3743-
عن سهل بن سعد الساعدي، أخبره، أن عويمرا العجلاني، جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله، فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فسل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها؟ قال عويمر: والله، لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد نزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها»، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب: «فكانت سنة المتلاعنين»،أن عويمرا الأنصاري من بني العجلان أتى عاصم بن عدي وساق الحديث بمثل حديث مالك، وأدرج في الحديث قوله: وكان فراقه إياها بعد سنة في المتلاعنين، وزاد فيه، قال سهل: فكانت حاملا، فكان ابنها يدعى إلى أمه، ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها.
أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن شهاب، عن المتلاعنين وعن السنة فيهما، عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، وذكر الحديث بقصته وزاد فيه فتلاعنا في المسجد، وأنا شاهد، وقال في الحديث: فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
ذاكم التفريق بين كل متلاعنين
(فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها.
لا سيما ما كان في هتك ستر مسلم أو مسلمة.
أو إشاعة فاحشة، أو شناعة على مسلم أو مسلمة.
(يا رسول الله! أرأيت رجلا الخ) هذا الكلام فيه حذف.
ومعناه أنه سأل، وقذف امرأته، وأنكرت الزنا، وأصر كل واحد منهما على قوله، ثم تلاعنا.
(أيقتله فتقتلونه) معناه إذا وجد رجلا مع امرأته وتحقق أنه زنى بها، فإن قتله قتلتموه، وإن تركه صبر على عظيم، فكيف طريقه؟.
(قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه أن اللعان يكون بحضرة الإمام أو القاضي وبمجمع من الناس.
وهو أحد أنواع تغليظ اللعان.
فإنه يغلظ بالزمان والمكان والجمع.
فأما الزان فبعد العصر.
والمكان في أشرف موضع في ذلك البلد.
والجمع طائفة من الناس أقلهم أربعة.
(فكانت سنة المتلاعنين) معناه حصول الفرقة بنفس اللعان.
شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
قَوْله : ( فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل وَعَابَهَا ) الْمُرَاد كَرَاهَة الْمَسَائِل الَّتِي لَا يُحْتَاج إِلَيْهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْك سِتْر مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة أَوْ إِشَاعَة فَاحِشَة أَوْ شَنَاعَة عَلَى مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة قَالَ الْعُلَمَاء : أَمَّا إِذَا كَانَتْ الْمَسَائِل مِمَّا يُحْتَاج إِلَيْهِ فِي أُمُور الدِّين وَقَدْ وَقَعَ فَلَا كَرَاهَة فِيهَا وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث.
وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَحْكَام الْوَاقِعَة فَيُجِيبهُمْ وَلَا يَكْرَههَا , وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَال عَاصِم فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ قِصَّة لَمْ تَقَع بَعْد وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا , وَفِيهَا شَنَاعَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات , وَتَسْلِيط الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ وَنَحْوهمْ عَلَى الْكَلَام فِي أَعْرَاض الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِسْلَام , وَلِأَنَّ مِنْ الْمَسَائِل مَا يَقْتَضِي جَوَابه تَضْيِيقًا وَفِي الْحَدِيث الْآخَر : أَعْظَم النَّاس حَرْبًا مَنْ سَأَلَ عَمَّا يُحْرَم فَحُرِمَ مِنْ أَجْل مَسْأَلَته.
قَوْله : ( يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ اِمْرَأَته رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ؟ أَمْ كَيْف يَفْعَل ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتك فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْل : فَتَلَاعَنَا ) هَذَا الْكَلَام فِيهِ حَذْف وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَأَلَ وَقَذَفَ اِمْرَأَته وَأَنْكَرَتْ الزِّنَا وَأَصَرَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى قَوْله ثُمَّ تَلَاعَنَا.
قَوْله ( أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ؟ ) مَعْنَاهُ إِذَا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ اِمْرَأَته وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَرَكَهُ صَبَرَ عَلَى عَظِيم فَكَيْفَ طَرِيقه ؟ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ وَجَدَهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَتِهِ.
فَقَالَ جُمْهُورهمْ : لَا يُقْبَل قَوْله , بَلْ , يَلْزَمهُ الْقِصَاص إِلَّا أَنْ تَقُوم بِذَلِكَ بَيِّنَة أَوْ يَعْتَرِف بِهِ وَرَثَة الْقَتِيل.
وَالْبَيِّنَة أَرْبَعَة مِنْ عُدُول الرِّجَال يَشْهَدُونَ عَلَى نَفْس الزِّنَا , وَيَكُون الْقَتِيل مُحْصَنًا , وَأَمَّا فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : يَجِب عَلَى كُلّ مَنْ قُتِلَ زَانِيًا مُحْصَنًا الْقِصَاص مَا لَمْ يَأْمُر السُّلْطَان بِقَتْلِهِ , وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
وَجَاءَ عَنْ بَعْض السَّلَف تَصْدِيقه فِي أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ وَقَتَلَهُ بِذَلِكَ.
قَوْله : ( قَالَ سَهْل : فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاس عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِيهِ أَنَّ اللِّعَان يَكُون بِحَضْرَةِ الْإِمَام وَالْقَاضِي وَبِمَجْمَعٍ مِنْ النَّاس , وَهُوَ أَحَد أَنْوَاع تَغْلِيظ اللِّعَان فَإِنَّهُ تَغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَالْجَمْع.
فَأَمَّا الزَّمَان فَبَعْد الْعَصْر , وَالْمَكَان فِي أَشْرَف مَوْضِع فِي ذَلِكَ الْبَلَد , وَالْجَمْع طَائِفَة مِنْ النَّاس أَقَلّهمْ أَرْبَعَة.
وَهَلْ هَذِهِ التَّغْلِيظَات وَاجِبَة أَمْ مُسْتَحَبَّة ؟ فِيهِ خِلَاف عِنْدنَا الْأَصَحّ الِاسْتِحْبَاب.
قَوْله : ( فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِر كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُول اللَّه أَمْسَكْتهَا ) فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شِهَاب : ( فَكَانَتْ سُنَّة الْمُتَلَاعِنَيْنِ ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكُمْ التَّفْرِيق بَيْن كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( أَنَّهُ لَاعَنَ ثُمَّ لَاعَنَتْ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنهمَا ) وَفِي رِوَايَة ( أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا ) اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْفِرْقَة بِاللِّعَانِ.
فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور : تَقَع الْفُرْقَة بَيْن الزَّوْجَيْنِ بِنَفْسِ التَّلَاعُن وَيَحْرُم عَلَيْهِ نِكَاحهَا عَلَى التَّأْيِيد لِهَذِهِ الْأَحَادِيث.
لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيّ وَبَعْض الْمَالِكِيَّة : تَحْصُل الْفُرْقَة بِلِعَانِ الزَّوْج وَحْده وَلَا تَتَوَقَّف عَلَى لِعَان الزَّوْجَة.
وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة : تَتَوَقَّف عَلَى لِعَانهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا تَحْصُل الْفُرْقَة إِلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا بَعْد التَّلَاعُن , لِقَوْلِهِ : ( ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنهمَا ) وَقَالَ الْجُمْهُور : لَا تَفْتَقِر إِلَى قَضَاء الْقَاضِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا ) وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى ( فَفَارَقَهَا ) وَقَالَ اللَّيْث : لَا أَثَر لِلِّعَانِ فِي الْفُرْقَة وَلَا يَحْصُل بِهِ فِرَاق أَصْلًا.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَأْيِيدِ التَّحْرِيم فِيمَا إِذَا كَذَبَ بَعْد ذَلِكَ نَفْسه , فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : تَحِلّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّم.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا : لَا تَحِلّ لَهُ أَبَدًا لِعُمُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا ) وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله : ( كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُول اللَّه إِنْ أَمْسَكْتهَا ) فَهُوَ كَلَام تَامّ مُسْتَقِلّ.
ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : هِيَ طَالِق ثَلَاثًا.
تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُمْسِكهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَان لَا يُحَرِّمهَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ تَحْرِيمهَا بِالطَّلَاقِ , فَقَالَ : هِيَ طَالِق ثَلَاثًا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا ) أَيْ لَا مِلْك لَك عَلَيْهَا فَلَا يَقَع طَلَاقك.
وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفُرْقَة تَحْصُل بِنَفْسِ اللِّعَان , وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّ جَمْع الطَّلَقَات الثَّلَاث بِلَفْظٍ وَاحِد لَيْسَ حَرَامًا , وَمَوْضِع الدَّلَالَة أَنَّهُ لَمْ يُنْكِر عَلَيْهِ إِطْلَاق لَفْظ الثَّلَاث , وَقَدْ يُعْتَرَض عَلَى هَذَا فَيُقَال : إِنَّمَا لَمْ يُنْكِر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِف الطَّلَاق مَحِلًّا مَمْلُوكًا لَهُ وَلَا نُفُوذًا.
وَيُجَاب عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاض بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّلَاث مُحْرِمًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ , وَقَالَ لَهُ : كَيْف تُرْسِل لَفْظ الطَّلَاق الثَّلَاث مَعَ أَنَّهُ حَرَام وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اِبْن نَافِع مِنْ أَصْحَاب مَالِك : إِنَّمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ يُسْتَحَبّ إِظْهَار الطَّلَاق بَعْد اللِّعَان مَعَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَتْ الْفُرْقَة بِنَفْسِ اللِّعَان , وَهَذَا فَاسِد وَكَيْفَ يُسْتَحَبّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَلِّق مَنْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّة ؟ ! وَقَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي صُفْرَة الْمَالِكِيّ : لَا تَحْصُل الْفُرْقَة بِنَفْسِ اللِّعَان.
وَاحْتَجَّ بِطَلَاقِ عُوَيْمِر وَبِقَوْلِهِ ( إِنْ أَمْسَكْتهَا ) وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُور كَمَا سَبَقَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله : ( قَالَ اِبْن شِهَاب : فَكَانَتْ سُنَّة الْمُتَلَاعِنَيْنِ ) فَقَدْ تَأَوَّلَهُ اِبْن نَافِع الْمَالِكِيّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اِسْتِحْبَاب الطَّلَاق بَعْد اللِّعَان كَمَا سَبَقَ , وَقَالَ الْجُمْهُور مَعْنَاهُ حُصُول الْفُرْقَة بِنَفْسِ اللِّعَان.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَاكُمْ التَّفْرِيق بَيْن كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ ) فَمَعْنَاهُ عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور بَيَان أَنَّ الْفُرْقَة تَحْصُل بِنَفْسِ اللِّعَان بَيْن كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَحْرِيمهَا عَلَى التَّأْيِيد كَمَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَاتَّفَقَ عُلَمَاء الْأَمْصَار عَلَى أَنَّ مُجَرَّد قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ لَا يُحَرِّمهَا عَلَيْهِ , إِلَّا أَبَا عُبَيْد فَقَالَ : تَصِير مُحَرَّمَة عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْقَذْف بِغَيْرِ لِعَان.
قَوْله : ( وَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ اِبْنهَا يُدْعَى إِلَى أُمّه ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّة أَنْ يَرِثهَا وَتَرِث مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّه لَهَا ) فِي جَوَاز لِعَان الْحَامِل وَأَنَّهُ إِذَا لَاعَنَهَا وَنَفَى عَنْ نَسَب الْحَمْل اِنْتَفَى عَنْهُ , وَأَنَّهُ يَثْبُت نَسَبه مِنْ الْأُمّ وَيَرِثهَا وَتَرِث مِنْ مَا فَرَضَ اللَّه لِلْأُمِّ وَهُوَ الثُّلُث إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَد وَلَا وَلَد اِبْن وَلَا اِثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَة أَوْ الْأَخَوَات وَإِنْ كَانَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا السُّدُس.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَرَيَان التَّوَارُث بَيْنه وَبَيْن أُمّه وَبَيْنه وَبَيْن أَصْحَاب الْفُرُوض مِنْ جِهَة أُمّه وَهُمْ إِخْوَته وَأَخَوَاته مِنْ أُمّه وَجَدَّاته مِنْ أُمّه , ثُمَّ إِذَا دَفَعَ إِلَى أُمّه فَرَضَهَا أَوْ إِلَى أَصْحَاب الْفُرُوض وَبَقِيَ شَيْء فَهُوَ لِمَوَالِي أُمّه إِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَلَاء وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا بِمُبَاشَرَةِ إِعْتَاقه , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوَالٍ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَال.
هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالِك وَأَبُو ثَوْر.
وَقَالَ الْحَكَم وَحَمَّاد : تَرِثهُ وَرَثَة أُمّه.
وَقَالَ آخَرُونَ : عُصْبَة أُمّه.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَعَطَاء وَأَحْمَد بْن حَنْبَل.
قَالَ أَحْمَد : فَإِنْ اِنْفَرَدَتْ الْأُمّ أَخَذَتْ جَمِيع مَاله بِالْعُصُوبَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا اِنْفَرَدَتْ أَخَذَتْ الْجَمِيع لَكِنْ الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ عَلَى قَاعِدَة مَذْهَبه فِي إِثْبَات الرَّدّ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِد ) فِيهِ اِسْتِحْبَاب كَوْن اللِّعَان فِي الْمَسْجِد وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه.
و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ يَا عَاصِمُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَسَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا قَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ و حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَأَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ وَكَانَ فِرَاقُهُ إِيَّاهَا بَعْدُ سُنَّةً فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَزَادَ فِيهِ قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَعَنْ السُّنَّةِ فِيهِمَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ وَزَادَ فِيهِ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ
عن سعيد بن جبير، قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب أيفرق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة، فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إ...
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: «حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها»، قال: يا رسول الله، مالي، قال: «لا ما...
عن ابن عمر.<br> قال: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان.<br> وقال "الله يعلم أن أحدكما كاذب.<br> فهل منكما تائب؟ ".<br>وحدثناه اب...
عن سعيد بن جبير، قال: لم يفرق المصعب بين المتلاعنين، قال سعيد: فذكر ذلك لعبد الله بن عمر، فقال: «فرق نبي الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان»...
عن ابن عمر، «أن رجلا لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه»؟ قال: نعم
عن ابن عمر، قال: «لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجل من الأنصار وامرأته وفرق بينهما»،وحدثناه محمد بن المثنى، وعبيد الله بن سعيد، قالا: حدثنا يح...
عن عبد الله، قال: إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار، فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا، فتكلم، جلدتموه، أو قتل، قتلتموه، وإن سكت، سكت...
حدثنا هشام، عن محمد، قال: سألت أنس بن مالك، وأنا أرى أن عنده منه علما، فقال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك ابن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه...
عن ابن عباس، أنه قال: ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا، ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهل...