4431- قال ابن عباس: «يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه، أهجر، استفهموه؟ فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( يَوْم الْخَمِيس ) هُوَ خَبَر لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوف أَوْ عَكْسه , وَقَوْله : " وَمَا يَوْم الْخَمِيس " يُسْتَعْمَل عِنْد إِرَادَة تَفْخِيم الْأَمْر فِي الشِّدَّة وَالتَّعَجُّب مِنْهُ , زَادَ فِي أَوَاخِر الْجِهَاد مِنْ هَذَا الْوَجْه " ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَّبَ دَمْعه الْحَصَى " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق طَلْحَة بْن مُصَرِّف عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " ثُمَّ جَعَلَ تَسِيل دُمُوعه حَتَّى رَأَيْتهَا عَلَى خَدَّيْهِ كَأَنَّهَا نِظَام اللُّؤْلُؤ " وَبُكَاء اِبْن عَبَّاس يَحْتَمِل لِكَوْنِهِ تَذَكَّرَ وَفَاة رَسُول اللَّه فَتَجَدَّدَ لَهُ الْحُزْن عَلَيْهِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مَا فَاتَ فِي مُعْتَقَده مِنْ الْخَيْر الَّذِي كَانَ يَحْصُل لَوْ كَتَبَ ذَلِكَ الْكِتَاب , وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنَّ ذَلِكَ رَزِيَّة , ثُمَّ بَالَغَ فِيهَا فَقَالَ : كُلّ الرَّزِيَّة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم الْجَوَاب عَمَّنْ اِمْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ كَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَوْله : ( اِشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعه ) زَادَ فِي الْجِهَاد " يَوْم الْخَمِيس " وَهَذَا يُؤَيِّد أَنَّ اِبْتِدَاء مَرَضه , كَانَ قَبْل ذَلِكَ , وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة " لَمَّا حُضِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْت , وَفِي إِطْلَاق ذَلِكَ تَجَوُّز , فَإِنَّهُ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ.
قَوْله : ( كِتَابًا ) قِيلَ هُوَ تَعْيِين الْخَلِيفَة بَعْده , وَسَيَأْتِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَحْكَام فِي " بَابِ الِاسْتِخْلَاف " مِنْهُ.
قَوْله : ( لَنْ تَضِلُّوا ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " لَا تَضِلُّونَ " وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ وَكَذَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهه.
قَوْله : ( وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِيّ تَنَازُع ) هُوَ مِنْ جُمْلَة الْحَدِيث الْمَرْفُوع , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُدْرَجًا مِنْ قَوْل اِبْن عَبَّاس.
وَالصَّوَاب الْأَوَّل , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم بِلَفْظِ " لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُع ".
قَوْله : ( فَقَالُوا مَا شَأْنه ؟ أَهَجَرَ ) بِهَمْزَةٍ لِجَمِيعِ رُوَاة الْبُخَارِيّ , وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْجِهَاد بِلَفْظِ " فَقَالُوا هَجَرَ " بِغَيْرِ هَمْزَة , وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَاكَ " فَقَالُوا هَجَرَ , هَجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَعَادَ هَجَرَ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ عِيَاض : مَعْنَى أَهْجَرَ أَفْحَشَ , يُقَال هَجَرَ الرَّجُل إِذَا هَذَى , وَأَهْجَرَ إِذَا أَفْحَشَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِم أَنْ يَكُون بِسُكُونِ الْهَاء وَالرِّوَايَات كُلّهَا إِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِهَا , وَقَدْ تَكَلَّمَ عِيَاض وَغَيْره عَلَى هَذَا الْمَوْضِع فَأَطَالُوا , وَلَخَصَّهُ الْقُرْطُبِيّ تَلْخِيصًا حَسَنًا ثُمَّ لَخَّصْته مِنْ كَلَامه , وَحَاصِله أَنَّ قَوْله هَجَرَ الرَّاجِح فِيهِ إِثْبَات هَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَبِفَتَحَاتٍ عَلَى أَنَّهُ فِعْل مَاضٍ , قَالَ : وَلِبَعْضِهِمْ أَهُجْرًا بِضَمِّ الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وَالتَّنْوِين عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول بِفِعْلٍ مُضْمِر أَيْ قَالَ هُجْرًا , وَالْهُجْر بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُون الْهَذَيَان وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا مَا يَقَع مِنْ كَلَام الْمَرِيض الَّذِي لَا يَنْتَظِم وَلَا يُعْتَدّ بِهِ لِعَدَمِ فَائِدَته.
وَوُقُوع ذَلِكَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَحِيل لِأَنَّهُ مَعْصُوم فِي صِحَّته وَمَرَضه لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَا أَقُول فِي الْغَضَب وَالرِّضَا إِلَّا حَقًّا " وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ يُوقَف فِي اِمْتِثَال أَمْره بِإِحْضَارِ الْكَتِف وَالدَّوَاة فَكَأَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ تَتَوَقَّف أَتَظُنُّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ يَقُول الْهَذَيَان فِي مَرَضه ؟ اِمْتَثِلْ أَمْره وَأَحْضِرْهُ مَا طَلَبَ فَإِنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا الْحَقّ , قَالَ : هَذَا أَحْسَن الْأَجْوِبَة , قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنَّ بَعْضهمْ قَالَ ذَلِكَ عَنْ شَكّ عَرَضَ لَهُ , وَلَكِنْ يُبْعِدهُ أَنْ لَا يُنْكِرهُ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنهمْ مِنْ كِبَار الصَّحَابَة , وَلَوْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ لَنُقِلَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِي قَالَ ذَلِكَ صَدَرَ عَنْ دَهَش وَحَيْرَة كَمَا أَصَابَ كَثِيرًا مِنْهُمْ عِنْد مَوْته , وَقَالَ غَيْره : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَائِل ذَلِكَ أَرَادَ أَنَّهُ اِشْتَدَّ وَجَعه فَأَطْلَقَ اللَّازِم وَأَرَادَ الْمَلْزُوم , لِأَنَّ الْهَذَيَان الَّذِي يَقَع لِلْمَرِيضِ يَنْشَأ عَنْ شِدَّة وَجَعه.
وَقِيلَ : قَالَ ذَلِكَ لِإِرَادَةِ سُكُوت الَّذِينَ لَغَطُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتهمْ عِنْده , فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيه وَيُفْضِي فِي الْعَادَة إِلَى مَا ذُكِرَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله أَهْجَرَ فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ الْهَجْر بِفَتْحِ الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَيْ الْحَيَاة , وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالَغَة لِمَا رَأَى مِنْ عَلَامَات الْمَوْت.
قُلْت : وَيَظْهَر لِي تَرْجِيح ثَالِث الِاحْتِمَالَات الَّتِي ذَكَرهَا الْقُرْطُبِيّ وَيَكُون قَائِل ذَلِكَ بَعْض مَنْ قَرُبَ دُخُوله فِي الْإِسْلَام وَكَانَ يَعْهَد أَنَّ مَنْ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَع قَدْ يَشْتَغِل بِهِ عَنْ تَحْرِير مَا يُرِيد أَنْ يَقُولهُ لِجَوَازِ وُقُوع ذَلِكَ , وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة " فَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّهُ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَع " وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن خَلَّادٍ عَنْ سُفْيَان فِي هَذَا الْحَدِيث " فَقَالُوا مَا شَأْنه يَهْجُر , اِسْتَفْهِمُوهُ " وَعَنْ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " أَنَّ نَبِيّ اللَّه لَيَهْجُر " , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ بَعْد أَنْ قَالَ ذَلِكَ اِسْتَفْهَمُوهُ بِصِيغَةِ الْأَمْر بِالِاسْتِفْهَامِ أَيْ اِخْتَبِرُوا أَمْرَهُ بِأَنْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنْ هَذَا الَّذِي أَرَادَهُ وَابْحَثُوا مَعَهُ فِي كَوْنه الْأَوْلَى أَوْ لَا.
وَفِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : " فَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول قَرِّبُوا يَكْتُب لَكُمْ " مَا يُشْهِر بِأَنَّ بَعْضهمْ كَانَ مُصَمِّمًا عَلَى الِامْتِثَال وَالرَّدّ عَلَى مَنْ اِمْتَنَعَ مِنْهُمْ , وَلَمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ الِاخْتِلَاف اِرْتَفَعَتْ الْبَرَكَة كَمَا جَرَتْ الْعَادَة بِذَلِكَ عِنْد وُقُوع التَّنَازُع وَالتَّشَاجُر.
وَقَدْ مَضَى فِي الصِّيَام أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرهُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْر فَرَأَى رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فَرُفِعَتْ , قَالَ الْمَازِرِيُّ : إِنَّمَا جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْكِتَاب مَعَ صَرِيح أَمْره لَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَامِر قَدْ يُقَارِنهَا مَا يَنْقُلهَا مِنْ الْوُجُوب , فَكَأَنَّهُ ظَهَرَتْ مِنْهُ قَرِينَة دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمْر لَيْسَ عَلَى التَّحَتُّم بَلْ عَلَى الِاخْتِيَار فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ , وَصَمَّمَ عُمَر عَلَى الِامْتِنَاع لِمَا قَامَ عِنْده مِنْ الْقَرَائِن بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر قَصْد جَازِم , وَعَزْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَّا بِالْوَحْيِ وَإِمَّا بِالِاجْتِهَادِ , وَكَذَلِكَ تَرْكه إِنْ كَانَ بِالْوَحْيِ فَبِالْوَحْيِ وَإِلَّا فَبِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا , وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْعِيَّات.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : اِتَّفَقَ قَوْل الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ قَوْل عُمَر " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " مِنْ قُوَّة فِقْهه وَدَقِيق نَظَره , لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُب أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة لِكَوْنِهَا مَنْصُوصَة , وَأَرَادَ أَنْ لَا يَنْسَدّ بَاب الِاجْتِهَاد عَلَى الْعُلَمَاء.
وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَار عَلَى عُمَر إِشَارَة إِلَى تَصْوِيبه رَأْيه , وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ : " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " إِلَى قَوْله تَعَالَى : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ).
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَصَدَ التَّخْفِيف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ شِدَّة الْكَرْب , وَقَامَتْ عِنْده قَرِينَة بِأَنَّ الَّذِي أَرَادَ كِتَابَته لَيْسَ مِمَّا لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ , إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيل لَمْ يَتْرُكهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ اِخْتِلَافهمْ , وَلَا يُعَارِض ذَلِكَ قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ الرَّزِيَّة إِلَخْ , لِأَنَّ عُمَر كَانَ أَفْقَه مِنْهُ قَطْعًا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَمْ يَتَوَهَّم عُمَر الْغَلَط فِيمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد كِتَابَته , بَلْ اِمْتِنَاعه مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْكَرْب وَحُضُور الْمَوْت خَشِيَ أَنْ يَجِد الْمُنَافِقُونَ سَبِيلًا إِلَى الطَّعْن فِيمَا يَكْتُبهُ وَإِلَى حَمْله عَلَى تِلْكَ الْحَالَة الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة فِيهَا بِوُقُوعِ بَعْض مَا يُخَالِف الِاتِّفَاق فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب تَوَقُّف عُمَر , لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ مُخَالَفَة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جَوَاز وُقُوع الْغَلَط عَلَيْهِ حَاشَا وَكَلَّا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْح حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي أَوَاخِر كِتَاب الْعِلْم , وَقَوْله : " وَقَدْ ذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَنْهُ " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَرُدُّونَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدُوا عَلَيْهِ مَقَالَته وَيَسْتَثْبِتُونَهُ فِيهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَرُدُّونَ عَنْهُ الْقَوْل الْمَذْكُور عَلَى مَنْ قَالَهُ.
قَوْله : ( فَقَالَ دَعُونِي : فَاَلَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ وَغَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى دَعُونِي فَاَلَّذِي أُعَايِنهُ مِنْ كَرَامَة اللَّه الَّتِي أَعَدَّهَا لِي بَعْد فِرَاق الدُّنْيَا خَيْر مِمَّا أَنَا فِيهِ فِي الْحَيَاة , أَوْ أَنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ الْمُرَاقَبَة وَالتَّأَهُّب لِلِقَاءِ اللَّه وَالتَّفَكُّر فِي ذَلِكَ وَنَحْوه أَفْضَل مِنْ الَّذِي تَسْأَلُونَنِي فِيهِ مِنْ الْمُبَاحَثَة عَنْ الْمَصْلَحَة فِي الْكِتَابَة أَوْ عَدَمهَا.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فَإِنَّ اِمْتِنَاعِي مِنْ أَنْ أَكْتُب لَكُمْ خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَة.
قُلْت : وَيَحْتَمِل عَكْسه أَيْ الَّذِي أَشَرْت عَلَيْكُمْ بِهِ مِنْ الْكِتَابَة خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ عَدَمهَا بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِر , وَعَلَى الَّذِي قَبْله كَانَ ذَلِكَ الْأَمْر اِخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا فَهَدَى اللَّه عُمَر لِمُرَادِهِ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى غَيْره.
وَأَمَّا قَوْل اِبْن بَطَّال : عُمَر أَفْقَه مِنْ اِبْن عَبَّاس حَيْثُ اِكْتَفَى بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَكْتَفِ اِبْن عَبَّاس بِهِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِطْلَاق ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ; فَإِنَّ قَوْل عُمَر : " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ عَنْ بَيَان السُّنَّة , بَلْ لِمَا قَامَ عِنْده مِنْ الْقَرِينَة , وَخَشِيَ مِنْ الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَى كِتَابَة الْكِتَاب مِمَّا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ , فَرَأَى أَنَّ الِاعْتِمَاد عَلَى الْقُرْآن لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا خَشِيَهُ , وَأَمَّا اِبْن عَبَّاس فَلَا يُقَال فِي حَقّه لَمْ يَكْتَفِ بِالْقُرْآنِ مَعَ كَوْنه حَبْر الْقُرْآن وَأَعْلَم النَّاس بِتَفْسِيرِهِ وَتَأْوِيله , وَلَكِنَّهُ أَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْبَيَان بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِنْبَاط وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَة الْمَرَض فِي هَذَا الْحَدِيث زِيَادَة لِابْنِ عَبَّاس وَشَرْحهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ ) أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالَة , وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكْتُبهُ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا مُتَحَتِّمًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكهُ لِوُقُوعِ اِخْتِلَافهمْ , وَلَعَاقَبَ اللَّه مَنْ حَالَ بَيْنه وَبَيْن تَبْلِيغه , وَلَبَلَّغَهُ لَهُمْ لَفْظًا كَمَا أَوْصَاهُمْ بِإِخْرَاجِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْر ذَلِكَ , وَقَدْ عَاشَ بَعْد هَذِهِ الْمَقَالَة أَيَّامًا وَحَفِظُوا عَنْهُ أَشْيَاء لَفْظًا , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَجْمُوعهَا مَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَزِيرَة الْعَرَب تَقَدَّمَ بَيَانهَا فِي كِتَاب الْجِهَاد.
وَقَوْله : " أَجِيزُوا الْوَفْد " أَيْ أَعْطَوْهُمْ , وَالْجَائِزَة الْعَطِيَّة , وَقِيلَ أَصْله أَنَّ نَاسًا وَفَدُوا عَلَى بَعْض الْمُلُوك وَهُوَ قَائِم عَلَى قَنْطَرَة فَقَالَ : أَجِيزُوهُمْ فَصَارُوا يُعْطُونَ الرَّجُل وَيُطْلِقُونَهُ فَيَجُوز عَلَى الْقَنْطَرَة مُتَوَجِّهًا فَسُمِّيَتْ عَطِيَّة مَنْ يَقْدَم عَلَى الْكَبِير جَائِزَة , وَتُسْتَعْمَل أَيْضًا فِي إِعْطَاء الشَّاعِر عَلَى مَدْحه وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَوْله بِنَحْوِ : " مَا كُنْت أُجِيزهُمْ " أَيْ بِقَرِيبٍ مِنْهُ , وَكَانَتْ جَائِزَة الْوَاحِد عَلَى عَهْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقِيَّة مِنْ فِضَّة وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
قَوْله : ( وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَة أَوْ قَالَ : فَنَسِيتهَا ) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَائِل ذَلِكَ هُوَ سَعِيد بْن جُبَيْر , ثُمَّ وَجَدْت عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ التَّصْرِيح بِأَنَّ قَائِل ذَلِكَ هُوَ اِبْن عُيَيْنَةَ.
وَفِي " مُسْنَد الْحُمَيْدِيِّ " وَمِنْ طَرِيقه أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " : قَالَ سُفْيَان : قَالَ سُلَيْمَان أَيْ اِبْن أَبِي مُسْلِم : لَا أَدْرِي أَذَكَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر الثَّالِثَة فَنَسِيتهَا أَوْ سَكَتَ عَنْهَا.
وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَح , قَالَ الدَّاوُدِيُّ : الثَّالِثَة الْوَصِيَّة بِالْقُرْآنِ , وَبِهِ جَزَمَ اِبْن التِّين وَقَالَ الْمُهَلَّب : بَلْ هُوَ تَجْهِيز جَيْش أُسَامَة , وَقَوَّاهُ اِبْن بَطَّال بِأَنَّ الصَّحَابَة لَمَّا اِخْتَلَفُوا عَلَى أَبِي بَكْر فِي تَنْفِيذ جَيْش أُسَامَة قَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْر : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ بِذَلِكَ عِنْد مَوْته.
وَقَالَ عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ تَكُون هِيَ قَوْله : " وَلَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا " فَإِنَّهَا ثَبَتَتْ فِي الْمُوَطَّأ مَقْرُونَة بِالْأَمْرِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُود , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس أَنَّهَا قَوْله : " الصَّلَاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ".
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لما حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هلموا أكتب لكم كتابا...
و 4434- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة - عليها السلام - في شكواه الذي قبض فيه، فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فس...
عن عائشة قالت: «كنت أسمع أنه: لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بحة، يقول...
عن عائشة قالت: «لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - المرض الذي مات فيه، جعل يقول: في الرفيق الأعلى.»
عن عائشة قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يحيا، أو يخير، فلما اشتكى وحضره القب...
عن عائشة: «دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله - صلى ال...
عن عروة: أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وج...
عن عباد بن عبد الله بن الزبير: أن عائشة أخبرته: «أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأصغت إليه قبل أن يموت، وهو مسند إلي ظهره يقول: اللهم اغفر لي،...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت عائشة: لولا ذلك...