حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الزكاة باب اشتراء الصدقة والعود فيها (حديث رقم: 623 )


623- عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: حملت على فرس عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه.
فأردت أن أشتريه منه.
وظننت أنه بائعه برخص.
فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد.
فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ وَاحِدُ الْعِتَاقِ مِنْ الْخَيْلِ وَهِيَ الْكِرَامُ السَّابِقَةُ مِنْهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ مَنْ فِيهِ النَّجْدَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ فَيَهَبَهُ لَهُ وَيُمَلِّكَهُ إِيَّاهُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نَجْدَتِهِ وَنِكَايَتِهِ لِلْعَدُوِّ فَهَذَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ مُوَاظَبَةَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّحْبِيسِ لَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ; لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ مَعَ السَّلَامَةِ وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْأَوْقَافِ وَالْحَبْسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَضَاعَهُ مِنْ الْإِضَاعَةِ بِأَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَيَبْعُدُ مِثْلُ هَذَا فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَّا أَنْ يُوجِبَ هَذَا عُذْرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ صَيَّرَهُ ضَائِعًا مِنْ الْهَزْلِ لِفَرْطِ مُبَاشَرَةِ الْجِهَادِ بِهِ وَلِإِتْعَابِهِ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهُ إِيَّاهُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَأَنْ يَسْتَرْخِصَهُ لِضَيَاعِهِ , وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حَبْسًا فَظَنَّ أَنَّ شِرَاءَهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ لَهُ مُبَاحٌ حَتَّى مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم , وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ الضَّيَاعِ مَبْلَغًا يَعْدَمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي حَبَسَهُ فِيهِ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ شِرَاءَهُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَضَيَاعُ الْخَيْلِ الْمُوقَفَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُرْجَى صَلَاحُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ كَالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنْ يُسْتَبَاحَ لَهُ بَيْعُهُ الثَّانِي الْكَلَبُ وَالْهَرَمُ وَالْمَرَضُ الَّذِي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا عَدِمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَوَضْعُ ثَمَنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ , وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهِ نُقِلَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ مِنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ مُخْرَجٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَبْسِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْقُبْحِ وَالْكَرَاهِيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَائِدِ فِي أَكْلِ مَا قَدْ قَاءَ بَعْدَ أَنْ قَبُحَ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ إِلَى حَالِ الْقَيْءِ , وَكَذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ قَدْ أَخْرَجَ فِي صَدَقَتِهِ أَوْسَاخَ مَالِهِ وَمَا يُدَنِّسُهُ فَلَا يَرْتَجِعُهُ إِلَى مِلْكِهِ بَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَ بِصَدَقَتِهِ وَيُغَيِّرُهَا فِي مَالِهِ لِمَعْنَى الْفَسَادِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْكَلْبِ وَأَخْلَاقِهِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا وَيُكْرَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وَجْهِ الْعَطِيَّةِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَطِيَّةِ فِي نَفْسِهَا وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُعْطَى وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الِارْتِجَاعِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الِارْتِجَاعِ ‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وَجْهِ الْعَطِيَّةِ ) أَمَّا وَجْهُ الْعَطِيَّةِ فَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ التَّطَوُّعِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِرْجَاعُ صَدَقَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ عَطِيَّةً عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الْفَرَسِ لَا لِلسَّبِيلِ وَلَا لِلْمَسْكَنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُرْبَةَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا يَجُوزُ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَ لِغَيْرِ الْقُرْبَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى مِلْكِ مَا وَهَبَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى ارْتِجَاعِ مَا وَهَبَ الْأَجْنَبِيَّ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ ‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَطِيَّةِ ) أَمَّا صِفَةُ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ عَيْنًا بَتَلَهَا مِثْلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَرَسٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ أَصْلٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَتْ خَلْخَالَهَا فِي السَّبِيلِ إِنْ شَفَاهَا اللَّهُ فَلَمَّا بَرَأَتْ أَرَادَتْ أَنْ تُخْرِجَ قِيمَتَهَا وَتَحْبِسَهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ أَعْطَى غَلَّةً أَوْ مَنْفَعَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِغَلَّةِ الْأَصْلِ سِنِينَ أَوْ حَيَاةَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ أَبَاهُ وَاحْتَجَّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنْ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ وَأَجَازَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَهَى عُمَرَ أَنْ يَعُودَ فِي صَدَقَتِهِ وَأَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِخَرْصِهَا وَهِيَ صَدَقَةٌ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمَنْ أَسْكَنْتَهُ أَوْ أَخْدَمْتَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ إِنْ رَضِيَهُ مَا لَمْ تَفْسُدْ عَطِيَّتُهُ وَمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ فِي السَّبِيلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ‏ ‏( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُعْطَى ) أَمَّا صِفَةُ الْمُعْطَى فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَرْجِعُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فَلَا يَرْكَبُهُ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا وَقَدْ رَكِبَ ابْنُ عُمَرَ نَاقَةً وُهِبَهَا فَصُرِعَ عَنْهَا فَقَالَ : مَا كُنْت لِأَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا كَأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عُوقِبَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُرْكَبَ الْفَرَسُ الَّذِي جُعِلَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَأَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ الْيَسِيرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ قَدْرُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِالِارْتِجَاعِ ; وَلِذَلِكَ عُفِيَ عَنْ الْيَسِيرِ فِي تَرْكِ حِيَازَتِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ إِذَا حِيزَ الْأَكْثَرُ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى ابْنًا فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ بِجَارِيَةٍ فَتَتْبَعُهَا نَفْسُهُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا أُرَخِّصُ فِيهَا لِمَكَانِ الِابْنِ مِنْ الْأَبِ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِغَنَمٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِحَائِطٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُكْتَسَى مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ وَلَا يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَمَلُّكُهَا كَصَدَقَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْأُمَّ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الِابْنِ الصَّغِيرِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ دُونَ الصَّغِيرِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ لِلتَّصَرُّفِ تَأْثِيرًا فِي الْإِبَاحَةِ ; وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لِلْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِذْنُ وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ ‏ ‏( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الِارْتِجَاعِ ) وَأَمَّا صِفَةُ الِارْتِجَاعِ فَإِنَّ عُمْدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ ارْتِجَاعٍ يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ كَالِابْتِيَاعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْمَمْنُوعِ , فَأَمَّا مَا يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَصِحُّ النَّهْيُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَلَا تَقْبَلْهُ وَلَا تَرْتَجِعْهُ بِهِبَةٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا عَارِيَةٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا بَأْسَ لِمَنْ عَادَتْ إِلَيْهِ صَدَقَتُهُ بِالْمِيرَاثِ أَنْ يَسْتَدِيمَ مِلْكَهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِرَاجِعٍ فِي صَدَقَتِهِ وَلَا مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ قَضَى لَهُ وَعَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبْضِهَا لَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ تَصَدَّقَ غَازٍ عَلَى رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ تَرَافَقَا فَأَخْرَجَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ نَفَقَةً مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَبْقَى وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي لَحْمِ بَرِيرَةَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَرَافِقَيْنِ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْ نَفَقَتِهِ بِنَفَقَةِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا تَشَارَكَا عَلَى أَنْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِصَّتِهِ ثُمَّ يُمَيِّزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ يَأْكُلُهُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا حُكْمَ بَرِيرَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَإِنَّمَا كَانَ اللَّحْمُ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ , ثُمَّ لَمَّا أَبَاحَتْهُ هِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَانَ ذَلِكَ هَدِيَّةً مِنْهَا إِلَيْهِ ‏ ‏( الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الِارْتِجَاعِ ) أَمَّا حُكْمُ الِارْتِجَاعِ إِذَا وَقَعَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ شِرَاءَ الرَّجُلِ صَدَقَتَهُ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنْ نَزَلَ عِنْدَنَا لَمْ نَفْسَخْهُ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُفْسَخُ الشِّرَاءُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنْ ذَلِكَ وَالْقَوْلَانِ يَتَخَرَّجَانِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمُدِيرِ أَوْ غَيْرِ الْمُدِيرِ يُخْرِجُ فِي زَكَاتِهِ عَرَضًا لَا يُجْزِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ إِذَا لَمْ يُحَابِ عَنْ نَفْسِهِ , بِئْسَ مَا صَنَعَ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُعَارَضَةُ الْمُزَكِّي بِزَكَاتِهِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْمِلْكِ , أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا أَخْرَجَ وَرِقًا عَنْ ذَهَبٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ اقْتَضَى فَسَادَهُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.


حديث لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏ ‏وَهُوَ يَقُولُ ‏ ‏حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ ‏ ‏عَتِيقٍ ‏ ‏فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

لا تبتعه ولا تعد في صدقتك

عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تبتعه ولا تعد في صدق...

يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر

عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان «يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر»

فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو ص...

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من ال...

كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أ...

عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صا...

لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه...

عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان «لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر.<br> إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا»

كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر...

عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان «يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة»

لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن...

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له»

الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تف...

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له»

لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين...