حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قال رسول الله ﷺ إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب القسامة باب تبدئة أهل الدم في القسامة (حديث رقم: 1596 )


1596- عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة - وهو أكبر منه - وعبد الرحمن، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كبر كبر»، - يريد السن - فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب»، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» فقالوا: لا، قال: «أفتحلف لكم يهود؟» قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، قال سهل لقد ركضتني منها ناقة حمراء قال مالك: «الفقير هو البئر»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (قال رسول الله ﷺ إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ مُحَيِّصَةَ أَتَى فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ مَنْ عَايَنَ قَتْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ , أَوْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ وَجَدَهُ مَقْتُولًا وَلَمْ يُعَايِنْ مَنْ قَتَلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَائِمًا يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَيَقُولُ قَتَلَنِي يَهُودُ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ قَتِيلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْأَنْصَارِ تَحَدَّثُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقُتِلَ فَخَرَجُوا بَعْدَهُ فَإِذَا بِصَاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ , وَذَكَرَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ تَبْدِئَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ , أَوْ يَكُونُ لَوْثٌ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً فَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ تَعَلَّقَ مَالِكٌ وَمَنْ نَصَرَ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ بِخَبَرِ الْحَارِثِيَّيْنِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَضَى فِي ذَلِكَ بِالْقَسَامَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ بِقَتْلِهِ شَاهِدٌ.
وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ وَقَدْ رَوَى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ لَهُمْ تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قَالُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا الْقِصَاصَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ لَوْثٌ تُسْتَحَقُّ بِهِ الْقَسَامَةُ وَقَدْ أَشَارَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى التَّعَلُّقِ بِالْعَدَاوَةِ وَأَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي إيجَابِ الْقَسَامَةِ فَفِي النَّوَادِرِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَدْعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الْحَارِثِيَّيْنِ إِلَى الْأَيْمَانِ حَتَّى ادَّعَوْا عَلَى الْيَهُودِ الْقَتْلَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَمْرٌ قَوَّى دَعْوَاهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَدَّعِي الْمَقْتُولُ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُعَادِيهِ وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْعَدَاوَةِ يَزِيدُ فِي الظِّنَّةِ وَاللَّطْخِ وَيُقَوِّي قَوْلَهُ مَعَ الْأَيْمَانِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إِلَى قَتْلِهِ إِلَّا عَدُوٌّ وَأَنَّهُ لَا عَدُوَّ أَعْدَى إِلَيْهِ مِنْ قَاتِلِهِ فَجَعَلَ أَيْضًا لِلْعَدَاوَةِ تَأْثِيرًا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ وَيُوجِبُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِأَمْرَيْنِ مِثْلَ أَنْ يُرَى مُتَلَطِّخًا بِدَمٍ جَاءَ مِنْ مَكَانٍ كَانَ فِيهِ الْقَتِيلُ لَيْسَ فِيهِ مَعَهُ غَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وُجِدَ مَقْتُولًا وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ و لَيْسَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ غَيْرُهُمْ وَبِهِ مِنْ أَثَرِ سُرْعَةِ الْقَتْلِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاتِلَ لَهُ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَسَامَةِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ وَمَنْ وَجَدَ الْقَتِيلُ بِمَحَلَّةِ قَوْمٍ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ فَهُوَ لَوْثٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَوَدٌ , أَوْ لَا دِيَةَ وَلَا قَسَامَةَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ قَوْمٌ أَذِيَّةَ قَوْمٍ إِلَّا أَلْقَوْا قَتِيلًا بِمَحَلَّتِهِمْ يُرِيدُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُمْ وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنْ كَانَ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يَتْرُكُهُ بِحَيْثُ يُتَّهَمُ هُوَ بِهِ مَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً تُوجِبُ عَلَيْهِمْ حُكْمًا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ طُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ الْفَقِيرُ الْحَقِيرُ يُتَّخَذُ فِي السِّرْبِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ أَفْوَاهٌ كَأَفْوَاهِ الْآبَارِ مُنَافِسٌ عَلَى السِّرْبِ بِتِلْكَ الْآبَارِ هِيَ الْفَقْرُ وَاحِدُهَا فَقِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَاءُ مَحْمُولًا فِي السِّرْبِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَمَّا يَهُودُ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ يَقْتَضِي قَسَمَهُ بِذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّنُ ذَلِكَ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ أَوْ مُخْبِرَيْنِ وَبِمَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ الْحَالِ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى ظَنِّهِ وَمُعْتَقَدِهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فَأَرَادَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فِيمَا أَعْتَقِدُهُ , فَقَالَتْ يَهُودُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ مُقَابَلَةً لِإِتْيَانِهِ بِالنَّفْيِ وَيَمِينِهِ بِيَمِينٍ تَضَادُّهُمَا لَا عَلَى يَمِينٍ مُخْتَصَّةٍ تُوجِبُ عَلَيْهِمْ حُكْمًا وَلِأَنَّ يَمِينَهُمْ يَنْفِي عَنْهُمْ حُكْمًا ; لِأَنَّهَا يَمِينٌ لَمْ تُقْبَضْ وَلَا اسْتَوْفَاهَا طَالِبٌ وَلَا مُطَالِبٌ وَلَا بُدَّ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تُوجِبُ الْحُقُوقَ أَنْ يَنْفِيَهَا مِنْ أَنْ يَقْتَضِيَهَا مُسْتَحَقُّهَا وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ حُكْمًا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ يُرِيدُ بِالْمَدِينَةِ وَقَوْمُهُ بَنُو حَارِثَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ يُرِيدُ شَأْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ وَمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُمَا مِنْ بَنِي حَارِثَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَيْضًا قَالَ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ حُوَيِّصَةَ أَكْبَرُ مِنْ مُحَيِّصَةَ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ يَتَكَلَّمُ ; لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي شَهِدَ بِخَيْبَرَ إذْ جَرَى مِنْ أَمْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ مَا جَرَى وَعَنْهُ يُؤْثِرُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي أَمْرِهِ فَلِذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَتَوَلَّى الْكَلَامَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَسَنُّهُمْ إمَّا لِفَضِيلَةٍ بِالسِّنِّ مَعَ تَسَاوِيهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ , أَوْ لِفَضِيلَةٍ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ السِّنِّ إِلَّا أَنَّ الْفَضَائِلَ غَيْرُ السِّنِّ أَمْرٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَا ظَاهِرٌ وَيُمْكِنُ بِالتَّدَاعِي فِيهِ وَفَضْلُهُ فِي السِّنِّ لَا يُنْكَرُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ , ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ بِجُمْلَةِ الْأَمْرِ , ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ بِتَفَاصِيلِهِ لِمَا شَهِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُوَيِّصَةُ تَكَلَّمَ بِمُعْظَمِهِ وَأَنَّ مُحَيِّصَةَ أَكْمَلَ مَا نَسِيَ مِنْهُ , أَوْ لَمْ يَكُنْ أَخْبَرَ بِهِ , ثُمَّ ذَكَرَهُ مُحَيِّصَةُ فَاسْتَوْفَاهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ إعْطَاءَ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِي كَلَامِ الْحَارِثِيَّيْنِ أَنَّهُمْ طَلَبُوا الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا ادَّعُوا حِينَئِذٍ قَتْلَهُ عَمْدًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنُوا الْقَاتِلَ وَإِنَّمَا قَالُوا أَنَّ بَعْضَ يَهُودَ قَتَلَهُ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ لَمْ يَلْزَمْ فِي ذَلِكَ قِصَاصٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِيهِ الدِّيَةُ كَالْقَتِيلِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَا يُعْرَفُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَا يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا يَشْهَدُ شَاهِدٌ بِمَنْ قَتَلَهُ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى الْفِرْقَةِ الْمُنَازِعَةِ لَهُ دُونَ قَسَامَةٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ يَكُونُ الْحُكْمُ إِنْ لَمْ يَقْطَعْ يَهُودُ بِأَنَّهَا لَمْ تَقْتُلْ وَلَمْ تَنْفِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهَا وَتَقُولُ لَا عِلْمَ لَنَا وَإِنَّمَا أَظْهَرَ فِي الْمُقَامِ مَا يَجِبُ مِنْ الْحَقِّ إِنْ لَمْ يَقَعْ النَّفْيُ لِلْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا الدِّيَةَ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَارَبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدُّوا الْحَقَّ وَيَلْتَزِمُوا مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي ذَلِكَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي إعْلَامِهِمْ بِمَا فَعَلَهُ مُحَيِّصَةُ فِي شَأْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَبِحُكْمِهِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَهُمْ الْقَتْلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَقَطْعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَدَّعِي الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَصَبَتُهُ الْقَائِمُونَ بِدَمِهِ فَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَخُوهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِأَمْرِهِ إِلَّا أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا نُظِرَ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ مِنْ عَصَبَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي دَمِ الْعَبْدِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِجَمَاعَةٍ تَحْلِفُونَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَخَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ وَلِيُّ الدَّمِ , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَيْمَانَ الْأَوْلِيَاءِ أُقِيمَتْ مَعَ اللَّوْثِ مُقَامَ الْبَيِّنَةِ فَكَمَا لَمْ يَكْفِ مِنْ الْبَيِّنَةِ فِي الدِّمَاءِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي مِنْ الْحَالِفِينَ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقَسَامَةَ لَمَّا كَانَتْ تَتَنَاوَلُ الدَّمَ فِي الْجِهَتَيْنِ احْتَاجَ أَنْ يُحْتَاطَ لِلدِّمَاءِ فِي الْجِهَتَيْنِ فَاحْتِيطَ مِنْ جِهَةِ الْقَتِيلِ إِنْ قَبِلَ فِي ذَلِكَ مَالًا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ مِنْ اللَّوْثِ عِنْدَ مَالِكٍ قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْ يُوجَدَ الْقَاتِلُ بِقُرْبِ الْمَقْتُولِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَجَّهَ ذَلِكَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ فَاحْتِيطَ لِدَمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَإِنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا احْتِيَاطًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ لِئَلَّا يُسْرِعَ إِلَى قَتْلِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ عَدَاوَةٌ فَفِي الْأَغْلَبِ أَنَّ الِاثْنَيْنِ لَا يَتَّفِقَانِ عَلَى ذَلِكَ فِي الظُّلْمِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَدًّا لِمَنْ يُخَافُ مِنْهُ الزَّلَلُ فَقَالَ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَجَعَلَ الْأَيْمَانَ تُكَرَّرُ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ فِيمَا يُرَادُ التَّحَرُّزُ لَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ فِي اللِّعَانِ أَرْبَعَةً وَاللَّفْظُ الْخَامِسُ عَلَى مَعْنَى التَّحْقِيقِ وَالتَّغْلِيظِ وَهَذِهِ الْأَيْمَانُ هِيَ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِهَا فِي الدِّمَاءِ إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي صِحَّةِ الْقَسَامَةِ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَأَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِلْحَارِثِيَّيْنِ بِالْأَيْمَانِ فَقَالَ لَهُمْ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ يَحْتَمِلُ إِنْ أَثْبَتُّمْ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَلَمَّا قَالُوا لَا نَحْلِفُ كَانَ نُكُولًا وَلَمَّا قَالُوا لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ كَانَ إظْهَارًا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَقَوْلُهُ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِمَّا يَجِبُ لَهُمْ فِي دَمِ صَاحِبِهِمْ الْمَقْتُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ دَمَ صَاحِبِكُمْ الَّذِي تَدَّعُونَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ , أَوْ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَيْمَانِكُمْ وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ , فَأَظْهَرُ احْتِمَالِ الْوَجْهَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّاحِبِ الْقَتِيلَ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الشَّكِّ فِي اللَّفْظِ فَإِذَا قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ دَمُ الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا ادَّعَوْا عَلَى جَمَاعَةِ يَهُودَ بِقَوْلِ مُحَيِّصَةَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ قَاتِلُهُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ قَتْلُهُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْيَهُودِ , ثُمَّ يُعَيَّنُ لَهُ الْقَاتِلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ قَاتِلٌ غَيْرَ أَنَّهُ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْقَسَامَةِ دَمَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْقَسَامَةِ مِثْلَ الْقَاتِلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَسَامَةِ الْقِصَاصَ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الدِّيَةَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ , فَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الدَّمُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْقِصَاصِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْقَتْلُ عَمْدًا فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهَا الدَّمَ كَالشُّهُودِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْقَسَامَةِ إِلَّا قَتْلُ رَجُلٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقَسَامَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ وَفِي قَتْلِ الْوَاحِدِ رَدْعٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْتَلُ إِلَّا وَاحِدٌ فَهَلْ يُقْسَمُ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْسِمُ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ سَوَاءٌ ثَبَتَتْ الْقَسَامَةُ بِدَعْوَى الْمَيِّتِ أَوْ بِلَوْثٍ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى الضَّرْبِ ثُمَّ عَاشَ أَيَّامًا وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا عَلَى وَاحِدٍ , أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ , أَوْ عَلَى أَكْثَرَ , أَوْ عَلَى جَمِيعِهِمْ , ثُمَّ لَا يَقْتُلُونَ إِلَّا وَاحِدًا مِمَّنْ أَدْخَلُوهُ فِي قَسَامَتِهِمْ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَسَامَةَ فَائِدَتُهَا الْقِصَاصُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَلَا مَعْنَى لِلْقَسَامَةِ عَلَى مَنْ لَا يَقْتُلُ وَلَا تُؤَثِّرُ الْقَسَامَةُ فِيهِ حُكْمًا.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةٌ لَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِ فَإِذَا وَجَبَ لَهُمْ الْقِصَاصُ بِالْقَسَامَةِ الْمُطَابِقَةِ لِدَعْوَاهُمْ كَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ تَعْيِينُ مَنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ قَدْ تَنَاوَلَتْهُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا إنَّهُ إنَّمَا يُقْسِمُ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَا يَقُولُونَ مِنْ ضَرْبِهِمْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ الْبَاقُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُحْبَسُونَ عَامًا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُمْ لَا بِمَعْنَى لَا نَحْلِفُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنَزُّهًا عَنْ الْأَيْمَانِ مَعَ تَيَقُّنِهِمْ قَتْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعًا مِنْ الْأَيْمَانِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا وَلَا تَيَقَّنُوا مُقْتَضَاهَا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَمَّا قَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ قَالُوا لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ وَهَذَا ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَقَعْ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهِ فَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى ذَلِكَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ صِحَّةُ امْتِنَاعِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ دُونَ الْعِلْمِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُنَالُ بِالْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ كَمَا أَنَّ الصَّغِيرَ إِذَا أَخْبَرَهُ شَاهِدَانِ بِتَرِكَةِ أَبِيهِ جَازَ لَهُ تَصْدِيقُهُمَا , ثُمَّ يَدَّعِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فَقَدْ قَامَتْ السُّنَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَرَضَ الْأَيْمَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ بِمَا ثَبَتَ مِنْ لَطْخِهِمْ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ رَدِّ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ حِينَ نُكُولِ الْمُدَّعِينَ وَهِيَ السُّنَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ أَقْسَمُوا بَرِئُوا وَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ لِلْحَارِثِيَّيْنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَقَلَهَا عِنْدَ نُكُولِهِمْ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بَدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَقْطُوعٌ وَمَا رَوَاهُ مُسْنَدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي إِحْدَى الْجَنْبَتَيْنِ وَاللَّوْثُ وَهُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ قَدْ قَوَّى جِهَةَ الْمُدَّعِينَ فَثَبَتَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَنْبَتِهِمْ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ عَدَاوَتِهِمْ وَاسْتِبَاحَتِهِمْ قَتْلَهُمْ وَرِضَاهُمْ بِالْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْحُقُوقِ وَأَنَّ أَيْمَانَ الْكُفَّارِ لَا تُبْرِئُهُمْ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ , أَوْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ فِيهِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَلَكِنَّهُ عَدَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَى أَنْ تَفَضَّلَ عَلَى الْحَارِثِيَّيْنِ وَأَعْطَاهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دِيَةَ قَتِيلِهِمْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي الْحُكْمِ شَيْءٌ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ سَهْلٍ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ تَبْيِينِهِ لِلْحَدِيثِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِلْكَثِيرِ مِنْهُ وَذَلِكَ لِمَا جَرَى فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُذْكَرُ بِهَا أَمْرُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ تَحْدِيدٌ لِلْأَيْمَانِ وَحَصْرُهَا بِعَدَدٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْقَسَامَةِ بِهِ.


حديث كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ‏ ‏أَنَّهُ أَخْبَرَهُ ‏ ‏رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ ‏ ‏وَمُحَيِّصَةَ ‏ ‏خَرَجَا إِلَى ‏ ‏خَيْبَرَ ‏ ‏مِنْ ‏ ‏جَهْدٍ ‏ ‏أَصَابَهُمْ فَأُتِيَ ‏ ‏مُحَيِّصَةُ ‏ ‏فَأُخْبِرَ أَنَّ ‏ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ ‏ ‏قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ ‏ ‏حُوَيِّصَةُ ‏ ‏وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ ‏ ‏وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏فَذَهَبَ ‏ ‏مُحَيِّصَةُ ‏ ‏لِيَتَكَلَّمَ ‏ ‏وَهُوَ الَّذِي كَانَ ‏ ‏بِخَيْبَرَ ‏ ‏فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏كَبِّرْ كَبِّرْ ‏ ‏يُرِيدُ السِّنَّ ‏ ‏فَتَكَلَّمَ ‏ ‏حُوَيِّصَةُ ‏ ‏ثُمَّ تَكَلَّمَ ‏ ‏مُحَيِّصَةُ ‏ ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏إِمَّا أَنْ ‏ ‏يَدُوا ‏ ‏صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏لِحُوَيِّصَةَ ‏ ‏وَمُحَيِّصَةَ ‏ ‏وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَقَالُوا لَا قَالَ أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ ‏ ‏فَوَدَاهُ ‏ ‏رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏سَهْلٌ ‏ ‏لَقَدْ ‏ ‏رَكَضَتْنِي ‏ ‏مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏الْفَقِيرُ هُوَ الْبِئْرُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم

عن بشير بن يسار، أنه أخبره، أن عبد الله بن سهل الأنصاري، ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما، فقتل عبد الله بن سهل، فقدم محيصة، فأتى هو و...

اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم

عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني أهل المدينة

رسول الله ﷺ قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا...

عن أبي هريرة، أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك...

لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو...

حدثني يحيى عن مالك عن قطن بن وهب بن عمير بن الأجدع أن يحنس مولى الزبير بن العوام أخبره أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسل...

قال رسول الله ﷺ إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وي...

عن جابر بن عبد الله، أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا...

أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي...

عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولو...

لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خ...

عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها، إلا أبدلها الله خيرا منه»

تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أط...

عن سفيان بن أبي زهير، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كا...

لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتتركن المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذي على بعض سواري المسجد أو على المنبر»...