5645- عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يصب منه.»
(يصب منه) يبتله بالمصائب ليطهره من الذنوب في الدنيا فيلقى الله تعالى نقيا
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي صَعْصَعَة ) هَكَذَا جَرَّدَ مَالِك نَسَبه , وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبهُ إِلَى جَدّه , وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُب عَبْد اللَّه إِلَى جَدّه.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك " حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه , فَذَكَرَهُ.
قَوْله : ( أَبَا الْحُبَاب ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا.
قَوْله : ( مَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الصَّاد وَالْفَاعِل اللَّه , قَالَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ : مَعْنَاهُ يَبْتَلِيه بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ غَيْره : مَعْنَاهُ يُوَجِّه إِلَيْهِ الْبَلَاء فَيُصِيبهُ.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : أَكْثَر الْمُحَدِّثِينَ يَرْوِيه بِكَسْرِ الصَّاد , وَسَمِعْت اِبْن الْخَشَّاب يَفْتَح الصَّاد , وَهُوَ أَحْسَن وَأَلْيَق.
كَذَا قَالَ , وَلَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَوْلَى , وَاَللَّه أَعْلَم.
وَوَجَّهَ الطِّيبِيُّ الْفَتْح بِأَنَّهُ أَلْيَق بِالْأَدَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ ).
قُلْت : وَيَشْهَد لِلْكَسْرِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيث مَحْمُود بْن لَبِيد رَفَعَهُ " إِذَا أَحَبَّ اللَّه قَوْمًا اِبْتَلَاهُمْ , فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْر وَمَنْ جَزَع فَلَهُ الْجَزَع " وَرُوَاته ثِقَات , إِلَّا أَنَّ مَحْمُود بْن لَبِيد اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعه مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ رَآهُ وَهُوَ صَغِير.
وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث أَنَس عِنْد التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بِشَارَة عَظِيمَة لِكُلِّ مُؤْمِن , لِأَنَّ الْآدَمِيّ لَا يَنْفَكّ غَالِبًا مِنْ أَلَم بِسَبَب مَرَض أَوْ هَمّ أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ , وَأَنَّ الْأَمْرَاض وَالْأَوْجَاع وَالْآلَام - بَدَنِيَّة كَانَتْ أَوْ قَلْبِيَّة - تُكَفِّر ذُنُوب مَنْ تَقَع لَهُ.
وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " مَا مِنْ مُسْلِم يُصِيبهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّه عَنْهُ خَطَايَاهُ " وَظَاهِره تَعْمِيم جَمِيع الذُّنُوب , لَكِنْ الْجُمْهُور خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ , لِلْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي أَوَائِل الصَّلَاة " الصَّلَوَات الْخَمْس وَالْجُمْعَة إِلَى الْجُمُعَة وَرَمَضَان إِلَى رَمَضَان كَفَّارَات لِمَا بَيْنهنَّ , مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر " فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَات الْوَارِدَة فِي التَّكْفِير عَلَى هَذَا الْمُقَيَّد , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى الْأَحَادِيث الَّتِي ظَاهِرهَا التَّعْمِيم أَنَّ الْمَذْكُورَات صَالِحَة لِتَكْفِيرِ الذُّنُوب , فَيُكَفِّر اللَّه بِهَا مَا شَاءَ مِنْ الذُّنُوب , وَيَكُون كَثْرَة التَّكْفِير وَقِلَّته بِاعْتِبَارِ شِدَّة الْمَرَض وَخِفَّته.
ثُمَّ الْمُرَاد بِتَكْفِيرِ الذَّنْب سَتْره أَوْ مَحْو أَثَره الْمُرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ اِسْتِحْقَاق الْعُقُوبَة.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّد حُصُول الْمَرَض أَوْ غَيْره مِمَّا ذُكِرَ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ التَّكْفِير الْمَذْكُور سَوَاء اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ صَبْر الْمُصَاب أَمْ لَا , وَأَبَى ذَلِكَ قَوْم كَالْقُرْطُبِيِّ فِي " الْمُفْهِم " فَقَالَ : مَحَلّ ذَلِكَ إِذَا صَبَرَ الْمُصَاب وَاحْتَسَبَ وَقَالَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) الْآيَة , فَحِينَئِذٍ يَصِل إِلَى مَا وَعَدَ اللَّه وَرَسُوله بِهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى دَعْوَاهُ بِدَلِيلٍ , وَأَنَّ فِي تَعْبِيره بِقَوْلِهِ : " بِمَا أَمَرَ اللَّه " نَظَرًا إِذْ لَمْ يَقَع هُنَا صِيغَة أَمْر.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقَع التَّصْرِيح بِالْأَمْرِ فَسِيَاقه يَقْتَضِي الْحَثّ عَلَيْهِ وَالطَّلَب لَهُ , فَفِيهِ مَعْنَى الْأَمْر.
وَعَنْ الْأَوَّل بِأَنَّهُ حَمْل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالتَّقْيِيدِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمُطْلَقَة , وَهُوَ حَمْل صَحِيح , لَكِنْ كَانَ يَتِمّ لَهُ ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ شَيْء مِنْهَا , بَلْ هِيَ إِمَّا ضَعِيفَة لَا يُحْتَجّ بِهَا وَإِمَّا قَوِيَّة لَكِنَّهَا مُقَيَّدَة بِثَوَابٍ مَخْصُوص , فَاعْتِبَار الصَّبْر فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ ذَلِكَ الثَّوَاب الْمَخْصُوص , مِثْل مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ وَقَعَ الطَّاعُون بِبَلَدٍ هُوَ فِيهَا فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ فَلَهُ أَجْر شَهِيد , وَمِثْل حَدِيث مُحَمَّد بْن خَالِد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : إِنَّ الْعَبْد إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّه مَنْزِلَة فَلَمْ يَبْلُغهَا بِعَمَلٍ اِبْتَلَاهُ اللَّه فِي جَسَده أَوْ وَلَده أَوْ مَاله ثُمَّ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغ تِلْكَ الْمَنْزِلَة " رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَرِجَاله ثِقَات , إِلَّا أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْر اِبْنه مُحَمَّد , وَأَبُوهُ اُخْتُلِفَ فِي اِسْمه لَكِنْ إِبْهَام الصَّحَابِيّ لَا يَضُرّ.
وَحَدِيث سَخْبَرَة - بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَة ثُمَّ مُوَحَّدَة وَزْن مَسْلَمَة - رَفَعَهُ " مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ , وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ , وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ , وَظُلِمَ فَغَفَرَ , أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن , وَالْحَدِيث الْآتِي قَرِيبًا " مَنْ ذَهَبَ بَصَره " يَدْخُل فِي هَذَا أَيْضًا , هَكَذَا زَعَمَ بَعْض مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ اِسْتَقْرَأَ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّبْر فَوَجَدَهَا لَا تَعْدُو أَحَد الْأَمْرَيْنِ , وَلَيْسَ كَمَا قَالَ , بَلْ صَحَّ التَّقْيِيد بِالصَّبْرِ مَعَ إِطْلَاق مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَاب , وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث صُهَيْب قَالَ : " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِن , إِنَّ أَمَرَهُ كُلّه خَيْر ] وَلَيْسَ ذَلِكَ [ لِأَحَدٍ ] لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء فَشَكَرَ اللَّه فَلَهُ أَجْر , وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء فَصَبَرَ فَلَهُ أَجْر , فَكُلّ قَضَاء اللَّه لِلْمُسْلِمِ خَيْر " وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص بِلَفْظِ " عَجِبْت مِنْ قَضَاء اللَّه لِلْمُؤْمِنِ , إِنْ أَصَابَهُ خَيْر حَمِدَ وَشَكَرَ , وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَة حَمِدَ وَصَبَرَ , فَالْمُؤْمِن يُؤْجَر فِي كُلّ أَمْره " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيُّ.
وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ التَّصْرِيح - بِأَنَّ الْأَجْر لَا يَحْصُل بِمُجَرَّدِ حُصُول الْمُصِيبَة , بَلْ إِنَّمَا يَحْصُل بِهَا التَّكْفِير فَقَطْ - مِنْ السَّلَف الْأَوَّل أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح , فَرَوَى أَحْمَد وَالْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَأَصْله فِي النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق عِيَاض بْن غُطَيْف قَالَ : " دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عُبَيْدَة نَعُودهُ مِنْ شَكْوَى أَصَابَتْهُ فَقُلْنَا : كَيْف بَاتَ أَبُو عُبَيْدَة ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته تُحَيْفَة : لَقَدْ بَاتَ بِأَجْرٍ.
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : مَا بِتُّ بِأَجْرٍ , سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : مَنْ اِبْتَلَاهُ اللَّه بِبَلَاءٍ فِي جَسَده فَهُوَ لَهُ حِطَّة " وَكَأَنَّ أَبَا عُبَيْدَة لَمْ يَسْمَع الْحَدِيث الَّذِي صَرَّحَ فِيهِ بِالْأَجْرِ لِمَنْ أَصَابَتْهُ الْمُصِيبَة , أَوْ سَمِعَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى التَّقْيِيد بِالصَّبْرِ , وَاَلَّذِي نَفَاهُ مُطْلَق حُصُول الْأَجْر الْعَارِي عَنْ الصَّبْر.
وَذَكَرَ اِبْن بَطَّال أَنَّ بَعْضهمْ اِسْتَدَلَّ عَلَى حُصُول الْأَجْر بِالْمَرَضِ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَاضِي فِي الْجِهَاد بِلَفْظِ " إِذَا مَرِضَ الْعَبْد أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّه لَهُ مَا كَانَ يَعْمَل صَحِيحًا مُقِيمًا " قَالَ : فَقَدْ زَادَ عَلَى التَّكْفِير , وَأَجَابَ بِمَا حَاصِله أَنَّ الزِّيَادَة لِهَذَا إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ نِيَّته أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَدَامَ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَل الصَّالِح , فَتَفَضَّلَ اللَّه عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّيَّة بِأَنْ يَكْتُب لَهُ ثَوَاب ذَلِكَ الْعَمَل , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسَاوِيه مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْمَل فِي صِحَّته شَيْئًا.
وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّ الْمَرِيض يُكْتَب لَهُ الْأَجْر بِمَرَضِهِ أَبُو هُرَيْرَة , فَعِنْد الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " مَا مِنْ مَرَض يُصِيبنِي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الْحُمَّى.
لِأَنَّهَا تَدْخُل فِي كُلّ عُضْو مِنِّي , وَإِنَّ اللَّه يُعْطِي كُلّ عُضْو قِسْطه مِنْ الْأَجْر " وَمِثْل هَذَا لَا يَقُولهُ أَبُو هُرَيْرَة بِرَأْيِهِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن مُعَاذ عَنْ أَبِيهِ " عَنْ جَدّه أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَا جَزَاء الْحُمَّى ؟ قَالَ : تَجْرِي الْحَسَنَات عَلَى صَاحِبهَا مَا اِخْتَلَجَ عَلَيْهِ قَدَم أَوْ ضُرِبَ عَلَيْهِ عِرْق " الْحَدِيث , وَالْأَوْلَى حَمْل الْإِثْبَات وَالنَّفْي عَلَى حَالَيْنِ : فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوب مَثَلًا أَفَادَ الْمَرَض تَمْحِيصهَا , وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ذُنُوب كُتِبَ لَهُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَغْلَب مِنْ بَنِي آدَم وُجُود الْخَطَايَا فِيهِمْ أَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْمَرَض كَفَّارَة فَقَطْ , وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَل الْأَحَادِيث الْمُطْلَقَة , وَمَنْ أَثْبَتَ الْأَجْر بِهِ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى تَحْصِيل ثَوَاب يُعَادِل الْخَطِيئَة , فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خَطِيئَة تَوَفَّرَ لِصَاحِبِ الْمَرَض الثَّوَاب , وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ.
وَقَدْ اِسْتَبْعَدَ اِبْن عَبْد السَّلَام فِي " الْقَوَاعِد " حُصُول الْأَجْر عَلَى نَفْس الْمُصِيبَة , وَحَصَرَ حُصُول الْأَجْر بِسَبَبِهَا فِي الصَّبْر , وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ جَابِر قَالَ : " اِسْتَأْذَنَتْ الْحُمَّى عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْل قُبَاء , فَشَكَوْا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ : مَا شِئْتُمْ , إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْت اللَّه لَكُمْ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَكُون لَكُمْ طَهُورًا.
قَالُوا : فَدَعْهَا " وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَاخِذهُمْ بِشَكْوَاهُمْ , وَوَعَدَهُمْ بِأَنَّهَا طَهُور لَهُمْ.
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُصِيبَة إِذَا قَارَنَهَا الصَّبْر حَصَلَ التَّكْفِير وَرَفْع الدَّرَجَات عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيله , وَإِنْ لَمْ يَحْصُل الصَّبْر نُظِرَ إِنْ لَمْ يَحْصُل مِنْ الْجَزَع مَا يُذَمّ مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل فَالْفَضْل وَاسِع , وَلَكِنْ الْمَنْزِلَة مُنْحَطَّة عَنْ مَنْزِلَة الصَّابِر السَّابِقَة , وَإِنْ حَصَلَ فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِنَقْصِ الْأَجْر الْمَوْعُود بِهِ أَوْ التَّكْفِير , فَقَدْ يَسْتَوِيَانِ , وَقَدْ يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يُقْضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر.
وَيُشِير إِلَى التَّفْصِيل الْمَذْكُور حَدِيث مَحْمُود بْن لَبِيد الَّذِي ذَكَرْته قَرِيبًا , وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.»
عن عبد الله رضي الله عنه، «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا، وقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا، قلت: إن ذاك بأن لك أجرين؟ قال: أجل،...
عن عبد الله قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت:...
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني.»
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: نهانا عن خاتم الذهب، ولبس الحرير، والديباج، والإستبرق،...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الل...
عن عطاء بن أبي رباح قال: «قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أصرع...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله قال: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه» تابعه...
عن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما قالت: فدخلت عليهما قلت: يا أبت، كيف تجدك؟ ويا بلال...