5284-
عن الأسود، «أن عائشة، أرادت أن تشتري بريرة فأبى مواليها إلا أن يشترطوا الولاء، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق.
وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم فقيل: إن هذا ما تصدق على بريرة، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية» حدثنا آدم: حدثنا شعبة وزاد: فخيرت من زوجها
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( بَابٌ ) كَذَا لَهُمْ بِغَيْرِ تَرْجَمَة , وَهُوَ مِنْ مُتَعَلَّقَات مَا قَبْله , وَأَوْرَدَ فِيهِ قِصَّة بَرِيرَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَجَاء عَنْ شُعْبَة عَنْ الْحَكَم وَهُوَ اِبْنُ عُتَيْبَة بِمُثَنَّاةٍ وَمُوَحَّدَة مُصَغَّر عَنْ إِبْرَاهِيم وَهُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ الْأَسْوَد وَهُوَ اِبْنِ يَزِيد " أَنَّ عَائِشَة أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِي بَرِيرَة " فَسَاقَ الْقِصَّة مُخْتَصَرَة وَصُورَة سِيَاقه الْإِرْسَال , لَكِنْ أَوْرَدَهُ فِي كَفَّارَات الْأَيْمَان مُخْتَصَرًا عَنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ شُعْبَة فَقَالَ فِيهِ " عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة " وَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي الْفَرَائِض عَنْ حَفْص اِبْنِ عُمَر عَنْ شُعْبَة وَزَادَ فِي آخِره " قَالَ الْحَكَم : وَكَانَ زَوْجهَا حُرًّا " ثُمَّ أَوْرَدَهُ بَعْده مِنْ طَرِيق مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد أَنَّ عَائِشَة فَسَاقَ نَحْو سِيَاق الْبَاب وَزَادَ فِيهِ " وَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسهَا وَقَالَتْ : لَوْ أُعْطِيت كَذَا وَكَذَا مَا كُنْت مَعَهُ , قَالَ الْأَسْوَد : وَكَانَ زَوْجهَا حُرًّا " قَالَ الْبُخَارِيّ : قَوْل الْأَسْوَد مُنْقَطِع , وَقَوْل اِبْنِ عَبَّاس " رَأَيْته عَبْدًا " أَصَحّ.
وَقَالَ فِي الَّذِي قَبْله فِي قَوْل الْحَكَم نَحْو ذَلِكَ , وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيّ عَقِب رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن رَجَاء هَذِهِ عَنْ آدَم عَنْ شُعْبَة وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه لَكِنْ قَالَ " وَزَادَ : فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجهَا " وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الزَّكَاة عَنْ آدَم بِهَذَا الْإِسْنَاد فَلَمْ يَذْكُر هَذِهِ الزِّيَادَة , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ آدَم شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ فَجَعَلَ الزِّيَادَة مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم وَلَفْظه فِي آخِره " قَالَ الْحَكَم قَالَ إِبْرَاهِيم : وَكَانَ زَوْجهَا حُرًّا فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجهَا " فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة مُدْرَجَة وَحَذَفَهَا فِي الزَّكَاة لِذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَوْرَدَهَا هُنَا مُشِيرًا إِلَى أَنَّ أَصْل التَّخْيِير فِي قِصَّة بَرِيرَة ثَابِت مِنْ طَرِيق أُخْرَى وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْعِلَل " : لَمْ يُخْتَلَف عَلَى عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا , وَكَذَا قَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة , وَأَبُو الْأَسْوَد وَأُسَامَة بْن زَيْد عَنْ الْقَاسِم.
قُلْت : وَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاة فِيهِ غَلَط , فَأَخْرَجَ قَاسِمِ بْن أَصْبَغ فِي مُصَنَّفه وَابْن حَزْم مِنْ طَرِيقه قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدْ بْن يَزِيد الْمُعَلَّم حَدَّثَنَا مُوسَى بْن مُعَاوِيَة عَنْ جَرِير عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة " كَانَ زَوْج بَرِيرَة حُرًّا " وَهَذَا وَهْم مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ أَحْمَد , فَإِنَّ الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب هِشَام وَمِنْ أَصْحَاب جَرِير قَالُوا كَانَ عَبْدًا , مِنْهُمْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَحَدِيثه عَنْ النَّسَائِيِّ , وَعُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة وَحَدِيثه عِنْد أَبِي دَاوُدَ , وَعَلِيّ بْن حَجَرِ وَحَدِيثه عِنْد التِّرْمِذِيّ , وَأَصْله عِنْد مُسْلِم وَأَحَالَ بِهِ عَلَى رِوَايَة أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَكَذَا قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ هَشَّام بْن عُرْوَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم عَنْ أَبِيهِ.
قُلْت : وَرَوَاهُ شُعْبَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ كَانَ حُرًّا , ثُمَّ رَجَعَ عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ مَا أَدْرِي , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِتْق قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ عِمْرَان بْن حَدِير عَنْ عِكْرِمَة عَنْ عَائِشَة كَانَ حُرًّا وَهُوَ وَهْم , قُلْت : فِي شَيْئَيْنِ فِي قَوْله حُرّ وَفِي قَوْله عَائِشَة , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَة عِكْرِمَة عَنْ اِبْنِ عَبَّاس , وَلَمْ يُخْتَلَف عَلَى اِبْنِ عَبَّاس فِي أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا , وَكَذَا جَزَمَ بِهِ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْنِ عُمَر وَحَدِيثه عِنْد الشَّافِعِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمَا , وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث صَفِيَّة بِنْتِ أَبِي عُبَيْد قَالَتْ كَانَ زَوْج بَرِيرَة عَبْدًا وَسَنَده صَحِيح , وَقَالَ النَّوَوِيّ : يُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا قَوْل عَائِشَة كَانَ عَبْدًا , وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرهَا , فَأَخْبَرَتْ وَهِيَ صَاحِبَة الْقِصَّة بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا , ثُمَّ عَلَّلَتْ بِقَوْلِهَا " وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرهَا " وَمِثْل هَذَا لَا يَكَاد أَحَد يَقُولهُ إِلَّا تَوْقِيفًا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي رِوَايَة جَرِير عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة فِي آخِرِ الْحَدِيث , وَهِيَ مُدْرَجَة مِنْ قَوْل عُرْوَة , بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَة مَالِك وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ.
نَعَمْ وَقَعَ فِي رِوَايَة أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " كَانَتْ بَرِيرَة مُكَاتَبَة لِأُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَار وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْد " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ , وَأُسَامَة فِيهِ مَقَال , وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقَال إِلَّا بِتَوْقِيفٍ فَمَرْدُودَة فَإِنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالًا , وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا تَوْجِيهه مِنْ حَيْثُ النَّظَر أَيْضًا , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ " وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة : كَانَ حُرًّا ".
قُلْت : وَأَصْرَح مَا رَأَيْته فِي ذَلِكَ رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة " حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ زَوْج بَرِيرَة حُرًّا فَلَمَّا عَتَقَتْ خُيِّرَتْ " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَدْ عَنْهُ , وَأَخْرَجَ اِبْنِ أَبِي شَيْبَة عَنْ إِدْرِيس عَنْ الْأَعْمَش بِهَذَا السَّنَد عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " كَانَ زَوْج بَرِيرَة حُرًّا " وَمِنْ وَجْه آخَر عَنْ النَّخَعِيّ عَنْ الْأَسْوَد أَنَّ عَائِشَة حَدَّثَتْهُ " أَنَّ زَوْج بَرِيرَة كَانَ حُرًّا حِين أُعْتِقَتْ " فَدَلَّتْ الرِّوَايَات الْمُفَصَّلَة الَّتِي قَدَّمْتهَا آنِفًا عَلَى أَنَّهُ مَدْرَج مِنْ قَوْل الْأَسْوَد أَوْ مَنْ دُونه فَيَكُونُ مِنْ أَمْثِلَة مَا أُدْرِجَ فِي أَوَّلِ الْخَبَر وَهُوَ نَادِر فَإِنَّ الْأَكْثَر أَنْ يَكُونُ فِي آخِره وَدُونه أَنْ يَقَع فِي وَسَطِهِ , وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَتُرَجَّح رِوَايَة مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا بِالْكَثْرَةِ , وَأَيْضًا فَآلُ الْمَرْء أَعْرَف بِحَدِيثِهِ , فَإِنَّ الْقَاسِم اِبْنُ أَخِي عَائِشَة وَعُرْوَة اِبْنُ أُخْتهَا وَتَابَعَهُمَا غَيْرهمَا فَرِوَايَتهمَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَة الْأَسْوَد فَإِنَّهُمَا أَقْعَد بِعَائِشَةِ وَأَعْلَم بِحَدِيثِهَا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيَتَرَجَّح أَيْضًا بِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تَذْهَب إِلَى أَنَّ الْأَمَة إِذَا عَتَقَتْ تَحْت الْحُرّ لَا خِيَار لَهَا , وَهَذَا بِخِلَافِ مَا رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهَا فَكَانَ يَلْزَم عَلَى أَصْل مَذْهَبهمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِهَا وَيَدَعُوا مَا رُوِيَ عَنْهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهَا فِيهِ , وَادَّعَى بَعْضهمْ أَنَّهُ يُمْكِن الْجَمْع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ قَوْل مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا عَلَى اِعْتِبَار مَا كَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُعْتِقَ , فَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا , وَيَرُدّ هَذَا الْجَمْع مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْل عُرْوَة " كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ تُخَيَّرْ " وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظِ " أَنَّ زَوْج بَرِيرَة كَانَ عَبْدًا أَسْوَد يَوْم أَعْتَقَتْ " فَهَذَا يُعَارِض الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة عَنْ الْأَسْوَد , وَيُعَارِض الِاحْتِمَال الْمَذْكُور اِحْتِمَال أَنْ يَكُونُ مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا أَرَادَ مَا آل إِلَيْهِ أَمْره , وَإِذَا تَعَارَضَا إِسْنَادًا وَاحْتِمَالًا اُحْتِيجَ إِلَى التَّرْجِيح وَرِوَايَة الْأَكْثَر يُرَجَّح بِهَا وَكَذَلِكَ الْأَحْفَظ وَكَذَلِكَ الْأَلْزَم , وَكُلّ ذَلِكَ مَوْجُود فِي جَانِبِ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا.
وَفِي قِصَّة بَرِيرَة مِنْ الْفَوَائِد وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضهَا فِي الْمَسَاجِد وَفِي الزَّكَاة وَالْكَثِير مِنْهَا فِي الْعِتْق : جَوَاز الْمُكَاتَبَة بِالسُّنَّةِ تَقْرِيرًا لِحُكْمِ الْكِتَاب , وَقَدْ رَوَى اِبْنِ أَبِي شَيْبَة فِي " الْأَوَائِل " بِسَنَدٍ صَحِيح أَنَّهَا أَوَّلُ كِتَابَة كَانَتْ فِي الْإِسْلَام , وَيَرُدّ عَلَيْهِ قِصَّة سَلْمَان , فَيُجْمَع بِأَنَّ أَوَّلِيَّته فِي الرِّجَال وَأَوَّلِيَّة بَرِيرَة فِي النِّسَاء , وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَوَّلُ مُكَاتَب فِي الْإِسْلَام أَبُو أُمَيَّة عَبْد عُمَر , وَادَّعَى الرُّويَانِيّ أَنَّ الْكِتَابَة لَمْ تَكُنْ تُعْرَف فِي الْجَاهِلِيَّة وَخُولِفَ.
وَيُؤْخَذ مِنْ مَشْرُوعِيَّة نُجُوم الْكِتَابَة الْبَيْع إِلَى أَجَلٍ وَالِاسْتِقْرَاض وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَفِيهِ إِلْحَاق الْإِمَاء بِالْعَبِيدِ لِأَنَّ الْآيَة طَاهِرَة فِي الذُّكُور , وَفِيهِ جَوَاز كِتَابَة أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ , وَيُلْحَق بِهِ جَوَاز بَيْع أَحَدِهِمَا دُونِ الْآخَر , وَجَوَاز كِتَابَة مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَة , كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ طَلَبِهَا مِنْ عَائِشَة الْإِعَانَة عَلَى حَالِهَا أَنْ يَكُونُ لَا مَالَ لَهَا وَلَا حِرْفَة , وَفِيهِ جَوَاز بَيْع الْمُكَاتَب إِذَا رَضِيَ وَلَمْ يُعَجِّزْ نَفْسه إِذَا وَقَعَ التَّرَاضِي بِذَلِكَ , وَحَمَلَهُ مَنْ مَنَعَ عَلَى أَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسهَا قَبْل الْبَيْع وَيَحْتَاج إِلَى دَلِيل , وَقِيلَ إِنَّمَا وَقَعَ الْبَيْع عَلَى نُجُوم الْكِتَابَة وَهُوَ بَعِيد جِدًّا وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْمُكَاتَب عَبْد مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْء , فَيَتَفَرَّع مِنْهُ إِجْرَاء أَحْكَام الرَّقِيق كُلّهَا فِي النِّكَاح وَالْجِنَايَات وَالْحُدُود وَغَيْرهَا.
وَقَدْ أَكْثَرَ بِسَرَدِهَا مَنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْفَوَائِد الْمُسْتَنْبَطَة مِنْ حَدِيث بَرِيرَة.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدَّى أَكْثَرَ نُجُومه لَا يَعْتِقُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْأَكْثَر , وَأَنَّ مَنْ أَدَّى مِنْ النُّجُوم بِقَدْرِ قِيمَته يُعْتَق , وَأَنَّ مَنْ أَدَّى بَعْض نُجُومه لَمْ يُعْتَق مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي شِرَاء بَرِيرَة مِنْ غَيْر اسْتِفْصَال.
وَفِيهِ جَوَاز بَيْعِ الْمُكَاتَب وَالرَّقِيق بِشَرْطِ الْعِتْق , وَأَنَّ بَيْع الْأَمَة الْمُزَوَّجَة لَيْسَ طَلَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره قَرِيبًا وَأَنَّ عِتْقهَا لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا فَسْخًا لِثُبُوتِ التَّخْيِير , فَلَوْ طَلُقَتْ بِذَلِكَ وَاحِدَة لَكَانَ لِزَوْجِهَا الرَّجْعَة وَلَمْ يَتَوَقَّف عَلَى إِذْنهَا , أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يَقُلْ لَهَا لَوْ رَاجَعْتِيهِ لِأَنَّهَا مَا كَانَتْ تَحِلّ لَهُ إِلَّا بَعْد زَوْج آخَر , وَأَنَّ بَيْعهَا لَا يُبِيح لِمُشْتَرِيهَا وَطَأْهَا لِأَنَّ تَخْيِيرهَا يَدُلّ عَلَى بَقَاء عُلْقَة الْعِصْمَة وَأَنَّ سَيِّد الْمُكَاتَب لَا يَمْنَعهُ مِنْ الِاكْتِسَاب وَأَنَّ اِكْتِسَابه مِنْ حِين الْكِتَابَة يَكُونُ لَهُ جَوَاز سُؤَال الْمُكَاتَب مَنْ يُعِينهُ عَلَى بَعْض نُجُومه وَإِنْ لَمْ تَحِلّ , وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَعْجِيزه , وَجَوَاز سُؤَال مَا لَا يُضْطَرّ السَّائِل إِلَيْهِ فِي الْحَال , وَجَوَاز الِاسْتِعَانَة بِالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَة , وَجَوَاز تَصَرُّفهَا فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا , وَبَذْل الْمَال فِي طَلَب الْأَجْر حَتَّى فِي الشِّرَاء بِالزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْل بِقَصْدِ التَّقَرُّب بِالْعِتْقِ , وَيُؤْخَذ مِنْهُ جَوَاز شِرَاء مَنْ يَكُونُ مُطْلَق التَّصَرُّف السِّلْعَة بِأَكْثَر مِنْ ثَمَنِهَا لِأَنَّ عَائِشَة بَذَلَتْ نَقْدًا مَا جَعَلُوهُ نَسِيئَة فِي تِسْع سِنِينَ لِحُصُولِ الرَّغْبَة فِي النَّقْد أَكْثَرِ مِنْ النَّسِيئَة , وَجَوَاز السُّؤَال فِي الْجُمْلَة لِمَنْ يَتَوَقَّع الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ فَتُحْمَلُ الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الزَّجْر عَنْ السُّؤَال عَلَى الْأَوْلَوِيَّة.
وَفِيهِ جَوَاز سَعْي الْمَرْقُوق فِي فِكَاك رَقَبَتِهِ وَلَوْ كَانَ بِسُؤَالِ مَنْ يَشْتَرِي لِيَعْتِق وَإِنْ أَضَرّ ذَلِكَ بِسَيِّدِهِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِع إِلَى الْعِتْق , وَفِيهِ بُطْلَان الشُّرُوط الْفَاسِدَة فِي الْمُعَامَلَات وَصِحَّة الشُّرُوط الْمَشْرُوعَة لِمَفْهُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلّ شَرْط لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَهُوَ بَاطِل " وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطه فِي الشُّرُوط , وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ مَنْ اِسْتَثْنَى خِدْمَة الْمَرْقُوق عِنْد بَيْعه لَمْ يَصِحّ شَرْطه , وَأَنَّ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا لَمْ يَسْتَحِقّ الْعُقُوبَة إِلَّا إِنْ عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ , وَأَنَّ سَيِّد الْمُكَاتَب لَا يَمْنَعهُ مِنْ السَّعْي فِي تَحْصِيل مَالِ الْكِتَابَة وَلَوْ كَانَ حَقّه فِي الْخِدْمَة ثَابِتًا , وَأَنَّ الْمُكَاتَب إِذَا أَدَّى نُجُومه مِنْ الصَّدَقَة لَمْ يَرُدّهَا السَّعِيد وَإِذَا أَدَّى نُجُومه قَبْل حُلُولهَا كَذَلِكَ , وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ أَخْذًا مِنْ قَوْل مَوَالِي بَرِيرَة " إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِب عَلَيْك " فَإِنَّ ظَاهِرِهِ فِي قَبُول تَعْجِيل مَا اِتَّفَقُوا عَلَى تَأْجِيله وَمِنْ لَازِمِهِ حُصُول الْعِتْق , وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَبَرَّعَ عَنْ الْمُكَاتَب بِمَا عَلَيْهِ عَتَقَ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم وُجُوب الْوَضْع عَنْ الْمُكَاتَب لِقَوْلِ عَائِشَة " أَعُدّهَا لَهُمْ عَدَّة وَاحِدَة " وَلَمْ يُنْكَر , وَأُجِيبَ بِجَوَازِ قَصْد دَفْعهمْ لَهَا بَعْد الْقَبْض.
وَفِيهِ جَوَاز إِبْطَال الْكِتَابَة وَفَسْخ عَقْدهَا إِذَا تَرَاضَى السَّيِّد وَالْعَبْد , وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِبْطَال التَّحْرِير لِتَقْرِيرِ بَرِيرَة عَلَى السَّعْي بَيْن عَائِشَة وَمَوَالِيهَا فِي فَسْخ كِتَابَتهَا لِتَشْتَرِيَهَا عَائِشَة.
وَفِيهِ ثُبُوت الْوَلَاء لِلْمُعْتِقِ وَالرَّدّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ , وَيُؤْخَذ مِنْ ذَلِكَ عِدَّة مَسَائِل كَعِتْقِ السَّائِبَة وَاللَّقِيط وَالْحَلِيف وَنَحْوِ ذَلِكَ كَثُرَ بِهَا الْعَدَد مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيث بَرِيرَة.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْخُطْبَة فِي الْأَمْر الْمُهِمّ وَالْقِيَام فِيهَا , وَتَقْدِمَةُ الْحَمْد وَالثَّنَاء , وَقَوْل أَمَّا بَعْد عِنْد اِبْتِدَاء الْكَلَام فِي الْحَاجَة , وَأَنَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ مَا يُنْكَر اُسْتُحِبَّ عَدَم تَعْيِينه ; وَأَنَّ اِسْتِعْمَال السَّجْع فِي الْكَلَام لَا يُكْرَه إِلَّا إِذَا قَصَدَ إِلَيْهِ وَوَقَعَ مُتَكَلَّفًا.
وَفِيهِ جَوَاز الْيَمِين فِيمَا لَا تَجِب فِيهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْد الْعَزْم عَلَى فِعْل شَيْء , وَأَنَّ لَغْو الْيَمِين لَا كَفَّارَة فِيهِ لِأَنَّ عَائِشَة حَلَفْت أَنْ لَا تَشْتَرِط ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِشْتَرِطِي وَلَمْ يُنْقَل كَفَّارَة.
وَفِيهِ مُنَاجَاة الِاثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ الثَّالِث فِي الْأَمْر يَسْتَحِي مِنْهُ الْمُنَاجِي وَيَعْلَم أَنَّ مَنْ نَاجَاهُ يُعْلِم الثَّالِث بِهِ وَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ النَّهْي الْوَارِد فِيهِ , وَفِيهِ جَوَاز سُؤَال الثَّالِث عَنْ الْمُنَاجَاة الْمَذْكُورَة إِذَا ظَنَّ أَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ وَجَوَاز إِظْهَار السِّرّ فِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَة لِلْمُنَاجِي.
وَفِيهِ جَوَاز الْمُسَاوَمَة فِي الْمُعَامَلَة وَالتَّوْكِيل فِيهَا وَلَوْ لِلرَّقِيقِ , وَاسْتِخْدَام الرَّقِيق فِي الْأَمْر الَّذِي يَتَعَلَّق بِمَوَالِيهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنُوا فِي ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ.
وَفِيهِ ثُبُوت الْوَلَاء لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتِقَة فَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُوم الْوَلَاء لُحْمَة كَلُحْمَةِ النَّسَب فَإِنَّ الْوَلَاء لَا يَنْتَقِل إِلَى الْمَرْأَة بِالْإِرْثِ بِخِلَافِ النَّسَب.
وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِر يَرِثُ وَلَاء عَتِيقه الْمُسْلِم وَإِنْ كَانَ لَا يَرِثُ قَرِيبه الْمُسْلِم , وَأَنَّ الْوَلَاء لَا يُبَاع وَلَا يُوهَب وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مُفْرَد فِي الْعِتْق , وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " الْوَلَاء لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِق " أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُعْطَى الْمَالِك لَا مَنْ بَاشَرَ الْإِعْطَاء مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُل الْوَكِيل , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة الثَّوْرِيّ عِنْد أَحْمَد " لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِق وَوَلِيَ النِّعْمَة " وَفِيهِ ثُبُوت الْخِيَار لِلْأَمَةِ إِذَا عَتَقَتْ عَلَى التَّفْصِيل الْمُتَقَدِّم وَأَنَّ خِيَارهَا يَكُونُ عَلَى الْفَوْر لِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُقه " إِنَّهَا عَتَقَتْ فَدَعَاهَا فَخَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسهَا " وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَقْوَال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَبَى مَوَالِيهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَقِيلَ إِنَّ هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَزَادَ فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجِهَا
عن نافع «أن ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة ر...
عن ابن عباس «كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يق...
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: {يا أيها الذي...
عن أنس بن مالك يقول: «آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة له تسعا وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليت ش...
عن نافع «أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل...
عن يزيد مولى المنبعث : «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب.<br> وسئل عن ضالة الإبل فغضب واحمرت و...
عن ابن عباس قال: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره، وكان كلما أتى على الركن أشار إليه وكبر» وقالت زينب: قال النبي صلى الله عليه وسلم فتح من...
عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي فسأل الله خيرا إلا أعطاه،» وقال بيده ووضع أنملته على ب...
، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الفتنة من هنا وأشار إلى المشرق.»