حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الحج باب الحج عمن يحج عنه (حديث رقم: 797 )


797- عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر.
فقالت: «يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا.
لا يستطيع أن يثبت على الراحلة.
أفأحج عنه؟» قال: «نعم».
وذلك في حجة الوداع

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ النَّحْرِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ أُسَامَةَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ , ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَدْ سَدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا فَإِنَّ الْمُحْرِمَةَ يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ لِمَعْنَى السَّتْرِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَبْدُو مِنْ وَجْهِهَا مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْفَضْلُ.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَنْعَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا لَمَّا رَأَى مِنْ قَصْدِهِ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ عَنْ النَّظَرِ إِلَى الْفَضْلِ وَلَا صَرَفَ وَجْهَهَا إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ , وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ النَّظَرِ إِلَى الرَّجُلِ بِمَعْنَى تَأَمُّلِ مَحَاسِنِهِ وَالنَّظَرِ إِلَى جَمَالِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَقَالَ تَعَالَى وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا احْتَمَلَ نَظَرُهَا إِلَى جِهَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِسُؤَالِهَا عَنْ مَسْأَلَتِهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِهَةٍ يَتَضَمَّنُهَا نَظَرُهَا فَكَانَ نَظَرُهَا إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مَقْصِدًا جَائِزًا فَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا لِذَلِكَ وَالْفَضْلُ وَلَمْ يَكُنْ لِنَظَرِهِ إِلَى جِهَتِهَا مَقْصِدٌ جَائِزٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ تَأَمُّلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَزَأَ بِصَرْفِ وَجْهِ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ وَجْهِ الْفَضْلِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْعًا لِلْفَضْلِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَزَأَ بِمَنْعِ الْفَضْلِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا لَمَّا رَأَى أَنَّهَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ مَنْعَ نَظَرِهَا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ وَلَعَلَّهَا لَمَّا صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ فَهِمَتْ ذَلِكَ فَصَرَفَتْ وَجْهَهَا أَوْ بَصَرَهَا عَنْ النَّظَرِ إِلَيْهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ مِنْ الْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَالْحَجُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ : حَجَّ يَحُجُّ حَجًّا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْحِجُّ بِكَسْرِهَا هُوَ الِاسْمُ إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِتَخْصِيصِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي قَصْدٍ مَخْصُوصٍ إِلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى شَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ , وَإِنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي , وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادَ إنَّهُ مَذْهَبُ الْمَغَارِبَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى التَّرَاخِي , وَالثَّانِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا.
فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى التَّرَاخِي فَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ لَيْسَتْ بِمُقْتَضِيَةٍ لِلزَّمَانِ إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي زَمَانٍ وَذَلِكَ لِاقْتِضَائِهَا لِلْحَالِ وَالْمَكَانِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَيِّ مَكَانٍ شَاءَ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي أَيِّ زَمَانٍ شَاءَ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا رُوِيَ أَنَّ ضمام بْنَ ثَعْلَبَةَ حِينَ وَرَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ , ثُمَّ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ , وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ : أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إِلَيْهِ قَاضِيًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إِلَيْهِ عَاصِيًا كَالتَّأْخِيرِ إِلَى الثَّامِنِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا : إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى ظَنِّهِ إِذَا غَلَبَ لِلْفَوَاتِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ عَصَى , وَإِنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَجْأَةً قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِصْيَانَ قَدْ وَقَعَ بِتَأْخِيرِهِ وَإِذَا قُلْنَا : إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا.
فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ : إنَّهُ إِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ عَامٍ فَهُوَ قَاضٍ لَا مُؤَدٍّ وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا يَكُونُ قَاضِيًا مَا دَامَ حَيًّا وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِنْ حَجَّ عَنْهُ أَحَدٌ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَى أَنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْحَجِّ أَوْ فِي الْحَجِّ وَلَهُ شُرُوطُ وُجُوبٍ وَشُرُوطُ أَدَاءً : فَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِهِ فَهِيَ : الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَأَمَّا شُرُوطُ الْأَدَاءِ فَهِيَ : الِاسْتِطَاعَةُ وَلِإِجْزَائِهِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ : الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ , فَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَ تَمَامِ أَحَدِهِمَا وَلَا يَصِحُّ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ نَفْلُهُ مَعَ عَدَمِهَا وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَلَا يَصِحُّ نَفْلُهُ وَلَا فَرْضُهُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ يَجِبُ مَعَهُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ خُوَيْزِ مِنْدَادَ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ عَدَمِهِ نَفْلُهُ وَلَا فَرْضُهُ فَصْلٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هِيَ الِاسْتِطَاعَةُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ عَادَةٍ , وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّفَرَ مَاشِيًا وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى الْحَجِّ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَاحِلَةً وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ سُؤَالَ النَّاسِ وَتَكَفُّفَهُمْ وَأَمْكَنَهُ التَّوَصُّلُ بِهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الرُّكُوبَ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِي التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَجِّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا : إِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ دُونَ غَيْرِهِمَا وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي مَجْمُوعَتِهِ عَنْ سَحْنُونٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَدَلِيلُنَا قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَلَمْ يَخُصَّ زَادًا وَلَا رَاحِلَةً فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ غَيْرُ مُفَسَّرَةٍ فَتَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ فَرُبَّمَا دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْحَدِيثِ صَحِيحًا لَكَانَ بَعْضَ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْآيَةُ وَأَنْ يَكُونَ بَعْضَ مَا يُسْتَطَاعُ بِهِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ كَالصِّحَّةِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ , ولذلك قَالَ الْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : إِنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَإِنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ , ولذلك قَالَتْ الْخَثْعَمِيَّةُ إِنَّ أَبَاهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَجَعَلَتْ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ الشَّبَابَ وَالْقُوَّةَ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَبَتَ أَنَّ لِلِاسْتِطَاعَةِ مَعَانِيَ غَيْرَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّنِّ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مَعَهُ الثُّبُوتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمَانِ الطَّرِيقِ , ولذلك قَالَ الْمُخَالِفُ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : إِنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ وَأَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حُكْمِهِمْ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُسْتَطِيعٌ لِلْحَجِّ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ عَادَةٍ فَلَزِمَهُ الْحَجُّ كَالْوَاجِدِ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ ) لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ أَوْ لِأَمْرٍ ثَابِتٍ فَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ يَرْجُو بُرْأَهُ وَزَوَالَهُ كَالْأَمْرَاضِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ هَذَا يَنْتَظِرُ الْبُرْءَ وَيُؤَدِّي الْحَجَّ فَأَمَّا إِنْ كَانَ لِأَمْرٍ ثَابِتٍ عَنْهُ كَالْهَرَمِ وَالزَّمَانَةِ فَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ الْمَعْضُوبَ وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَنَا الْحَجُّ وَإِنْ وَجَدَ الْمَالَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ , هُوَ مُسْتَطِيعٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ غَيْرَهُ يُؤَدِّي عَنْهُ الْحَجَّ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ وَجَدَ مَنْ يَبْذُلُ لَهُ الطَّاعَةَ مِنْ وَلَدٍ أَوْ أَخٍ أَوْ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِبَذْلِ هَذِهِ الطَّاعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَالْآيَةُ وَرَدَتْ مُقَيِّدَةً لِمَنْ يَسْتَطِيعُ السَّبِيلَ إِلَى الْبَيْتِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ السَّبِيلَ إِلَيْهِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ صِفَةٌ مَوْجُودَةٌ بِالْمُسْتَطِيعِ كَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بِهِ اسْتِطَاعَةٌ فَلَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَجٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُكَلَّفٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ غَيْرُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَصْلُ ذَلِكَ الصَّحِيحُ أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مِنْ نَصِّ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِ الْخَثْعَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ : إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا أَخْبَرَتْ أَنَّ الْحَجَّ اُفْتُرِضَ عَلَى أَبِيهَا فِي حَالِ كِبَرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ , وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ تَعَلَّقَ بِأَبِيهَا وَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِينَ نَزَلَ وَأَبُوهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ : إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ تَوَجُّهُ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى النَّاسِ وَقَدْ شَرَطَ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةَ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ فَلَمْ يَتَوَجَّهْ فَرْضُهُ إِلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا قَالَتْ هَلْ يُقْضَى عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ قَالُوا فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لَهَا نَعَمْ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُقْضَى عَنْهُ حَجُّهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجٌّ لَمَا قَضَتْ عَنْهُ شَيْئًا كَمَا لَا تَقْضِي عَنْهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْوَاجِبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ مَا وَجَبَ مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُلْحِقُهُ ذَلِكَ بِحَالَةِ مَنْ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فَأَدَّاهُ ; لِأَنَّ حَالَتَهُ أَكْمَلُ مِنْ حَالَةِ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ , ولذلك رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ الِابْنَ إِذَا أَرَادَ إلْحَاقَ أَبِيهِ بِحَالِ مَنْ أَدَّى دَيْنَهُ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُفْسَخْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ دُونَ الْمَعْضُوبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَنْهَضُ وَلَمْ يَحُجَّ وَعَنْ الْمَيِّتِ أَنَّهُ جَائِزٌ لِابْنِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ وَيُجْزِئُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) الْأَعْمَى الَّذِي يَجِدُ مَنْ يَهْدِيهِ السَّبِيلَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ غَيْرُهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالْمَعْضُوبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَهَذَا قَدْ اسْتَطَاعَ السَّبِيلَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ غَيْرَهُ كَالْبَصِيرِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْحَجُّ فِي الْبَحْرِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ لَا سَبِيلَ لَهُ غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إِنْ كَانَ بَحْرًا مَأْمُونًا يَكْثُرُ سُلُوكُهُ لِلتِّجَارَاتِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ بَحْرًا مَخُوفًا تَنْدُرُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلَا يَكْثُرُ رُكُوبُ النَّاسِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ فَرْضَ الْحَجِّ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَجَّ فِي الْبَحْرِ إِلَّا لِمِثْلِ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ لَهُ طَرِيقًا غَيْرَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ لقوله تعالى وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَحْرَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي غَيْرِ الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَلْحَقُ النَّاسَ فِيهِ مِنْ الْعَجْزِ مَا يَعْجِزُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ فِي الْبَحْرِ لَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ وَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي التِّجَارَاتِ فَبِأَنْ يَجُوزَ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى , وَقَدْ أُبِيحَ لَنَا السَّفَرُ فِي الْبَرِّ وَمَوَاضِعَ يُعْدَمُ فِيهَا الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ الَّتِي مَقْصُودُهَا الصَّلَاةُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا أَفَأَحُجُّ عَنْهُ سُؤَالٌ مِنْهَا عَنْ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ , وَالْعِبَادَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا وَعِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالْجَسَدِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَعِبَادَةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ رَحِمهُ اللَّهُ قَالَ : وَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَرَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِئْجَارِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ وَإِنَّمَا لِلْمَيِّتِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ نَفَقَتُهُ إِنْ أَوْصَى أَنْ يُسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ تَطَوَّعَ عَنْهُ بِذَلِكَ أَحَدٌ فَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ وَفَضْلُهُ وَهَذَا وَجْهُ انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالْحَجِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ أَظُنُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَنْفُذُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا مَنْ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ , وَقَالَ أَيْضًا لَا يَحُجُّ عَنْهُ صَرُورَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُعْتَقٌ بَعْضُهُ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوصِي لَمَا اُعْتُبِرَتْ صِفَةُ الْمُبَاشِرِ لِلْحَجِّ , وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بِمَنْعِ النِّيَابَةِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَالَ : أَمَّا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ عَنْهُ فَلَا نَرَى ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ يُهْدِي عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ عَنْهُ أَوْ يُعْتِقُ عَنْهُ فَفَاضَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفَقَاتِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ : أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهَا بِالْإِجَارَةِ كَالزَّكَاةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَكُونُ النِّيَابَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَسْنَا نَعْنِي بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِحَجَّةِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا نُرِيدُ بِذَلِكَ التَّطَوُّعَ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهِ دُونَ فَرْضِهِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُسْتَأْجَرُ لِلْحَجِّ عَبْدٌ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَالنَّفْلُ يَصِحُّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الِاسْتِنَابَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فَوَجْهُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ , وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الِاسْتِنَابَةَ مَكْرُوهَةٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهَا تُوُفِّيَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ.


حديث يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏كَانَ ‏ ‏الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ ‏ ‏رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ ‏ ‏خَثْعَمَ ‏ ‏تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ ‏ ‏الْفَضْلُ ‏ ‏يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَصْرِفُ وَجْهَ ‏ ‏الْفَضْلِ ‏ ‏إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ ‏ ‏أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ ‏ ‏وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

ن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله ﷺ فأه...

عن عبد الله بن عمر أنه قال، حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة: «إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بعمرة»، من أجل أن...

المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا...

عن عبد الله بن عمر أنه قال: «المحصر بمرض لا يحل.<br> حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة.<br> فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها...

المحرم لا يحله إلا البيت

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول: «المحرم لا يحله إلا البيت»

أقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة

عن رجل من أهل البصرة كان قديما، أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس....

من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت

عن عبد الله بن عمر أنه قال: «من حبس دون البيت بمرض، فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة»

أمره أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي فإذا صح اعت...

عن سليمان بن يسار، أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم.<br> فسأل: من يلي الماء الذي كان عليه؟ فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبي...

ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إ...

عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تري أن قومك حين بنوا ا...

ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت

عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة أم المؤمنين قالت: «ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت»

ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه

عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: «ما حجر الحجر، فطاف الناس من ورائه، إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله»