28- عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله "، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة، والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله، ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق
(وحسابه على الله) معناه أي فيما يستسرون به ويخفونه، دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة.
(عقالا) قد اختلف العلماء قديما وحديثا فيها.
فذهب جماعة منهم إلى أن المراد بالعقال زكاة عام.
وهو معروف في اللغة بذلك.
وذهب كثير من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير.
شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
أَسْمَاء الرُّوَاة فِي الْحَدِيث : عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن وَتَقَدَّمَ فِي الْفُصُول بَيَانه.
وَفِيهِ يُونُس وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه وَأَنَّ فِيهِ سِتَّة أَوْجُه ضَمّ النُّون وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا , مَعَ الْهَمْز وَتَرْكه.
وَأَمَّا فِقْهه وَمَعَانِيه قَوْله : ( لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَعْده , وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَب ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّه - فِي شَرْح هَذَا الْكَلَام كَلَامًا حَسَنًا لَا بُدّ مِنْ ذِكْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِد.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّه : مِمَّا يَجِب تَقْدِيمه فِي هَذَا أَنْ يُعْلَم أَنَّ أَهْل الرِّدَّة كَانُوا صِنْفَيْنِ : صِنْفٌ اِرْتَدُّوا عَنْ الدِّين وَنَابَذُوا الْمِلَّة وَعَادُوا إِلَى الْكُفْر وَهُمْ الَّذِينَ عَنَاهُمْ أَبُو هُرَيْرَة بِقَوْلِهِ : وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَب.
وَهَذِهِ الْفِرْقَة طَائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَصْحَاب مُسَيْلِمَة مِنْ بَنِي حَنِيفَة وَغَيْرهمْ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ عَلَى دَعْوَاهُ فِي النُّبُوَّة , وَأَصْحَاب الْأَسْوَد الْعَنْسِيّ وَمَنْ كَانَ مِنْ مُسْتَجِيبِيهِ مِنْ أَهْل الْيَمَن وَغَيْرهمْ.
وَهَذِهِ الْفِرْقَة بِأَسْرِهَا مُنْكِرَة لِنُبُوَّةِ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّعِيَة النُّبُوَّة لِغَيْرِهِ.
فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى قَتَلَ اللَّه مُسَيْلِمَة بِالْيَمَامَةِ , وَالْعَنْسِيّ بِصَنْعَاء وَانْفَضَّتْ جُمُوعهمْ وَهَلَكَ أَكْثَرهمْ.
وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى اِرْتَدُّوا عَنْ الدِّين وَأَنْكَرُوا الشَّرَائِع وَتَرَكُوا الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيْرهَا مِنْ أُمُور الدِّين وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمْ يَكُنْ يَسْجُد لِلَّهِ تَعَالَى فِي بَسِيط الْأَرْض إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَمَسْجِد عَبْد الْقَيْس فِي الْبَحْرَيْنِ فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا جُوَاثَا فَفِي ذَلِكَ يَقُول الْأَعْوَر الشَّنِّيّ يَفْتَخِر بِذَلِكَ : وَالْمَسْجِد الثَّالِث الشَّرْقِيّ كَانَ لَنَا وَالْمِنْبَرَانِ وَفَصْل الْقَوْل فِي الْخُطَب أَيَّام لَا مِنْبَر لِلنَّاسِ نَعْرِفهُ إِلَّا بِطِيبَة وَالْمَحْجُوب ذِي الْحُجُب وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُتَمَسِّكُونَ بِدِينِهِمْ مِنْ الْأَزْدِ مَحْصُورِينَ بِجُوَاثَا إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّه سُبْحَانه عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْيَمَامَة فَقَالَ بَعْضهمْ وَهُوَ رَجُل مِنْ بَنِي أَبِي بَكْر بْن كِلَاب يَسْتَنْجِد أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا بَكْر رَسُولًا وَفِتْيَان الْمَدِينَة أَجْمَعِينَا فَهَلْ لَكُمْ إِلَى قَوْم كِرَام قُعُود فِي جُوَاثَا مُحْصِرِينَا كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ فِي كُلّ فَجّ دِمَاء الْبُدْن تَغْشَى النَّاظِرِينَ تَوَكَّلْنَا عَلَى الرَّحْمَن إِنَّا وَجَدْنَا النَّصْر لَلْمُتَوَكِّلِينَا وَالصِّنْف الْآخَر هُمْ الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَأَقَرُّوا بِالصَّلَاةِ , وَأَنْكَرُوا فَرْضَ الزَّكَاة وَوُجُوب أَدَائِهَا إِلَى الْإِمَام.
وَهَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِيقَة أَهْل بَغْي وَإِنَّمَا لَمْ يَدْعُوَا بِهَذَا الِاسْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان خُصُوصًا لِدُخُولِهِمْ فِي غِمَار أَهْل الرِّدَّة فَأُضِيفَ الِاسْم فِي الْجُمْلَة إِلَى الرِّدَّة إِذْ كَانَتْ أَعْظَم الْأَمْرَيْنِ وَأَهَمَّهُمَا.
وَأُرِّخَ قِتَال أَهْل الْبَغْي فِي زَمَن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ فِي زَمَانه لَمْ يَخْتَلِطُوا بِأَهْلِ الشِّرْك وَقَدْ كَانَ فِي ضِمْن هَؤُلَاءِ الْمَانِعِينَ لِلزَّكَاةِ مَنْ كَانَ يَسْمَح بِالزَّكَاةِ وَلَا يَمْنَعهَا إِلَّا أَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ صَدُّوهُمْ عَنْ ذَلِكَ الرَّأْي وَقَبَضُوا عَلَى أَيْدِيهمْ فِي ذَلِكَ كَبَنِي يَرْبُوع , فَإِنَّهُمْ قَدْ جَمَعُوا صَدَقَاتهمْ وَأَرَادُوا أَنْ يَبْعَثُوا بِهَا إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَمَنَعَهُمْ مَالِك بْن نُوَيْرَة مِنْ ذَلِكَ وَفَرَّقَهَا فِيهِمْ وَفِي أَمْر هَؤُلَاءِ عَرَضَ الْخِلَاف وَوَقَعَتْ الشُّبْهَة لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَرَاجَعَ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَنَاظَرَهُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه.
فَمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَقَدْ عَصَمَ نَفْسه وَمَاله ".
وَكَانَ هَذَا مِنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْكَلَام قَبْل أَنْ يَنْظُر فِي آخِره وَيَتَأَمَّل شَرَائِطه.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ الزَّكَاة حَقّ الْمَال , يُرِيد أَنَّ الْقَضِيَّة قَدْ تَضَمَّنَتْ عِصْمَة دَم وَمَال مُعَلَّقَة بِإِيفَاءِ شَرَائِطهَا.
وَالْحُكْم الْمُعَلَّق بِشَرْطَيْنِ لَا يَحْصُل بِأَحَدِهِمَا وَالْآخَر مَعْدُوم.
ثُمَّ قَايَسَهُ بِالصَّلَاةِ وَرَدّ الزَّكَاة إِلَيْهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله دَلِيل عَلَى أَنَّ قِتَال الْمُمْتَنِع مِنْ الصَّلَاة كَانَ إِجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَة وَكَذَلِكَ رَدّ الْمُخْتَلَف فِيهِ إِلَى الْمُتَّفَق عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّة الِاحْتِجَاج مِنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْعُمُومِ وَمِنْ أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْقِيَاسِ.
وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُمُوم يُخَصّ بِالْقِيَاسِ , وَأَنَّ جَمِيع مَا تَضَمَّنَهُ الْخِطَاب الْوَارِد فِي الْحُكْم الْوَاحِد مِنْ شَرْط وَاسْتِثْنَاء مُرَاعًى فِيهِ وَمُعْتَبَر صِحَّته بِهِ.
فَلَمَّا اِسْتَقَرَّ عِنْد عُمَر صِحَّة رَأْي أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَبَانَ لَهُ صَوَابه تَابَعَهُ عَلَى قِتَال الْقَوْم وَهُوَ مَعْنَى قَوْله ( فَلَمَّا رَأَيْت اللَّه قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْر لِلْقِتَالِ عَرَفْت أَنَّهُ الْحَقّ ) يُشِير إِلَى اِنْشِرَاح صَدْره بِالْحُجَّةِ الَّتِي أَدْلَى بِهَا , وَالْبُرْهَان الَّذِي أَقَامَهُ نَصًّا وَدَلَالَة.
وَقَدْ زَعَمَ زَاعِمُونَ مِنْ الرَّافِضَة أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَوَّل مَنْ سَبَى الْمُسْلِمِينَ , وَأَنَّ الْقَوْم كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ فِي مَنْعِ الصَّدَقَة , وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِطَاب فِي قَوْله تَعَالَى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَنٌ لَهُمْ ) خِطَاب خَاصّ فِي مُوَاجِهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون غَيْره وَأَنَّهُ مُقَيَّد بِشَرَائِط لَا تُوجَد فِيمَنْ سِوَاهُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ التَّطْهِير وَالتَّزْكِيَة وَالصَّلَاة عَلَى الْمُتَصَدِّق مَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْل هَذِهِ الشُّبْهَة إِذَا وُجِدَ كَانَ مِمَّا يُعْذَر فِيهِ أَمْثَالهمْ , وَيُرْفَع بِهِ السَّيْف عَنْهُمْ , وَزَعَمُوا أَنَّ قِتَالهمْ كَانَ عَسْفًا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمُوا مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْم لَا خَلَاق لَهُمْ فِي الدِّين وَإِنَّمَا رَأْس مَالهمْ الْبُهُت وَالتَّكْذِيب وَالْوَقِيعَة فِي السَّلَف وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْل الرِّدَّة كَانُوا أَصْنَافًا مِنْهُمْ مَنْ اِرْتَدَّ عَنْ الْمِلَّة وَدَعَا إِلَى نُبُوَّة مُسَيْلَمَة وَغَيْره , وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَأَنْكَرَ الشَّرَائِع كُلّهَا.
وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ الصَّحَابَة كُفَّارًا وَلِذَلِكَ رَأَى أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَبْي ذَرَارِيّهمْ وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر الصَّحَابَة.
وَاسْتَوْلَدَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ جَارِيَة مِنْ سَبْي بَنِي حَنِيفَة فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا الَّذِي يُدْعَى اِبْن الْحَنَفِيَّة.
ثُمَّ لَمْ يَنْقَضِ عَصْر الصَّحَابَة حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدّ لَا يُسْبَى.
فَأَمَّا مَانِعُوا الزَّكَاة مِنْهُمْ الْمُقِيمُونَ عَلَى أَصْل الدِّين فَإِنَّهُمْ أَهْل بَغْي وَلَمْ يُسَمُّوا عَلَى الِانْفِرَاد مِنْهُمْ كُفَّارًا وَإِنْ كَانَتْ الرِّدَّة قَدْ أُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمْ الْمُرْتَدِّينَ فِي مَنْعِ بَعْض مَا مَنَعُوهُ مِنْ حُقُوق الدِّين ; وَذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّة اِسْم لُغَوِيّ وَكُلّ مِنْ اِنْصَرَفَ عَنْ أَمْر كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ فَقَدْ اِرْتَدَّ عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الِانْصِرَاف عَنْ الطَّاعَة , وَمَنْعُ الْحَقّ , وَانْقَطَعَ عَنْهُمْ اِسْم الثَّنَاء وَالْمَدْح بِالدِّينِ وَعَلَقَ بِهِمْ الِاسْم الْقَبِيح لِمُشَارَكَتِهِمْ الْقَوْم الَّذِينَ كَانَ اِرْتِدَادهمْ حَقًّا.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة } وَمَا اِدَّعَوْهُ مِنْ كَوْن الْخِطَاب خَاصًّا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ خِطَاب كِتَاب اللَّه تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : خِطَاب عَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة ) الْآيَة وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } وَخِطَاب خَاصّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُشْرِكهُ فِيهِ غَيْره وَهُوَ مَا أُبِينَ بِهِ عَنْ غَيْره بِسِمَةِ التَّخْصِيص وَقَطْعِ التَّشْرِيك كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } وَخِطَاب مُوَاجَهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَجَمِيع أُمَّته فِي الْمُرَاد بِهِ سَوَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوك الشَّمْس }.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم ) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ خِطَاب الْمُوَاجَهَة.
فَكُلّ ذَلِكَ غَيْر مُخْتَصّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ تُشَارِكهُ فِيهِ الْأُمَّة فَكَذَا قَوْله تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة } فَعَلَى الْقَائِم بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ الْأُمَّة أَنْ يَحْتَذِيَ حَذْوه فِي أَخْذهَا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا الْفَائِدَة فِي مُوَاجَهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ أَنَّهُ هُوَ الدَّاعِي إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالْمُبَيِّن عَنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ فَقَدَّمَ اِسْمه فِي الْخِطَاب لِيَكُونَ سُلُوك الْأَمْر فِي شَرَائِع الدِّين عَلَى حَسَب مَا يَنْهَجهُ وَيُبَيِّنهُ لَهُمْ.
وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فَافْتَتَحَ الْخِطَاب بِالنُّبُوَّةِ بِاسْمِهِ خُصُوصًا ثُمَّ خَاطَبَهُ وَسَائِر أُمَّته بِالْحُكْمِ عُمُومًا وَرُبَّمَا كَانَ الْخِطَاب لَهُ مُوَاجَهَة وَالْمُرَاد غَيْره كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ قَبْلِك ) إِلَى قَوْله : { فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَكّ قَطُّ فِي شَيْء مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ.
فَأَمَّا التَّطْهِير وَالتَّزْكِيَة وَالدُّعَاء مِنْ الْإِمَام لِصَاحِبِ الصَّدَقَة فَإِنَّ الْفَاعِل فِيهَا قَدْ يَنَال ذَلِكَ كُلّه بِطَاعَةِ اللَّه وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَكُلّ ثَوَاب مَوْعُود عَلَى عَمَل فِي زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ بَاقٍ غَيْر مُنْقَطِع.
وَيُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ وَعَامِل الصَّدَقَة أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُصَدِّقِ بِالنَّمَاءِ وَالْبَرَكَة فِي مَاله , وَيُرْجَى أَنْ يَسْتَجِيب اللَّه ذَلِكَ وَلَا يُخَيِّبَ مَسْأَلَته.
فَإِنْ قِيلَ كَيْف تَأَوَّلْت أَمْر الطَّائِفَة الَّتِي مَنَعَتْ الزَّكَاة عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ وَجَعَلْتهمْ أَهْل بَغْي ؟ وَهَلْ إِذَا أَنْكَرَت طَائِفَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَاننَا فَرْض الزَّكَاة وَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا يَكُون حُكْمهمْ حُكْم أَهْل الْبَغْي ؟ قُلْنَا : لَا فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ فَرْضَ الزَّكَاة فِي هَذِهِ الْأَزْمَان كَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْفَرْق بَيْن هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا عُذِرُوا لِأَسْبَابٍ وَأُمُور لَا يَحْدُث مِثْلهَا فِي هَذَا الزَّمَان , مِنْهَا قُرْبُ الْعَهْد بِزَمَانِ الشَّرِيعَة الَّذِي كَانَ يَقَع فِيهِ تَبْدِيل الْأَحْكَام بِالنَّسْخِ , وَمِنْهَا أَنَّ الْقَوْم كَانُوا جُهَّالًا بِأُمُورِ الدِّين وَكَانَ عَهْدهمْ بِالْإِسْلَامِ قَرِيبًا فَدَخَلَتْهُمْ الشُّبْهَة فَعُذِرُوا.
فَأَمَّا الْيَوْم وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَام وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوب الزَّكَاة حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ , وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِم وَالْجَاهِل , فَلَا يُعْذَر أَحَد بِتَأْوِيلِ يَتَأَوَّلهُ فِي إِنْكَارهَا.
وَكَذَلِكَ الْأَمْر فِي كُلّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ مِنْ أُمُور الدِّين إِذَا كَانَ عِلْمه مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس وَصَوْم شَهْر رَمَضَان وَالِاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة وَتَحْرِيم الزِّنَا وَالْخَمْر وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَنَحْوهَا مِنْ الْأَحْكَام إِلَّا أَنْ يَكُون رَجُلًا حَدِيث عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِف حُدُوده فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُر , وَكَانَ سَبِيله سَبِيل أُولَئِكَ الْقَوْم فِي بَقَاء اِسْم الدِّين عَلَيْهِ.
فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاع فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيق عِلْم الْخَاصَّة كَتَحْرِيمِ نِكَاح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَخَالَتهَا , وَأَنَّ الْقَاتِل عَمْدًا لَا يَرِث وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُس , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لَا يَكْفُر , بَلْ يُعْذَر فِيهَا لِعَدَمِ اِسْتِفَاضَة عِلْمهَا فِي الْعَامَّة.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : وَإِنَّمَا عَرَضَتْ الشُّبْهَة لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْوَجْه الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ لِكَثْرَةِ مَا دَخَلَهُ مِنْ الْحَذْف فِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْد بِهِ لَمْ يَكُنْ سِيَاق الْحَدِيث عَلَى وَجْهه وَذَكَرَ الْقِصَّة فِي كَيْفِيَّة الرِّدَّة مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ حِكَايَة مَا جَرَى بَيْن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَمَا تَنَازَعَاهُ فِي اِسْتِبَاحَة قِتَالهمْ وَيُشْبِه أَنْ يَكُون أَبُو هُرَيْرَة إِنَّمَا لَمْ يَعْنِ بِذِكْرِ جَمِيع الْقِصَّة اِعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَة الْمُخَاطَبِينَ بِهَا إِذْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا كَيْفِيَّة الْقِصَّة وَيُبَيِّن لَك أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مُخْتَصَر أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَأَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ رَوَيَاهُ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو هُرَيْرَة.
فَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه " وَفِي رِوَايَة أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتنَا , وَأَنْ يَأْكُلُوا ذَبِيحَتنَا , وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتنَا.
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا.
لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ , وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
هَذَا آخِر كَلَام الْخَطَّابِيّ رَحِمَهُ اللَّه.
قُلْت : وَقَدْ ثَبَتَ فِي الطَّرِيق الثَّالِث الْمَذْكُور فِي الْكِتَاب مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ.
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا " وَفِي اِسْتِدْلَال أَبِي بَكْر وَاعْتِرَاض عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَحْفَظَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَاهُ اِبْن عُمَر وَأَنَس وَأَبُو هُرَيْرَة وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة سَمِعُوا هَذِهِ الزِّيَادَات الَّتِي فِي رِوَايَاتهمْ فِي مَجْلِس آخَرَ , فَإِنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَوْ سَمِعَ ذَلِكَ لَمَا خَالَفَ , وَلَمَا كَانَ اِحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ ; فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة حُجَّة عَلَيْهِ.
وَلَوْ سَمِعَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَذِهِ الزِّيَادَة لَاحْتَجَّ بِهَا , وَلَمَا اِحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ وَالْعُمُوم.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله : ( وَاَللَّه لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتهمْ عَلَى مَنْعه ) هَكَذَا فِي مُسْلِم ( عِقَالًا ) وَكَذَا فِي بَعْض رِوَايَات الْبُخَارِيّ وَفِي بَعْضهَا ( عَنَاقًا ) بِفَتْحِ الْعَيْن وَبِالنُّونِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَد الْمَعْز وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَرَّرَ الْكَلَام مَرَّتَيْنِ فَقَالَ فِي مَرَّة عِقَالًا وَفِي الْأُخْرَى عَنَاقًا فَرُوِيَ عَنْهُ اللَّفْظَانِ.
فَأَمَّا رِوَايَة الْعَنَاق فَهِيَ مَحْمُولَة عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْغَنَم صِغَارًا كُلّهَا بِأَنْ مَاتَتْ فِي بَعْض الْحَوْل فَإِذَا حَال حَوْل الْأُمَّهَات زَكَّى السِّخَال بِحَوْلِ الْأُمَّهَات سَوَاء بَقِيَ مِنْ الْأُمَّهَات شَيْء أَمْ لَا.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأَنْمَاطِيّ مِنْ أَصْحَابنَا : لَا يُزَكَّى الْأَوْلَاد بِحَوْلِ الْأُمَّهَات إِلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأُمَّهَات نِصَاب.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْأُمَّهَات شَيْء.
وَيُتَصَوَّر ذَلِكَ فِيمَا إِذَا مَاتَ مُعْظَم الْكِبَار وَحَدَثَتْ صِغَار فَحَال حَوْل الْكِبَار عَلَى بَقِيَّتهَا وَعَلَى الصِّغَار.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا رِوَايَة ( عِقَالًا ) فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِيهَا ; فَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِقَالِ زَكَاة عَام وَهُوَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة بِذَلِكَ.
وَهَذَا قَوْل النَّسَائِيِّ وَالنَّضْر بْن شُمَيْلٍ وَأَبِي عُبَيْدَة وَالْمُبَرِّد وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل اللُّغَة , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء , وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْعِقَال يُطْلَق عَلَى زَكَاة الْعَام بِقَوْلِ عَمْرو بْن الْعَدَّاء.
سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُك لَنَا سَبْدًا فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرو عِقَالَيْنِ أَرَادَ مُدَّة عِقَال فَنَصَبَهُ عَلَى الظَّرْف وَعَمْرو هَذَا السَّاعِي هُوَ عَمْرو بْن عُتْبَةَ بْن أَبِي سُفْيَان وَلَّاهُ عَمّه مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا صَدَقَات كَلْب فَقَالَ فِيهِ قَائِلهمْ ذَلِكَ.
قَالُوا : وَلِأَنَّ الْعِقَال الَّذِي هُوَ الْحَبْل الَّذِي يُعْقَل بِهِ الْبَعِير لَا يَجِب دَفْعه فِي الزَّكَاة فَلَا يَجُوز الْقِتَال عَلَيْهِ , فَلَا يَصِحّ حَمْلُ الْحَدِيث عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِقَالِ الْحَبْل الَّذِي يُعْقَل بِهِ الْبَعِير وَهَذَا الْقَوْل يُحْكَى عَنْ مَالِك وَابْن أَبِي ذِئْب وَغَيْرهمَا.
وَهُوَ اِخْتِيَار صَاحِب التَّحْرِير وَجَمَاعَة مِنْ حُذَّاق الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : قَوْل مَنْ قَالَ الْمُرَاد صَدَقَة عَام تَعَسُّف وَذَهَاب عَنْ طَرِيقَة الْعَرَب , لِأَنَّ الْكَلَام خَرَجَ مَخْرَج التَّضْيِيق وَالتَّشْدِيد وَالْمُبَالَغَة , فَتَقْتَضِي قِلَّة مَا عَلَّقَ بِهِ الْقِتَال وَحَقَارَته.
وَإِذَا حُمِلَ عَلَى صَدَقَة الْعَام لَمْ يَحْصُل هَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ : وَلَسْت أُشَبِّه هَذَا إِلَّا بِتَعَسُّفِ مَنْ قَالَ فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة فَتُقْطَع يَده وَيَسْرِق الْحَبْلَ فَتُقْطَع يَده " إِنَّ الْمُرَاد بِالْبَيْضَةِ بَيْضَة الْحَدِيد الَّتِي يُغَطَّى بِهَا الرَّأْس فِي الْحَرْب وَبِالْحَبْلِ الْوَاحِد مِنْ حِبَال السَّفِينَة وَكُلّ وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ يَبْلُغ دَنَانِير كَثِيرَة.
قَالَ بَعْض الْمُحَقِّقِينَ : إِنَّ هَذَا الْقَوْل لَا يَجُوز عِنْد مَنْ يَعْرِف اللُّغَة وَمَخَارِج كَلَام الْعَرَب لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِع تَكْثِير لِمَا يَسْرِقهُ فَيَصْرِف إِلَيْهِ بَيْضَة تُسَاوِي دَنَانِير وَحَبْل لَا يَقْدِر السَّارِق عَلَى حَمْله.
وَلَيْسَ مِنْ عَادَة الْعَرَب وَالْعَجَم أَنْ يَقُولُوا قَبَّحَ اللَّه فُلَانًا عَرَّضَ نَفْسه لِلضَّرْبِ فِي عِقْدِ جَوْهَر , وَتَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ الْغُلُول فِي جِرَاب مِسْكٍ.
وَإِنَّمَا الْعَادَة فِي مِثْل هَذَا أَنْ يُقَال : لَعَنَهُ اللَّه تَعَرَّضَ لِقَطْعِ الْيَد فِي حَبْل رَثّ أَوْ فِي كُبَّة شَعْر.
وَكُلّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَحْقَر كَانَ أَبْلَغَ.
فَالصَّحِيح هُنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعِقَال الَّذِي يُعْقَل بِهِ الْبَعِير , وَلَمْ يُرِدْ عَيْنه وَإِنَّمَا أَرَادَ قَدْرَ قِيمَته.
وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُبَالَغَة.
وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( عَنَاقًا ).
وَفِي بَعْضهَا ( لَوْ مَنَعُونِي جَدْيًا أَذْوَطَ ).
وَالْأَذْوَط صَغِير الْفَكّ وَالذَّقَن.
هَذَا آخِر كَلَام صَاحِب التَّحْرِير.
وَهَذَا الَّذِي اِخْتَارَهُ هُوَ الصَّحِيح الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْره.
وَعَلَى هَذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِمَنَعُونِي عِقَالًا فَقِيلَ : قَدْرُ قِيمَته وَهُوَ ظَاهِر مُتَصَوَّر فِي زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْمُعَشَّرَات وَالْمَعْدِن وَالزَّكَاة وَزَكَاة الْفِطْر وَفِي الْمَوَاشِي أَيْضًا فِي بَعْض أَحْوَالهَا كَمَا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ سِنّ فَلَمْ يَكُنْ عِنْده وَنَزَلَ إِلَى سِنّ دُونهَا وَاخْتَارَ أَنْ يَرُدّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَمَنَعَ مِنْ الْعِشْرِينَ قِيمَة عِقَال , وَكَمَا إِذَا كَانَتْ غَنَمه سِخَالًا وَفِيهَا سَخْلَة فَمَنَعَهَا وَهِيَ تُسَاوِي عِقَالًا.
وَنَظَائِر مَا ذَكَرْته كَثِيرَة مَعْرُوفَة فِي كُتُب الْفِقْه.
وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذِهِ الصُّورَة تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرهَا , وَعَلَى أَنَّهُ مُتَصَوَّر وَلَيْسَ بِصَعْبٍ ; فَإِنِّي رَأَيْت كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَمْ يُعَان الْفِقْه يُسْتَصْعَب تَصَوُّرُهُ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضهمْ وَرُبَّمَا وَافَقَهُ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَيْسَ مُتَصَوَّرًا.
وَهَذَا غَلَط قَبِيح وَجَهْل صَرِيح.
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّ مَعْنَاهُ مَنَعُونِي زَكَاة لِعِقَالٍ إِذَا كَانَ مِنْ عُرُوض التِّجَارَة.
وَهَذَا تَأْوِيل صَحِيح أَيْضًا وَيَجُوز أَنْ يُرَاد مَنَعُونِي عِقَالًا أَيْ مَنَعُونِي الْحَبْل نَفْسه عَلَى مَذْهَب مَنْ يُجَوِّز الْقِيمَة وَيَتَصَوَّر عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه عَلَى أَحَد أَقْوَاله.
فَإِنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْوَاجِب فِي عُرُوض التِّجَارَة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا : يَتَعَيَّن أَنْ يَأْخُذ مِنْهَا عَرَضًا حَبْلًا أَوْ غَيْره كَمَا يَأْخُذ مِنْ الْمَاشِيَة مِنْ جِنْسهَا.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَأْخُذ إِلَّا دَرَاهِم أَوْ دَنَانِير رُبْع عُشْر قِيمَته كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّة.
وَالثَّالِث : يَتَخَيَّر بَيْن الْعَرَضِ وَالنَّقْد.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْعِقَال يُؤْخَذ مَعَ الْفَرِيضَة لِأَنَّ عَلَى صَاحِبهَا تَسْلِيمهَا وَإِنَّمَا يَقَع قَبْضهَا التَّامّ بِرِبَاطِهَا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَالَ اِبْن عَائِشَة : كَانَ مِنْ عَادَة الْمُصَدِّق إِذَا أَخَذَ الصَّدَقَة أَنْ يَعْمِد إِلَى قَرَنٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَالرَّاء وَهُوَ حَبْل فَيُقْرَن بِهِ بَيْن بَعِيرَيْنِ أَيْ يَشُدّهُ فِي أَعْنَاقهمَا لِئَلَّا تَشْرُد الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ عَلَى الصَّدَقَة فَكَانَ يَأْخُذ مَعَ كُلّ فَرِيضَتَيْنِ عِقَالهمَا وَقِرَانهمَا.
وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَيْضًا يَأْخُذ مَعَ كُلّ فَرِيضَة عِقَالًا وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّه تَعَالَى قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْر لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقّ ) مَعْنَى رَأَيْت : عَلِمْت , وَأَيْقَنْت.
وَمَعْنَى شَرَحَ : فَتَحَ , وَوَسَّعَ , وَلَيَّنَ وَمَعْنَاهُ : عَلِمْت بِأَنَّهُ جَازِم بِالْقِتَالِ لِمَا أَلْقَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي قَلْبه مِنْ الطُّمَأْنِينَة لِذَلِكَ , وَاسْتِصْوَابه ذَلِكَ.
وَمَعْنَى قَوْله ( عَرَفْت أَنَّهُ الْحَقّ ) أَيْ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ الدَّلِيل , وَأَقَامَهُ مِنْ الْحُجَّة , فَعَرَفْت بِذَلِكَ أَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هُوَ الْحَقّ لَا أَنَّ عُمَر قَلَّدَ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ; فَإِنَّ الْمُجْتَهِد لَا يُقَلِّد الْمُجْتَهِد.
وَقَدْ زَعَمَتْ الرَّافِضَة أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّمَا وَافَقَ أَبَا بَكْر تَقْلِيدًا , وَبَنَوْهُ عَلَى مَذْهَبهمْ الْفَاسِد فِي وُجُوب عِصْمَة الْأَئِمَّة.
وَهَذِهِ جَهَالَة ظَاهِرَة مِنْهُمْ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته.<br> فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإق...
عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه، والموت قبل لقاء الله»، عن عام...
عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج حين زاغت الشمس، فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن قبلها أمورا ع...
عن أنس بن سيرين، قال: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلق، فقال: طلقتها وهي حائض، فذكر ذلك لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «مره فليراجعها، فإذ...
عن سعيد يعني ابن ميناء، قال: سمعت عبد الله بن الزبير، يقول: حدثتني خالتي، يعني عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة، لولا أن قومك...
عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - وفي حديث أبي أسامة غيرك - قال: " قل: آمنت بالله، فا...
عن موسى بن أنس، عن أبيه، قال: " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه،...
عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء»
عن ابن المغفل، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: «ما بالهم وبال الكلاب؟»، ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم،حدثنا وهب بن جرير،...