6579- قال عبد الله بن عمرو: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا.»
أخرجه مسلم في الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته رقم 2292
(مسيرة) أي طول حافته تحتاج إلى السير هذه المدة.
(كيزانه) جمع كوز والتشبيه بالنجوم من حيث الكثرة والضياء.
(يظمأ) يعطش
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( نَافِع ) هُوَ اِبْن عُمَر الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ.
قَوْله ( قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ) فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ نَافِع بْن عُمَر بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَقَدْ خَالَفَ نَافِع بْن عُمَر فِي صَحَابِيّه عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْمٍ فَقَالَ : عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَائِشَة أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ , وَنَافِع بْن عُمَر أَحْفَظ مِنْ اِبْن خُثَيْمٍ.
قَوْله ( حَوْضِي مَسِيرَة شَهْر ) زَادَ مُسْلِم وَالْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن حِبَّان فِي رِوَايَتهمْ مِنْ هَذَا الْوَجْه " وَزَوَايَاهُ سَوَاء " وَهَذِهِ الزِّيَادَة تَدْفَع تَأْوِيل مَنْ جَمَعَ بَيْن مُخْتَلِف الْأَحَادِيث فِي تَقْدِير مَسَافَة الْحَوْض عَلَى اِخْتِلَاف الْعَرْض وَالطُّول , وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا فَوَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس الَّذِي بَعْده " كَمَا بَيْن أَيْلَةَ وَصَنْعَاء مِنْ الْيَمَن " وَأَيْلَة مَدِينَة كَانَتْ عَامِرَة وَهِيَ بِطَرَفِ بَحْر الْقُلْزُم مِنْ طَرَف الشَّام وَهِيَ الْآنَ خَرَاب يَمُرّ بِهَا الْحَاجّ مِنْ مِصْر فَتَكُون شَمَالِيَّهُمْ وَيَمُرّ بِهَا الْحَاجّ مِنْ غَزَّة وَغَيْرهَا فَتَكُون أَمَامهمْ , وَيَجْلِبُونَ إِلَيْهَا الْمِيرَة مِنْ الْكُرْك وَالشَّوْبَك وَغَيْرهمَا يَتَلَقَّوْنَ بِهَا الْحَاجّ ذَهَابًا وَإِيَابًا , وَإِلَيْهَا تُنْسَب الْعَقَبَة الْمَشْهُورَة عِنْد الْمِصْرِيِّينَ , وَبَيْنهَا وَبَيْن الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة نَحْو الشَّهْر بِسَيْرِ الْأَثْقَال إِنْ اِقْتَصَرُوا كُلَّ يَوْمٍ عَلَى مَرْحَلَة وَإِلَّا فَدُون ذَلِكَ , وَهِيَ مِنْ مِصْر عَلَى أَكْثَر مِنْ النِّصْف مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهَا عَلَى النِّصْف مِمَّا بَيْن مِصْر وَمَكَّة بَلْ هِيَ دُون الثُّلُث فَإِنَّهَا أَقْرَب إِلَى مِصْر.
وَنَقَلَ عِيَاض عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ أَيْلَةَ شِعْب مِنْ جَبَل رَضْوَى الَّذِي فِي يَنْبُع , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اِسْمٌ وَافَقَ اِسْمًا , وَالْمُرَاد بِأَيْلَةَ فِي الْخَبَر هِيَ الْمَدِينَة الْمَوْصُوفَة آنِفًا , وَقَدْ ثَبَتَ ذِكْرُهَا فِي صَحِيح مُسْلِم فِي قِصَّة غَزْوَة تَبُوك وَفِيهِ " أَنَّ صَاحِب أَيْلَةَ جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَهُ " وَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْر أَيْضًا فِي كِتَاب الْجُمُعَة.
وَأَمَّا صَنْعَاء فَإِنَّمَا قُيِّدَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بِالْيَمَنِ اِحْتِرَازًا مِنْ صَنْعَاء الَّتِي بِالشَّامِ , وَالْأَصْل فِيهَا صَنْعَاءُ الْيَمَن لَمَّا هَاجَرَ أَهْل الْيَمَن فِي زَمَن عُمَر عِنْد فَتُوحَ الشَّام نَزَلَ أَهْل صَنْعَاء فِي مَكَان مِنْ دِمَشْق فَسُمِّيَ بِاسْمِ بَلَدهمْ , فَعَلَى هَذَا فَمِنْ فِي قَوْله فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مِنْ الْيَمَن " إِنْ كَانَتْ اِبْتِدَائِيَّةً فَيَكُون هَذَا اللَّفْظ مَرْفُوعًا وَإِنْ كَانَتْ بَيَانِيَّة فَيَكُون مُدْرَجًا مِنْ قَوْل بَعْض الرُّوَاة وَالظَّاهِر أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة أَيْضًا " كَمَا بَيْن صَنْعَاء وَأَيْلَة " وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة مِثْله لَكِنْ قَالَ " عَدَن " بَدَلَ صَنْعَاء , وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَبْعَد مِنْ أَيْلَةَ إِلَى عَدَن " وَعَدَن بِفَتْحَتَيْنِ بَلَد مَشْهُور عَلَى سَاحِل الْبَحْر فِي أَوَاخِر سَوَاحِل الْيَمَن وَأَوَائِل سَوَاحِل الْهِنْد وَهِيَ تُسَامِت صَنْعَاء وَصَنْعَاء فِي جِهَة الْجِبَال , وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ " مَا بَيْن عُمَان إِلَى أَيْلَةَ " وَعُمَان بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف النُّون بَلَد عَلَى سَاحِل الْبَحْر مِنْ جِهَة الْبَحْرَيْنِ , وَفِي حَدِيث أَبِي بُرْدَة عِنْد اِبْن حِبَّان " مَا بَيْن نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْن أَيْلَةَ وَصَنْعَاء مَسِيرَة شَهْر " وَهَذِهِ الرِّوَايَات مُتَقَارِبَة لِأَنَّهَا كُلّهَا نَحْو شَهْر أَوْ تَزِيد أَوْ تَنْقُص.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَات أُخْرَى التَّحْدِيد بِمَا هُوَ دُون ذَلِكَ : فَوَقَعَ فِي حَدِيث عُقْبَة اِبْن عَامِر عِنْد أَحْمَد " كَمَا بَيْن أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَة " وَفِي حَدِيث جَابِر " كَمَا بَيْن صَنْعَاء إِلَى الْمَدِينَة " وَفِي حَدِيث ثَوْبَانَ " مَا بَيْن عَدَن وَعَمَّان الْبَلْقَاء " وَنَحْوه لِابْنِ حِبَّان عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
وَعَمَّان هَذِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْمِيم لِلْأَكْثَرِ وَحُكِيَ تَخْفِيفهَا , وَتُنْسَب إِلَى الْبَلْقَاء لِقُرْبِهَا مِنْهَا.
وَالْبَلْقَاء بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون اللَّام بَعْدهَا قَاف وَبِالْمَدِّ بَلْدَة مَعْرُوفَة مِنْ فِلَسْطِين , وَعِنْد عَبْد الرَّزَّاق فِي حَدِيث ثَوْبَانَ " مَا بَيْن بُصْرَى إِلَى صَنْعَاء أَوْ مَا بَيْن أَيْلَةَ إِلَى مَكَّة " وَبُصْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون الْمُهْمَلَة بَلَد مَعْرُوف بِطَرَفِ الشَّام مِنْ جِهَة الْحِجَاز تَقَدَّمَ ضَبْطهَا فِي بَدْء الْوَحْي , وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عِنْد أَحْمَد " بُعْد مَا بَيْن مَكَّة وَأَيْلَة " وَفِي لَفْظ " مَا بَيْن مَكَّة وَعَمَّان " وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ " مَا بَيْن صَنْعَاء إِلَى بُصْرَى " وَمِثْله لِابْنِ حِبَّان فِي حَدِيث عُتْبَةَ بْن عَبْد , وَفِي رِوَايَة الْحَسَن عَنْ أَنَس عِنْد أَحْمَد " كَمَا بَيْن مَكَّة إِلَى أَيْلَةَ أَوْ بَيْن صَنْعَاء وَمَكَّة " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة وَابْن مَاجَهْ " مَا بَيْن الْكَعْبَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس " وَفِي حَدِيث عُتْبَةَ بْن عَبْد عِنْد الطَّبَرَانِيِّ " كَمَا بَيْن الْبَيْضَاء إِلَى بُصْرَى " وَالْبَيْضَاء بِالْقُرْبِ مِنْ الرَّبَذَةِ الْبَلَد الْمَعْرُوف بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , وَهَذِهِ الْمَسَافَات مُتَقَارِبَة وَكُلّهَا تَرْجِع إِلَى نَحْو نِصْف شَهْر أَوْ تَزِيد عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ تَنْقُص , وَأَقَلّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن بِشْر عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بِسَنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ قَالَ : قَالَ عُبَيْد اللَّه فَسَأَلَتْهُ قَالَ قَرْيَتَانِ بِالشَّام بَيْنهمَا مَسِيرَة ثَلَاثَة أَيَّام , وَنَحْوه لَهُ فِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر لَكِنْ قَالَ " ثَلَاث لَيَالٍ " وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاء بَيْن هَذَا الِاخْتِلَاف فَقَالَ عِيَاض : هَذَا مِنْ اِخْتِلَاف التَّقْدِير لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَع فِي حَدِيث وَاحِد فَيُعَدّ اِضْطِرَابًا مِنْ الرُّوَاة وَإِنَّمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِب فِي كُلّ مِنْهُمَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارَ الْحَوْضَ وَسَعَتْهُ بِمَا يَسْنَح لَهُ مِنْ الْعِبَارَة وَبِقُرْبِ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِبُعْدِ بَيْن الْبِلَاد النَّائِيَة بَعْضهَا مِنْ بَعْض لَا عَلَى إِرَادَة الْمَسَافَة الْمُحَقَّقَة , قَالَ فَبِهَذَا يُجْمَع بَيْن الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلِفَة مِنْ جِهَة الْمَعْنَى اِنْتَهَى مُلَخَّصًا , وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَة أَنَّ ضَرْب الْمَثَل وَالتَّقْدِير إِنَّمَا يَكُون فِيمَا يَتَقَارَبُ , وَأَمَّا هَذَا الِاخْتِلَاف الْمُتَبَاعِد الَّذِي يَزِيد تَارَة عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَنْقُص إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : ظَنَّ بَعْض الْقَاصِرِينَ أَنَّ الِاخْتِلَاف فِي قَدْر الْحَوْض اِضْطِرَاب وَلَيْسَ كَذَلِكَ , ثُمَّ نَقَلَ كَلَام عِيَاض وَزَادَ : وَلَيْسَ اِخْتِلَافًا بَلْ كُلّهَا تُفِيد أَنَّهُ كَبِير مُتَّسِع مُتَبَاعِد الْجَوَانِب , ثُمَّ قَالَ : وَلَعَلَّ ذِكْره لِلْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَة بِحَسَبِ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَعْرِف تِلْكَ الْجِهَة فَيُخَاطِب كُلَّ قَوْمٍ بِالْجِهَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا , وَأَجَابَ النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْر الْمَسَافَة الْقَلِيلَة مَا يَدْفَع الْمَسَافَة الْكَثِيرَة فَالْأَكْثَر ثَابِت بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح فَلَا مُعَارَضَةَ.
وَحَاصِله أَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْمَسَافَةِ الْيَسِيرَة ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَة فَأَخْبِرْهُ بِهَا كَأَنَّ اللَّه تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِاتِّسَاعِهِ شَيْئًا بَعْد شَيْء فَيَكُون الِاعْتِمَاد عَلَى مَا يَدُلّ عَلَى أَطْوَلهَا مَسَافَة.
وَتَقَدَّمَ قَوْل مَنْ جَمَعَ الِاخْتِلَاف بِتَفَاوُتِ الطُّول وَالْعَرْض وَرَدَّهُ بِمَا فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " زَوَايَاهُ سَوَاء ".
وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان وَجَابِر وَأَبِي بَرْزَة وَأَبِي ذَرّ " طُوله وَعَرَضَهُ سَوَاء " وَجَمَعَ غَيْره بَيْن الِاخْتِلَافَيْنِ الْأَوَّلِينَ بِاخْتِلَافِ السَّيْر الْبَطِيء وَهُوَ سَيْر الْأَثْقَال وَالسَّيْر السَّرِيع وَهُوَ سَيْر الرَّاكِب الْمُخِفّ وَيُحْمَل رِوَايَة أَقَلّهَا وَهُوَ الثَّلَاث عَلَى سَيْر الْبَرِيد فَقَدْ عُهِدَ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ مَسَافَة الشَّهْر فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلَوْ كَانَ نَادِرًا جِدًّا , وَفِي هَذَا الْجَوَاب عَنْ الْمَسَافَة الْأَخِيرَة نَظَرٌ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ مُسَلَّم وَهُوَ أَوْلَى مَا يُجْمَع بِهِ , وَأَمَّا مَسَافَة الثَّلَاث فَإِنَّ الْحَافِظ ضِيَاء الدِّين الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ فِي الْجُزْء الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْحَوْض أَنَّ فِي سِيَاق لَفْظهَا غَلَطًا وَذَلِكَ الِاخْتِصَار وَقَعَ فِي سِيَاقه مِنْ بَعْض رُوَاته , ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَأَخْرَجَهُ مِنْ " فَوَائِد عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم الدَّيْرعَاقُولِيّ " بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا فِي ذِكْر الْحَوْض فَقَالَ فِيهِ " عَرْضه مِثْل مَا بَيْنكُمْ وَبَيْن جَرْبَاء وَأَذْرَح " قَالَ الضِّيَاء : فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر حَذْف تَقْدِيره كَمَا بَيْن مَقَامِي وَبَيْن جَرْبَاء وَأَذْرَح , فَسَقَطَ مَقَامِي وَبَيْن.
وَقَالَ الْحَافِظ صَلَاح الدِّين الْعَلَائِيُّ بَعْد أَنْ حَكَى قَوْل اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنهمَا مَسِيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ثُمَّ غَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ : لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ بَيْنهمَا غَلْوَة سَهْم وَهُمَا مَعْرُوفَتَانِ بَيْن الْقُدْس وَالْكَرْك , قَالَ : وَقَدْ ثَبَتَ الْقَدْر الْمَحْذُوف عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْره بِلَفْظِ " مَا بَيْن الْمَدِينَة وَجَرْبَاء وَأَذْرَح ".
قُلْت : وَهَذَا يُوَافِق رِوَايَة أَبِي سَعِيد عِنْد اِبْن مَاجَهْ " كَمَا بَيْن الْكَعْبَة وَبَيْت الْمَقْدِس " وَقَدْ وَقَعَ ذِكْر جَرْبَاء وَأَذْرَح فِي حَدِيث آخَر عِنْد مُسْلِم وَفِيهِ " وَافَى أَهْل جَرْبَاء وَأَذْرَح بِحَرَسِهِمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرَهُ فِي غَزْوَة تَبُوك , وَهُوَ يُؤَيِّد قَوْل الْعَلَائِيّ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ رَجَعَ جَمِيع الْمُخْتَلِف إِلَى أَنَّهُ لِاخْتِلَافِ السَّيْر الْبَطِيء وَالسَّيْر السَّرِيع , وَسَأَحْكِي كَلَام اِبْن التِّين فِي تَقْدِير الْمَسَافَة بَيْن جَرْبَاء وَأَذْرَح فِي شَرْح الْحَدِيث السَّادِسَ عَشَرَ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله ( مَاؤُهُ أَبْيَض مِنْ اللَّبَن ) قَالَ الْمَازِرِيُّ : مُقْتَضَى كَلَام النُّحَاة أَنْ يُقَال أَشَدُّ بَيَاضًا وَلَا يُقَال أَبْيَض مِنْ كَذَا , وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشِّعْر , وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ بِقِلَّةٍ وَيَشْهَد لَهُ هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره.
قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ , فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ عِنْد مُسْلِم بِلَفْظِ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن , وَكَذَا لِابْنِ مَسْعُود عِنْد أَحْمَد , وَكَذَا لِأَبِي أُمَامَةَ عِنْد اِبْن أَبِي عَاصِم.
قَوْله ( وَرِيحه أَطْيَب مِنْ الْمِسْك ) فِي حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد التِّرْمِذِيّ " أَطْيَب رِيحًا مِنْ الْمِسْك " وَمِثْله فِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ عِنْد اِبْن حِبَّان رَائِحَة وَزَادَ اِبْن أَبِي عَاصِم وَابْن أَبِي الدُّنْيَا فِي حَدِيث بُرَيْدَةَ " وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد " وَزَادَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ وَثَوْبَان " وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل " وَمِثْله لِأَحْمَد عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , وَلَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ " وَأَحْلَى مَذَاقًا مِنْ الْعَسَل " وَزَادَ أَحْمَد فِي حَدِيث اِبْن عَمْرو مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " وَأَبْرَد مِنْ الثَّلْج " وَكَذَا فِي حَدِيث أَبِي بَرْزَة , وَعِنْد الْبَزَّار مِنْ رِوَايَة عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْ أَنَس , وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَنَس وَعِنْد التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر " وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَرْدًا مِنْ الثَّلْجِ ".
قَوْله ( وَكِيزَانه كَنُجُومِ السَّمَاء ) فِي حَدِيث أَنَس الَّذِي بَعْده " وَفِيهِ مِنْ الْأَبَارِيق كَعِدَّةِ نُجُوم السَّمَاء " وَلِأَحْمَد مِنْ رِوَايَة الْحَسَن عَنْ أَنَس " أَكْثَر مِنْ عَدَد نُجُوم السَّمَاء " وَفِي حَدِيث الْمُسْتَوْرِد فِي أَوَاخِر الْبَاب " فِيهِ الْآنِيَّة مِثْل الْكَوَاكِب " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر " فِيهِ أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاء ".
قَوْله ( مَنْ شَرِبَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْكِيزَان , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " مَنْ شَرِبَ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْحَوْض ( فَلَا يَظْمَأ أَبَدًا ) فِي حَدِيث سَهْل بْن سَعْد الْآتِي قَرِيبًا " مَنْ مَرَّ عَلِيّ شِرْب وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأ أَبَدًا " وَفِي رِوَايَة مُوسَى اِبْن عُقْبَة " مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ لَمْ يَظْمَأ بَعْدهَا أَبَدًا " وَهَذَا يُفَسِّر الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَنْ مَرَّ بِهِ شَرِبَ " أَيْ مَنْ مَرَّ بِهِ فَمُكِّنَ مِنْ شُرْبه فَشَرِبَ لَا يَظْمَأ أَوْ مَنْ مُكِّنَ مِنْ الْمُرُور بِهِ شَرِبَ , وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ " وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا " وَزَادَ اِبْن أَبِي عَاصِم فِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب " مَنْ صُرِفَ عَنْهُ لَمْ يُرْوَ أَبَدًا " وَوَقَعَ فِي حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان عِنْد اِبْن أَبِي الدُّنْيَا " أَوَّل مَنْ يَرِد عَلَيْهِ مَنْ يَسْقِي كُلَّ عَطْشَان ".
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء.»
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر...
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.»
عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال ب...
عن ابن المسيب: أنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه، فأقول: يا...
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار وال...
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي.»
عن جندب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا فرطكم على الحوض.»
عن عقبة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم،...