5731- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " لَا يَدْخُل الْمَدِينَة الْمَسِيح وَلَا الطَّاعُون " كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْحَجّ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُوَيْس عَنْ مَالِك أَتَمَّ مِنْ هَذَا بِلَفْظِ " عَلَى أَنْقَاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة لَا يَدْخُلهَا الطَّاعُون وَلَا الدَّجَّال " وَقَدَّمْت هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّق بِالدَّجَّالِ , وَأَخْرَجَهُ فِي الْفِتَن عَنْ الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِك كَذَلِكَ , وَمِنْ حَدِيث أَنَس رَفَعَهُ " الْمَدِينَة يَأْتِيهَا الدَّجَّال فَيَجِد الْمَلَائِكَة فَلَا يَدْخُلهَا الدَّجَّال وَلَا الطَّاعُون إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى " وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ عَدَم دُخُول الطَّاعُون الْمَدِينَة مَعَ كَوْن الطَّاعُون شَهَادَة وَكَيْف قُرِنَ بِالدَّجَّالِ وَمُدِحَتْ الْمَدِينَة بِعَدَمِ دُخُولهمَا , وَالْجَوَاب أَنَّ كَوْن الطَّاعُون شَهَادَة لَيْسَ الْمُرَاد بِوَصْفِهِ بِذَلِكَ ذَاته وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّ ذَلِكَ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ وَيَنْشَأ عَنْهُ لِكَوْنِهِ سَبَبه فَإِذَا اُسْتُحْضِرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ طَعْن الْجِنّ حَسُنَ مَدْح الْمَدِينَة بِعَدَمِ دُخُوله إِيَّاهَا , فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ كُفَّار الْجِنّ وَشَيَاطِينهمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُول الْمَدِينَة وَمَنْ اِتَّفَقَ دُخُوله إِلَيْهَا لَا يَتَمَكَّن مِنْ طَعْن أَحَد مِنْهُمْ , فَإِنْ قِيلَ : طَعْن الْجِنّ لَا يَخْتَصّ بِكُفَّارِهِمْ بَلْ قَدْ يَقَع مِنْ مُؤْمِنِيهِمْ , قُلْنَا : دُخُول كُفَّار الْإنْس الْمَدِينَة مَمْنُوع فَإِذَا لَمْ يَسْكُن الْمَدِينَة إِلَّا مَنْ يُظْهِر الْإِسْلَام جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَالِص الْإِسْلَام , فَحَصَلَ الْأَمْن مِنْ وُصُول الْجِنّ إِلَى طَعْنهمْ بِذَلِكَ , فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلهَا الطَّاعُون أَصْلًا.
وَقَدْ أَجَابَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : الْمَعْنَى لَا يَدْخُلهَا مِنْ الطَّاعُون مِثْل الَّذِي وَقَعَ فِي غَيْرهَا كَطَاعُونِ عَمَوَاس وَالْجَارِف , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَقْتَضِي تَسْلِيم أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي الْجُمْلَة , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ جَزَمَ اِبْن قُتَيْبَة فِي " الْمَعَارِف " وَتَبِعَهُ جَمْع جَمّ مِنْ آخِرهمْ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين النَّوَوِيّ فِي " الْأَذْكَار " بِأَنَّ الطَّاعُون لَمْ يَدْخُل الْمَدِينَة أَصْلًا وَلَا مَكَّة أَيْضًا , لَكِنْ نَقَلَ جَمَاعَة أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّة فِي الطَّاعُون الْعَامّ الَّذِي كَانَ فِي سَنَة تِسْع وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعمِائَةٍ , بِخِلَافِ الْمَدِينَة فَلَمْ يَذْكُر أَحَد قَطُّ أَنَّهُ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُون أَصْلًا , وَلَعَلَّ الْقُرْطُبِيّ بَنَى عَلَى أَنَّ الطَّاعُون أَعَمّ مِنْ الْوَبَاء , أَوْ أَنَّهُ هُوَ وَأَنَّهُ الَّذِي يَنْشَأ عَنْ فَسَاد الْهَوَاء فَيَقَع بِهِ الْمَوْت الْكَثِير , وَقَدْ مَضَى فِي الْجَنَائِز مِنْ صَحِيح الْبُخَارِيّ قَوْل أَبِي الْأَسْوَد " قَدِمْت الْمَدِينَة وَهُمْ يَمُوتُونَ بِهَا مَوْتًا ذَرِيعًا " فَهَذَا وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ وَبَاء بِلَا شَكٍّ , وَلَكِنْ الشَّأْن فِي تَسْمِيَته طَاعُونًا , وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد بِالطَّاعُونِ فِي هَذَا الْحَدِيث الْمَنْفِيّ دُخُوله الْمَدِينَة الَّذِي يَنْشَأ عَنْ طَعْن الْجِنّ فَيَهِيج بِذَلِكَ الطَّعْن الدَّم فِي الْبَدَن فَيَقْتُل فَهَذَا لَمْ يَدْخُل الْمَدِينَة قَطُّ فَلَمْ يَتَّضِح جَوَاب الْقُرْطُبِيّ , وَأَجَابَ غَيْره بِأَنَّ سَبَب التَّرْجَمَة لَمْ يَنْحَصِر فِي الطَّاعُون , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَكِنَّ عَافِيَتك أَوْسَع لِي " فَكَانَ مَنْع دُخُول الطَّاعُون الْمَدِينَة مِنْ خَصَائِص الْمَدِينَة وَلَوَازِم دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِالصِّحَّةِ.
وَقَالَ آخَر : هَذَا مِنْ الْمُعْجِزَات الْمُحَمَّدِيَّة , لِأَنَّ الْأَطِبَّاء مِنْ أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهمْ عَجَزُوا أَنْ يَدْفَعُوا الطَّاعُون عَنْ بَلَد بَلْ عَنْ قَرْيَة , وَقَدْ اِمْتَنَعَ الطَّاعُون عَنْ الْمَدِينَة هَذِهِ الدُّهُور الطَّوِيلَة.
قُلْت : وَهُوَ كَلَام صَحِيح , وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ جَوَابًا عَنْ الْإِشْكَال.
وَمِنْ الْأَجْوِبَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوَّضَهُمْ عَنْ الطَّاعُون بِالْحُمَّى لِأَنَّ الطَّاعُون يَأْتِي مَرَّة بَعْد مَرَّة وَالْحُمَّى تَتَكَرَّر فِي كُلّ حِين فَيَتَعَادَلَانِ فِي الْأَجْر وَيَتِمّ الْمُرَاد مِنْ عَدَم دُخُول الطَّاعُون لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَسْبَاب , وَيَظْهَر لِي جَوَاب آخَر بَعْد اِسْتِحْضَار الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ رِوَايَة أَبِي عَسِيب بِمُهْمَلَتَيْنِ آخِره مُوَحَّدَة وَزْن عَظِيم رَفَعَهُ " أَتَانِي جِبْرِيل بِالْحُمَّى وَالطَّاعُون , فَأَمْسَكْت الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ وَأَرْسَلْت الطَّاعُون إِلَى الشَّام " وَهُوَ أَنَّ الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَة كَانَ فِي قِلَّة مِنْ أَصْحَابه عَدَدًا وَمَدَدًا وَكَانَتْ الْمَدِينَة وَبِئَة كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة ثُمَّ خُيِّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ يَحْصُل بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَجْر الْجَزِيل فَاخْتَارَ الْحُمَّى حِينَئِذٍ لِقِلَّةِ الْمَوْت بِهَا غَالِبًا , بِخِلَافِ الطَّاعُون , ثُمَّ لَمَّا اِحْتَاجَ إِلَى جِهَاد الْكُفَّار وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَال كَانَتْ قَضِيَّة اِسْتِمْرَار الْحُمَّى أَنْ تُضْعِف أَجْسَاد الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّقْوِيَة لِأَجْلِ الْجِهَاد , فَدَعَا بِنَقْلِ الْحُمَّى مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الْجُحْفَة فَعَادَتْ الْمَدِينَة أَصَحّ بِلَاد اللَّه بَعْد أَنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثُمَّ كَانُوا مِنْ حِينَئِذٍ مَنْ فَاتَتْهُ الشَّهَادَة بِالطَّاعُونِ رُبَّمَا حَصَلَتْ لَهُ بِالْقَتْلِ فِي سَبِيل اللَّه , وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَصَلَتْ لَهُ الْحُمَّى الَّتِي هِيَ حَظُّ الْمُؤْمِن مِنْ النَّار , ثُمَّ اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ تَمْيِيزًا لَهَا عَنْ غَيْرهَا لِتَحَقُّقِ إِجَابَة دَعَوْته وَظُهُور هَذِهِ الْمُعْجِزَة الْعَظِيمَة بِتَصْدِيقِ خَبَره هَذِهِ الْمُدَّة الْمُتَطَاوِلَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
( تَنْبِيه ) : سَيَأْتِي فِي ذِكْر الدَّجَّال فِي أَوَاخِر كِتَاب الْفِتَن حَدِيث أَنَس وَفِيهِ " فَيَجِد الْمَلَائِكَة يَحْرُسُونَهَا فَلَا يَقْرَبهَا الدَّجَّال وَلَا الطَّاعُون إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى " وَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَقِيلَ : هُوَ لِلتَّبَرُّكِ فَيَشْمَلهُمَا , وَقِيلَ : هُوَ لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّهُ يَخْتَصّ بِالطَّاعُونِ وَأَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَاز دُخُول الطَّاعُون الْمَدِينَة , وَوَقَعَ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " الْمَدِينَة وَمَكَّة مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلّ نَقْب مِنْهُمَا مَلَك لَا يَدْخُلهُمَا الدَّجَّال وَلَا الطَّاعُون " أَخْرَجَهُ عُمَر بْن شَبَّة فِي " كِتَاب مَكَّة " عَنْ شُرَيْح عَنْ فُلَيْح عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح , وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي نَقَلَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي سَنَة تِسْع وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعمِائَةٍ مِنْهُ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ , أَوْ يُجَاب إِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِجَوَابِ الْقُرْطُبِيّ الْمُتَقَدِّم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ المَسِيحُ وَلَا الطَّاعُونُ
عن حفصة بنت سيرين قالت: «قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: يحيى، بما مات؟ قلت: من الطاعون، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون شهادة لكل م...
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المبطون شهيد، والمطعون شهيد.»
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرتنا «أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ع...
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبر...
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك،...
عن ابن عباس «أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلا...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين.»
عن أم سلمة رضي الله عنها، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة»، وقال عقيل عن الزهري: أخبر...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق.<br> ونهى عن الوشم.»