حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

حديث عبد الله من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب اللباس باب من جر ثوبه من الخيلاء (حديث رقم: 5791 )


5791- حدثنا ‌شعبة قال: لقيت ‌محارب بن دثار على فرس وهو يأتي مكانه الذي يقضي فيه فسألته عن هذا الحديث فحدثني، فقال: سمعت ‌عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة،» فقلت لمحارب أذكر إزاره قال: ما خص إزارا ولا قميصا تابعه جبلة بن سحيم وزيد بن أسلم وزيد بن عبد الله عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الليث عن نافع عن ابن عمر مثله.
وتابعه موسى بن عقبة وعمر بن محمد وقدامة بن موسى عن سالم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه.

أخرجه البخاري


(يقضي فيه) يجلس فيه للقضاء بين الناس.
(مخيلة) كبرا وعجبا

شرح حديث (حديث عبد الله من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( مُحَارِب ) ‏ ‏بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَة وَزْن مُقَاتِل , وَدِثَار بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف الْمُثَلَّثَة.
‏ ‏قَوْله : ( مَكَانه الَّذِي يَقْضِي فِيهِ ) ‏ ‏كَانَ مُحَارِب قَدْ وَلِيَ قَضَاء الْكُوفَة , قَالَ عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس الْأَوْدِيّ عَنْ أَبِيهِ " رَأَيْت الْحَكَم وَحَمَّادًا فِي مَجْلِس قَضَائِهِ " وَقَالَ سِمَاك بْن حَرْب " كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا كَانَ فِي الرَّجُل سِتّ خِصَال سَوَّدُوهُ : الْحِلْم وَالْعَقْل وَالسَّخَاء وَالشَّجَاعَة وَالْبَيَان وَالتَّوَاضُع , وَلَا يَكْمُلْنَ فِي الْإِسْلَام إِلَّا بِالْعَفَافِ , وَقَدْ اِجْتَمَعْنَ فِي هَذَا الرَّجُل " يَعْنِي مُحَارِب بْن دِثَار , وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : لَعَلَّ رُكُوبه الْفَرَس كَانَ لِيَغِيظَ بِهِ الْكُفَّار وَيُرْهِب بِهِ الْعَدُوّ.
وَتَعَقَّبَهُ اِبْن التِّين بِأَنَّ رُكُوب الْخَيْل جَائِز فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِذَارِ عَنْهُ.
قُلْت : لَكِنَّ الْمَشْي أَقْرَب إِلَى التَّوَاضُع , وَيُحْتَمَل أَنْ مَنْزِله كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَنْزِل حُكْمه.
‏ ‏قَوْله : ( فَقُلْت لِمُحَارِبٍ : أَذْكُر إِزَاره ؟ قَالَ : مَا خَصَّ إِزَارًا وَلَا قَمِيصًا ) ‏ ‏كَانَ سَبَب سُؤَال شُعْبَة عَنْ الْإِزَار أَنَّ أَكْثَر الطُّرُق جَاءَتْ بِلَفْظِ الْإِزَار , وَجَوَاب مُحَارَب حَاصِله أَنَّ التَّعْبِير بِالثَّوْبِ يَشْمَل الْإِزَار وَغَيْره , وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيح بِمَا اِقْتَضَاهُ ذَلِكَ , فَأَخْرَجَ أَصْحَاب السُّنَن إِلَّا التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْإِسْبَال فِي الْإِزَار وَالْقَمِيص وَالْعِمَامَة مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاء " الْحَدِيث كَحَدِيثِ الْبَاب.
وَعَبْد الْعَزِيز فِيهِ مَقَال.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي سُمَيَّة عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : " مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِزَار فَهُوَ فِي الْقَمِيص " وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : إِنَّمَا وَرَدَ الْخَبَر بِلَفْظِ الْإِزَار لِأَنَّ أَكْثَر النَّاس فِي عَهْده كَانُوا يَلْبَسُونَ الْإِزَار وَالْأَرْدِيَة , فَلَمَّا لَبِسَ النَّاس الْقَمِيص وَالدَّرَارِيع كَانَ حُكْمهَا حُكْم الْإِزَار فِي النَّهْي.
قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا قِيَاس صَحِيح لَوْ لَمْ يَأْتِ النَّصّ بِالثَّوْبِ , فَإِنَّهُ يَشْمَل جَمِيع ذَلِكَ , وَفِي تَصْوِير جَرّ الْعِمَامَة نَظَر , إِلَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد مَا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب مِنْ إِرْخَاء الْعَذْبَات , فَمَهْمَا زَادَ عَلَى الْعَادَة فِي ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْإِسْبَال.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث جَعْفَر بْن عَمْرو بْن أُمَيَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ " كَأَنِّي أَنْظُر السَّاعَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر وَعَلَيْهِ عِمَامَة قَدْ أَرْخَى طَرَفهَا بَيْن كَتِفَيْهِ " وَهَلْ يَدْخُل فِي الزَّجْر عَنْ جَرّ الثَّوْب تَطْوِيل أَكْمَام الْقَمِيص وَنَحْوه ؟ مَحَلّ نَظَر , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ مَنْ أَطَالَهَا حَتَّى خَرَجَ عَنْ الْعَادَة كَمَا يَفْعَلهُ بَعْض الْحِجَازِيِّينَ دَخَلَ فِي ذَلِكَ.
قَالَ شَيْخنَا فِي " شَرْح التِّرْمِذِيّ " مَا مَسَّ الْأَرْض مِنْهَا خُيَلَاء لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمه.
قَالَ : وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَاد لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا , وَلَكِنْ حَدَثَ لِلنَّاسِ اِصْطِلَاح بِتَطْوِيلِهَا , وَصَارَ لِكُلِّ نَوْع مِنْ النَّاس شِعَار يُعْرَفُونَ بِهِ , وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْخُيَلَاء فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمه , وَمَا كَانَ عَلَى طَرِيق الْعَادَة فَلَا تَحْرِيم فِيهِ مَا لَمْ يَصِل إِلَى جَرّ الذَّيْل الْمَمْنُوع.
وَنَقُلْ عِيَاض عَنْ الْعُلَمَاء كَرَاهَة كُلّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَة وَعَلَى الْمُعْتَاد فِي اللِّبَاس مِنْ الطُّول وَالسَّعَة.
قُلْت : وَسَأَذْكُرُ الْبَحْث فِيهِ قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله : ( تَابَعَهُ جِبِلَّة ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْجِيم وَالْمُوَحَّدَة ‏ ‏( اِبْن سُحَيْم ) ‏ ‏بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّر , وَقَدْ وَصَلَ رِوَايَته النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْهُ عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " مَنْ جَرَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابه مِنْ مَخِيلَة فَإِنَّ اللَّه لَا يَنْظُر إِلَيْهِ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار وَجِبِلَّة بْن سُحَيْم جَمِيعًا عَنْ اِبْن عُمَر وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه.
‏ ‏قَوْله : ( وَزَيْد بْن أَسْلَمَ ) ‏ ‏تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أَوَّل اللِّبَاس.
‏ ‏قَوْله : ( وَزَيْد بْن عَبْد اللَّه ) ‏ ‏أَيْ اِبْن عُمَر يَعْنِي تَابَعُوا مُحَارِب بْن دِثَار فِي رِوَايَته عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " الثَّوْب " لَا بِلَفْظِ الْإِزَار , جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيّ , وَلَمْ تَقَع لِي رِوَايَة زَيْد مَوْصُولَة بَعْد.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَة هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة اِبْن وَهْب عَنْ عُمَر بْن مُحَمَّد بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ " إِنَّ الَّذِي يَجُرّ ثِيَابه مِنْ الْخُيَلَاء لَا يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة " وَسَيَأْتِي لِمُسْلِمٍ مَقْرُونًا بِسَالِمٍ وَنَافِع , وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة اِبْن وَهْب عَنْ عُمَر بْن مُحَمَّد بْن زَيْد عَنْ جَدّه حَدِيثًا آخَر.
فَلَعَلَّ مُرَاده بِقَوْلِهِ هُنَا عَنْ أَبِيهِ جَدّه وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( وَقَالَ اللَّيْث عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر مِثْله ) ‏ ‏وَصَلَهُ مُسْلِم عَنْ قُتَيْبَة عَنْهُ , وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه بَلْ قَالَ مِثْل حَدِيث مَالِك , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَة فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الثَّوْب , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع.
‏ ‏قَوْله : ( وَتَابَعَهُ مُوسَى بْن عُقْبَة وَعُمَر بْن مُحَمَّد وَقُدَامَة بْن مُوسَى عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ جَرَّ ثَوْبه خُيَلَاء ) ‏ ‏أَمَّا رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَة فَتَقَدَّمَتْ فِي أَوَّل الْبَاب الثَّانِي مِنْ كِتَاب اللِّبَاس , وَأَمَّا رِوَايَة عُمَر بْن مُحَمَّد وَهُوَ اِبْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر فَوَصَلَهَا مُسْلِم مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْب " أَخْبَرَنِي عُمَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ وَسَالِم وَنَافِع عَنْ اِبْن عُمَر " بِلَفْظِ " الَّذِي يَجُرّ ثِيَابه مِنْ الْمَخِيلَة " الْحَدِيث.
وَأَمَّا رِوَايَة قُدَامَةَ بْن مُوسَى وَهُوَ اِبْن عُمَر بْن قُدَامَةَ بْن مَظْعُون الْجُمَحِيُّ وَهُوَ مَدَنِيّ تَابِعِيّ صَغِير وَكَانَ إِمَام الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِع فَوَصَلَهَا أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه , وَوَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي " الثَّقَفِيَّات " بِلَفْظِ حَدِيث مَالِك الْمَذْكُور أَوَّل كِتَاب اللِّبَاس.
قُلْت : وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان عَنْ سَالِم , وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " مَنْ جَرَّ إِزَاره " مِنْهُمْ مُسْلِم بْن يَنَاق بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّة وَتَشْدِيد النُّون وَآخِره قَاف وَمُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر كِلَاهُمَا عِنْد مُسْلِم وَعَطِيَّة الْعُوفِيّ عِنْد اِبْن مَاجَهْ , وَرَوَاهُ آخَرُونَ بِلَفْظِ " الْإِزَار " وَالرِّوَايَة بِلَفْظِ " الثَّوْب " أَشْمَل وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ إِسْبَال الْإِزَار لِلْخُيَلَاءِ كَبِيرَة , وَأَمَّا الْإِسْبَال لِغَيْرِ الْخُيَلَاء فَظَاهِر الْأَحَادِيث تَحْرِيمه أَيْضًا , لَكِنْ اُسْتُدِلَّ بِالتَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بِالْخُيَلَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاق فِي الزَّجْر الْوَارِد فِي ذَمّ الْإِسْبَال مَحْمُول عَلَى الْمُقَيَّد هُنَا , فَلَا يَحْرُم الْجَرّ وَالْإِسْبَال إِذَا سَلِمَ مِنْ الْخُيَلَاء.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مَفْهُومه أَنَّ الْجَرّ لِغَيْرِ الْخُيَلَاء لَا يَلْحَقهُ الْوَعِيد , إِلَّا أَنَّ جَرّ الْقَمِيص وَغَيْره مِنْ الثِّيَاب مَذْمُوم عَلَى كُلّ حَال.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : الْإِسْبَال تَحْت الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ , فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوه , وَهَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيّ عَلَى الْفَرْق بَيْن الْجَرّ لِلْخُيَلَاءِ وَلِغَيْرِ الْخُيَلَاء , قَالَ : وَالْمُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون الْإِزَار إِلَى نِصْف السَّاق , وَالْجَائِز بِلَا كَرَاهَة مَا تَحْته إِلَى الْكَعْبَيْنِ , وَمَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ مَمْنُوع مَنْع تَحْرِيم إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ وَإِلَّا فَمَنْع تَنْزِيه , لِأَنَّ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الزَّجْر عَنْ الْإِسْبَال مُطْلَقَة فَيَجِب تَقْيِيدهَا بِالْإِسْبَالِ لِلْخُيَلَاءِ اِنْتَهَى.
وَالنَّصّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ذَكَرَهُ الْبُوَيْطِيّ فِي مُخْتَصَره عَنْ الشَّافِعِيّ قَالَ : لَا يَجُوز السَّدْل فِي الصَّلَاة وَلَا فِي غَيْرهَا لِلْخُيَلَاءِ , وَلِغَيْرِهَا خَفِيف لِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْر ا ه , وَقَوْله : " خَفِيف " لَيْسَ صَرِيحًا فِي نَفْي التَّحْرِيم بَلْ هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَرِّ خُيَلَاء , فَأَمَّا لِغَيْرِ الْخُيَلَاء فَيَخْتَلِف الْحَال , فَإِنْ كَانَ الثَّوْب عَلَى قَدْر لَابِسه لَكِنَّهُ يَسْدُلهُ فَهَذَا لَا يَظْهَر فِيهِ تَحْرِيم , وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَنْ غَيْر قَصْد كَاَلَّذِي وَقَعَ لِأَبِي بَكْر , وَإِنْ كَانَ الثَّوْب زَائِدًا عَلَى قَدْر لَابِسه فَهَذَا قَدْ يُتَّجَه الْمَنْع فِيهِ مِنْ جِهَة الْإِسْرَاف فَيَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيم , وَقَدْ يُتَّجَه الْمَنْع فِيهِ مِنْ جِهَة التَّشَبُّه بِالنِّسَاءِ وَهُوَ أَمْكَن فِيهِ مِنْ الْأَوَّل , وَقَدْ صَحَّحَ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الرَّجُل يَلْبَس لِبْسَة الْمَرْأَة " وَقَدْ يُتَّجَه الْمَنْع فِيهِ مِنْ جِهَة أَنَّ لَابِسه لَا يَأْمَن مِنْ تَعَلُّق النَّجَاسَة بِهِ , وَإِلَى ذَلِكَ يُشِير الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي " الشَّمَائِل " وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَشْعَث بْن أَبِي الشَّعْثَاء - وَاسْم أَبِيهِ سُلَيْم - الْمُحَارِبِيّ عَنْ عَمَّته وَاسْمهَا رُهْم بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُون الْهَاء وَهِيَ بِنْت الْأَسْوَد بْن حَنْظَلَة عَنْ عَمّهَا وَاسْمه عُبَيْد بْن خَالِد قَالَ : " كُنْت أَمْشِي وَعَلَيَّ بُرْد أَجُرّهُ , فَقَالَ لِي رَجُل : اِرْفَعْ ثَوْبك فَإِنَّهُ أَنْقَى وَأَبْقَى , فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : إِنَّمَا هِيَ بُرْدَة مَلْحَاء , فَقَالَ : أَمَا لَك فِيَّ أُسْوَة ؟ قَالَ : فَنَظَرْت فَإِذَا إِزَاره إِلَى أَنْصَاف سَاقَيْهِ " وَسَنَده قَبْلهَا جَيِّد , وَقَوْله : " مَلْحَاء " بِفَتْحِ الْمِيم وَبِمُهْمَلَةٍ قَبْلهَا سُكُون مَمْدُودَة أَيْ فِيهَا خُطُوط سُود وَبِيض , وَفِي قِصَّة قَتْل عُمَر أَنَّهُ قَالَ لِلشَّابِّ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ " اِرْفَعْ ثَوْبك فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِك وَأَتْقَى لِرَبِّك " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِب , وَيُتَّجَه الْمَنْع أَيْضًا فِي الْإِسْبَال مِنْ جِهَة أُخْرَى وَهِيَ كَوْنه مَظِنَّة الْخُيَلَاء , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لَا يَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِز بِثَوْبِهِ كَعْبه , وَيَقُول لَا أَجُرّهُ خُيَلَاء , لِأَنَّ النَّهْي قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا , وَلَا يَجُوز لِمَنْ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظ حُكْمًا أَنْ يَقُول لَا أَمْتَثِلهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّة لَيْسَتْ فِيَّ , فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْر مُسَلَّمَة , بَلْ إِطَالَته ذَيْله دَالَّة عَلَى تَكَبُّره ا ه مُلَخَّصًا.
وَحَاصِله أَنَّ الْإِسْبَال يَسْتَلْزِم جَرّ الثَّوْب وَجَرّ الثَّوْب يَسْتَلْزِم الْخُيَلَاء وَلَوْ لَمْ يَقْصِد اللَّابِس الْخُيَلَاء , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد بْن مَنِيع مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عُمَر فِي أَثْنَاء حَدِيث رَفَعَهُ " وَإِيَّاكَ وَجَرّ الْإِزَار فَإِنَّ جَرّ الْإِزَار مِنْ الْمَخِيلَة " وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ " بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَحِقَنَا عَمْرو بْن زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيّ فِي حُلَّة إِزَار وَرِدَاء قَدْ أَسْبَلَ , فَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذ بِنَاحِيَةِ ثَوْبه وَيَتَوَاضَع لِلَّهِ وَيَقُول : عَبْدك وَابْن عَبْدك وَأَمَتك , حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرو فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي حَمْش السَّاقَيْنِ , فَقَالَ : يَا عَمْرو إِنَّ اللَّه قَدْ أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ , يَا عَمْرو إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُسْبِل " الْحَدِيث.
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيث عَمْرو نَفْسه لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَته " عَنْ عَمْرو بْن فُلَان " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ : " عَنْ عَمْرو بْن زُرَارَةَ " وَفِيهِ " وَضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ أَصَابِع تَحْت رُكْبَة عَمْرو فَقَالَ : يَا عَمْرو هَذَا مَوْضِع الْإِزَار , ثُمَّ ضَرَبَ بِأَرْبَعِ أَصَابِع تَحْت الْأَرْبَع فَقَالَ : يَا عَمْرو هَذَا مَوْضِع الْإِزَار " الْحَدِيث وَرِجَاله ثِقَات وَظَاهِره أَنَّ عَمْرًا الْمَذْكُور لَمْ يَقْصِد بِإِسْبَالِهِ الْخُيَلَاء , وَقَدْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّة , وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث الشَّرِيد الثَّقَفِيّ قَالَ : " أَبْصَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ أَسْبَلَ إِزَاره فَقَالَ : اِرْفَعْ إِزَارك , فَقَالَ : إِنِّي أَحْنَف تَصْطَكّ رُكْبَتَايَ , قَالَ : اِرْفَعْ إِزَارك , فَكُلّ خَلْق اللَّه حَسَن " وَأَخْرَجَهُ مُسَدِّد وَأَبُو بِكْر بْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طُرُق عَنْ رَجُل مِنْ ثَقِيف لَمْ يُسَمَّ , وَفِي آخِره " ذَاكَ أَقْبَح مِمَّا بِسَاقِك " وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود بِسَنَدٍ جَيِّد " أَنَّهُ كَانَ يُسْبِل إِزَاره , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إِنِّي حَمْش السَّاقَيْنِ " فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ أَسْبَلَهُ زِيَادَة عَلَى الْمُسْتَحَبّ , وَهُوَ أَنْ يَكُون إِلَى نِصْف السَّاق , وَلَا يُظَنّ بِهِ أَنَّهُ جَاوَزَ بِهِ الْكَعْبَيْنِ وَالتَّعْلِيل يُرْشِد إِلَيْهِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ تَبْلُغهُ قِصَّة عَمْرو بْن زُرَارَةَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ حَدِيث الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة " رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِرِدَاءِ سُفْيَان بْن سُهَيْل وَهُوَ يَقُول : يَا سُفْيَان لَا تُسْبِل , فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُسْبِلِينَ ".


حديث من جر ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقلت لمحارب أذكر إزاره قال

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏شَبَابَةُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏قَالَ لَقِيتُ ‏ ‏مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ ‏ ‏عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَأْتِي مَكَانَهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ‏ ‏فَحَدَّثَنِي فَقَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ ‏ ‏مَخِيلَةً ‏ ‏لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقُلْتُ ‏ ‏لِمُحَارِبٍ ‏ ‏أَذَكَرَ إِزَارَهُ قَالَ مَا خَصَّ إِزَارًا وَلَا قَمِيصًا ‏ ‏تَابَعَهُ ‏ ‏جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ ‏ ‏وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ‏ ‏وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏مِثْلَهُ ‏ ‏وَتَابَعَهُ ‏ ‏مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ‏ ‏وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏ ‏وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَالِمٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه...

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالسة، وعنده أبو بكر، فقالت: يا ر...

دعا النبي ﷺ بردائه ثم انطلق يمشي

عن علي رضي الله عنه قال: «فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا له...

لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا...

عن ‌ابن عمر رضي الله عنهما، «أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل، و...

أمر به النبي ﷺ فأخرج ووضع على ركبتيه ونفث عليه من...

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل قبره، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ري...

يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغ...

عن ‌عبد الله قال: «لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له...

مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حدي...

عن ‌أبي هريرة قال: «ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل ا...

ذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين فأخرج يديه من تح...

عن المغيرة بن شعبة قال: «انطلق النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بماء، فتوضأ وعليه جبة شأمية، فمضمض واستنشق وغسل وجهه، فذهب يخرج يديه م...

كان عليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها...

عن ‌عروة بن المغيرة، عن ‌أبيه رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر، فقال: أمعك ماء؟ قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى تو...

قسم رسول الله ﷺ أقبية ولم يعط مخرمة شيئا

عن ‌المسور بن مخرمة قال: «قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فا...