1786- عن يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للقحة تحلب: «من يحلب هذه؟» فقام رجل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اسمك؟» فقال له الرجل: مرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس، ثم قال: «من يحلب هذه؟» فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اسمك؟»، فقال حرب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجلس»، ثم قال: «من يحلب هذه؟» فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اسمك؟»، فقال: يعيش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احلب»
هو مرسل أو معضل
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِلَّذِي أَرَادَ حَلْبَ النَّاقَةِ مَا اسْمُك يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَعْرِفَ اسْمَهُ لِيَدْعُوَهُ بِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَهُ أَوْ يَنْهَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّفَاؤُلَ فَلَمَّا قَالَ لَهُ حَرْبٌ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هَذَا الِاسْمَ وَكَانَ يَكْرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا قَبُحَ مِنْهَا , وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم غَيَّرَ اسْمَ ابْنَةٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةً فَسَمَّاهَا جَمِيلَةً وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُك قَالَ حُزْنٌ قَالَ لَهُ أَنْتَ سَهْلٌ قَالَ لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الطِّيَرَةِ الْمَمْنُوعَةِ أَنَّ الطِّيَرَةَ لَيْسَ فِي لَفْظِهَا وَلَا فِي مَنْظَرِهَا شَيْءٌ مَكْرُوهٌ وَلَا مُسْتَبْشَعٌ وَإِنَّمَا يُعْتَقَدُ أَنَّ عِنْدَ لِقَائِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ الشُّؤْمُ وَيَمْتَنِعُ الْمُرَادُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ مَكْرُوهَةٌ قَبِيحَةٌ يُسْتَبْشَعُ ذِكْرُهَا وَسَمَاعُهَا وَيُذَكِّرُ بِمَا يُحْذَرُ مِنْ مَعَانِيهَا فَاسْمُ حَرْبٍ يُذَكَّرُ بِمَا يُحْذَرُ مِنْ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ مُرَّةُ فَتَكْرَهُهُ النُّفُوسُ لِذَلِكَ , وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أُحِبُّ الْفَأْلَ قِيلَ لَهُ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَهِيَ الَّتِي تُذْكَرُ بِمَا يَرْجُوهُ مِنْ الْخَيْرِ فَتُسَرُّ بِهِ النَّفْسَ وَرُبَّمَا كَانَ بِمَعْنَى الْبِشَارَةِ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْخَيْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ , وَقَدْ طَلَعَ سُهَيْلُ بْنُ عُمَرَ , وَقَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمَنْعُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَبِيحِ الْأَسْمَاءِ كَحَرْبٍ وَحُزْنٍ وَمُرَّةَ وَالثَّانِي مَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ مِنْ بَابِ الدِّينِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زَيْنَبَ وَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَهَانِي عَنْ هَذَا الِاسْمِ وَسُمِّيت بُرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِيَاسِينَ وَلَا بِمَهْدِيٍّ وَلَا بِجِبْرِيلَ قِيلَ لَهُ فَالْهَادِي قَالَ هَذَا أَقْرَبُ ; لِأَنَّ الْهَادِيَ هَادِي الطَّرِيقِ وَرُوِيَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بُرَّةُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ فَتَعَلَّقَ الْمَنْعُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَتِهَا نَفْسَهَا بِمَا تَسَمَّتْ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لِهُجْنَةِ اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِمْ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ أَفْلَحَ وَرَبَاحٍ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ وَرُوِيَ عَنْهُ وَلَا نُجَيْحًا مَكَانَ نَافِعٍ , وَقَالَ فَإِنَّك تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلَا يَكُونُ ثَمَّ فَيَقُولُ لَا فَأَشَارَ إِلَى مَعْنَى التَّفَاؤُلِ بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَ هُنَا يَسَارٌ أَوْ لَيْسَ هُنَا أَفْلَحُ أَوْ لَيْسَ هُنَا رَبَاحٌ.
وَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِمُقْبِلٍ وَبِبَرَكَةَ وَأَفْلَحَ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْته سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قُبِضَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ , وَقَدْ رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ النَّهْيَ وَإِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لِلَّفْظِ وَيُحْتَمَلُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَنَّهُ أَرَادَ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّغْيِيرِ لِاسْمِ مَنْ كَانَ سُمِّيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَيَّرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ فِيهِ بِالْأَفْضَلِ دُونَ مَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى الْجَائِزِ , وَلِذَلِكَ أَقَرَّ حُزْنًا عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الِاسْتِمْسَاكِ بِاسْمِهِ وَرَضِيَهُ وَكَرِهَ تَغْيِيرَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَمْ يُقِرَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَلِكَ أَقَرَّ حَرْبًا وَمُرَّةَ عَلَى أَسْمَائِهِمَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا بِتَغْيِيرِهِمَا مَعَ كَرَاهِيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَقَدْ تُمْنَعُ التَّسْمِيَةُ مَعَ تَحْرِيمٍ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَاظُمِ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَفَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ أَشْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ سُفْيَانُ تَفْسِيرُهُ شاهان شاه.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَقَدْ مُنِعَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنْ يَكْتَنِيَ أَحَدٌ بِكُنْيَتِهِ وَرَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي فَنَهَى عَنْ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدٌ أَحَدًا بِأَبِي الْقَاسِمِ وَنَهَى أَنْ يُكْتَنَى أَحَدٌ بِهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أَعْنِك إنَّمَا دَعَوْت فُلَانًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ عُدِمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلِذَلِكَ يَكُنِّي النَّاسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ فَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مَعَهُمْ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا عَلِمْت بَأْسًا أَنْ يُسَمَّى مُحَمَّدًا وَيُكَنَّى بِأَبِي الْقَاسِمِ قَالَ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَحَدَّثُونَ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا رَأَوْا خَيْرًا وَرُزِقُوا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَا اسْمُك فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم اُحْلُبْ فَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّفَاؤُلِ بِحُسْنِ الِاسْمِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ وَلَا يَجْرِي هَذَا مَجْرَى الطِّيَرَةِ ; لِأَنَّ الْفَأْلَ إنَّمَا هُوَ لِاسْتِحْسَانِ اسْمٍ يَتَضَمَّنُ نَجَاحًا أَوْ مَسَرَّةً أَوْ تَسْهِيلًا فَتَطِيبُ النَّفْسُ لِذَلِكَ وَيَقْوَى الْعَزْمُ عَلَى مَا قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَفْجَأُ مِنْ الْكَلَامِ دُونَ مَا يَتَرَقَّبُ سَمَاعَهُ وَيَقْدَمُ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى مَا فَعَلَ أَوْ يَرْجِعُ مِنْ أَجْلِهِ عَنْ أَمْرٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ إِلَى قَوْلِهِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ وَالْأَزْلَامُ قِدَاحٌ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَتَّخِذُهَا فِي أَحَدِهَا افْعَلْ وَفِي الثَّانِي لَا تَفْعَلْ فَإِذَا أَرَادَتْ فِعْلَ شَيْءٍ اسْتَقْسَمَتْ بِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تُجِيلَهَا ثُمَّ تُلْقِيَهَا فَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ أَقْدَمْت عَلَى الْفِعْلِ , وَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلْ امْتَنَعْت مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا رُوِيَ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : إذْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَأَبَا بَكْرٍ فِي سَفَرِ هِجْرَتِهِمَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَرَفَعْتُهَا يَعْنِي فَرَسَهُ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ وَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْت عَنْهَا فَقُمْت فَأَهْوَيْت بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْت مِنْهُ الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْت بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْت فَرَسِي وَعَصَيْت الْأَزْلَامَ حَتَّى إِذَا سَمِعْت قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتْ الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتهَا وَاسْتَقْسَمْت بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُمْ بِالْأَمَانِ.
( فَرْعٌ ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ رِقَاعٌ يُكْتَبُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَتُطْوَى ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَيُقْرَأُ مَا فِيهَا , وَقَدْ كَانَ يُحِبُّ بِحَالٍ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ مَا اقْتَضَى الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ , وَإِذَا وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى اقْتَضَى النَّهْيَ عَنْ الْفِعْلِ , وَقَدْ يَكُونُ بِالْخَطِّ , وَقَدْ يَكُونُ بِكَتِفٍ يُؤْخَذُ مِنْ شَاةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ , وَقَدْ يَكُونُ بِقُرْعَةٍ وَأَنْوَاعُهَا كَثِيرٌ , وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ فِي النُّجُومِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ , وَقَدْ يَكُونُ بِزَجْرِ الطَّيْرِ , وَقَدْ يَكُونُ بِالْعُطَاسِ غَيْرَ أَنَّ زَجْرَ الطَّيْرِ وَالْعُطَاسَ قَدْ يَقَعُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ لَهُ لَكِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ يَقُومُ مَقَامَ التَّرَقُّبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا أَبَاحَ الشَّرْعُ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الْخَطُّ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ قَالَ هُوَ الْخَطُّ وَرُوِيَ أَنَّهُ بُعِثَ نَبِيٌّ بِالْخَطِّ وَهَذِهِ كُلُّهَا أُمُورٌ ضِعَافٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ صَرَفَ مَنْ اسْمُهُ مُرَّةُ وَحَرْبٌ عَنْ حَلْبِ الشَّاةِ وَأَمْضَى حَلْبَهَا لِمَنْ اسْمُهُ يَعِيشُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى كَرَاهِيَةِ اسْمٍ وَاسْتِحْسَانِ اسْمٍ وَلَمْ يَتَشَبَّثْ بِذَلِكَ إِلَى عِلْمِ مَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَلَا إِلَى قُوَّةِ الْعَزْمِ عَلَيْهِ وَلَا لِلْإِضْرَابِ عَنْهُ وَإِنَّمَا اخْتَارَ حُسْنَ اسْمٍ كَمَا يُخْتَارُ جَمَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى امْرَأَةٍ قَبِيحَةٍ وَيُخْتَارُ نَظِيفُ الثِّيَابِ عَلَى قَبِيحِهَا وَيُخْتَارُ حُسْنُ الزِّيِّ وَطِيبُ الرَّائِحَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ فَاعْلَمْ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي التَّجَمُّلَ وَالتَّجَمُّلُ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فِي الْأَسْمَاءِ وَغَيْرِهَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَسْمَاءِ مَا فِيهِ الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ : إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِغَيْرِهَا فَسَمَّى حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَقَالَ : إنَّهُ سَمَّاهُمَا بِأَسْمَاءِ ابْنَيْ هَارُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم شِبْرٍ وَشُبَيْرٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ سَمِعْت أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا رُزِقُوا رِزْقَ خَيْرٍ.
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ حَرْبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلُبْ
عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب، قال لرجل: «ما اسمك؟» فقال جمرة، فقال: «ابن من؟»، فقال: ابن شهاب: قال: «ممن؟» قال: من الحرقة، قال: «أين مسكنك؟» قال:...
عن أنس بن مالك، أنه قال: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة -» فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا...
عن ابن محيصة الأنصاري، أحد بني حارثة، أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام، فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال: «اعلفه نضاحك...
عن عبد الله بن عمر، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول: «ها إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان»
عن أبي لبابة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت»
عن سائبة مولاة لعائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت، إلا ذا الطفيتين، والأبتر فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في ب...
عن أبي السائب، مولى هشام بن زهرة أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى قضى صلاته، فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته، فإذا حية فق...
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب»
عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشيطان يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم»