4418-
عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: «سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا، وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه ونظره في عطفه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا، حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته فلما سلمت عليه، تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك، فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك، فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك، فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته، فسكت، فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار، قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد؛ فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك،ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك.
فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربك، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدريني ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله: يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة.
قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله، قال: لا، بل من عند الله، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه، قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين} إلى قوله: {وكونوا مع الصادقين} فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم} إلى قوله: {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه.»
أخرجه مسلم في التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: ٢٧٦٩.
(قط) أي زمان مضى.
(أقوى ولا أيسر) أكثر قوة ويسارا أي غنى.
(راحلتان) مثنى راحلة، وهي ما يصلح للركوب والحمل في الأسفار من الإبل، ويصلح للسفر.
(أهبة غزوهم) وفي نسخة (عدوهم) ما يحتاجون إليه في السفر والحرب.
(طابت الثمار والظلال) نضجت الثمار ولذ للنفوس أكلها، وكثرت الظلال بتورق الأشجار ورغبت النفوس أن تتفيأ فيها.
(فطفقت) أخذت وشرعت.
(اشتد في الناس الجد) بلغوا غاية اجتهادهم في التجهيز للخروج.
(جهازي) ما أحتاجه في سفري.
(فصلوا) خرجوا من المدينة وفارقوها.
(تفارط الغزو) فات وقته وتقدم.
(مغموصا) محتقرا، مطعونا في دينه أو متهما بنفاق.
(حبسه براده والنظر في عطفيه) أي منعه من الخروج إعجابه بنفسه ولباسه، وبراده مثنى برد وهو الكساء، وعطفيه: مثنى عطف وهو الجانب.
(قافلا) راجعا من سفره إلى المدينة.
(سخطه) غضبه، وعدم رضاه عما حصل مني.
(أظل قادما) دنا قدومه إلى المدينة.
(زاح عني الباطل) زال عني التفكير في الكذب والتماس الأعذار الباطلة.
(فأجمعت صدقه) عزمت على أن أصدقه.
(المخلفون) الذين لم يذهبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفوا عنه.
(علانيتهم) ظاهرهم.
(سرائرهم) جمع سريرة وهي ما يكتم في النفوس.
(ابتعت ظهرك) اشتريت راحلتك.
(جدلا) فصاحة وقوة حجة وكلام.
(تجد) تغضب.
(كافيك ذنبك) يكفيك من ذنبك.
(أسوة) قدوة.
(تغيروا لنا) اختلفت أخلاقهم معنا عما كانت عليه من قبل من الود والألفة.
(تنكرت) تغيرت.
(فاستكانا) ذلا وخضعا وأصابهما السكون.
(أطوف) أدور.
(فأسارقه النظر) أنظر إليه خلسة.
(تسورت) صعدت على سور الدار.
(حائط) بستان من نخيل.
(ففاضت عيناي) انهال دمعهما.
(نبطي) فلاح.
(دفع إلي) أعطاني.
(جفاك) أعرض عنك وقاطعك.
(هوان) ذل وصغار.
(مضيعة) حيث يضيع حقك.
(نواسك) من المواساة وهي التسلية عن المصيبة.
(البلاء) الاختبار.
(فتيممت) قصدت.
(فسجرته) أوقدته بها.
(تعتزل امرأتك) لا تجامعها، وهي عميرة بنت جبير الأنصارية رضي الله عنها.
(ضائع) قاصر عن القيام بشؤون نفسه.
(حركة إلى شيء) من جماع ومباشرة وغيرها.
(الحال التي ذكر الله) في قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم .
} /التوبة: ١١٨/.
(أوفى) أشرف.
(سلع) جبل معروف في المدينة.
(فخررت) أسقطت نفسي على الأرض.
(آذن) أعلم.
(ركض) استحث، من الركض وهو الضرب بالرجل على بطن الفرس لتسرع.
(غيرهما) من جنس الثياب.
(فوجا) جماعة.
(لتهنك) من التهنئة، وهي المخاطبة بالأمر راجيا أن يكون مبعث سرور له.
(أبلاه) أنعم عليه أو أختبره.
(وأنزل الله) أي في توبتنا.
(لقد تاب) عفا وصفح.
(على النبي) في اذنه للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك.
(والمهاجرين والأنصار) فيما وقع في قلوبهم من الميل إلى القعود وعدم الخروج إلى غزوة تبوك.
(إلى قوله) تتمة الآيات: {والأنصار الذي اتبعوه ساعة العسرة من بعد ما كاد أن يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم.
وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إلى الله هو التواب الرحيم.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} /التوبة: ١١٧ - ١١٩/.
(اتبعوه) اتبعوا أمره، ولبوا دعوته وخرجوا معه.
(ساعة العسرة) وقت الضيق والشدة، فقد كانوا في قلة من المركب والطعام والشراب، إلى جانب شدة الحر وبعد المسافة وكثرة العدو، مع طيب الثمار والظلال في المدينة.
(كاد يزيغ) قارب أن تميل قلوب بعضهم عن الحق فيقعدوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم تداركتهم رحمة الله تعالى وعنايته فصبروا واحتسبوا أجرهم عند الله تعالى وندموا على ما هموا به.
(تاب عليهم) ألهمهم الإنابة والرجوع إليه سبحانه، لما علم من إخلاصهم وصدق إيمانهم وقبل توبتهم ومعذرتهم.
(وعلى الثلاثة) وتاب على الثلاثة، وهم كعب وصاحباه رضي الله عنهم، (خلفوا) أخروا عن الحكم بأمرهم.
(ضاقت .
) حاروا في أمرهم حتى أصبحوا وكأنهم لا يجدون مكانا في الأرض على سعتها يقرون فيه ويطمئنون.
(وضاقت عليهم أنفسهم) اشتد كربهم وحزنهم حتى أصبحت نفوسهم لا تتسع لأنس ولا سرور.
(ظنوا) علموا وأيقنوا.
(لا ملجأ من الله إلا إليه) لا مفر من حكم الله تعالى ولا مجير من عذابه إلا اللجوء إلى استغفاره والتضرع بين يديه، والإنابة إليه، فذلوا له وخضعوا، واستغفروا وصبروا واحتسبوا.
(تاب عليهم) عفا عنهم وقبل التجاءهم واستغفارهم.
(ليتوبوا) ليكونوا دائما في جملة التوابين الذين يحبهم الله سبحانه وتعالى.
(كونوا مع الصادقين) الزموا الصدق دائما في النية والقول والعمل.
(انقلبتم) رجعتم.
(إلى قوله) وتتمتها: {إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون.
يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم .
} /التوبة: ٩٥ - ٩٦/.
(لتعرضوا عنهم) لتتركوهم ولا تؤنبوهم بسبب تخلفهم.
(فأعرضوا عنهم) لبو طلبهم ولا تعاتبوهم، ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق.
(إنهم رجس) بواطنهم خبيثة وأعمالهم قبيحة، لا تنفع فيهم موعظة، ولا تصلحهم معاتبة، ولا تطهرهم طاعة ظاهرة.
(مأواهم) مسكنهم.
(يكسبون) من سوء الطوية وانحراف القصد وخبث العمل.
(لترضوا عنهم) لتقبلوا معذرتهم وينالوا رضاكم فينتفعوا به في الدنيا.
(فإن ترضوا عنهم) ظاهرا وتعاملوهم معاملة المسلمين.
(فإن الله لا يرضى) عنهم حقيقة لما يعلم في قلوبهم من النفاق، فلا يخلصهم رضاكم عنهم في الدنيا من عذابه يوم القيامة.
(الفاسقين) الخارجين عن طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
(تخلفنا .
أمر أولئك) أي تخلفنا عن الاعتذار مثلهم، فلم يقض فينا مثل ما قضى فيهم.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب ) كَذَا عِنْد الْأَكْثَر , وَوَقَعَ عَنْ الزُّهْرِيّ فِي بَعْض هَذَا الْحَدِيث رِوَايَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك وَهُوَ عَمّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ هُنَا , وَفِي رِوَايَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب نَفْسه , قَالَ أَحْمَد بْن صَالِح فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوْيهِ : كَانَ الزُّهْرِيّ سَمِعَ هَذَا الْقَدْر مِنْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب نَفْسه , وَسَمِعَ هَذَا الْحَدِيث بِطُولِهِ مِنْ وَلَده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب , وَعَنْهُ أَيْضًا رِوَايَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب عَنْ عَمّه عُبَيْد اللَّه بِالتَّصْغِيرِ , وَوَقَعَ عِنْد اِبْن جَرِير مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ فِي أَوَّل الْحَدِيث بِغَيْرِ إِسْنَاد , قَالَ الزُّهْرِيّ : غَزَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ يُرِيد نَصَارَى الْعَرَب وَالرُّوم بِالشَّامِ , حَتَّى إِذَا بَلَغَ تَبُوك أَقَامَ بِضْع عَشْرَة لَيْلَة , وَلَقِيَهُ بِهَا وَفْد أَذَرْح وَوَفْد أَيْلَةَ , فَصَالَحَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَة , ثُمَّ قَفَلَ مِنْ تَبُوك وَلَمْ يُجَاوِزهَا , وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ) الْآيَة " وَالثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا رَهْط مِنْ الْأَنْصَار فِي بِضْعَة وَثَمَانِينَ رَجُلًا , فَلَمَّا رَجَعَ صَدَّقَهُ أُولَئِكَ وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ , وَكَذَبَ سَائِرهمْ فَحَلَفُوا مَا حَبَسَهُمْ إِلَّا الْعُذْر فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ , وَنَهَى عَنْ كَلَام الَّذِينَ خُلِّفُوا.
قَالَ الزُّهْرِيّ : " وَأَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب " فَسَاقَ الْحَدِيث بِطُولِهِ.
قَوْله : ( وَكَانَ قَائِد كَعْب مِنْ بَنِيهِ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر النُّون بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة , وَقَعَ فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ هُنَا وَكَذَا لِابْنِ السَّكَن فِي الْجِهَاد " مِنْ بَيْته " بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة بَعْدهَا مُثَنَّاة , وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب.
وَفِي رِوَايَة مَعْقِل عَنْ اِبْن شِهَاب عِنْد مُسْلِم " وَكَانَ قَائِد كَعْب حِين أُصِيب بَصَره وَكَانَ أَعْلَم قَوْمه وَأَوْعَاهُمْ لِأَحَادِيث أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَوْله : ( حِين تَخَلَّفَ ) أَيْ زَمَان تَخَلُّفه.
وَقَوْله : " عَنْ قِصَّة " مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ يُحَدِّث.
قَوْله : ( إِلَّا فِي غَزْوَة تَبُوك ) زَادَ أَحْمَد مِنْ رِوَايَة مَعْمَر " وَهِيَ آخِر غَزْوَة غَزَاهَا " وَهَذِهِ الزِّيَادَة رَوَاهَا مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ اِبْن شِهَاب بِغَيْرِ إِسْنَاد , وَمِثْله فِي زِيَادَات الْمَغَازِي لِيُونُس بْن بُكَيْرٍ مِنْ مُرْسَل الْحَسَن.
وَقَوْله : " وَلَمْ يُعَاتِب أَحَدًا " تَقَدَّمَ فِي غَزْوَة بَدْر بِهَذَا السَّنَد " وَلَمْ يُعَاتِب اللَّه أَحَدًا ".
قَوْله : ( تَوَاثَقْنَا ) بِمُثَلَّثَةٍ وَقَاف أَيْ أَخَذَ بَعْضنَا عَلَى بَعْض الْمِيثَاق لَمَّا تَبَايَعْنَا عَلَى الْإِسْلَام وَالْجِهَاد.
قَوْله : ( وَمَا أُحِبّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَد بَدْر ) أَيْ أَنَّ لِي بَدَلهَا.
قَوْله : ( وَإِنْ كَانَتْ بَدْر أَذْكَر فِي النَّاس ) أَيْ أَعْظَم ذَكَرًا.
وَفِي رِوَايَة يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب عِنْد مُسْلِم " وَإِنْ كَانَتْ بَدْر أَكْثَر ذِكْرًا فِي النَّاس مِنْهَا " وَلِأَحْمَد مِنْ طَرِيق مَعْمَر بْن شِهَاب " وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَف مَشَاهِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَدْر ".
قَوْله : ( أَقْوَى وَلَا أَيْسَر ) زَادَ مُسْلِمٌ " مِنِّي ".
قَوْله : ( وَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد غَزْوَة إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا ) أَيْ أَوْهَمَ غَيْرهَا , وَالتَّوْرِيَة أَنْ يَذْكُر لَفْظًا يَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ أَحَدهمَا أَقْرَب مِنْ الْآخَر فَيُوهِم إِرَادَة الْقَرِيب وَهُوَ يُرِيد الْبَعِيد.
وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ " وَكَانَ يَقُول : الْحَرْب خَدْعَة ".
( تَنْبِيه ) : هَذِهِ الْقِطْعَة مِنْ الْحَدِيث أُفْرِدَتْ مِنْهُ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْجِهَاد بِهَذَا الْإِسْنَاد , وَزَادَ فِيهِ مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ " وَقَلَّمَا كَانَ يَخْرُج إِذَا خَرَجَ فِي سَفَر إِلَّا يَوْم الْخَمِيس ".
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْب عَنْ يُونُس " فِي سَفَر جِهَاد وَلَا غَيْره " وَلَهُ مِنْ وَجْه آخَر " وَخَرَجَ فِي غَزْوَة تَبُوك يَوْم الْخَمِيس ".
قَوْله : ( وَعَدُوًّا كَثِيرًا ) فِي رِوَايَة " وَغَزْو عَدُوّ كَبِير ".
قَوْله : ( فَجَلَّى ) بِالْجِيمِ وَتَشْدِيد اللَّام وَيَجُوز تَخْفِيفهَا أَيْ أَوْضَحَ.
قَوْله : ( أُهْبَة غَزْوهمْ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " أُهْبَة عَدُوّهُمْ " وَالْأُهْبَة بِضَمِّ الْهَمْزَة وَسُكُون الْهَاء مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ فِي السَّفَر وَالْحَرْب.
قَوْله : ( وَلَا يَجْمَعهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ ) بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا , وَفِي رِوَايَة مُسْلِم بِالْإِضَافَةِ , وَزَادَ فِي رِوَايَة مَعْقِل " يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَة آلَاف , وَلَا يَجْمَع دِيوَان حَافِظ " وَلِلْحَاكِمِ فِي " الْإِكْلِيل " مِنْ حَدِيث مُعَاذ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَة تَبُوك زِيَادَة عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا " وَبِهَذِهِ الْعِدَّة جَزَمَ اِبْن إِسْحَاق وَأَوْرَدَهُ الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدٍ آخَر مَوْصُول وَزَادَ " أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ عَشَرَة آلَاف فَرَس " فَتُحْمَل رِوَايَة مَعْقِل عَلَى إِرَادَة عَدَد الْفَرَسَانِ.
وَلِابْنِ مَرْدَوْيهِ " وَلَا يَجْمَعهُمْ دِيوَان حَافِظ " يَعْنِي كَعْب بِذَلِكَ الدِّيوَان يَقُول : لَا يَجْمَعهُمْ دِيوَان مَكْتُوب , وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَة التَّنْوِين , وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَزْوَة تَبُوك أَرْبَعِينَ أَلْفًا , وَلَا تُخَالِف الرِّوَايَة الَّتِي فِي " الْإِكْلِيل " أَكْثَر مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا جَبَرَ الْكَسْر , وَقَوْله يُرِيد الدِّيوَان هُوَ كَلَام الزُّهْرِيّ , وَأَرَادَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَاز عَمَّا وَقَعَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اُكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ " وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّل مَنْ دَوَّنَ الدِّيوَان عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَوْله : ( قَالَ كَعْب ) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْله : ( فَمَا رَجُل ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَقَلَّ رَجُل ".
قَوْله : ( إِلَّا ظَنَّ أَنَّهُ سَيَخْفَى ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " أَنْ سَيَخْفَى " بِتَخْفِيفِ النُّون بِلَا هَاء , وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ ".
قَوْله : ( حِين طَابَتْ الثِّمَار وَالظِّلَال ) فِي رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ اِبْن شِهَاب " فِي قَيْظ شَدِيد فِي لَيَالِي الْخَرِيف وَالنَّاس خَارِفُونَ فِي نَخِيلهمْ " وَفِي رِوَايَة أَحْمَد مِنْ طَرِيق مَعْمَر " وَأَنَا أَقْدَر شَيْء فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَاز وَخِفَّة الْحَاذ , وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلَال وَالثِّمَار " وَقَوْله : " الْحَاذ " بِحَاءِ مُهْمَلَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ الْحَال وَزْنًا وَمَعْنًى.
وَقَوْله : " أَصْغُو " بِصَادٍ مُهْمَلَة وَضَمّ الْمُعْجَمَة أَيْ أَمِيل , وَيُرْوَى " أَصْعُرُ " بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة بَعْدهَا رَاء , وَفِي رِوَايَة اِبْن مَرْدَوْيهِ " فَالنَّاس إِلَيْهَا صُعُر ".
قَوْله : ( حَتَّى اِشْتَدَّ النَّاس الْجِدّ ) بِكَسْرِ الْجِيم وَهُوَ الْجِدُّ فِي الشَّيْء وَالْمُبَالَغَة فِيهِ , وَضَبَطُوا النَّاس بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِل وَالْجِدَّ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْع الْخَافِض , أَوْ هُوَ نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف أَيْ اِشْتَدَّ النَّاس الِاشْتِدَاد الْجِدَّ , وَعِنْد اِبْن السَّكَن " اِشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ " بِرَفْعِ الْجِدّ وَزِيَادَة الْمُوَحَّدَة وَهُوَ الَّذِي فِي رِوَايَة أَحْمَد وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " بِالنَّاسِ الْجِدُّ " وَالْجِدّ عَلَى هَذَا فَاعِل وَهُوَ مَرْفُوع وَهِيَ رِوَايَة مُسْلِم , وَعِنْد اِبْن مَرْدَوْيهِ " حَتَّى شَمَّرَ النَّاس الْجِدّ " وَهُوَ يُؤَيِّد التَّوْجِيه الْأَوَّل.
قَوْله : ( فَأَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي ) بِفَتْحِ الْجِيم وَبِكَسْرِهَا وَعِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة وَابْن جَرِير مِنْ وَجْه آخَر عَنْ كَعْب " فَأَخَذْت فِي جَهَازِي , فَأَمْسَيْت وَلَمْ أَفْرُغ , فَقُلْت أَتَجَهَّز فِي غَد ".
قَوْله : ( حَتَّى أَسْرَعُوا ) وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " حَتَّى شَرَعُوا " بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
قَوْله : ( وَلَيْتنِي فَعَلْت ) زَادَ فِي رِوَايَة اِبْن مَرْدَوْيهِ " وَلَمْ أَفْعَل ".
قَوْله : ( وَتَفَارَطَ ) بِالْفَاءِ وَالطَّاء وَالْمُهْمَلَة أَيْ فَاتَ وَسَبَقَ , وَالْفَرْط السَّبْق.
وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " حَتَّى أَمْعَنَ الْقَوْم وَأَسْرَعُوا , فَطَفِقْت أَغْدُو لِلتَّجْهِيزِ وَتَشْغَلنِي الرِّجَال , فَأَجْمَعْت الْقُعُود حِين سَبَقَنِي الْقَوْم " وَفِي رِوَايَة أَحْمَد مِنْ طَرِيق عُمَر بْن كَثِير عَنْ كَعْب " فَقُلْت أَيْهَاتَ , سَارَ النَّاس ثَلَاثًا , فَأَقَمْت ".
قَوْله : ( مَغْمُوصًا ) بَالِغِينَ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْمَلَة أَيْ مَطْعُونًا عَلَيْهِ فِي دِينه مُتَّهَمًا بِالنِّفَاقِ , وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُسْتَحْقَرًا , تَقُول غَمَصْت فُلَانًا إِذَا اِسْتَحْقَرْته.
قَوْله : ( حَتَّى بَلَغَ تَبُوك ) بِغَيْرِ صَرْف لِلْأَكْثَرِ , وَفِي رِوَايَة " تَبُوكًا " عَلَى إِرَادَة الْمَكَان.
قَوْله : ( فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَة ) بِكَسْرِ اللَّام , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " مِنْ قَوْمِي " وَعِنْد الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ , وَهَذَا غَيْر الْجُهَنِيِّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور , وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ السَّلَمِيّ بِفَتْحَتَيْنِ فَهُوَ هَذَا , وَاَلَّذِي رَدّ عَلَيْهِ هُوَ مُعَاذ بْن جَبَل اِتِّفَاقًا إِلَّا مَا حَكَى الْوَاقِدِيُّ , وَفِي رِوَايَة أَنَّهُ أَبُو قَتَادَةَ , قَالَ وَالْأَوَّل أَثْبَت.
قَوْله : ( حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عِطْفه ) بِكَسْرِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنْ حُسَنه وَبَهْجَته , وَالْعَرَب تَصِف الرِّدَاء بِصِفَةِ الْحُسْن وَتُسَمِّيه عِطْفًا لِوُقُوعِهِ عَلَى عِطْفَيْ الرَّجُل.
قَوْله : ( فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُنْتَصِبًا يَزُول بِهِ السَّرَاب , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيّ : قُلْت : وَاسْم أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا سَعْد بْن خَيْثَمَةَ , كَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثه وَلَفْظه " تَخَلَّفْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْت حَائِطًا فَرَأَيْت عَرِيشًا قَدْ رُشَّ بِالْمَاءِ , وَرَأَيْت زَوْجَتِي فَقُلْت : مَا هَذَا بِإِنْصَافٍ , رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمُوم وَالْحَرُور وَأَنَا فِي الظِّلّ وَالنَّعِيم , فَقُمْت إِلَى نَاضِح لِي وَتَمَرَات فَخَرَجْت , فَلَمَّا طَلَعْت عَلَى الْعَسْكَر فَرَآنِي النَّاس قَالَ النَّبِيّ : كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ , فَجِئْت , فَدَعَا لِي " وَذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن حَزْم مُرْسَلًا , وَذَكَر الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اِسْمه عَبْد اللَّه بْن خَيْثَمَةَ , وَقَالَ اِبْن شِهَاب : اِسْمه مَالِك بْن قَيْس.
قَوْله : ( فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَذَكَرَ اِبْن سَعْد أَنَّ قُدُوم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة كَانَ فِي رَمَضَان.
قَوْله : ( حَضَرَنِي هَمِّي ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " هَمَّنِي " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " بَثِّي " بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَة , وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " فَطَفِقْت أَعُدّ الْعُذْر لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ وَأُهَيِّئ الْكَلَام ".
قَوْله : ( وَأَجْمَعْت صِدْقه ) أَيْ جَزَمْت بِذَلِكَ وَعَقَدْت عَلَيْهِ قَصْدِي , وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " وَعَرَفْت أَنَّهُ لَا يُنْجِينِي مِنْهُ إِلَّا الصِّدْق ".
قَوْله : ( وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَع فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ ) هَذِهِ الْقِطْعَة مِنْ هَذَا الْحَدِيث أُفْرِدَت فِي الْجِهَاد , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ اِبْن شِهَاب بِلَفْظِ " لَا يَقْدَم مِنْ سَفَر إِلَّا فِي الضُّحَى فَيَبْدَأ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُد " وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة ثُمَّ يَدْخُل عَلَى أَهْله , وَفِي حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة عِنْد الطَّبَرَانِيُّ " كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُثْنِي بِفَاطِمَة ثُمَّ يَأْتِي أَزْوَاجه " وَفِي لَفْظ " ثُمَّ بَدَأَ بِبَيْتِ فَاطِمَة ثُمَّ أَتَى بُيُوت نِسَائِهِ ".
قَوْله : ( جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ , وَكَانُوا بِضْعَة وَثَمَانِينَ رَجُلًا ) ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هَذَا الْعَدَد كَانَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَار , وَأَنَّ الْمُعَذِّرِينَ مِنْ الْأَعْرَاب كَانُوا أَيْضًا اِثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَار وَغَيْرهمْ , وَأَنَّ عَبْد اللَّه بْن أُبَيٍّ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمه كَانُوا مِنْ غَيْر هَؤُلَاءِ وَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا.
قَوْله : ( فَلَمَّا سَلَّمْت عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّم الْمُغْضَب ) وَعِنْد اِبْن عَائِذ فِي الْمَغَازِي " فَأَعْرَضَ عَنْهُ , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه لِمَ تُعْرِض عَنِّي ؟ فَوَاَللَّهِ مَا نَافَقْت وَلَا اِرْتَبْت وَلَا بَدَّلْت , قَالَ : فَمَا خَلَّفَك " ؟.
قَوْله : ( وَاَللَّه لَقَدْ أُعْطِيت جَدَلًا ) أَيْ فَصَاحَة وَقُوَّة كَلَام بِحَيْثُ أَخْرُج عَنْ عُهْدَة مَا يُنْسَب إِلَيَّ بِمَا يُقْبَل وَلَا يُرَدّ.
قَوْله : ( تَجِد عَلَيَّ ) بِكَسْرِ الْجِيم أَيْ تَغْضَب.
قَوْله : ( حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِيك , فَقُمْت ) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ " فَمَضَيْت ".
قَوْله : ( وَثَارَ رِجَالٌ ) أَيْ وَثَبُوا.
قَوْله : ( كَافِيك ذَنْبَك ) بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْع الْخَافِض أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّة أَيْضًا , وَاسْتِغْفَار بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِل.
وَعِنْد اِبْن عَائِذ " فَقَالَ كَعْب : مَا كُنْت لِأَجْمَع أَمْرَيْنِ.
أَتَخَلَّف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَكْذِبهُ.
فَقَالُوا : إِنَّك شَاعِر جَرِيء , فَقَالَ : أَمَّا عَلَى الْكَذِب فَلَا " زَادَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " كَمَا صَنَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِك فَقَبِلَ مِنْهُمْ عُذْرهمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ".
قَوْله : ( وَقِيلَ لَهُمْ مِثْل مَا قِيلَ لَك ) فِي رِوَايَة اِبْن مَرْدَوْيهِ " وَقَالَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَك ".
قَوْله : ( يُؤَنِّبُونِي ) بِنُونٍ ثَقِيلَة ثُمَّ مُوَحَّدَة مِنْ التَّأْنِيب وَهُوَ اللَّوْم الْعَنِيف.
قَوْله : ( مُرَارَة ) بِضَمِّ الْمِيم وَرَاءَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَة , وَقَوْله : ( الْعَمْرِيُّ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْمِيم نِسْبَة إِلَى بَنِي عَمْرو بْن عَوْف بْن مَالِك بْن الْأَوْس , وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ الْعَامِرِيّ وَهُوَ خَطَأ.
وَقَوْله : ( اِبْن الرَّبِيع ) هُوَ الْمَشْهُور , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم " اِبْن رَبِيعَة " وَفِي حَدِيث مُجَمِّع بْن جَارِيَة عِنْد اِبْن مَرْدَوْيهِ " مُرَارَة بْن رِبْعِيٍّ " وَهُوَ خَطَأ , وَكَذَا مَا وَقَعَ عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ مُرْسَل الْحَسَن مِنْ تَسْمِيَته " رَبِيع بْن مُرَارَة " وَهُوَ مَقْلُوب , وَذَكَرَ فِي هَذَا الْمُرْسَل أَنَّ سَبَب تَخَلُّفه أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَائِط حِين زُهِيَ فَقَالَ فِي نَفْسه : قَدْ غَزَوْت قَبْلهَا , فَلَوْ أَقَمْت عَامِي هَذَا.
فَلَمَّا تَذَكَّرَ ذَنْبه قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدك أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْت بِهِ فِي سَبِيلك.
وَفِيهِ أَنَّ الْآخَر يَعْنِي هِلَالًا كَانَ لَهُ أَهْل تَفَرَّقُوا ثُمَّ اِجْتَمَعُوا فَقَالَ : لَوْ أَقَمْت هَذَا الْعَام عِنْدهمْ , فَلَمَّا تَذَكَّرَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَك عَلَيَّ أَنْ لَا أَرْجِع إِلَى أَهْل وَلَا مَال.
قَوْله : ( وَهِلَال بْن أُمَيَّة الوَاقِفِيّ ) بِقَافٍ ثُمَّ فَاء نِسْبَة إِلَى بَنِي وَاقِف بْن اِمْرِئِ الْقَيْس بْن مَالِك بْن الْأَوْس.
قَوْله : ( فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا ) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا.
وَظَاهِره أَنَّهُ مِنْ كَلَام كَعْب بْن مَالِك , وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيع الْبُخَارِيّ , وَقَدْ قَرَّرْت ذَلِكَ وَاضِحًا فِي غَزْوَة بَدْر.
وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّهُمَا شَهِدَا بَدْرًا أَبُو بَكْر الْأَثْرَم , وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْجَوْزِيّ وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَط فَلَمْ يُصِبْ , وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِمَا لَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّة حَاطِب , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَهْجُرهُ وَلَا عَاقَبَهُ مَعَ كَوْنه جَسَّ عَلَيْهِ , بَلْ قَالَ لِعُمَر لَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ " وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّه اِطَّلَعَ عَلَى أَهْل بَدْر فَقَالَ : اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ".
قَالَ : وَأَيْنَ ذَنْب التَّخَلُّف مِنْ ذَنْب الْجَسّ ؟.
قُلْت : وَلَيْسَ مَا اِسْتَدَلَّ بِهِ بِوَاضِحٍ , لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدْرِيّ عِنْده إِذَا جَنَى جِنَايَة وَلَوْ كَبُرَتْ لَا يُعَاقَب عَلَيْهَا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَهَذَا عُمَر مَعَ كَوْنه الْمُخَاطَب بِقِصَّةِ حَاطِب فَقَدْ جَلَدَ قُدَامَةَ بْن مَظْعُون الْحَدّ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْر وَهُوَ بَدْرِيّ كَمَا تَقَدَّمَ , وَإِنَّمَا لَمْ يُعَاقِب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا وَلَا هَجَرَهُ لِأَنَّهُ قَبِلَ عُذْره فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَاتَبَ قُرَيْشًا خَشْيَة عَلَى أَهْله وَوَلَده , وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذ لَهُ عِنْدهمْ يَدًا فَعَذَرَهُ بِذَلِكَ , بِخِلَافِ تَخَلُّف كَعْب وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْر أَصْلًا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( لِي فِيهِمَا إِسْوَة ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَيَجُوزُ ضَمّهَا , قَالَ اِبْن التِّين : التَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ يَنْفَع فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْآخِرَة , فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ ) الْآيَة.
قَوْله : ( فَمَضَيْت حِين ذَكَرُوهُمَا لِي ) فِي رِوَايَة مَعْمَر " فَقُلْت وَاَللَّه لَا أَرْجِع إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا ".
قَوْله : ( وَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامنَا أَيّهَا الثَّلَاثَة ) بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الِاخْتِصَاص أَيْ مُتَخَصِّصِينَ بِذَلِكَ دُون بَقِيَّة النَّاس.
قَوْله : ( حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْض فَمَا هِيَ بِاَلَّتِي أَعْرِف ) وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَان حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِف , وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاس حَتَّى مَا هُمْ الَّذِينَ نَعْرِف " وَهَذَا يَجِدهُ الْحَزِين وَالْمَهْمُوم فِي كُلّ شَيْء حَتَّى قَدْ يَجِدهُ فِي نَفْسه , وَزَادَ الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن رَاشِد عَنْ الزُّهْرِيّ " وَمَا مِنْ شَيْء أَهَمّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوت فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ يَمُوت فَأَكُون مِنْ النَّاس بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة فَلَا يُكَلِّمنِي أَحَد مِنْهُمْ وَلَا يُصَلَّى عَلَيَّ " , وَعِنْد اِبْن عَائِذ " حَتَّى وَجِلُوا أَشَدّ الْوَجَل وَصَارُوا مِثْل الرُّهْبَان ".
قَوْله : ( هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَام عَلَيَّ ) لَمْ يَجْزِم كَعْب بِتَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام , وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدِيم النَّظَر إِلَيْهِ مِنْ الْخَجَل.
قَوْله : ( فَأُسَارِقهُ ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَالْقَاف أَيْ أَنْظُر إِلَيْهِ فِي خُفْيَة.
قَوْله : ( مِنْ جَفْوَة النَّاس ) بِفَتْحِ الْجِيم وَسُكُون الْفَاء أَيْ إِعْرَاضهمْ , وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " وَطَفِقْنَا نَمْشِي فِي النَّاس , لَا يُكَلِّمنَا أَحَد وَلَا يَرُدّ عَلَيْنَا سَلَامًا ".
قَوْله : ( حَتَّى تَسَوَّرْت ) أَيْ عَلَوْت سُوَر الدَّار.
قَوْله : ( جِدَار حَائِط أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ اِبْن عَمِّي وَأَحَبّ النَّاس إِلَيَّ ) ذَكَرَ أَنَّهُ اِبْن عَمّه لِكَوْنِهِمَا مَعًا مِنْ بَنِي سَلِمَة , وَلَيْسَ هُوَ اِبْن عَمّه أَخِي أَبِيهِ الْأَقْرَب.
وَقَوْله : ( أَنْشُدك ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَفَتْح أَوَّله أَيْ أَسْأَلك , وَقَوْله : ( اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم ) لَيْسَ هُوَ تَكْلِيمًا لِكَعْبٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره.
قَوْله : ( وَتَوَلَّيْت حَتَّى تَسَوَّرْت الْحَائِط ) وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " فَلَمْ أَمْلِك نَفْسِي أَنْ بَكَيْت , ثُمَّ اِقْتَحَمْت الْحَائِط خَارِجًا ".
قَوْله : ( إِذَا نَبَطِيّ ) بِفَتْحِ النُّون وَالْمُوَحَّدَة.
قَوْله : ( مِنْ أَنْبَاط أَهْل الشَّام ) نِسْبَة إِلَى اِسْتِنْبَاط الْمَاء وَاسْتِخْرَاجه , وَهَؤُلَاءِ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت أَهْل الْفِلَاحَة وَهَذَا النَّبَطِيّ الشَّامِيّ كَانَ نَصْرَانِيًّا كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر " إِذَا نَصْرَانِيّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعهُ " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذَا النَّصْرَانِيّ , وَيُقَال إِنَّ النَّبَط يُنْسَبُونَ إِلَى نَبَط بْن هَانِب بْن أُمَيْم بْن لَاوِذ بْن سَام بْن نُوح.
قَوْله : ( مِنْ مَلِك غَسَّان ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسِين مُهْمَلَة ثَقِيلَة هُوَ جَبَلَةُ بْن الْأَيْهَم , جَزَمَ بِذَلِكَ اِبْن عَائِذ.
وَعِنْد الْوَاقِدِيِّ الْحَارِث بْن أَبِي شَمِر , وَيُقَال جَبَلَةُ بْن الْأَيْهَم.
وَفِي رِوَايَة اِبْن مَرْدَوْيهِ " فَكَتَبَ إِلَيَّ كِتَابًا فِي سَرَقَة مِنْ حَرِير ".
قَوْله : ( وَلَمْ يَجْعَلك اللَّه بِدَارِ هَوَان وَلَا مَضْيَعَة ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَة وَيَجُوز كَسْرهَا , أَيْ حَيْثُ يَضِيع حَقّك.
وَعِنْد اِبْن عَائِذ " فَإِنَّ لَك مُتَحَوَّلًا " بِالْمُهْمَلَةِ وَفَتْح الْوَاو , أَيْ مَكَانًا تَتَحَوَّل إِلَيْهِ.
قَوْله : ( فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِك ) بِضَمِّ النُّون وَكَسْر الْمُهْمَلَة مِنْ الْمُوَاسَاة , وَزَادَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " فِي أَمْوَالنَا.
فَقُلْت : إِنَّا لِلَّهِ , قَدْ طَمِعَ فِيَّ أَهْل الْكُفْر " وَنَحْوه لِابْنِ مَرْدَوْيهِ.
قَوْله : ( فَتَيَمَّمْت ) أَيْ قَصَدْت , وَالتَّنُّور مَا يُخْبَز فِيهِ , وَقَوْله فَسَجَرْته بِسِينٍ مُهْمَلَة وَجِيم أَيْ أَوْقَدْته , وَأَنَّثَ الْكِتَاب عَلَى مَعْنَى الصَّحِيفَة.
وَفِي رِوَايَة اِبْن مَرْدَوْيهِ " فَعَمَدْت بِهَا إِلَى تَنُّور بِهِ فَسَجَرْته بِهَا ".
وَدَلَّ صَنِيع كَعْب هَذَا عَلَى قُوَّة إِيمَانه وَمَحَبَّته لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَإِلَّا فَمَنْ صَارَ فِي مِثْل حَاله مِنْ الْهَجْر وَالْإِعْرَاض قَدْ يَضْعُف عَنْ اِحْتِمَال ذَلِكَ وَتَحْمِلهُ الرَّغْبَة فِي الْجَاه وَالْمَال عَلَى هِجْرَان مَنْ هَجَرَهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ أَمْنه مِنْ الْمَلِك الَّذِي اِسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُكْرِههُ عَلَى فِرَاق دِينه , لَكِنْ لَمَّا اُحْتُمِلَ عِنْده أَنَّهُ لَا يَأْمَن مِنْ الِافْتِتَان حَسَمَ الْمَادَّة وَأَحْرَقَ الْكِتَاب وَمَنَعَ الْجَوَاب , هَذَا مَعَ كَوْنه مِنْ الشُّعَرَاء الَّذِينَ طُبِعَتْ نُفُوسهمْ عَلَى الرَّغْبَة , وَلَا سِيَّمَا بَعْد الِاسْتِدْعَاء وَالْحَثّ عَلَى الْوُصُول إِلَى الْمَقْصُود مِنْ الْجَاه وَالْمَال , وَلَا سِيَّمَا وَاَلَّذِي اِسْتَدْعَاهُ قَرِيب وَنَسِيبه , وَمَعَ ذَلِكَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ دِينه وَقَوِيَ عِنْده يَقِينه , وَرَجَّحَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّكَد وَالتَّعْذِيب عَلَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنْ الرَّاحَة وَالنَّعِيم , حُبًّا فِي اللَّه وَرَسُوله , كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَنْ يَكُون اللَّه وَرَسُوله أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " وَعِنْد اِبْن عَائِذ أَنَّهُ شَكَا حَاله إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : مَا زَالَ إِعْرَاضُك عَنِّي حَتَّى رَغِبَ فِيَّ أَهْل الشِّرْك.
قَوْله : ( إِذَا رَسُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه , ثُمَّ وَجَدْت فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ خُزَيْمَةُ بْن ثَابِت , قَالَ : وَهُوَ الرَّسُول إِلَى هِلَال وَمُرَارَة بِذَلِكَ.
قَوْله : ( أَنْ تَعْتَزِل اِمْرَأَتك ) هِيَ عُمَيْرَةُ بِنْت جُبَيْر بْن صَخْر بْن أُمَيَّة الْأَنْصَارِيَّة أُمّ أَوْلَاده الثَّلَاثَة عَبْد اللَّه وَعُبَيْد اللَّه وَمَعْبَد , وَيُقَال اِسْم اِمْرَأَته الَّتِي كَانَتْ يَوْمئِذٍ عِنْده خَيْرَة بِالْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَة ثُمَّ التَّحْتَانِيَّة.
قَوْله : ( اِلْحَقِي بِأَهْلِك فَتَكُونِي عِنْدهمْ حَتَّى يَقْضِي اللَّه ) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه عَنْ الزُّهْرِيّ " فَلَحِقَتْ بِهِمْ ".
قَوْله : ( فَجَاءَتْ اِمْرَأَة هِلَال ) هِيَ خَوْلَة بِنْت عَاصِم.
قَوْله : ( فَقَالَ لِي بَعْض أَهْلِي ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه , وَيُشْكِل مَعَ نَهْي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَام الثَّلَاثَة , وَيُجَاب بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ بَعْض وَلَده أَوْ مِنْ النِّسَاء , وَلَمْ يَقَع النَّهْي عَنْ كَلَام الثَّلَاثَة لِلنِّسَاءِ اللَّائِي فِي بُيُوتهمْ , أَوْ الَّذِي كَلَّمَهُ بِذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا , أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَخْدُمهُ وَلَمْ يَدْخُل فِي النَّهْي.
قَوْله : ( فَأَوْفَى ) بِالْفَاءِ مَقْصُور أَيْ أَشْرَفَ وَاطَّلَعَ.
قَوْله : ( عَلَى جَبَل سَلْع ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " مِنْ ذُرْوَة سَلْع " أَيْ أَعْلَاهُ , وَزَادَ اِبْن مَرْدَوْيهِ " وَكُنْت اِبْتَنَيْت خَيْمَة فِي ظَهْر سَلْع فَكُنْت أَكُون فِيهَا " وَنَحْوه لِابْنِ عَائِذ وَزَادَ " أَكُون فِيهَا نَهَارًا ".
قَوْله : ( يَا كَعْب بْن مَالِك أَبْشِرْ ) فِي رِوَايَة عُمَر بْن كَثِير عَنْ كَعْب عِنْد أَحْمَد " إِذْ سَمِعْت رَجُلًا عَلَى الثَّنِيَّة يَقُول : كَعْبًا كَعْبًا , حَتَّى دَنَا مِنِّي فَقَالَ : بَشِّرُوا كَعْبًا ".
قَوْله : ( فَخَرَرْت سَاجِدًا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ جَاءَ فَرَج ) وَعِنْد اِبْن عَائِذ " فَخَرَّ سَاجِدًا يَبْكِي فَرِحًا بِالتَّوْبَةِ ".
قَوْله : ( وَآذَنَ ) بِالْمَدِّ وَفَتْح الْمُعْجَمَة أَيْ أَعْلَمَ , وللْكُشْمِيهَنِيِّ بِغَيْرِ مَدّ وَبِالْكَسْرِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن رَاشِد وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " فَأَنْزَلَ اللَّه تَوْبَتنَا عَلَى نَبِيّه حِين بَقِيَ الثُّلُث الْأَخِير مِنْ اللَّيْل , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد أُمّ سَلَمَة , وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَة مُحْسِنَة فِي شَأْنِي مُعْتَنِيَة بِأَمْرِي فَقَالَ : يَا أُمّ سَلَمَة تِيبَ عَلَى كَعْب , قَالَتْ : أَفَلَا أُرْسِل إِلَيْهِ فَأُبَشِّرهُ ؟ قَالَ : إِذًا يُحَطِّمكُمْ النَّاس فَيَمْنَعُوكُمْ النَّوْم سَائِر اللَّيْلَة.
حَتَّى إِذَا صَلَّى الْفَجْر آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّه عَلَيْنَا ".
قَوْله : ( وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُل فَرَسًا ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون هُوَ حَمْزَة بْن عَمْرو الْأَسْلَمِيُّ.
قَوْله : ( وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ ) هُوَ حَمْزَة بْن عَمْرو وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ , وَعِنْد اِبْن عَائِذ أَنَّ اللَّذَيْنِ سَعَيَا أَبُو بَكْر وَعُمَر , لَكِنَّهُ صَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ : " زَعَمُوا " وَعِنْد الْوَاقِدِيِّ " وَكَانَ الَّذِي أَوْفَى عَلَى سَلْع أَبَا بَكْر الصِّدِّيق فَصَاحَ : قَدْ تَابَ اللَّه عَلَى كَعْب.
وَاَلَّذِي خَرَجَ عَلَى فَرَسه الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام.
قَالَ : وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَنِي فَنَزَعْت لَهُ ثَوْبَيَّ حَمْزَة بْن عَمْرو الْأَسْلَمِيُّ.
قَالَ : وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَ هِلَال بْن أُمَيَّة بِتَوْبَتِهِ سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : وَخَرَجْت إِلَى بَنِي وَاقِف فَبَشَّرْته فَسَجَدَ.
قَالَ سَعِيد : فَمَا ظَنَنْته يَرْفَع رَأْسه حَتَّى تَخْرُج نَفْسه " يَعْنِي لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْجَهْد فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ اِمْتَنَعَ مِنْ الطَّعَام حَتَّى كَانَ يُوَاصِل الْأَيَّام صَائِمًا وَلَا يَفْتُر مِنْ الْبُكَاء , وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَ مُرَارَة بِتَوْبَتِهِ سِلْكَان بْن سَلَامَة أَوْ سَلَمَة بْن سَلَامَة بْن وَقْش.
قَوْله : ( وَاَللَّه مَا أَمْلِك غَيْرهمَا يَوْمئِذٍ ) يُرِيد مِنْ جِنْس الثِّيَاب , وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْده رَاحِلَتَانِ , وَسَيَأْتِي أَنَّهُ اِسْتَأْذَنَ أَنْ يَخْرُج مِنْ مَاله صَدَقَة.
ثُمَّ وَجَدْت فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة التَّصْرِيح بِذَلِكَ فَفِيهَا " وَوَاللَّهِ مَا أَمْلِك يَوْمئِذٍ ثَوْبَيْنِ غَيْرهمَا " وَزَادَ اِبْن عَائِذ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الزُّهْرِيّ " فَلَبِسَهُمَا ".
قَوْله : ( وَاسْتَعَرْت ثَوْبَيْنِ ) فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيِّ " مِنْ أَبِي قَتَادَةَ ".
قَوْله : ( وَانْطَلَقْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَانْطَلَقْت أَتَأَمَّم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَوْله : ( فَوْجًا فَوْجًا ) أَيْ جَمَاعَة جَمَاعَة.
قَوْله : ( لِيَهْنِكَ بِكَسْرِ النُّون ) وَزَعَمَ اِبْن التِّين أَنَّهُ بِفَتْحِهَا , بَلْ قَالَ السَّفَاقُسِيُّ إِنَّهُ أَصْوَب لِأَنَّهُ مِنْ الْهَنَاء , وَفِيهِ نَظَر.
قَوْله : ( وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ) قَالُوا سَبَب ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخَى بَيْنه وَبَيْن طَلْحَة لَمَّا آخَى بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَهْل الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ أَخَا الزُّبَيْر لَكِنْ كَانَ الزُّبَيْر أَخَا طَلْحَة فِي أُخُوَّة الْمُهَاجِرِينَ فَهُوَ أَخُو أَخِيهِ.
قَوْله : ( أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْك مُنْذُ وَلَدَتْك أُمّك ) اُسْتُشْكِلَ هَذَا الْإِطْلَاق بِيَوْمِ إِسْلَامه فَإِنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْد أَنْ وَلَدَتْهُ أُمّه وَهُوَ خَيْر أَيَّامه , فَقِيلَ هُوَ مُسْتَثْنًى , تَقْدِيرًا وَإِنْ لَمْ يَنْطِق بِهِ لِعَدَمِ خَفَائِهِ , وَالْأَحْسَن فِي الْجَوَاب أَنَّ يَوْم تَوْبَته مُكَمِّل لِيَوْمِ إِسْلَامه , فَيَوْم إِسْلَامه بِدَايَة سَعَادَته وَيَوْم تَوْبَته مُكَمِّل لَهَا فَهُوَ خَيْر جَمِيع أَيَّامه , وَإِنْ كَانَ يَوْم إِسْلَامه خَيْرهَا فَيَوْم تَوْبَته الْمُضَاف إِلَى إِسْلَامه خَيْر مِنْ يَوْم إِسْلَامه الْمُجَرَّد عَنْهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( قَالَ : لَا , بَلْ مِنْ عِنْد اللَّه ) زَادَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة " إِنَّكُمْ صَدَقْتُمْ اللَّه فَصَدَقَكُمْ ".
قَوْله : ( حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَة قَمَر ) فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن رَاشِد فِي التَّفْسِير " حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَة مِنْ التَّمْر " وَيُسْأَل عَنْ السِّرّ فِي التَّقْيِيد بِالْقِطْعَةِ مَعَ كَثْرَة مَا وَرَدَ فِي كَلَام الْبُلَغَاء مِنْ تَشْبِيه الْوَجْه بِالْقَمَرِ بِغَيْرِ تَقْيِيد , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْبِيههمْ لَهُ بِالشَّمْسِ طَالِعَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَكَانَ كَعْب بْن مَالِك قَائِل هَذَا مِنْ شُعَرَاء الصَّحَابَة وَحَاله فِي ذَلِكَ مَشْهُور , فَلَا بُدّ فِي التَّقْيِيد بِذَلِكَ مِنْ حِكْمَة.
وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِرَاز مِنْ السَّوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر لَيْسَ بِقَوِيٍّ , لِأَنَّ الْمُرَاد تَشْبِيهه بِمَا فِي الْقَمَر مِنْ الضِّيَاء وَالِاسْتِنَارَة , وَهُوَ فِي تَمَامه لَا يَكُون فِيهَا أَقَلّ مِمَّا فِي الْقِطْعَة الْمُجَرَّدَة.
وَقَدْ ذَكَرْت فِي صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَوْجِيهَات : وَمِنْهَا أَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَوْضِع الِاسْتِنَارَة وَهُوَ الْجَبِين وَفِيهِ يَظْهَر السُّرُور كَمَا قَالَتْ عَائِشَة : مَسْرُورًا تَبْرُق أَسَارِير وَجْهه , فَكَأَنَّ التَّشْبِيه وَقَعَ عَلَى بَعْض الْوَجْه فَنَاسَبَ أَنْ يُشَبَّه بِبَعْضِ الْقَمَر.
قَوْله : ( وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِكَ مِنْهُ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " فِيهِ " , وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ كَمَالِ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته وَالرَّأْفَة بِهِمْ وَالْفَرَح بِمَا يَسُرّهُمْ.
وَعِنْد اِبْن مَرْدَوْيهِ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ كَعْب بْن مَالِك " لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَتِي أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْت يَده وَرُكْبَته ".
قَوْله : ( إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِع مِنْ مَالِي ) أَيْ أَخْرَجَ مِنْ جَمِيع مَالِي.
قَوْله : ( صَدَقَة ) هُوَ مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال أَيْ مُتَصَدِّقًا , أَوْ ضَمَّنَ أَنْخَلِع مَعْنَى أَتَصَدَّق وَهُوَ مَصْدَر أَيْضًا وَقَوْله : " أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْض مَالِك فَهُوَ خَيْر لَك " فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ عَنْ كَعْب أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَخْرُج مِنْ مَالِي كُلّه إِلَى اللَّه وَرَسُوله صَدَقَة.
قَالَ : لَا , قُلْت : نِصْفه.
قَالَ : لَا , قُلْت : فَثُلُثه.
قَالَ : نَعَمْ " وَلِابْنِ مَرْدَوْيهِ مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيّ " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَجْزِي عَنْك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُث " وَنَحْوه لِأَحْمَد فِي قِصَّة أَبِي لُبَابَة حِين قَالَ : " إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِع مِنْ مَالِي كُلّه صَدَقَة لِلَّهِ وَرَسُوله , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَجْزِي عَنْك الثُّلُث ".
قَوْله : ( فَوَاَللَّهِ مَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّه ) أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ.
وَقَوْله : " فِي صِدْق الْحَدِيث مُذْ ذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَن مِمَّا أَبْلَانِي " وَكَذَلِكَ قَوْله بَعْد ذَلِكَ " فَوَاَللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ مِنْ نِعْمَة قَطُّ بَعْد أَنْ هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَام أَعْظَم مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَفِي قَوْله : " أَحْسَن وَأَعْظَم " شَاهِد عَلَى أَنَّ هَذَا السِّيَاق يُورَد وَيُرَاد بِهِ نَفْي الْأَفْضَلِيَّة لَا الْمُسَاوَاة , لِأَنَّ كَعْبًا شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ رَفِيقَانِ , وَقَدْ نَفَى أَنْ يَكُون أَحَد حَصَلَ لَهُ أَحْسَن مِمَّا حَصَلَ لَهُ , وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاة.
قَوْله : ( أَنْ لَا أَكُون كَذَبْته ) لَا زَائِدَة كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاض.
قَوْله : ( وَكُنَّا تُخُلِّفْنَا ) بِضَمِّ أَوَّله وَكَسْر اللَّام وَفِي رِوَايَة مُسْلِم وَغَيْره " خُلِّفْنَا " بِضَمِّ الْمُعْجَمَة مِنْ غَيْر شَيْء قَبْلهَا.
قَوْله : ( وَأَرْجَأَ ) مَهْمُوزًا أَيْ أَخَّرَ وَزْنًا وَمَعْنًى , وَحَاصِله أَنَّ كَعْبًا فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى : ( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) أَيْ أُخِّرُوا حَتَّى تَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ , لَا أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُمْ خُلِّفُوا عَنْ الْغَزْو , وَفِي تَفْسِير عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) قَالَ : خُلِّفُوا عَنْ التَّوْبَة , وَلِابْنِ جَرِير مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ نَحْوه , قَالَ اِبْن جَرِير : فَمَعْنَى الْكَلَام لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى الَّذِينَ أُخِّرَتْ تَوْبَتهمْ.
وَفِي قِصَّة كَعْب مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ جَوَاز طَلَب أَمْوَال الْكُفَّار مِنْ ذَوِي الْحَرْب , وَجَوَاز الْغَزْو فِي الشَّهْر الْحَرَام , وَالتَّصْرِيح بِجِهَةِ الْغَزْو إِذَا لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَة سَتْره , وَأَنَّ الْإِمَام إِذَا اِسْتَنْفَرَ الْجَيْش عُمُومًا لَزِمَهُمْ النَّفِير وَلَحِقَ اللَّوْم بِكُلّ فَرْد فَرْد أَنْ لَوْ تَخَلَّفَ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : إِنَّمَا اِشْتَدَّ الْغَضَب عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ وَإِنْ كَانَ الْجِهَاد فَرْض كِفَايَة لَكِنَّهُ فِي حَقّ الْأَنْصَار خَاصَّة فَرْض عَيْن لِأَنَّهُمْ بَايَعُوا عَلَى ذَلِكَ , وَمِصْدَاق ذَلِكَ قَوْلهمْ وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَق : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَاد مَا بَقِينَا أَبَدًا فَكَانَ تَخَلُّفهمْ عَنْ هَذِهِ الْغَزْوَة كَبِيرَة لِأَنَّهَا كَالنَّكْثِ لِبَيْعَتِهِمْ , كَذَا قَالَ اِبْن بَطَّال.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَلَا أَعْرِف لَهُ وَجْهًا غَيْر الَّذِي قَالَ.
قُلْت : وَقَدْ ذَكَرْت وَجْهًا غَيْر الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَعَلَّهُ أَقْعَد , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى : ( مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ) الْآيَة.
وَعِنْد الشَّافِعِيَّة وَجْه أَنَّ الْجِهَاد كَانَ فَرْض عَيْن فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَعَلَى هَذَا فَيَتَوَجَّه الْعِتَاب عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ مُطْلَقًا.
وَفِيهَا أَنَّ الْعَاجِز عَنْ الْخُرُوج بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ لَا لَوْم عَلَيْهِ , وَاسْتِخْلَاف مَنْ يَقُوم مَقَام الْإِمَام عَلَى أَهْله وَالضَّعَفَة , وَفِيهَا تَرْك قَتْل الْمُنَافِقِينَ , وَيُسْتَنْبَط مِنْهُ تَرْك قَتْل الزِّنْدِيق إِذَا أَظْهَر التَّوْبَة.
وَأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ بِأَنَّ التَّرْك كَانَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيف عَلَى الْإِسْلَام.
وَفِيهَا عِظَم أَمْر الْمَعْصِيَة , وَقَدْ نَبَّهَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْهُ قَالَ : يَا سُبْحَان اللَّه مَا أَكَلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَالًا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , أَصَابَهُمْ مَا سَمِعْتُمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ , فَكَيْف بِمَنْ يُوَاقِع الْفَوَاحِش وَالْكَبَائِر ؟ وَفِيهَا أَنَّ الْقَوِيّ فِي الدِّين يُؤَاخَذ بِأَشَدّ مِمَّا يُؤَاخَذ الضَّعِيف فِي الدِّين , وَجَوَاز إِخْبَار الْمَرْء عَنْ تَقْصِيره وَتَفْرِيطه وَعَنْ سَبَب ذَلِكَ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْره تَحْذِيرًا وَنَصِيحَة لِغَيْرِهِ , وَجَوَاز مَدْح الْمَرْء بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْر إِذَا أُمِنَ الْفِتْنَة , وَتَسْلِيَة نَفْسه بِمَا لَمْ يَحْصُل لَهُ بِمَا وَقَعَ لِنَظِيرِهِ , وَفَضْل أَهْل بَدْر وَالْعَقَبَة , وَالْحَلِف لِلتَّأْكِيدِ مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف , وَالتَّوْرِيَة عَنْ الْمَقْصِد , وَرَدّ الْغَيْبَة , وَجَوَاز تَرْك وَطْء الزَّوْجَة مُدَّة.
وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْء إِذَا لَاحَتْ لَهُ فُرْصَة فِي الطَّاعَة فَحَقّه أَنْ يُبَادِر إِلَيْهَا وَلَا يُسَوِّف بِهَا لِئَلَّا يُحْرَمْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) وَمِثْله قَوْله تَعَالَى : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةَ ) وَنَسْأَل اللَّه تَعَالَى أَنْ يُلْهِمنَا الْمُبَادَرَة إِلَى طَاعَته , وَأَنْ لَا يَسْلُبنَا مَا خَوَّلَنَا مِنْ نِعْمَته.
وَفِيهَا جَوَاز تَمَنِّي مَا فَاتَ مِنْ الْخَيْر , وَأَنَّ الْإِمَام لَا يُهْمِل مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي بَعْض الْأُمُور بَلْ يَذْكُرهُ لِيُرَاجِع التَّوْبَة.
وَجَوَاز الطَّعْن فِي الرَّجُل بِمَا يَغْلِب عَلَى اِجْتِهَاد الطَّاعِن عَنْ حَمِيَّة لِلَّهِ وَرَسُوله.
وَفِيهَا جَوَاز الرَّدّ عَلَى الطَّاعِن إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنّ الرَّادّ وَهْم الطَّاعِن أَوْ غَلَطه.
وَفِيهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبّ لِلْقَادِمِ أَنْ يَكُون عَلَى وُضُوء , وَأَنْ يَبْدَأ بِالْمَسْجِدِ قَبْل بَيْته فَيُصَلِّي ثُمَّ يَجْلِس لِمَنْ يُسَلِّم عَلَيْهِ , وَمَشْرُوعِيَّة السَّلَام عَلَى الْقَادِم وَتَلَقِّيه , وَالْحُكْم بِالظَّاهِرِ , وَقَبُول الْمَعَاذِير وَاسْتِحْبَاب بُكَاء الْعَاصِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْخَيْر.
وَفِيهَا إِجْرَاء الْأَحْكَام عَلَى الظَّاهِر وَوُكُول السَّرَائِر إِلَى اللَّه تَعَالَى وَفِيهَا تَرْك السَّلَام عَلَى مَنْ أَذْنَبَ , وَجَوَاز هَجْره أَكْثَر مِنْ ثَلَاث.
وَأَمَّا النَّهْي عَنْ الْهَجْر فَوْق الثَّلَاث فَمَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ هِجْرَانه شَرْعِيًّا , وَأَنَّ التَّبَسُّم قَدْ يَكُون عَنْ غَضَب كَمَا يَكُون عَنْ تَعَجُّب وَلَا يَخْتَصّ بِالسُّرُورِ.
وَمُعَاتَبَة الْكَبِير أَصْحَابه وَمَنْ يَعِزّ عَلَيْهِ دُون غَيْره.
وَفِيهَا فَائِدَة الصِّدْق وَشُؤْم عَاقِبَة الْكَذِب.
وَفِيهَا الْعَمَل بِمَفْهُومِ اللَّقَب إِذَا حَفَّتْهُ قَرِينَة , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَدَّثَهُ كَعْب " أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ " فَإِنَّهُ يُشْعِر بِأَنَّ مَنْ سِوَاهُ كَذَبَ , لَكِنْ لَيْسَ عَلَى عُمُومه فِي حَقّ كُلّ أَحَد سِوَاهُ , لِأَنَّ مُرَارَة وَهِلَالًا أَيْضًا قَدْ صَدَقَا , فَيَخْتَصّ الْكَذِب بِمَنْ حَلَفَ وَاعْتَذَرَ , لَا بِمَنْ اِعْتَرَفَ , وَلِهَذَا عَاقَبَ مَنْ صَدَقَ بِالتَّأْدِيبِ الَّذِي ظَهَرَتْ فَائِدَته عَنْ قُرْب , وَأَخَّرَ مَنْ كَذَبَ لِلْعِقَابِ الطَّوِيل , وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح " إِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدِ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا , وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَته فَيَرِد الْقِيَامَة بِذُنُوبِهِ " قِيلَ وَإِنَّمَا غُلِّظَ فِي حَقّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْر عُذْر , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : ( مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ) وَقَوْل الْأَنْصَار : نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَاد مَا بَقِينَا أَبَدًا وَفِيهَا تَبْرِيد حَرّ الْمُصِيبَة بِالتَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ , وَفِيهَا عِظَم مِقْدَار الصِّدْق فِي الْقَوْل وَالْفِعْل , وَتَعْلِيق سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالنَّجَاة مِنْ شَرّهمَا بِهِ , وَأَنَّ مِنْ عُوقِبَ بِالْهَجْرِ يُعْذَر فِي التَّخَلُّف عَنْ صَلَاة الْجَمَاعَة لِأَنَّ مُرَارَة وَهِلَالًا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ بُيُوتهمَا تِلْكَ الْمُدَّة.
وَفِيهَا سُقُوط رَدّ السَّلَام عَلَى الْمَهْجُور عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَقُلْ كَعْب : هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَام.
وَفِيهَا جَوَاز دُخُول الْمَرْء دَار جَاره وَصَدِيقه بِغَيْرِ إِذْنه وَمِنْ غَيْر الْبَاب إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ.
وَفِيهَا أَنَّ قَوْل الْمَرْء : " اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم " لَيْسَ بِخِطَابٍ وَلَا كَلَام وَلَا يَحْنَث بِهِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّم الْآخَر إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ مُكَالَمَته وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو قَتَادَةَ ذَلِكَ لَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ كَعْب , وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رَسُول مَلِك غَسَّان لَمَّا سَأَلَ عَنْ كَعْب جَعَلَ النَّاس يُشِيرُونَ لَهُ إِلَى كَعْب وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِقَوْلِهِمْ مَثَلًا هَذَا كَعْب مُبَالَغَة فِي هَجْره وَالْإِعْرَاض عَنْهُ , وَفِيهَا أَنَّ مُسَارَقَة النَّظَر فِي الصَّلَاة لَا تَقْدَح فِي صِحَّتهَا , وَإِيثَار طَاعَة الرَّسُول عَلَى مَوَدَّة الْقَرِيب , وَخِدْمَة الْمَرْأَة زَوْجهَا , وَالِاحْتِيَاط لِمُجَانَبَةِ مَا يُخْشَى الْوُقُوع فِيهِ , وَجَوَاز تَحْرِيق مَا فِيهِ اِسْم اللَّه لِلْمَصْلَحَةِ.
وَفِيهَا مَشْرُوعِيَّة سُجُود الشُّكْر وَالِاسْتِبَاق إِلَى الْبِشَارَة بِالْخَيْرِ وَإِعْطَاء الْبَشِير أَنْفَس مَا يَحْضُر الَّذِي يَأْتِيه بِالْبِشَارَةِ , وَتَهْنِئَة مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَة , وَالْقِيَام إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ , وَاجْتِمَاع النَّاس عِنْد الْإِمَام فِي الْأُمُور الْمُهِمَّة , وَسُرُوره بِمَا يَسُرّ أَتْبَاعه , وَمَشْرُوعِيَّة الْعَارِيَة , وَمُصَافَحَة الْقَادِم وَالْقِيَام لَهُ , وَالْتِزَام الْمُدَاوَمَة عَلَى الْخَيْر الَّذِي يُنْتَفَع بِهِ , وَاسْتِحْبَاب الصَّدَقَة عِنْد التَّوْبَة , وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَة بِكُلِّ مَاله لَمْ يَلْزَمهُ إِخْرَاج جَمِيعه.
وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي كِتَاب النَّذْر إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ اِبْن التِّين : فِيهِ أَنَّ كَعْب بْن مَالِك مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ , كَذَا قَالَ , وَلَيْسَ كَعْب مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ السَّابِقِينَ مِنْ الْأَنْصَار.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ فَقُلْتُ بَلَى إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ قَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوْ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى قَوْلِهِ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا } وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنْ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن ت...
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحاب الحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مث...
عن المغيرة بن شعبة قال: «ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض حاجته فقمت أسكب عليه الماء، لا أعلمه إلا قال: في غزوة تبوك، فغسل وجهه، وذهب يغسل ذراعيه...
عن أبي حميد قال: «أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: هذه طابة، وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه.»
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ول...
عن ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى، مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحري...
عن أبي بكرة قال: «لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل، بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بل...
عن السائب بن يزيد يقول: «أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع، نتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وقال سفيان: مرة مع الصبيان.<br>
عن السائب : «أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع، مقدمه من غزوة تبوك.»