889-
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم ارحم المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله.
قال: اللهم ارحم المحلقين ".
قالوا والمقصرين يا رسول الله قال: «والمقصرين»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ وَتَخْصِيصُهُ لَهُمْ بِالدُّعَاءِ تَفْضِيلٌ لِلْحِلَاقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ بِهَذَا الْبَابِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : حِلَاقٌ وَتَقْصِيرٌ وَفِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ أَوَّلُهَا فِيمَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي وَقْتِهِمَا وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْبَابُ السَّادِسُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ.
( الْبَابُ الْأَوَّلُ مَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ ) الْأَفْضَلُ لِلرِّجَالِ الْحِلَاقُ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ وَقَالَ : خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَلَا يَخْلُو فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الْمُحَلِّقِينَ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِفَضِيلَةِ الْحِلَاقِ فَمَنْ قَصَّرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِلَاقِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْحِلَاقُ لَهُ أَفْضَلُ إِلَّا أَنْ تَفُوتَ أَيَّامُ الْحَجِّ وَيُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ فَلْيُقَصِّرْ لِمَكَانِ حِلَاقِهِ فِي الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ : وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ مِنْ تَخْصِيصِ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ النُّسُكَيْنِ بِالْحِلَاقِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لَيْسَ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ النِّسَاءِ حِلَاقٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَالَ : هِيَ مُثْلَةٌ.
وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا إِلَّا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حِلَاقَ الْمَرْأَةِ مُثْلَةٌ لِأَنَّهُ حِلَاقٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ كَحِلَاقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ وَشَارِبَهُ ( الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ ) أَمَّا صِفَةُ الْحِلَاقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَاجِّ أَنَّ مِنْ الشَّأْنِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْخَطْمِيِّ وَالْغَاسُولِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِقَ قَالَ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَوَّرَ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَلِحْيَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُعْتَمِرِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَهُ أَوْ يَقْتُلَ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ يَلْبَسَ قَمِيصًا بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ قَالَ : أَكْرَهُ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْحِلَاقِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا تَكَلَّمَ فِي حُكْمِ الْحَجِّ وَابْنَ الْقَاسِمِ تَكَلَّمَ فِي حُكْمِ الْعُمْرَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَاجَّ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْحِلَاقِ تَحَلَّلَ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمُعْتَمِرُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ قَبْلَ الْخِلَافِ تَحَلُّلٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَيَبْدَأُ بِالْحِلَاقِ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَيَبْلُغُ بِهِ إِلَى العَظْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الصُّدْغَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى اللِّحْيَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْزِئُ حَلْقُ الرَّأْسِ دُونَ اسْتِيعَابِهِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ وَقَالَ : خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَأَمَّا التَّقْصِيرُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُقَصِّرُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ تَقْصِيرُ الرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ وَلَكِنْ يَجِزُّ ذَلِكَ جَزًّا وَلَيْسَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ وَأَخَذَ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَيُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْيَسِيرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ : وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ وَاَلَّذِي تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ لَمْ يُجِزْهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ : يُجْزِئُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْحَدَّ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ وَهَذَا الَّذِي يُوصَفُ بِالْجَزِّ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا إِذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ أَخَذَتْ مِنْ قُرُونِهَا لِتُقَصِّرَ فَإِذَا حَلَّتْ قَصَّرَتْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَعْنَى ذَلِكَ إِنْ تَيَسَّرَ فِي مَوَاضِعِ التَّقْصِيرِ لِيَتَمَكَّنَ الْأَخْذُ مِنْ جَمِيعِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَكَمْ مِقْدَارُ مَا تُقَصِّرُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : مِقْدَارُ أُنْمُلَةٍ وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ أَوْ دُونَهُ بِقَلِيلٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ يَجُزُّهَا قَدْرَ التَّطْرِيفِ قَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْلُومٌ وَمَا أَخَذَتْ مِنْهُ أَجْزَأَهَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَعُمَّ بِالتَّقْصِيرِ الشَّعْرَ كُلَّهُ طَوِيلَهُ وَقَصِيرَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ فَكَانَ حُكْمُهَا فِيهِ الِاسْتِيعَابَ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ.
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ ) مَوْضِعُ الْحِلَاقِ فِي الْحَجِّ مِنًى وَفِي الْعُمْرَةِ مَكَّةُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ بِهَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَشْرُوعُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَذْكُرُ الْحِلَاقَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْإِفَاضَةِ : لَا يَطُوفُ وَلْيَرْجِعْ إِلَى مِنًى فَيَحْلِقُ ثُمَّ يُفِيضُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَلَقَ بِمَكَّةَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ أَيَّامَ مِنًى لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا إِذَا حَلَقَ فِي أَيَّامِ مِنًى.
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي وَقْتِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ ) أَمَّا الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ فَلَهُ وَقْتَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُوَقَّتَ بِالزَّمَانِ وَالثَّانِي أَنْ يُوَقَّتَ بِفِعْلِ مَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الرُّتْبَةِ فَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ فَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ إِنْ ذَكَرَ فِي أَيَّامِ مِنًى فَحَلَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَهَا حَلَقَ وَأَهْدَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إِذَا تَبَاعَدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَهْدَى وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَلْيَرْجِعْ حَتَّى يَحْلِقَ ثُمَّ يُفِيضَ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَالَ الرَّمْيِ فَإِذَا رَمَى نَحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ يَحْلِقُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ وَمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ جَهِلَ محلق يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ الْأَذَى , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ تَحَلُّلٌ وَالْحَلْقُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَحْظُورٌ لِحَقِّ إحْرَامٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَحَلُّلٌ فَلَزِمَهُ لِذَلِكَ فِدْيَةُ الْأَذَى وَهَذَا فِيمَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ أَوْ أَخَّرَهُ كَالْمُرَافِقِ الْوَارِدِ أَوْ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَمَّا الْقَارِنُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُفْرِدِ وَذَهَبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ إِلَى أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحْلِقُ بَعْدَ الرَّمْيِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْحِلَاقِ فَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ : يَرْجِعُ فَيَحْلِفُ ثُمَّ يُفِيضُ فَإِنْ لَمْ يُفِضْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقِيلَ : يَنْحَرُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ( الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ ) أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُحْرِمُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَإِذَا حَلَقَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ إلْقَاءِ التَّفَثِ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَدْهُنُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ وَيَلْبَسُ الْمِخْيَطَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَدْ حَلَّ لَهُ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الْحِلَاقِ وَأَنَّهُ إِذَا حَلَقَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ حَتَّى يُفِيضَ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَفِي الطِّيبِ اخْتِلَافٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْهَدْيُ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ رَمَى وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَلَزِمَهُ الْهَدْيُ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ التَّحَلُّلِ وَهُوَ الْحِلَاقُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ مَسَّ الطِّيبَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي الْحَجِّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ تَحَلُّلٌ وَهَذِهِ حَالَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي إبَاحَتِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَإِذَا كَمَّلَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ فَلَا يَلْبَسُ ثِيَابًا وَلَا يَمَسُّ طِيبًا حَتَّى يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَمَّلَ عُمْرَتَهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ التَّحَلُّلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ قَالَ مَرَّةً : عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَقَالَ مَرَّةً : لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْهَدْيُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَحَلُّلٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَإِذَا وَطِئَ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا وَطِئَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الرَّمْيِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ وَقْتٌ لَوْ مَسَّ فِيهِ الطِّيبَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ فَإِذَا وَطِئَ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لِمَا وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَبَعْدَ تَمَامِ فِعْلِ الْعُمْرَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ.
أَنَّهُ وَقْتٌ لَوْ مَسَّ فِيهِ الطِّيبَ وَلَبِسَ الْمِخْيَطَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ فَإِذَا وَطِئَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْعُمْرَةِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ الْحِلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( الْبَابُ السَّادِسُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ ) ( الْبَابُ السَّادِسُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ ) لَنَا أَنَّهُ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مُبَاحٌ بَعْدَ الْحَظْرِ يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ فَإِذَا زَالَ الْإِحْرَامُ زَالَ تَحْرِيمُهُ لِلْحِلَاقِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ صَاحِبُهُ عَلَى فِعْلِهِ قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْآيَةُ فَوَصَفَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِيمَا وَعَدَهُمْ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا مَقْصُودًا لَمَا وَصَفَ دُخُولَهُمْ بِهِ كَمَا لَمْ يَصِفْ دُخُولَهُمْ بِلِبْسِهِمْ الثِّيَابَ وَالتَّطَيُّبَ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ النُّسُكِ لَمَا كَنَّى بِهِ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا يُثَابُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ لَمَا دَعَا لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَظْهَرَ تَفْضِيلَ الْحِلَاقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَهُ فَضِيلَةٌ مَنْ عَلَيْهِ ثَوَابٌ لَمَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لُبْسُ نَوْعٍ مِنْ الثِّيَابِ أَفْضَلَ مِنْ لُبْسِ غَيْر ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ
عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه أنه كان «يدخل مكة ليلا وهو معتمر، فيطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ويؤخر الحلاق حتى يصبح»، قال: " ولكنه لا يعود إلى ا...
عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان «إذا أفطر من رمضان، وهو يريد الحج، لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا، حتى يحج» قال مالك: ليس ذلك على الناس
عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان «إذا حلق في حج أو عمرة، أخذ من لحيته وشاربه»
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن رجلا أتى القاسم بن محمد.<br> فقال: إني أفضت.<br> وأفضت معي بأهلي.<br> ثم عدلت إلى شعب.<br> فذهبت لأدنو من أهلي فقالت:...
عن عبد الله بن عمر أنه لقي رجلا من أهله يقال له المجبر.<br> قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر.<br> جهل ذلك.<br> فأمره عبد الله أن «يرجع فيحلق أو يقصر، ثم يرجع...
عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال: «من ضفر رأسه فليحلق.<br> ولا تشبهوا بالتلبيد»
عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال: «من عقص رأسه أو ضفر أو لبد فقد وجب عليه الحلاق»
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخل الكعبة» هو وأسامة بن زيد وبلال بن رباح وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه، ومكث فيها.<br> قال...
عن سالم بن عبد الله، أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج.<br> قال: فلما كان يوم عرفة جاء...