حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس - صحيح مسلم

صحيح مسلم | كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات (حديث رقم: 4094 )


4094- عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: - وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه - «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
حدثنا وكيع، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عيسى بن يونس، قالا: حدثنا زكرياء، بهذا الإسناد مثله،عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، غير أن حديث زكرياء أتم من حديثهم وأكثر،عن عامر الشعبي، أنه سمع نعمان بن بشير بن سعد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس بحمص، وهو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحلال بين، والحرام بين»، فذكر بمثل حديث زكرياء، عن الشعبي، إلى قوله: «يوشك أن يقع فيه»

أخرجه مسلم


(وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه) أي مدهما إليهما ليأخذهما.
إشارة إلى استيقانه بالسمع.
(إن الحلال بين والحرام بين) أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده.
وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام.
قال جماعة: هو ثلث الإسلام.
وإن الإسلام يدور عليه وعلى حديث: الأعمال بالنية، وحديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقال أبو داود السجستاني: يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة وحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وقيل: حديث: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس.
قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه، صلى الله عليه وسلم، نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها.
وأنه ينبغي أن يكون حلالا.
وأرشد إلى معرفة الحلال.
وأنه ينبغي ترك المشتبهات.
فإنه سبب لحماية دينه وعرضه.
وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل بالحمى.
ثم بين أهم الأمور، وهو مراعاة القلب.
فقال صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة الخ).
فبين، صلى الله عليه وسلم، أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين).
فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفى حله.
كالخبز والفواكة والزيت والعسل والسمن ولبن مأكول اللحم وبيضة وغير ذلك من المطعومات.
وكذلك الكلام والنظر والمشي، وغير ذلك من التصرفات فيها، حلال بين واضح لا شك في حله.
وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح.
وكذلك الزنى والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك.
وأما المشتبهات فمعناها أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة.
فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يدركون حكمها.
وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك.
فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة، ولم يكن فيه نص ولا إجماع، اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي.
فإذا الحقه به صار حلالا.
وقد يكون دليله غير خال من الإحتمال البين، فيكون الورع تركه.
ويكون داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم.
فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
(استبرأ لدينه وعرضه) أي حصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه.
(ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه) معناه أن ملوك العرب وغيرهم يكون لكل ملك منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم دخوله.
فمن دخله أوقع به العقوبة.
ومن احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى، خوفا من الوقوع فيه.
ولله تعالى أيضا حمى، وهي محارمه، أي المعاصي التي حرمها الله، كالقتل والزنى والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك.
فكل هذا حمى الله تعالى.
من دخله بارتكابه شيئا من المعاصي استحق العقوبة.
ومن قاربه يوشك أن يقع فيه.
فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية، فلا يدخل في شيء من الشبهات.
(ألا وإن في الجسد مضغة) قال أهل اللغة: يقال: صلح الشيء وفسد، بفتح اللام والشين وضمهما.
والفتح أفصح وأشهر.
والمضغة القطعة من اللحم.
سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها.
قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد.
مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب.

شرح حديث (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)

شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)

‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن وَبَيْنهمَا مُشْتَبِهَات لَا يَعْلَمهُنَّ كَثِير مِنْ النَّاس.
إِلَى آخِره ) ‏ ‏أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى عِظَم وَقْع هَذَا الْحَدِيث , وَكَثْرَة فَوَائِده , وَأَنَّهُ أَحَد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مَدَار الْإِسْلَام.
قَالَ جَمَاعَة : هُوَ ثُلُث الْإِسْلَام , وَأَنَّ الْإِسْلَام يَدُور عَلَيْهِ , وَعَلَى حَدِيث : " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ " , وَحَدِيث : " مِنْ حُسْن إِسْلَام الْمَرْء تَرْكه مَا لَا يَعْنِيه ".
‏ ‏وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّخْتِيَانِيّ : يَدُور عَلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث : هَذِهِ الثَّلَاثَة , وَحَدِيث : " لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى يُحِبّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ " وَقِيلَ : حَدِيث " اِزْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبّك اللَّه , وَازْهَدْ مَا فِي أَيْدِي النَّاس يُحِبّك النَّاس " قَالَ الْعَلَاء : وَسَبَب عَظْم مَوْقِعه أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ فِيهِ عَلَى إِصْلَاح الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَالْمَلْبَس وَغَيْرهَا , وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْك الْمُشْتَبِهَات , فَإِنَّهُ سَبَب لِحِمَايَةِ دِينه وَعِرْضه , وَحَذَرًا مِنْ مُوَاقَعَة الشُّبُهَات , وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَل بِالْحُمَّى , ثُمَّ بَيَّنَ أَهَمَّ الْأُمُور , وَهُوَ مُرَاعَاة الْقَلْب فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة.
إِلَى آخِره ) فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بِصَلَاحِ الْقَلْب يَصْلُح بَاقِي الْجَسَد , وَبِفَسَادِهِ يَفْسُد بَاقِيه , وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَشْيَاء ثَلَاثَة أَقْسَام : حَلَال بَيِّن وَاضِح لَا يَخْفَى حِلّه , كَالْخُبْزِ وَالْفَوَاكِه وَالزَّيْت وَالْعَسَل وَالسَّمْن وَلَبَن مَأْكُول اللَّحْم وَبَيْضه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَطْعُومَات , وَكَذَلِكَ الْكَلَام وَالنَّظَر وَالْمَشْي وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَات , فِيهَا حَلَال بَيِّن وَاضِح لَا شَكّ فِي حِلّه.
‏ ‏وَأَمَّا الْحَرَام الْبَيِّن فَكَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير وَالْمَيْتَة وَالْبَوْل وَالدَّم الْمَسْفُوح , وَكَذَلِكَ الزِّنَا وَالْكَذِب وَالْغِيبَة وَالنَّمِيمَة وَالنَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَأَشْبَاه ذَلِكَ.
‏ ‏وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَات فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلّ وَلَا الْحُرْمَة , فَلِهَذَا لَا يَعْرِفهَا كَثِير مِنْ النَّاس , وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمهَا , وَأَمَّا الْعُلَمَاء فَيَعْرِفُونَ حُكْمهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاس أَوْ اِسْتِصْحَاب أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْء بَيْن الْحِلّ وَالْحُرْمَة , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصّ وَلَا إِجْمَاع , اِجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِد , فَأَلْحَقهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِهِ صَارَ حَلَالًا , وَقَدْ يَكُون غَيْر خَال عَنْ الِاحْتِمَال الْبَيِّن , فَيَكُون الْوَرَع تَرْكه , وَيَكُون دَاخِلًا فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ اِتَّقَى الشُّبُهَات فَقَدْ اِسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضه ) وَمَا لَمْ يَظْهَر لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْء وَهُوَ مُشْتَبَه فَهَلْ يُؤْخَذ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّف , فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب , حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره , وَالظَّاهِر أَنَّهَا مُخَرَّجَة عَلَى الْخِلَاف الْمَذْكُور فِي الْأَشْيَاء قَبْل وُرُود الشَّرْع , وَفِيهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب : ‏ ‏الْأَصَحّ : أَنَّهُ لَا يُحْكَم بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَة وَلَا إِبَاحَة وَلَا غَيْرهَا , لِأَنَّ التَّكْلِيف عِنْد أَهْل الْحَقّ لَا يَثْبُت إِلَّا بِالشَّرْعِ.
‏ ‏وَالثَّانِي : أَنَّ حُكْمهَا التَّحْرِيم.
‏ ‏وَالثَّالِث : الْإِبَاحَة.
‏ ‏وَالرَّابِع : التَّوَقُّف.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقَدْ اِسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضه ) ‏ ‏أَيْ : حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَة لِدِينِهِ مِنْ الذَّمّ الشَّرْعِيّ , وَصَانَ عِرْضه عَنْ كَلَام النَّاس فِيهِ.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِكُلِّ مَلِك حِمَى وَإِنْ حِمَى اللَّه مَحَارِمه ) ‏ ‏مَعْنَاهُ : أَنَّ الْمُلُوك مِنْ الْعَرَب وَغَيْرهمْ يَكُون لِكُلِّ مَلِك مِنْهُمْ حِمَى يَحْمِيه عَنْ النَّاس , وَيَمْنَعهُمْ دُخُوله , فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَة , وَمَنْ اِحْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِب ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنْ الْوُقُوع فِيهِ , وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمَى وَهِيَ مَحَارِمه , أَيْ : الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه , كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَذْف وَالْخَمْر وَالْكَذِب وَالْغِيبَة وَالنَّمِيمَة , وَأَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ , وَأَشْبَاه ذَلِكَ , فَكُلّ هَذَا حِمَى اللَّه تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنْ الْمَعَاصِي اِسْتَحَقَّ الْعُقُوبَة , وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِك أَنْ يَقَع فِيهِ , فَمَنْ اِحْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُقَارِبهُ , وَلَا يَتَعَلَّق بِشَيْءٍ يُقَرِّبهُ مِنْ الْمَعْصِيَة , فَلَا يَدْخُل فِي شَيْء مِنْ الشُّبُهَات.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَد كُلّه , وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَد كُلّه أَلَا وَهِيَ الْقَلْب ) ‏ ‏قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال : أَصْلَحَ الشَّيْء وَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّام وَالسِّين , وَضَمّهمَا , وَالْفَتْح أَفْصَح وَأَشْهَر , وَالْمُضْغَة : الْقِطْعَة مِنْ اللَّحْم , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغ فِي الْفَم لِصِغَرِهَا , قَالُوا : الْمُرَاد تَصْغِير الْقَلْب بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَد , مَعَ أَنَّ صَلَاح الْجَسَد وَفَسَاده تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ.
‏ ‏وَفِي هَذَا الْحَدِيث : تَأْكِيد عَلَى السَّعْي فِي صَلَاح الْقَلْب وَحِمَايَته مِنْ الْفَسَاد.
وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْعَقْل فِي الْقَلْب لَا فِي الرَّأْس وَفِيهِ خِلَاف مَشْهُور.
وَمَذْهَب أَصْحَابنَا وَجَمَاهِير الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْب , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : هُوَ فِي الدِّمَاغ , وَقَدْ يُقَال فِي الرَّأْس , وَحَكَوْا الْأَوَّل أَيْضًا عَنْ الْفَلَاسِفَة , وَالثَّانِي عَنْ الْأَطِبَّاء : قَالَ الْمَازِرِيّ : وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ ; بِأَنَّهُ فِي الْقَلْب بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَتَكُون لَهُمْ قُلُوب يَعْقِلُونَ بِهَا } وَقَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب } وَبِهَذَا الْحَدِيث , فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاح الْجَسَد وَفَسَاده تَابِعًا لِلْقَلْبِ , مَعَ أَنَّ الدِّمَاغ مِنْ جُمْلَة الْجَسَد , فَيَكُون صَلَاحه وَفَسَاده تَابِعًا لِلْقَلْبِ , فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغ فَسَدَ الْعَقْل , وَيَكُون مِنْ فَسَاد الدِّمَاغ الصَّرَع فِي زَعْمهمْ , وَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَة بِفَسَادِ الْعَقْل عِنْد فَسَاد الدِّمَاغ مَعَ أَنَّ الْعَقْل لَيْسَ فِيهِ , وَلَا اِمْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ الْمَازِرِيّ : لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولهمْ فِي الِاشْتِرَاك الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْن الدِّمَاغ وَالْقَلْب , وَهُمْ يَجْعَلُونَ بَيْن الرَّأْس وَالْمَعِدَة وَالدِّمَاغ اِشْتِرَاكًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول , وَأَهْوَى النُّعْمَان بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ ) ‏ ‏هَذَا تَصْرِيح بِسَمَاعِ النُّعْمَان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَهُ أَهْل الْعِرَاق , وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء.
قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ يَحْيَى بْن مَعِين : إِنَّ أَهْل الْمَدِينَة لَا يُصِحُّونَ سَمَاع النُّعْمَان مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذِهِ حِكَايَة ضَعِيفَة أَوْ بَاطِلَة , وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَات وَقَعَ فِي الْحَرَام ) ‏ ‏يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : ‏ ‏أَحَدهمَا : أَنَّهُ مِنْ كَثْرَة تَعَاطِيه الشُّبُهَات يُصَادِف الْحَرَام , وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدهُ , وَقَدْ يَأْثَم بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِير.
‏ ‏وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُعْتَاد التَّسَاهُل , وَيَتَمَرَّن عَلَيْهِ , وَيَجْسُر عَلَى شُبْهَة ثُمَّ شُبْهَة أَغْلَظ مِنْهَا , ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظ , وَهَكَذَا حَتَّى يَقَع فِي الْحَرَام عَمْدًا , وَهَذَا نَحْو قَوْل السَّلَف : الْمَعَاصِي بَرِيد الْكُفْر , أَيْ تَسُوق إِلَيْهِ.
عَافَانَا اللَّه تَعَالَى مِنْ الشَّرّ.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُوشِك أَنْ يَقَع فِيهِ ) ‏ ‏يُقَال : أَوْشَكَ يُوشِك بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الشِّين , أَيْ : يُسْرِع وَيَقْرَب.
‏ ‏قَوْله ‏ ‏: ( أَتَمَّ مِنْ حَدِيثهمْ وَأَكْبَر ) ‏ ‏هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة , وَفِي كَثِير مِنْ النُّسَخ بِالْمُثَلَّثَةِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.


حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبِي ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏زَكَرِيَّاءُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الشَّعْبِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ‏ ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏وَأَهْوَى ‏ ‏النُّعْمَانُ ‏ ‏بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ ‏ ‏إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ‏ ‏اسْتَبْرَأَ ‏ ‏لِدِينِهِ ‏ ‏وَعِرْضِهِ ‏ ‏وَمَنْ وَقَعَ فِي ‏ ‏الشُّبُهَاتِ ‏ ‏وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي ‏ ‏يَرْعَى حَوْلَ ‏ ‏الْحِمَى ‏ ‏يُوشِكُ أَنْ ‏ ‏يَرْتَعَ ‏ ‏فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ ‏ ‏حِمًى ‏ ‏أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ ‏ ‏مُضْغَةً ‏ ‏إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏وَكِيعٌ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏عِيسَى بْنُ يُونُسَ ‏ ‏قَالَا حَدَّثَنَا ‏ ‏زَكَرِيَّاءُ ‏ ‏بِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏ ‏مِثْلَهُ ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏جَرِيرٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُطَرِّفٍ ‏ ‏وَأَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عَجْلَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ ‏ ‏كُلُّهُمْ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الشَّعْبِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ ‏ ‏زَكَرِيَّاءَ ‏ ‏أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْثَرُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏أَبِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَدِّي ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ ‏ ‏صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ ‏ ‏بِحِمْصَ ‏ ‏وَهُوَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ فَذَكَرَ ‏ ‏بِمِثْلِ حَدِيثِ ‏ ‏زَكَرِيَّاءَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الشَّعْبِيِّ ‏ ‏إِلَى قَوْلِهِ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح مسلم

أتراني ماكستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك

عن عامر، حدثني جابر بن عبد الله، أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي، وضربه، فسار سيرا لم يس...

حديث بيع البعير واستثناء ركوبه

عن جابر بن عبد الله، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاحق بي وتحتي ناضح لي قد أعيا، ولا يكاد يسير، قال: فقال لي: «ما لبعيرك؟» قال: قلت: ع...

حديث جابر لما أتى علي النبي ﷺ وقد أعيا بعيري

عن جابر، قال: لما أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعيا بعيري، قال: فنخسه، فوثب، فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه، فما أقدر عليه، فلحقني النبي...

اشترى مني رسول الله ﷺ بعيرا بوقيتين ودرهم أو درهم...

عن محارب، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: «اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بوقيتين، ودرهم أو درهمين»، قال: «فلما قدم صرارا أمر ببقرة، فذ...

قد أخذت جملك بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة

عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «قد أخذت جملك بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة»

إن خير عباد الله أحسنهم قضاء

عن أبي رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع، ف...

اشتروه فأعطوه إياه فإن من خيركم أو خيركم أحسنكم...

عن أبي هريرة، قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فأغلظ له، فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن...

خياركم محاسنكم قضاء

عن أبي هريرة، قال: استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سنا، فأعطى سنا فوقه، وقال: «خياركم محاسنكم قضاء»

جاء رجل يتقاضى رسول الله ﷺ بعيرا

عن أبي هريرة، قال: جاء رجل يتقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا، فقال: " أعطوه سنا فوق سنه، وقال: «خيركم أحسنكم قضاء»