حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب النفقات باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف (حديث رقم: 5364 )


5364- عن ‌عائشة، «أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.»

أخرجه البخاري

شرح حديث (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( يَحْيَى ) ‏ ‏هُوَ اِبْن سَعِيد الْقَطَّان , ‏ ‏وَهِشَام ‏ ‏هُوَ اِبْن عُرْوَة.
‏ ‏قَوْله ( أَنَّ هِنْدًا بِنْت عُتْبَةَ ) ‏ ‏كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة هِنْدًا بِالصَّرْفِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة الْمَاضِيَة فِي الْمَظَالِم بِغَيْرِ صَرْف " هِنْد بِنْت عُتْبَةَ بْن رَبِيعَة " أَيْ اِبْن عَبْد شَمْس بْن عَبْد مَنَافٍ.
وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِيّ عَنْ أَنَس بْن عِيَاض عَنْ هِشَام " أَنَّ هِنْدًا أُمّ مُعَاوِيَة وَكَانَتْ هِنْد لَمَّا قُتِلَ أَبُوهَا عُتْبَةَ وَعَمّهَا شَيْبَة وَأَخُوهَا الْوَلِيد يَوْم بَدْر شَقَّ عَلَيْهَا , فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد وَقُتِلَ حَمْزَة فَرِحَتْ بِذَلِكَ وَعَمَدَتْ إِلَى بَطْنه فَشَقَّتْهَا وَأَخَذَتْ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا ثُمَّ لَفَظَتْهَا , فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح وَدَخَلَ أَبُو سُفْيَان مَكَّة مُسْلِمًا - بَعْد أَنْ أَسَرَتْهُ خَيْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة فَأَجَارَهُ الْعَبَّاس - غَضِبَتْ هِنْد لِأَجْلِ إِسْلَامه , وَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ ثُمَّ إِنَّهَا بَعْد اِسْتِقْرَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة جَاءَتْ فَأَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الْمَنَاقِب أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ " يَا رَسُول اللَّه مَا كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض مِنْ أَهْل خِبَاء أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْل خِبَائِك , وَمَا عَلَى ظَهْر الْأَرْض الْيَوْم أَهْل خِبَاء أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْل خِبَائِك.
فَقَالَ : أَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
ثُمَّ قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ أَبَا سُفْيَان إِلَخْ " وَذَكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْمُحَرَّم سَنَةَ أَرْبَع عَشْرَة يَوْم مَاتَ أَبُو قُحَافَة وَالِد أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد فِي " الطَّبَقَات " مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْد ذَلِكَ , فَرَوَى عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ اِبْن أَبِي سَبْرَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن حَزْم " أَنَّ عُمَر اِسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَة عَلَى عَمَل أَخِيهِ , فَلَمْ يَزَلْ وَالِيًا لِعُمَر حَتَّى قُتِلَ وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَان فَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَله وَأَفْرَدَهُ بِوِلَايَةِ الشَّام جَمِيعًا , وَشَخَصَ أَبُو سُفْيَان إِلَى مُعَاوِيَة وَمَعَهُ اِبْنَاهُ عُتْبَةَ وَعَنْبَسَة , فَكَتَبَتْ هِنْد إِلَى مُعَاوِيَة قَدْ قَدِمَ عَلَيْك أَبُوك وَأَخَوَاك , فَاحْمِلْ أَبَاك عَلَى فَرَس وَأَعْطِهِ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , وَاحْمِلْ عُتْبَةَ عَلَى بَغْل وَأَعْطِهِ أَلْفَيْ دِرْهَم , وَاحْمِلْ عَنْبَسَةَ عَلَى حِمَار وَاعْطُهُ أَلْف دِرْهَم , فَفَعَلَ ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : أَشْهَد بِاَللَّهِ أَنَّ هَذَا عَنْ رَأْي هِنْد " قُلْت : كَانَ عُتْبَةَ مِنْهَا وَعَنْبَسَة مِنْ غَيْرهَا أُمّه عَاتِكَة بِنْت أَبِي أُزَيْهِر الْأَزْدِيّ.
وَفِي " الْأَمْثَال لِلْمَيْدَانِيِّ " أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْد وَفَاة أَبِي سُفْيَان , فَإِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّة فِيهَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مُعَاوِيَة أَنْ يُزَوِّجهُ أُمّه فَقَالَ : إِنَّهَا قَعَدَتْ عَنْ الْوَلَد.
وَكَانَتْ وَفَاة أَبِي سُفْيَان فِي خِلَافَة عُثْمَان سَنَة اِثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ.
‏ ‏قَوْله ( إِنَّ أَبَا سُفْيَان ) ‏ ‏هُوَ صَخْر بْن حَرْب بْن أُمَيَّة بْن عَبْد شَمْس زَوْجهَا , وَكَانَ قَدْ رَأْس فِي قُرَيْش بَعْد وَقْعَة بَدْر , وَسَارَ بِهِمْ فِي أُحُد , وَسَاقَ الْأَحْزَاب يَوْم الْخَنْدَق , ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْلَة الْفَتْح كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي الْمَغَازِي.
‏ ‏قَوْله ( رَجُل شَحِيح ) ‏ ‏تَقَدَّمَ قَبْلُ بِثَلَاثَةِ أَبْوَاب " رَجُل مِسِّيك " وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطه فَالْأَكْثَر بِكَسْرِ الْمِيم وَتَشْدِيد السِّين عَلَى الْمُبَالَغَة , وَقِيلَ بِوَزْنِ شَحِيح , قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا هُوَ الْأَصَحّ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل أَشْهَر فِي الرِّوَايَة , وَلَمْ يَظْهَر لِي كَوْن الثَّانِي أَصَحّ فَإِنَّ الْآخَر مُسْتَعْمَل كَثِيرًا مِثْل شِرِّيب وَسِكِّير وَإِنْ كَانَ الْمُخَفَّف أَيّهمَا فِيهِ نَوْع مُبَالَغَة لَكِنَّ الْمُشَدَّد أَبْلَغ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَة النِّهَايَة فِي كِتَاب الْأَشْخَاص حَيْثُ قَالَ : الْمَشْهُور فِي كُتُب اللُّغَة الْفَتْح وَالتَّخْفِيف.
وَفِي كُتُب الْمُحَدِّثِينَ الْكَسْر وَالتَّشْدِيد.
وَالشُّحّ الْبُخْل مَعَ حِرْص , وَالشُّحّ أَعَمّ مِنْ الْبُخْل لِأَنَّ الْبُخْل يَخْتَصّ بِمَنْعِ الْمَال وَالشُّحّ بِكُلِّ شَيْء , وَقِيلَ الشُّحّ لَازِم كَالطَّبْعِ وَالْبُخْل غَيْر لَازِم , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَمْ تُرِدْ هِنْد وَصْف أَبِي سُفْيَان بِالشُّحِّ فِي جَمِيع أَحْوَاله , وَإِنَّمَا وَصَفَتْ حَالهَا مَعَهُ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَتِّر عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادهَا , وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِم الْبُخْل مُطْلَقًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الرُّؤَسَاء يَفْعَل ذَلِكَ مَعَ أَهْله وَيُؤْثِر الْأَجَانِب اِسْتِئْلَافًا لَهُمْ.
قُلْت : وَوَرَدَ فِي بَعْض الطُّرُق لِقَوْلِ هِنْد هَذَا سَبَب يَأْتِي ذِكْره قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله ( إِلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَم ) ‏ ‏زَادَ الشَّافِعِيّ فِي رِوَايَته " سِرًّا , فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْء ؟ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ " فَهَلْ عَلَيَّ حَرَج أَنْ أُطْعِم مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالنَا ؟ ‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيِّ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمَظَالِم " لَا حَرَج عَلَيْك أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَوْله " خُذِي " أَمْر إِبَاحَة بِدَلِيلِ قَوْله " لَا حَرَج " وَالْمُرَاد بِالْمَعْرُوفِ الْقَدْر الَّذِي عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ الْكِفَايَة قَالَ : وَهَذِهِ الْإِبَاحَة وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَة لَفْظًا لَكِنَّهَا مُقَيَّدَة مَعْنًى , كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْت.
وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ صِدْقهَا فِيمَا ذَكَرَتْ فَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْيِيد.
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا لَا يُعْجِبهُ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْه الِاسْتِفْتَاء وَالِاشْتِكَاء وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِع الَّتِي تُبَاح فِيهَا الْغِيبَة.
وَفِيهِ مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِالتَّعْظِيمِ كَاللَّقَبِ وَالْكُنْيَة , كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَر , لِأَنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ مَشْهُورًا بِكُنْيَتِهِ دُونِ اِسْمِهِ فَلَا يَدُلّ قَوْلهَا " إِنَّ أَبَا سُفْيَان " عَلَى إِرَادَة التَّعْظِيم.
وَفِيهِ جَوَاز اِسْتِمَاع كَلَامِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي غِيبَة الْآخِر.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ نَسَبَ إِلَى نَفْسه أَمْرًا عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة فَلْيَقْرُنْهُ بِمَا يُقِيم عُذْره فِي ذَلِكَ.
وَفِيهِ جَوَاز سَمَاع كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّة عِنْد الْحُكْم وَالْإِفْتَاء عِنْد مَنْ يَقُول إِنَّ صَوْتهَا عَوْرَة وَيَقُول جَازَ هُنَا لِلضَّرُورَةِ.
وَفِيهِ أَنَّ الْقَوْل قَوْل الزَّوْجَة فِي قَبْض النَّفَقَة , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْج إِنَّهُ مُنْفِق لَكُلِّفَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَة عَلَى إِثْبَات عَدَم الْكِفَايَة وَأَجَابَ الْمَازِرِيّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَعْلِيق الْفُتْيَا لَا الْقَضَاء.
وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة الزَّوْجَة وَأَنَّهَا مُقَدَّرَة بِالْكِفَايَةِ , وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء , وَهُوَ قَوْل لِلشَّافِعَيَّ حَكَاهُ الْجُوَيْنِيّ , وَالْمَشْهُور عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِالْأَمْدَادِ فَعَلَى الْمُوسِر كُلّ يَوْم مُدَّانِ وَالْمُتَوَسِّط مُدّ وَنِصْف وَالْمُعْسِر مُدّ , وَتَقْرِيرهَا بِالْأَمْدَادِ رِوَايَة عَنْ مَالِك أَيْضًا , قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح مُسْلِم " : وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى أَصْحَابنَا.
قُلْت : وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ , لَكِنَّ التَّقْدِير بِالْأَمْدَادِ مُحْتَاج إِلَى دَلِيل فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَتْ الْكِفَايَة فِي حَدِيث الْبَاب عَلَى الْقَدْر الْمُقَدَّر بِالْأَمْدَادِ , فَكَأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا وَهُوَ مُوسِر مَا يُعْطِي الْمُتَوَسِّط فَأَذِنَ لَهَا فِي أَخْذِ التَّكْمِلَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ فِي " بَابِ وُجُوب النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل " وَفِيهِ اِعْتِبَار النَّفَقَة بِحَالِ الزَّوْجَة , وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّة , وَاخْتَارَ الْخَصَّاف مِنْهُمْ أَنَّهَا مُعْتَبَرَة بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا , قَالَ صَاحِب " الْهِدَايَة " وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى , وَالْحُجَّة فِيهِ ضَمّ قَوْله تَعَالَى ( لِيُنْفِق ذُو سَعَة مِنْ سَعَته ) الْآيَة إِلَى هَذَا الْحَدِيث , وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّة إِلَى اِعْتِبَار حَالِ الزَّوْج تَمَسُّكًا بِالْآيَةِ , وَهُوَ قَوْل بَعْض الْحَنَفِيَّة , وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة الْأَوْلَاد بِشَرْطِ الْحَاجَة , وَالْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيَّة اِعْتِبَار الصِّغَر أَوْ الزَّمَانَة.
وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة خَادِم الْمَرْأَة عَلَى الزَّوْج , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لِأَنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ رَئِيس قَوْمه وَيَبْعُد أَنْ يَمْنَع زَوْجَته وَأَوْلَاده النَّفَقَة , فَكَأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا قَدْر كِفَايَتهَا وَوَلَدِهَا دُون مَنْ يَخْدُمهُمْ فَأَضَافَتْ ذَلِكَ إِلَى نَفْسهَا لِأَنَّ خَادِمهَا دَاخِل فِي جُمْلَتهَا.
قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يُتَمَسَّكَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُقه " أَنْ أُطْعِم مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالنَا " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوب نَفَقَة الِابْن عَلَى الْأَب وَلَوْ كَانَ الِابْن كَبِيرًا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَة عَيْن وَلَا عُمُوم فِي الْأَفْعَال , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ الْمُرَاد بِقَوْلِهَا " بَنِيّ " بَعْضهمْ أَيْ مَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا زَمِنًا لَا جَمِيعهمْ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ عِنْد غَيْره حَقّ وَهُوَ عَاجِز عَنْ اِسْتِيفَائِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنْ مَالِهِ قَدْر حَقِّهِ بِغَيْرِ إِذْنه , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة , وَتُسَمَّى مَسْأَلَة الظَّفَر , وَالرَّاجِح عِنْدهمْ لَا يَأْخُذ غَيْر جِنْس حَقِّهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ جِنْس حَقِّهِ , وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة الْمَنْع , وَعَنْهُ يَأْخُذ جِنْس حَقِّهِ وَلَا يَأْخُذ مِنْ غَيْر جِنْس حَقِّهِ إِلَّا أَحَد النَّقْدَيْنِ بَدَل الْآخَر , وَعَنْ مَالِك ثَلَاث رِوَايَات كَهَذِهِ الْآرَاء , وَعَنْ أَحْمَد الْمَنْع مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَشْخَاص وَالْمُلَازَمَة , قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُؤْخَذ مِنْ حَدِيث هِنْد جَوَاز أَخْذ الْجِنْس وَغَيْر الْجِنْس , لِأَنَّ مَنْزِل الشَّحِيح لَا يَجْمَع كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَسَائِر الْمَرَافِق اللَّازِمَة وَقَدْ أَطْلَقَ لَهَا الْإِذْن فِي أَخْذِ الْكِفَايَة مِنْ مَالِهِ , قَالَ : وَيَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ قَوْلهَا فِي رِوَايَة أُخْرَى " وَإِنَّهُ لَا يُدْخِل عَلَى بَيْتِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي ".
قُلْت : وَلَا دَلَالَة فِيهِ لِمَا اِدَّعَاهُ مِنْ أَنَّ بَيْت الشَّحِيح لَا يَحْتَوِي عَلَى كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ لِأَنَّهَا نَفَتْ الْكِفَايَة مُطْلَقًا فَتَنَاوَلَ جِنْس مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ وَمَا لَا يَحْتَاج إِلَيْهِ , وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَنْزِل الشَّحِيح كَذَلِكَ مُسَلَّمَة لَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ مَنْزِل أَبِي سُفْيَان كَانَ كَذَلِكَ ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ سِيَاق الْقِصَّة أَنَّ مَنْزِله كَانَ فِيهِ كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يُمَكِّنهَا إِلَّا مِنْ الْقَدْر الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَتْ أَنْ تَأْخُذ زِيَادَة عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمه , وَقَدْ وَجَّهَ اِبْنُ الْمُنَيِّرِقَوْله إِنَّ فِي قِصَّة هِنْد دَلَالَة عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقّ أَنْ يَأْخُذ مِنْ غَيْر جِنْس حَقِّهِ بِحَيْثُ يَحْتَاج إِلَى التَّقْوِيم , لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَذِنَ لِهِنْدٍ أَنْ تَفْرِض لِنَفْسِهَا وَعِيَالهَا قَدْر الْوَاجِب , وَهَذَا هُوَ التَّقْوِيم بِعَيْنِهِ بَلْ هُوَ أَدَقّ مِنْهُ وَأَعْسَر.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ : مَدْخَلًا فِي الْقِيَام عَلَى أَوْلَادهَا وَكَفَالَتهمْ وَالْإِنْفَاق عَلَيْهِمْ , وَفِيهِ اِعْتِمَاد الْعُرْف فِي الْأُمُور الَّتِي لَا تَحْدِيد فِيهَا مِنْ قِبَل الشَّرْع.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِيهِ اِعْتِبَار الْعُرْف فِي الشَّرْعِيَّات خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَفْظًا وَعَمِلَ بِهِ مَعْنًى كَالشَّافِعِيَّةِ , كَذَا قَالَ , وَالشَّافِعِيَّة إِنَّمَا أَنْكَرُوا الْعَمَل بِالْعُرْفِ إِذَا عَارَضَهُ النَّصّ الشَّرْعِيّ أَوْ لَمْ يُرْشِد النَّصّ الشَّرْعِيّ إِلَى الْعُرْف , وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَاز الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب , وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَحْكَام أَنَّ الْبُخَارِيّ تَرْجَمَ " الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب " وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ هِشَام بِلَفْظِ " إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح فَأَحْتَاج أَنْ آخُذ مِنْ مَالِهِ , قَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ " وَذَكَرَ النَّوَوِيّ أَنَّ جَمْعًا مِنْ الْعُلَمَاء مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَمِنْ غَيْرهمْ اِسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيث لِذَلِكَ , حَتَّى قَالَ الرَّافِعِيّ فِي " الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب " : اِحْتَجَّ أَصْحَابنَا عَلَى الْحَنَفِيَّة فِي مَنْعهمْ الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب بِقِصَّةِ هِنْد , وَكَانَ ذَلِكَ قَضَاء مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زَوْجهَا وَهُوَ غَائِب , قَالَ النَّوَوِيّ : وَلَا يَصِحّ الِاسْتِدْلَال , لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ بِمَكَّة وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضِرًا بِهَا , وَشَرْط الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب أَنْ يَكُونُ غَائِبًا عَنْ الْبَلَد أَوْ مُسْتَتِرًا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَزِّزًا , وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْط فِي أَبِي سُفْيَان مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاء عَلَى الْغَائِب بَلْ هُوَ إِفْتَاء , وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيّ فِي عِدَّة مَوَاضِع أَنَّهُ كَانَ إِفْتَاء ا ه وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا بِقَوْلِ هِنْد " لَا يُعْطِينِي " إِذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَالَتْ لَا يُنْفِق عَلَيَّ , لِأَنَّ الزَّوْج هُوَ الَّذِي يُبَاشِر الْإِنْفَاق.
وَهَذَا ضَعِيف لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَادَته أَنْ يُعْطِيهَا جُمْلَة وَيَأْذَن لَهَا فِي الْإِنْفَاق مُفَرَّقًا.
نَعَمْ قَوْل النَّوَوِيّ إِنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّة حَقّ , وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْجَزْم بِذَلِكَ السُّهَيْلِيّ , بَلْ أَوْرَدَ أَخَصّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ جَالِسًا مَعَهَا فِي الْمَجْلِس , لَكِنْ لَمْ يَسُقْ إِسْنَاده , وَقَدْ ظَفِرْت بِهِ فِي " طَبَقَات اِبْنِ سَعْد " أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ رِجَاله رِجَال الصَّحِيح , إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَل عَنْ الشَّعْبِيّ " أَنَّ هِنْدًا لَمَّا بَايَعَتْ وَجَاءَ قَوْله وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ : قَدْ كُنْت أَصَبْت مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَان فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : فَمَا أَصَبْت مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَال لَك ".
قُلْت : وَيُمْكِن تَعَدُّد الْقِصَّة وَأَنَّ هَذَا وَقَعَ لَمَّا بَايَعَتْ ثُمَّ جَاءَتْ مَرَّة أُخْرَى فَسَأَلَتْ عَنْ الْحُكْم , وَتَكُونُ فَهِمَتْ مِنْ الْأَوَّل إِحْلَال أَبِي سُفْيَان لَهَا مَا مَضَى فَسَأَلَتْ عَمَّا يُسْتَقْبَل , لَكِنْ يُشْكِل عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ اِبْنِ مَنْدَهْ فِي " الْمَعْرِفَة " مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زَاذَانَ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ " قَالَتْ هِنْد لِأَبِي سُفْيَان : إِنِّي أُرِيدَ أَنْ أُبَايِع , قَالَ : فَإِنْ فَعَلْت فَاذْهَبِي مَعَك بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمك , فَذَهَبَتْ إِلَى عُثْمَان فَذَهَبَ مَعَهَا , فَدَخَلَتْ مُنْتَقِبَة فَقَالَ : بَايِعِي أَنْ لَا تُشْرِكِي " الْحَدِيث , وَفِيهِ " فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل بَخِيل - الْحَدِيث - قَالَ : مَا تَقُول يَا أَبَا سُفْيَان ؟ قَالَ : أَمَّا يَابِسًا فَلَا , وَأَمَّا رَطْبًا فَأُحِلّهُ " وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْمَعْرِفَة " أَنَّ عَبْد اللَّه تَفَرَّدَ بِهِ بِهَذَا السِّيَاق وَهُوَ ضَعِيف , وَأَوَّل حَدِيثه يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا سُفْيَان لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَآخِرُهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا ; لَكِنْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ كُلّ مِنْهُمَا تَوَجَّهَ وَحْده أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لَمَّا اِشْتَكَتْ مِنْهُ , وَيُؤَيِّد هَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِم فِي تَفْسِير الْمُمْتَحِنَة مِنْ " الْمُسْتَدْرَك " عَنْ فَاطِمَة بِنْتِ عُتْبَةَ " أَنَّ أَبَا حُذَيْفَة بْن عُتْبَةَ ذَهَبَ بِهَا وَبِأُخْتِهَا هِنْد يُبَايِعَانِ , فَلَمَّا اِشْتَرَطَ وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ هِنْد : لَا أُبَايِعك عَلَى السَّرِقَة , إِنِّي أَسْرِق مِنْ زَوْجِي , فَكَفَّ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَان يَتَحَلَّل لَهَا مِنْهُ فَقَالَ : أَمَّا الرَّطْب فَنَعَمْ وَأَمَّا الْيَابِس فَلَا " وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يُرِدْ أَنَّ قِصَّة هِنْد كَانَ قَضَاء عَلَى أَبِي سُفْيَان وَهُوَ غَائِب , بَلْ اِسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّة الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاء عَلَى غَائِب بِشَرْطِهِ , بَلْ لَمَّا كَانَ أَبُو سُفْيَان غَيْر حَاضِرِ مَعَهَا فِي الْمَجْلِس وَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْخُذ مِنْ مَالَهُ بِغَيْرِ إِذْنه قَدْر كِفَايَتهَا كَانَ فِي ذَلِكَ نَوْع قَضَاء عَلَى الْغَائِب فَيَحْتَاج مَنْ مَنَعَهُ أَنْ يُجِيب عَنْ هَذَا , وَقَدْ اِنْبَنَى عَلَى هَذَا الْخِلَاف يَتَفَرَّع مِنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَب إِذَا غَابَ أَوْ اِمْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاق عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِير أَذِنَ الْقَاضِي لِلْأُمِّ إِذَا كَانَتْ فِيهَا أَهْلِيَّة ذَلِكَ فِي الْأَخْذ مِنْ مَالِ الْأَب إِنْ أَمْكَنَ أَوْ فِي الِاسْتِقْرَاض عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاق عَلَى الصَّغِير , وَهَلْ لَهَا الِاسْتِقْلَال بِذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْن الْقَاضِي ؟ وَجْهَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى الْخِلَاف فِي قِصَّة هِنْد , فَإِنْ كَانَتْ إِفْتَاء جَازَ لَهَا الْأَخْذ بِغَيْرِ إِذْن , وَإِنْ كَانَتْ قَضَاء فَلَا يَجُوز إِلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي.
وَمِمَّا رَجَّحَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ قَضَاء لَا فُتْيَا التَّعْبِير بِصِيغَةِ الْأَمْر حَيْثُ قَالَ لَهَا " خُذِي " وَلَوْ كَانَ فُتْيَا لَقَالَ مَثَلًا : لَا حَرَج عَلَيْك إِذَا أَخَذْت , وَلِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَصَرُّفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ الْحُكْم.
وَمِمَّا رَجَّحَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ فَتْوَى وُقُوع الِاسْتِفْهَام فِي الْقِصَّة فِي قَوْلهَا " هَلْ عَلَيَّ جُنَاح " ؟ وَلِأَنَّهُ فَوَّضَ تَقْدِير الِاسْتِحْقَاق إِلَيْهَا , وَلَوْ كَانَ قَضَاء لَمْ يُفَوِّضهُ إِلَى الْمُدَّعِي , وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْلِفهَا عَلَى مَا اِدَّعَتْهُ وَلَا كَلَّفَهَا الْبَيِّنَة , وَالْجَوَاب أَنَّ فِي تَرْك تَحْلِيفهَا أَوْ تَكْلِيفهَا الْبَيِّنَة حُجَّة لِمَنْ أَجَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُم بِعِلْمِهِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ صِدْقهَا فِي كُلّ مَا اِدَّعَتْ بِهِ , وَعَنْ الِاسْتِفْهَام أَنَّهُ لَا اِسْتِحَالَة فِيهِ مِنْ طَالِب الْحُكْم , وَعَنْ تَفْوِيض قَدْر الِاسْتِحْقَاق أَنَّ الْمُرَاد الْمَوْكُول إِلَى الْعُرْف كَمَا تَقَدَّمَ , وَسَيَأْتِي بَيَان الْمَذَاهِب فِي الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
‏ ‏( تَنْبِيهٌ ) : ‏ ‏أَشْكَلَ عَلَى بَعْضهمْ اِسْتِدْلَال الْبُخَارِيّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى مَسْأَلَة الظَّفَر فِي كِتَاب الْأَشْخَاص حَيْثُ تَرْجَمَ لَهُ " قِصَاص الْمَظْلُوم إِذَا وَجَدَ مَال ظَالِمه " وَاسْتِدْلَاله بِهِ عَلَى جَوَاز الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب , لِأَنَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَسْأَلَة الظَّفَر لَا تَكُون إِلَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ مَسْأَلَة هِنْد كَانَتْ عَلَى طَرِيق الْفَتْوَى , وَالِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَسْأَلَة الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب لَا يَكُون إِلَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا كَانَتْ حُكْمًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : كُلّ حُكْم يَصْدُر مِنْ الشَّارِع فَإِنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَة الْإِفْتَاء بِذَلِكَ الْحُكْم فِي مِثْل تِلْكَ الْوَاقِعَة , فَيَصِحّ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْقِصَّة لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْبَاب مُقَدَّمًا عَلَى بَابَيْنِ عِنْد أَبِي نُعَيْمٍ فِي " الْمُسْتَخْرَج " ‏


حديث أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامٍ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏أَبِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ ‏ ‏قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ‏ ‏أَبَا سُفْيَانَ ‏ ‏رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ ‏ ‏خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

خير نساء ركبن الإبل نساء قريش

عن ‌أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش وقال الآخر صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذا...

آتى إلي النبي ﷺ حلة سيراء فلبستها فرأيت الغضب في...

عن ‌علي رضي الله عنه قال: «آتى إلي النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فلبستها، فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي.»

إن عبد الله هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثل...

عن ‌جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت امرأة ثيبا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت يا جابر؟ فق...

أتى النبي ﷺ رجل فقال هلكت قال ولم قال وقعت على أه...

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال هلكت قال ولم قال: وقعت على أهلي في رمضان قال: فأعتق رقبة.<br> قال: ليس عندي، ق...

هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بت...

ن ‌أم سلمة «قلت يا رسول الله، هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بني قال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم.»

إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله...

عن ‌عائشة رضي الله عنها: «قالت هند يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وبني قال: خذي بالمعروف.»

من توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك م...

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلا، فإن حدث أنه ترك وفاء صلى وإل...

لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي

عن ‌أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «قلت: يا رسول الله، انكح أختي ابنة أبي سفيان قال: وتحبين ذلك؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية وأحب من شاركني...

أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني

عن ‌أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني» قال سفيان: والعاني الأسير.<br>