
وَزَادَ فِي رِوَايَة الْبَاقِر وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَكَذَا عِنْد الْبَيْهَقِيِّ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب بَعْد قَوْله : " وَأَحْلَاسهَا " : تَهْوِي إِلَى مَكَّة تَبْغِي الْهُدَى مَا مُؤْمِنُوهَا مِثْل أَرْجَاسهَا فَاسْم إِلَى الصَّفْوَة مِنْ هَاشِم وَاسْم بِعَيْنَيْك إِلَى رَأْسهَا وَفِي رِوَايَتهمْ أَنَّ الْجِنِّيّ عَاوَدَهُ ثَلَاث لَيَالٍ يَنْشُدهُ هَذِهِ الْأَبْيَات مَعَ تُغَيِّر قَوَافِيهَا , فَجَعَلَ بَدَل قَوْله إِبْلَاسهَا " تَطْلَابهَا " أَوَّله مُثَنَّاة , وَتَارَة " تَجْآرهَا " بِجِيمٍ وَهَمْزَة , وَبَدَّلَ قَوْله أَحْلَاسهَا " أَقْتَابهَا " بِقَافٍ وَمُثَنَّاة جَمْع قَتَب , وَتَارَة " أَكْوَارهَا " وَبَدَّلَ قَوْله.
مَا مُؤْمِنُوهَا مِثْل أَرْجَاسهَا " لَيْسَ قُدَّامَاهَا كَأَذْنَابِهَا " وَتَارَة " لَيْسَ ذَوُو الشَّرّ كَأَخْيَارِهَا " وَبَدَّلَ قَوْله : رَأْسهَا " نَابَهَا " وَتَارَة قَالَ : " مَا مُؤْمِنُو الْجِنّ كَكُفَّارِهَا ".
وَعِنْدهمْ مِنْ الزِّيَادَة أَيْضًا أَنَّهُ فِي كُلّ مَرَّة يَقُول لَهُ " قَدْ بُعِثَ مُحَمَّد , فَانْهَضْ إِلَيْهِ تَرْشُد " , وَفِي الرِّوَايَة الْمُرْسَلَة قَالَ : " فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي حَتَّى وَقَعْت " , وَعِنْدهمْ جَمِيعًا أَنَّهُ لَمَّا أَصْبَحَ تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّة فَوَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَاجَرَ , فَأَتَاهُ فَأَنْشَدَهُ أَبْيَاتًا يَقُول فِيهَا : أَتَانِي رُئًى بَعْد لَيْل وَهَجْعَة وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْت بِكَاذِبِ ثَلَاث لَيَالٍ قَوْله كُلّ لَيْلَة أَتَاك نَبِيّ مِنْ لُؤَيّ بْن غَالِب يَقُول فِي آخِرهَا : فَكُنَّ لِي شَفِيعًا يَوْم لَا ذُو شَفَاعَة سِوَاك بِمُغْنٍ عَنْ سَوَاد بْن قَارِب وَفِي آخِر الرِّوَايَة الْمُرْسَلَة " فَالْتَزَمَهُ عُمَر وَقَالَ : لَقَدْ كُنْت أُحِبّ أَنْ أَسْمَع هَذَا مِنْك ".
قَوْله : ( وَلُحُوقهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسهَا ) الْقِلَاص بِكَسْرِ الْقَاف وَبِالْمُهْمَلَةِ جَمْع قُلُص بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ جَمْع قُلُوص وَهِيَ الْفَتِيَّة مِنْ النِّيَاق , وَالْأَحْلَاس جَمْع حِلْس بِكَسْرِ أَوَّله وَسُكُون ثَانِيه وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ مَا يُوضَع عَلَى ظُهُور الْإِبِل تَحْت الرَّحْل , وَوَقَعَ هَذَا الْقَسِيم غَيْر مَوْزُون.
وَفِي رِوَايَة الْبَاقِر " وَرَحْلهَا الْعِيس بِأَحْلَاسِهَا " وَهَذَا مَوْزُون , وَالْعِيس بِكَسْرِ أَوَّله وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ : الْإِبِل.
قَوْله : ( قَالَ عُمَر : صَدَقَ , بَيْنَمَا أَنَا عِنْد آلِهَتهمْ ) ظَاهِر هَذَا أَنَّ الَّذِي قَصَّ الْقِصَّة الثَّانِيَة هُوَ عُمَر , وَفِي رِوَايَة اِبْن عُمَر وَغَيْره أَنَّ الَّذِي قَصَّهَا هُوَ سَوَاد بْن قَارِب , وَلَفْظ اِبْن عُمَر عِنْد الْبَيْهَقِيِّ قَالَ : " لَقَدْ رَأَى عُمَر رَجُلًا - فَذَكَرَ الْقِصَّة - قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ بَعْض مَا رَأَيْت , قَالَ : إِنِّي ذَات لَيْلَة بِوَادٍ إِذْ سَمِعْت صَائِحًا يَقُول : يَا جَلِيحْ , خَبَرٌ نَجِيحْ , رَجُلٌ فَصِيحْ , يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه.
عَجِبْت لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسهَا " فَذَكَرَ الْقِصَّة , ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيق أُخْرَى مُرْسَلَة قَالَ : " مَرَّ عُمَر بِرَجُلٍ فَقَالَ : لَقَدْ كَانَ هَذَا كَاهِنًا " الْحَدِيث وَفِيهِ " فَقَالَ عُمَر أَخْبِرْنِي , فَقَالَ : نَعَمْ , بَيْنَا أَنَا جَالِس إِذْ قَالَتْ لِي : أَلَمْ تَرَ إِلَى الشَّيَاطِين وَإِبْلَاسهَا " الْحَدِيث " قَالَ عُمَر : اللَّه أَكْبَر , فَقَالَ : أَتَيْت مَكَّة فَإِذَا بِرَجُلٍ عِنْد تِلْكَ الْأَنْصَاب " فَذَكَرَ قِصَّة الْعِجْل , وَهَذَا يَحْتَمِل فِيهِ مَا اُحْتُمِلَ فِي حَدِيث الصَّحِيح أَنْ يَكُون الْقَائِل " أَتَيْت مَكَّة " هُوَ عُمَر أَوْ صَاحِب الْقِصَّة.
قَوْله : ( عِنْد آلِهَتهمْ ) أَيْ أَصْنَامهمْ.
قَوْله : ( إِذْ جَاءَ رَجُل ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه " لَكِنْ عِنْد أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر أَنَّهُ اِبْن عَبْس , فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَنْ شَيْخ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهُ اِبْن عَبْس قَالَ : " كُنْت أَسُوق بَقَرَة لَنَا , فَسَمِعْت مِنْ جَوْفهَا " فَذَكَرَ الرَّجَز قَالَ : " فَقَدِمْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ " وَرِجَاله ثِقَات , وَهُوَ شَاهِد قَوِيّ لِمَا فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِذَلِكَ هُوَ سَوَاد بْن قَارِب , وَسَأَذْكُرُ بَعْد هَذَا مَا يُقَوِّي أَنَّ الَّذِي سَمِعَ ذَلِكَ هُوَ عُمَر فَيُمْكِن أَنْ يُجْمَع بَيْنهمَا بِتَعَدُّدِ ذَلِكَ لَهُمَا.
قَوْله : ( يَا جَلِيحْ ) بِالْجِيمِ وَالْمُهْمَلَة بِوَزْنِ عَظِيم وَمَعْنَاهُ الْوَقِح الْمُكَافِح بِالْعَدَاوَةِ , قَالَ اِبْن التِّين : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَادَى رَجُلًا بِعَيْنِهِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَة قُلْت : وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الرِّوَايَات الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا " يَا آلَ ذَرِيح " بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَآخِره مُهْمَلَة , وَهُمْ بَطْن مَشْهُور فِي الْعَرَب.
قَوْله : ( رَجُل فَصِيح ) مِنْ الْفَصَاحَة , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ بِتَحْتَانِيَّةٍ أَوَّله بَدَل الْفَاء مِنْ الصِّيَاح وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبْس " قَوْل فَصِيح رَجُل يَصِيح ".
قَوْله : ( يَقُول لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ ) وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " وَهُوَ الَّذِي فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات.
قَوْله : ( فَمَا نَشِبْنَا ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحَّدَة أَيْ لَمْ نَتَعَلَّق بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاء حَتَّى سَمِعْنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ , يُرِيد أَنْ ذَلِكَ كَانَ بِقُرْبِ مَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
( تَنْبِيهَانِ ) : أَحَدهمَا : ذَكَرَ اِبْن التِّين أَنَّ الَّذِي سَمِعَهُ سَوَاد بْن قَارِب مِنْ الْجِنِّيّ كَانَ مِنْ أَثَر اِسْتِرَاق السَّمْع , وَفِي جَزْمه بِذَلِكَ نَظَر , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَثَر مَنْع الْجِنّ مِنْ اِسْتِرَاق السَّمْع , وَيُبَيِّن ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي الصَّلَاة وَيَأْتِي فِي تَفْسِير سُورَة الْجِنّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُعِثَ مَنَعَ الْجِنّ مِنْ اِسْتِرَاق السَّمْع , فَضَرَبُوا الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب يَبْحَثُونَ عَنْ سَبَب ذَلِكَ , حَتَّى رَأَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفَجْر " الْحَدِيث.
( التَّنْبِيه الثَّانِي ) : لَمَّحَ الْمُصَنِّف بِإِيرَادِ هَذِهِ الْقِصَّة فِي " بَاب إِسْلَام عُمَر " بِمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَة وَطَلْحَة عَنْ عُمَر مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ سَبَب إِسْلَامه , فَرَوَى أَبُو نُعَيْم فِي " الدَّلَائِل " أَنَّ أَبَا جَهْل " جَعَلَ لِمَنْ يَقْتُل مُحَمَّدًا مِائَة نَاقَة , قَالَ عُمَر : فَقُلْت لَهُ : يَا أَبَا الْحَكَم آلضَّمَان صَحِيح ؟ قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ فَتَقَلَّدَتْ سَيْفِي أُرِيدهُ , فَمَرَرْت عَلَى عِجْل وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ , فَقُمْت أَنْظُر إِلَيْهِمْ , فَإِذَا صَائِح يَصِيح مِنْ جَوْف الْعِجْل : يَا آلَ ذَرِيح , أَمْر نَجِيح , رَجُل يَصِيح بِلِسَانِ فَصِيح.
قَالَ عُمَر : فَقُلْت فِي نَفْسِي إِنَّ هَذَا الْأَمْر مَا يُرَاد بِهِ إِلَّا أَنَا , قَالَ فَدَخَلْت عَلَى أُخْتِي فَإِذَا عِنْدهَا سَعِيد بْن زَيْد " فَذَكَرَ الْقِصَّة فِي سَبَب إِسْلَامه بِطُولِهَا , وَتَأَمَّلْ مَا فِي إِيرَاده حَدِيث سَعِيد بْن زَيْد الَّذِي بَعْد هَذَا.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ عَلَيَّ الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا قَالَ عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ
عن أبي هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ» قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟، قال: فساء أو ضراط
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم»،...
عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه "، قالت:...
عن جرير قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: استنصت الناس.<br> ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض.»
عن سعيد بن زيد يقول: «لقد رأيتني، وإن عمر موثقي على الإسلام، ولو انقض أحد مما فعلتم بعثمان، كان محقوقا أن ينقض.»
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا...
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم، سبط الشعر، بين رجلين، ينطف...
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية، فلما نزل رمضان، قال: من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه.»