6985- عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره.»
(من الله) الإضافة إلى الله تعالى تشريف.
(لا تضره) لا يصيبه أذى بسببها
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ , قَوْله ( حَدَّثَنِي اِبْن الْهَاد ) هُوَ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أُسَامَة بْن عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد اللَّيْثِيّ , وَسَيَأْتِي مَنْسُوبًا فِي " بَاب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَه ".
قَوْله ( فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّه ) فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة.
" فَإِنَّهَا مِنْ اللَّه , فَلْيَحْمَدْ اللَّه عَلَيْهَا وَلْيَتَحَدَّثْ بِهَا , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " فَلْيَتَحَدَّثْ " وَمِثْله فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله ( وَإِذَا رَأَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُكْرَه فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَان فَلْيَسْتَعِذْ ) زَادَ فِي نُسْخَة " بِاَللَّهِ ".
قَوْله ( وَلَا يَذْكُرهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرّهُ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ فِي بَاب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَه " فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ " , فَحَاصِل مَا ذُكِرَ مِنْ أَبْوَاب الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ثَلَاث أَشْيَاء : أَنْ يَحْمَد اللَّه عَلَيْهَا , وَأَنْ يَسْتَبْشِر بِهَا , وَأَنْ يَتَحَدَّث بِهَا لَكِنْ لِمَنْ يُحِبّ دُون مَنْ يَكْرَه وَحَاصِل مَا ذُكِرَ مِنْ أَدَب الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة أَرْبَعَة أَشْيَاء : أَنْ يَتَعَوَّذ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا , وَمِنْ شَرّ الشَّيْطَان , وَأَنْ يَتْفُل حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا , وَلَا يَذْكُرهَا لِأَحَدٍ أَصْلًا.
وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي " بَاب الْقَيْد فِي الْمَنَام " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة خَامِسَة وَهِيَ الصَّلَاة وَلَفْظه " فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصّهُ عَلَى أَحَد وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ " لَكِنْ لَمْ يُصَرِّح الْبُخَارِيّ بِوَصْلِهِ وَصَرَّحَ بِهِ مُسْلِم كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي بَابه , وَغَفَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ : زَادَ التِّرْمِذِيّ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ اِنْتَهَى , وَزَادَ مُسْلِم سَادِسَة وَهِيَ التَّحَوُّل عَنْ جَنْبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ " حَدَّثَنَا قُتَيْبَة حَدَّثَنَا لَيْث وَحَدَّثَنَا اِبْن رُمْح أَنْبَأَنَا اللَّيْث عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر رَفَعَه إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَههَا فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ " وَقَالَ قَبْل ذَلِكَ " حَدَّثَنَا قُتَيْبَة وَمُحَمَّد بْن رُمْح عَنْ اللَّيْث بْن سَعْد وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر كُلّهمْ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد بِهَذَا الْإِسْنَاد " يَعْنِي عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي قَتَادَة مِثْل حَدِيث سُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد وَزَادَ اِبْن رُمْح فِي هَذَا الْحَدِيث " وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ " وَذَكَرَ بَعْض الْحُفَّاظ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيث اللَّيْث عَنْ أَبِي الزُّبَيْر كَمَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ قُتَيْبَة وَابْن رُمْح , وَأَمَّا طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد فِي حَدِيث أَبِي قَتَادَة فَلَيْسَتْ فِيهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرهَا قُتَيْبَة , وَفِي الْجُمْلَة فَتَكْمُل الْآدَابُ سِتَّةً الْأَرْبَعَة الْمَاضِيَة وَالصَّلَاة وَالتَّحَوُّل , وَرَأَيْت فِي بَعْض الشُّرُوح.
ذِكْر سَابِعَة وَهِيَ قِرَاءَة آيَة الْكُرْسِيّ وَلَمْ يَذْكُر لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ عُمُوم قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَلَا يَقْرَبَنَّك شَيْطَان فَيُتَّجَه , وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي صَلَاته الْمَذْكُورَة , وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّق بِآدَابِ الْعَابِر , وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاء حِكْمَة هَذِهِ الْأُمُور : فَأَمَّا الِاسْتِعَاذَة بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا فَوَاضِح وَهِيَ مَشْرُوعَة عِنْد كُلّ أَمْر يُكْرَه , وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَة مِنْ الشَّيْطَان فَلِمَا وَقَعَ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث أَنَّهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ يُخَيِّل بِهَا لِقَصْدِ تَحْزِين الْآدَمِيّ وَالتَّهْوِيل عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ , وَأَمَّا التَّفْل فَقَالَ عِيَاض : أَمَرَ بِهِ طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا , وَخُصَّتْ بِهِ الْيَسَار لِأَنَّهَا مَحَلّ الْأَقْذَار وَنَحْوهَا.
قُلْت : وَالتَّثْلِيث لِلتَّأْكِيدِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ فِي مَقَام الرُّقْيَة لِيَتَقَرَّر عِنْد النَّفْس دَفْعُهُ عَنْهَا وَعَبَّرَ فِي بَعْض الرِّوَايَات بِالْبُصَاقِ إِشَارَة إِلَى اِسْتِقْذَاره , وَقَدْ وَرَدَ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظ النَّفْث وَالتَّفْل وَالْبَصْق , قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْكَلَام عَلَى النَّفْث فِي الرُّقْيَة تَبَعًا لِعِيَاضٍ : اُخْتُلِفَ فِي النَّفْث وَالتَّفْلِ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَلَا يَكُونَانِ إِلَّا بِرِيقٍ , وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : يُشْتَرَط فِي التَّفْل رِيق يَسِير وَلَا يَكُون فِي النَّفْث , وَقِيلَ عَكْسه , وَسُئِلَتْ عَائِشَة عَنْ النَّفْث فِي الرُّقْيَة فَقَالَتْ : كَمَا يَنْفُث آكِلُ الزَّبِيب لَا رِيق مَعَهُ.
قَالَ : وَلَا اِعْتِبَار بِمَا يَخْرُج مَعَهُ مِنْ بَلَّة بِغَيْرِ قَصْد , قَالَ : وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب " فَجَعَلَ يَجْمَع بُزَاقه " قَالَ عِيَاض : وَفَائِدَة التَّفْل التَّبَرُّك بِتِلْكَ الرُّطُوبَة وَالْهَوَاء وَالنَّفْثِ لِلْمُبَاشِرِ لِلرُّقْيَةِ الْمُقَارِن لِلذِّكْرِ الْحَسَن كَمَا يُتَبَرَّك بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَب مِنْ الذِّكْر وَالْأَسْمَاء , وَقَالَ النَّوَوِيّ أَيْضًا : أَكْثَرُ الرِّوَايَات فِي الرُّؤْيَا " فَلْيَنْفُثْ " وَهُوَ نَفْخ لَطِيف بِلَا رِيق فَيَكُون التَّفْل وَالْبَصْق مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا.
قُلْت : لَكِنَّ الْمَطْلُوب فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِف , لِأَنَّ الْمَطْلُوب فِي الرُّقْيَة التَّبَرُّك بِرُطُوبَةِ الذِّكْر كَمَا تَقَدَّمَ , وَالْمَطْلُوب هُنَا طَرْد الشَّيْطَان وَإِظْهَار اِحْتِقَاره وَاسْتِقْذَاره كَمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ عِيَاض كَمَا تَقَدَّمَ , فَاَلَّذِي يَجْمَع الثَّلَاثَةَ الْحَمْلُ عَلَى التَّفْل فَإِنَّهُ نَفْخ مَعَهُ رِيق لَطِيف , فَبِالنَّظَرِ إِلَى النَّفْخ قِيلَ لَهُ نَفْث وَبِالنَّظَرِ إِلَى الرِّيق قِيلَ لَهُ بُصَاق.
قَالَ النَّوَوِيّ وَأَمَّا قَوْله " فَإِنَّهَا لَا تَضُرّهُ " فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه جَعَلَ مَا ذُكِرَ سَبَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْمَكْرُوه الْمُتَرَتِّب عَلَى الرُّؤْيَا كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَة وِقَايَة لِلْمَالِ اِنْتَهَى.
وَأَمَّا الصَّلَاة فَلِمَا فِيهَا مِنْ التَّوَجُّه إِلَى اللَّه وَاللَّجَأ إِلَيْهِ , وَلِأَنَّ فِي التَّحْرِيم بِهَا عِصْمَة مِنْ الْأَسْوَاء وَبِهَا تَكْمُل الرَّغْبَة وَتَصِحّ الطَّلَبَة لِقُرْبِ الْمُصَلِّي مِنْ رَبّه عِنْد سُجُوده , وَأَمَّا التَّحَوُّل فَلِلتَّفَاؤُلِ بِتَحَوُّلِ تِلْكَ الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
قَالَ النَّوَوِيّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات كُلِّهَا وَيَعْمَل بِجَمِيع مَا تَضَمَّنَتْهُ , فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَاهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ.
قُلْت : لَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث الِاقْتِصَار عَلَى وَاحِدَة , نَعَمْ أَشَارَ الْمُهَلَّب إِلَى أَنَّ الِاسْتِعَاذَة كَافِيَة فِي دَفْع شَرّهَا وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى : ( فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فَيَحْتَاج مَعَ الِاسْتِعَاذَة إِلَى صِحَّة التَّوَجُّه وَلَا يَكْفِي إِمْرَار الِاسْتِعَاذَة بِاللِّسَانِ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : الصَّلَاة تَجْمَع ذَلِكَ كُلّه , لِأَنَّهُ إِذَا قَامَ فَصَلَّى تَحَوَّلَ عَنْ جَنْبه وَبَصَقَ وَنَفَثَ عِنْد الْمَضْمَضَة فِي الْوُضُوء وَاسْتَعَاذَ قَبْل الْقِرَاءَة ثُمَّ دَعَا اللَّه فِي أَقْرَبِ الْأَحْوَال إِلَيْهِ فَيَكْفِيه اللَّه شَرّهَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
وَوَرَدَ فِي صِفَة التَّعَوُّذ مِنْ شَرّ الرُّؤْيَا أَثَرٌ صَحِيح أَخْرَجَهُ سَعِيد بْن مَنْصُور وَابْن أَبِي شَيْبَة وَعَبْد الرَّزَّاق بِأَسَانِيد صَحِيحَة عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ قَالَ : " إِذَا رَأَى أَحَدكُمْ فِي مَنَامه مَا يَكْرَه فَلْيَقُلْ إِذَا اِسْتَيْقَظَ : أَعُوذ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَة اللَّه وَرُسُلُهُ مِنْ شَرّ رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنْ يُصِيبنِي فِيهَا مَا أَكْرَه فِي دِينِي وَدُنْيَايَ " , وَوَرَدَ فِي الِاسْتِعَاذَة مِنْ التَّهْوِيل فِي الْمَنَام مَا أَخْرَجَهُ مَالِك قَالَ : " بَلَغَنِي أَنَّ خَالِد بْن الْوَلِيد قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُرَوَّع فِي الْمَنَام فَقَالَ : قُلْ أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّات مِنْ شَرِّ غَضَبِهِ وَعَذَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين وَأَنْ يَحْضُرُونِ " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : " كَانَ خَالِد بْن الْوَلِيد يُفَزَّع فِي مَنَامه " فَذَكَرَ نَحْوه وَزَادَ فِي أَوَّله " إِذَا اِضْطَجَعْت فَقُلْ : بِاسْمِ اللَّه " فَذَكَرَهُ , وَأَصْله عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِم وَصَحَّحَهُ , وَاسْتَثْنَى الدَّاوُدِيّ مِنْ عُمُوم قَوْله " إِذَا رَأَى مَا يَكْرَه " مَا يَكُون فِي الرُّؤْيَا الصَّادِقَة لِكَوْنِهَا قَدْ تَقَع إِنْذَارًا كَمَا تَقَع تَبْشِيرًا وَفِي الْإِنْذَار نَوْعُ مَا يَكْرَهُهُ الرَّائِي فَلَا يُشْرَع إِذَا عَرَفَ أَنَّهَا صَادِقَة مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِعَاذَة وَنَحْوهَا , وَاسْتَنَدَ إِلَى مَا وَرَدَ مِنْ مَرَائِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْبَقَرِ الَّتِي تُنْحَر وَنَحْو ذَلِكَ , وَيُمْكِن أَنْ يُقَال : لَا يَلْزَم مِنْ تَرْك الِاسْتِعَاذَة فِي الصَّادِقَة أَنْ لَا يَتَحَوَّل عَنْ جَنْبه وَلَا أَنْ لَا يُصَلِّي , فَقَدْ يَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِدَفْعِ مَكْرُوه الْإِنْذَار مَعَ حُصُول مَقْصُود الْإِنْذَار , وَأَيْضًا فَالْمَنْذُورَة قَدْ تَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْمُبَشِّرَة لِأَنَّ مَنْ أُنْذِرَ بِمَا سَيَقَعُ لَهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَسُرّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ هَجَمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْزَعِج مَا لَا يَنْزَعِج مَنْ كَانَ يَعْلَم بِوُقُوعِهِ فَيَكُون ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَرِفْقًا بِهِ , قَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ : الرُّؤْيَا الصَّادِقَة أَصْلهَا حَقّ تُخْبِر عَنْ الْحَقّ وَهُوَ بُشْرَى وَإِنْذَار وَمُعَاتَبَة لِتَكُونَ عَوْنًا لِمَا نُدِبَ إِلَيْهِ , قَالَ : وَقَدْ كَانَ غَالِب أُمُور الْأَوَّلِينَ الرُّؤْيَا إِلَّا أَنَّهَا قَلَّتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّة لِعِظَمِ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهَا مِنْ الْوَحْي وَلِكَثْرَةِ مَنْ فِي أُمَّته مِنْ الصِّدِّيقِينَ مِنْ الْمُحَدَّثِينَ بِفَتْحِ الدَّال وَأَهْل الْيَقِين.
فَاكْتَفَوْا بِكَثْرَةِ الْإِلْهَام وَالْمُلْهَمِينَ عَنْ كَثْرَة الرُّؤْيَا الَّتِي كَانَتْ فِي الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : يَحْتَمِل قَوْله الرُّؤْيَا الْحَسَنَة وَالصَّالِحَة أَنْ يَرْجِع إِلَى حُسْن ظَاهِرهَا أَوْ صِدْقهَا , كَمَا أَنَّ قَوْله الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة أَوْ السُّوء يَحْتَمِل سُوء الظَّاهِر أَوْ سُوء التَّأْوِيل , وَأَمَّا كَتْمهَا مَعَ أَنَّهَا قَدْ تَكُون صَادِقَة فَخَفِيَتْ حِكْمَته , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِمَخَافَةِ تَعْجِيل اِشْتِغَال سِرّ الرَّائِي بِمَكْرُوهِ تَفْسِيرهَا , لِأَنَّهَا قَدْ تُبْطِئ فَإِذَا لَمْ يُخْبِر بِهَا زَالَ تَعْجِيل رَوْعهَا وَتَخْوِيفهَا وَيَبْقَى إِذَا لَمْ يَعْبُرهَا لَهُ أَحَدٌ بَيْن الطَّمَع فِي أَنَّ لَهَا تَفْسِيرًا حَسَنًا , أَوْ الرَّجَاء فِي أَنَّهَا مِنْ الْأَضْغَاث فَيَكُون ذَلِكَ أَسْكَنَ لِنَفْسِهِ.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ : " وَلَا يَذْكُرهَا عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا تَقَع عَلَى مَا يَعْبُر بِهِ " وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِكَ فِي " بَاب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَه " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْوَهْمِ تَأْثِيرًا فِي النُّفُوس لِأَنَّ التَّفْل وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ يَدْفَع الْوَهْم الَّذِي يَقَع فِي النَّفْس مِنْ الرُّؤْيَا , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَهْمِ تَأْثِير لَمَا أَرْشَدَ إِلَى مَا يَدْفَعهُ , وَكَذَا فِي النَّهْي عَنْ التَّحْدِيث بِمَا يَكْرَه لِمَنْ يَكْرَه وَالْأَمْر بِالتَّحْدِيثِ بِمَا يُحِبّ لِمَنْ يُحِبّ.
قَوْله فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد ( وَإِذَا رَأَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَه فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَان ) ظَاهِر الْحَصْر أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة لَا تَشْتَمِل عَلَى شَيْء مِمَّا يَكْرَههُ الرَّائِي , وَيُؤَيِّدهُ مُقَابَلَة رُؤْيَا الْبُشْرَى بِالْحُلُمِ وَإِضَافَة الْحُلُم إِلَى الشَّيْطَان , وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْل أَهْل التَّعْبِير وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة قَدْ تَكُون بُشْرَى وَقَدْ تَكُون إِنْذَارًا نَظَرٌ , لِأَنَّ الْإِنْذَار غَالِبًا يَكُون فِيمَا يَكْرَه الرَّائِي , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ الْإِنْذَار لَا يَسْتَلْزِم وُقُوع الْمَكْرُوه كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره , وَبِأَنَّ الْمُرَاد بِمَا يَكْرَه مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ظَاهِر الرُّؤْيَا وَمِمَّا تُعَبَّر بِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : ظَاهِر الْخَبَر أَنَّ هَذَا النَّوْع مِنْ الرُّؤْيَا يَعْنِي مَا كَانَ فِيهِ تَهْوِيل أَوْ تَخْوِيف أَوْ تَحْزِين هُوَ الْمَأْمُور بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَخَيُّلَات الشَّيْطَان , فَإِذَا اِسْتَعَاذَ الرَّائِي مِنْهُ صَادِقًا فِي اِلْتِجَائِهِ إِلَى اللَّه وَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّفْل وَالتَّحَوُّل وَالصَّلَاة أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ مَا بِهِ وَمَا يَخَافهُ مِنْ مَكْرُوه ذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْهُ مِنْهُ شَيْء , وَقِيلَ بَلْ الْخَبَر عَلَى عُمُومه فِيمَا يَكْرَههُ الرَّائِي بِتَنَاوُلِ مَا يَتَسَبَّب بِهِ الشَّيْطَان وَمَا لَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهِ , وَفِعْلُ الْأُمُور الْمَذْكُورَة مَانِع مِنْ وُقُوع الْمَكْرُوه كَمَا جَاءَ أَنَّ الدُّعَاء يَدْفَع الْبَلَاء وَالصَّدَقَة تَدْفَع مَيْتَة السُّوء وَكُلّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدْره , وَلَكِنَّ الْأَسْبَاب عَادَات لَا مَوْجُودَات , وَأَمَّا مَا يُرَى أَحْيَانًا مِمَّا يُعْجِب الرَّائِيَ وَلَكِنَّهُ لَا يَجِدهُ فِي الْيَقَظَة وَلَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي قِسْم آخَر وَهُوَ مَا كَانَ الْخَاطِر بِهِ مَشْغُولًا قَبْل النَّوْم ثُمَّ يَحْصُل النَّوْمُ فَيَرَاهُ فَهَذَا قِسْم لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ
عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم فليتعوذ منه، وليبصق عن شماله، فإنها لا تضره» وعن...
عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.»
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» رواه ثابت، وحميد، وإسحاق بن عبد الله،...
عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.»
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة.»
عن ابن عمر رضي الله عنه: «أن أناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن أناسا أروا أنها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوها في...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم أتاني الداعي لأجبته.»
عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي» قال أبو عبد الله: قال ابن سيرين: إذا...
عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من...