1634- عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِنْ الْأَعْمَالِ مِمَّا يُكَلِّفُهُ أُمَّتَهُ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا وَأَرْفَقَهُمَا بِأُمَّتِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عُقُوبَتَيْنِ يُنْزِلُهُمَا بِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي طَاعَتِهِ وَلَا آمَنَ بِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مُوَادَعَةٌ وَمُسَالَمَةٌ وَفِي الْآخَرِ مُحَارَبَةٌ أَوْ مُشَاقَةٌ إِلَّا اخْتَارَ مَا فِيهِ الْمُوَادَعَةُ , وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُجَاهَدَةِ وَمَنْعِ الْمُوَادَعَةِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ , وَذَلِكَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْحَرْبِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِالْأَيْسَرِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أُمَّتَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُخَيِّرُوهُ بَيْنَ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا اخْتَارَ لَهُمْ أَيْسَرَهُمَا رِفْقًا بِهِمْ وَنَظَرًا لَهُمْ وَخَوْفًا أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ أَشَقُّهُمَا فَيَعْجَزُوا عَنْهَا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا إِنْ كَانَ الْمُخَيِّرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى لَا يُخَيِّرُ بَيْنَ الْإِثْمِ وَالطَّاعَةِ , وَإِنْ كَانَ الْمُخَيِّرُ لَهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ مِمَّنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا , وَيَكُونُ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَيْسَرُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ خُيِّرَ فِيهِمَا إثْمًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَلَا يَخْتَارُهُ , وَإِنَّمَا يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ إِذَا خُيِّرَ بَيْنَ جَائِزَيْنِ مَشْرُوعَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُخَيِّرُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَّتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّهُمْ أَيْضًا لَا يُخَيِّرُونَهُ بَيْنَ الْتِزَامِ فِعْلِ طَاعَةٍ وَالْتِزَامِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ , وَيَجُوزُ عَلَى بُعْدِ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِمَعْنَى أَنْ يُخَيِّرُوهُ بَيْنَ الْتِزَامِ مَا يَجُوزُ وَالْتِزَامِ مَا لَا يَجُوزُ , وَهُمْ يَعْتَقِدُونَهُ مِمَّا يَجُوزُ فَيَكُونَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ أَنْ يُبِيحَ لَهُمْ مَا لَا يَجُوزُ بَلْ يُبَيِّنُ لَهُمْ الْمَنْعَ مِنْهُ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ إتْيَانِهِ وَيَعْدِلُ بِهِمْ إِلَى الْجَائِزِ , وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا رَضِي اللَّهُ عَنْهَا وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِنَفْسِهِ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَذًى مِنْ مُخَالَفَةِ إرَادَةِ رَبِّهِ فِيمَا يَخُصُّهُ فَيَنْتَقِمُ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ قَالَ مَالِكٌ : بَلَغَنِي أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام قَالَ مَا انْتَقَمْت لِنَفْسِي مِنْ شَيْءٍ فَذَلِكَ الْيَوْمُ زَادِي مِنْ الدُّنْيَا , وَإِنَّ عَمَلِي قَدْ لَحِقَ بِعَمَلِ آبَائِي فَأَلْحِقُوا قَبْرِي بِقُبُورِهِمْ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَعْفُو عَمَّنْ شَتَمَهُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا رَضِي اللَّهُ عَنْهَا إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ لِلَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُؤْذَى أَذًى فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الدِّينِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ انْتِهَاكًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِذَلِكَ إعْظَامًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِفِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ , وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا يَأْثَمُ فَاعِلُ الْمُبَاحِ , وَإِنْ وَصَلَ بِذَلِكَ أَذًى إِلَى غَيْرِهِ قَالَ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذْ أَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ إنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ , وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا فَجَعَلَ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ , حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا فَشَرَطَ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْذُوا بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا وَأَطْلَقَ الْأَذَى فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَحَصَلَ عَلَى إطْلَاقِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَلَا يَخْلُو أَنْ يَسُبَّهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ فَإِنْ سَبَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ , قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَكَذَلِكَ إِنْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَالزِّنْدِيقِ لَا تُؤْمَنُ تَوْبَتُهُ وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ فَمَنْ شَتَمَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ فَلَمْ يُعَزِّرْهُ وَلَمْ يَنْصُرْهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ لَمْ يَنْصُرْهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ وَمَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قُتِلَ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ إِنْ انْتَقَصَهُ قُتِلَ , وَلَمْ يُسْتَتَبْ كَمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ.
( فَرْعٌ ) وَمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَحُكْمُهُ إِذَا ظُفِرَ بِهِ حُكْمُ سَائِرِ الْكُفَّارِ , وَالْإِمَامُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُسْرِفَ فِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ شُهِرَ بِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي ابْنِ خَطَلٍ وَفِي مِقْيَسِ بْنِ صَبَابَةَ وَفِي الْقَيْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِسَبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَإِنْ سَبَقَ وَنَادَى بِالْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
( فَرْعٌ ) وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ إِذَا شَتَمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَفَرَّقْنَا بَيْنَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ مَنْ سَبَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ دِينِنَا إِلَى غَيْرِهِ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا فَحَدُّهُ عِنْدَنَا الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِذَا لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ ظَاهِرٍ إِلَى ظَاهِرٍ وَالْكِتَابِيُّ الَّذِي كَانَ عَلَى الْكُفْرِ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم غُفِرَ لَهُ مَا قَدْ سَلَفَ فَلَمْ يُقْتَلْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ كَسَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ , وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ سَقَطَ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ قَالَ سَحْنُونٌ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ قَتَلْت الذِّمِّيَّ بِذَلِكَ وَمَنْ دِينُهُ سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَتَكْذِيبُهُ قِيلَ لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِنَا وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا فَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا مِنَّا لَقَتَلْنَاهُ , وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُ دِمَائِنَا فَكَذَلِكَ سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِذَا أَظْهَرَهُ قَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ بَذَلَ لَنَا أَهْلُ الْحَرْبِ الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى إظْهَارِ سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ الْعَهْدَ يُنْتَقَضُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِسَبِّهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَيَحِلُّ لَنَا دَمُهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ثُمَّ أَسْلَمَ لَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ , وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِيلَ الْقِصَاصُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ , وَهَذَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ دِينِهِ إِلَى دِينِنَا فَظَاهِرُ لَفْظِ سَحْنُونٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ وَأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا , وَظَاهِرُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا وَلَا يُسْتَتَابُ مِنْهُ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قَالَ الْمَجُوسِيُّ إِنَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْنَا , وَإِنَّمَا أُرْسِلَ إلَيْكُمْ , وَإِنَّمَا نَبِيُّنَا مُوسَى أَوْ عِيسَى أَوْ نَحْوُهُمَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَأَمَّا إِنْ سَبَّهُ فَقَالَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَلَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ , وَإِنَّمَا هُوَ نَبِيٌّ بِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ فَهَذَا يُقْتَلُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ : إِنَّهُ نَبِيٌّ إنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يُكَذِّبْهُ , وَإِنَّمَا يُكَذِّبُ النَّاقِلَ عَنْهُ لِلرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ , وَهَذَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَذِبِ وَإِذَا نَفَى عَنْهُ النُّبُوَّةَ فَقَدْ كَذَّبَهُ , وَذَلِكَ وَجْهٌ شَدِيدٌ مِنْ السَّبِّ.
( فَرْعٌ ) وَلَوْ قَالَ نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ , وَإِنَّمَا دِينُكُمْ الْخَمْرُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ , أَوْ يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَذَبْت لَعَنَكُمْ اللَّهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا فِيهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ وَالسِّجْنُ الطَّوِيلُ.
( فَرْعٌ ) وَمَنْ تَقَاضَى دَيْنَهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَغْضَبَهُ فَقَالَ لَهُ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ وَجْهِ الْغَضَبِ وَالضِّيقِ فَلَيْسَ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْقِيُّ وَأَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ يُرِيدُ أَنَّهُ شَتَمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَغْضَبَهُ وَذَهَبَ الْحَارِثُ وَغَيْرُهُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَى الْقَتْلِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ لَعْنَهُ تَوَجَّهَ إِلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ.
( فَرْعٌ ) وَلَوْ قَالَ نَبَطِيٌّ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ الْآنَ فِي الْجَنَّةِ فَمَا لَهُ لَمْ يُغْنِ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ.
( فَرْعٌ ) وَمَنْ تَعَجَّبَ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ قَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِسَابِ وَرَجَاءِ الثَّوَابِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ مُعَاوِيَةَ أَوْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَإِنْ قَالَ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاتِمِ النَّاسِ فَلْيُنَكَّلْ نَكَالًا شَدِيدًا , وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ مَنْ كَفَّرَ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَوْجِعْهُ جَلْدًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت فِي مَسَائِلَ رَوَيْت عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ مُوسَى أَنْ قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ , وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ بِمِثْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ النَّكَالُ الشَّدِيدُ.
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا
عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»
عن مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، عن كعب الأحبار، أنه قال: «إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه، فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء»
عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني: «أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامي بالهواجر»
عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: «ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى، قال: «إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة، فإنه...
عن يزيد بن طلحة بن ركانة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء»
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن الحياء من الإيمان»...
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الل...
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»
عن أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ...