1656- عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم «أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه»
إسناده صحيح
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ يَقْتَضِي أَنَّهَا أَعْطَتْهُ إِيَّاهُ لِيَلْبَسَهُ , وَلَوْ لَمْ تُرِدْ أَنْ يَلْبَسَهُ لَقَالَ أَعْطَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ فَأَمَّا لَفْظُ كَسَتْ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي وَجْهَ اللِّبَاسِ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَالْخَزُّ بَزٌّ يُتَّخَذُ مِنْهُ الثِّيَابُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إجَازَةِ لُبْسِهِ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ تَابِعِيًّا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَكْسُو بَنِيهِ الْخَزَّ , وَأَمَّا كُلُّ ثَوْبٍ سُدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ وَبَرٌّ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ صُوفٌ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ , وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى إبَاحَتِهِ لِلرِّجَالِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَرَاهِيَتَهُ , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا كَرِهَهُ لِسُدَى الْحَرِيرِ فِيهِ , وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحْرِيمِهِ , وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَرِيرَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ , وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهُ لِلِانْتِفَاعِ , وَمُمَازَجَةُ الْحَرِيرِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْكَتَّانِ أَوْ الصُّوفِ أَوْ الْقُطْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ , وَالثَّانِي الْعِلْمُ وَنَحْوُهُ أَنْ يُخَاطَ الثَّوْبُ بِالْحَرِيرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ , وَإِنْ عَظُمَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الرُّخْصَةِ فِيهِ وَالصَّلَاةِ بِهِ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ أُصْبُعٍ إِلَى أَرْبَعٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَرِهَ مَالِكٌ لِبَاسَ الْمَلَاحِفِ فِيهَا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ حَرِيرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ مِنْ عِلْمِ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِلَّا الْخَيْطَ الرَّقِيقَ , وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا , وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ اللَّتَيْنِ يَلِيَانِ الْإِبْهَامَ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ , وَذَلِكَ فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي بِهَا الْإِعْلَامَ وَرَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ عَنْ عُمَرَ إِلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ , وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ , وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ قَدْرُ أُصْبُعٍ مِنْ حَرِيرٍ , يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إبَاحَةَ الْأُصْبُعِ فَمَا دُونَهُ , وَالْمَنْعُ مِمَّا زَادَ عَلَيْهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً عَنْهُ فِي إبَاحَةِ الْعِلْمِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مِنْهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَإِبَاحَتِهِ عَلَى مَعْنَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَأَيْت رَبِيعَةَ يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ وَظِهَارَتُهَا وَبِطَانَتُهَا خَزٌّ , وَكَانَ إمَامًا يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ الْخَزِّ الْمَحْضِ أَوْ سُدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ أَنَّ رَبِيعَةَ كَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ مُبَاحًا وَإِنَّهُ كَانَ إمَامًا يُقْتَدَى بِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا كَانَ مَحْضًا مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْعَلُ مِنْ الْحَرِيرِ جَيْبٌ لَا فِي فَرْوٍ وَلَا ثَوْبٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا يُصَلَّى بِقَلَنْسُوَةٍ حَرِيرٍ قَالَ مَالِكٌ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ لِبَاسَ الْخَزِّ وَيَلْبَسُونَ قَلَانِسَ الْخَزِّ تَعَجُّبًا مِنْ اخْتِلَافِ رَأْيِهِمْ , وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ أَخْرَجْت إِلَى أَسْمَاءَ جُبَّةً طَيَالِسِيَّةٌ كِسْرَوَانِيَّةٌ رَأَيْت لَهَا لَبِنَةَ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ , فَقَالَتْ هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا حَتَّى قُبِضَتْ , وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى تَسْتَشْفِي بِهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَمِثْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِرَادَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ , وَهُوَ مِمَّا يُخَالِفُ أَحَادِيثَ الْأَئِمَّةِ , وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ فَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صُنِعَ بِهِ بَعْدَ لُبْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَرِيرَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ لُبْسُهُ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ وَرَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ فَالْمَعَانِي تَقْتَضِي مَنْعَ اللُّبْسِ لِلْحَرِيرِ , فَلَا يُلْبَسُ ثَوْبٌ مَخِيطٌ مِنْهُ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُلْتَحَفُ بِهِ وَلَا يُفْتَرَشُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ وَلَا يُتَنَقَّبُ بِهِ , وَكَذَلِكَ مَا بُطِّنَ بِحَرِيرٍ أَوْ حُشِيَ بِهِ مِثْلَ الصُّوفِ أَوْ رُقِّمَ بِهِ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ فِيهِ كَثِيرًا.
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَمَّا مَا بُسِطَ مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَدْ فَعَلَهُ النَّاسُ , وَأَمَّا مَا يُلْبَسُ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَاللِّحَافُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِمَّا يُبْسَطُ , وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنْ أَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أُهْدِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ثَوْبَ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمَسُهُ وَنَعْجَبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا ؟ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا , وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِنْ الِانْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ , وَلِذَلِكَ جَازَ لُبْسُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا سِتْرُ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُعَلَّقَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا تَزَوَّجْت قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم اتَّخَذْت أَنْمَاطًا قُلْت : وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ فَقَالَ أَمَا أَنَّهَا سَتَكُونُ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ فَأَنَا أَقُولُ نَحِّهِ عَنِّي وَتَقُولُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَتَكُونُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ جَابِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْمَاطًا تُعَلَّقُ بِمَعْنَى السُّتُورِ , وَأَمَّا اللِّحَافُ يَرْتَدِي فِيهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ رَايَةٌ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلِبَاسٍ مُعْتَادٍ.
.
( فَصْلٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا فِي حَالِ السَّلْمِ فَأَمَّا لِبَاسُهُ فِي الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ بِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ , وَقَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ وَالْمُبَاهَاةِ , وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم , وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَحِيحٌ , وَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
.
( فَصْلٌ ) وَأَمَّا لُبْسُهُ لِلْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَرْخَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلِلزُّبَيْرِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا , وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ بِهِمَا وَرَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُمَا شَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي غُزَاةٍ لَهُمَا , وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَرْخَصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي السَّفَرِ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِمَا فَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ , وَزَادَ هَمَّامُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِتِلْكَ الْغُزَاةِ , وَالَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَا يُلْبَسُ الْحَرِيرُ فِي غَزْوٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا يُقْتَدَى بِهِ فِي لُبْسِهِ فِي الْغَزْوِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ لَكِنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاتُهُ فِيهِ , وَحَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْحَصْرِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِمُدَّةٍ , وَذَلِكَ يَنْفِي مُشَارَكَتَهُمَا لِغَيْرِهِمَا فِي مُدَّتِهِمَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِالْحَدِيثَيْنِ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الدُّنْيَا , وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ خَاصَّةً , وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ لَبِسَهُ لُبْسًا مُسْتَمِرًّا فِي غَزْوٍ وَغَيْرِهِ , وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ لَبِسَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا لَبِسَاهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ مِمَّا يُوَازِيهِ فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي لُبْسِهِ لِذَلِكَ , وَهَذَا مُبَاحٌ بِإِجْمَاعٍ , وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إِلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ جَازَ.
و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُهُ
عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أنها قالت: «دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى حفصة خمار رقيق، فشقته عائشة وكستها خم...
عن أبي هريرة، أنه قال: «نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة»
عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال: «ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟ كم من كاسية في الد...
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يجر ثوبه خيلاء، لا ينظر الله إليه يوم القيامة»
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطرا»
عن نافع، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثو...
عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، أنه قال: سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار، فقال: أنا أخبرك بعلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إزرة المؤمن...
عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه نافع مولى ابن عمر، عن صفية بنت أبي عبيد، أنها أخبرته، عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت حين ذكر الإزار،...
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا»