4233- عن ابن عباس، أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس ثم جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بالكتف والدواة - أو اللوح والدواة - أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا»، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر
(أو اللوح والدواة) قال في المصباح: اللوح هو كل صحيفة من خشب وكتف، إذا كتب عليه سمي لوحا.
والدواة هي التي يكتب فيها.
شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
( قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اِشْتَدَّ وَجَعه : اِئْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاة أَوْ اللَّوْح وَالدَّوَاة أَكْتُب لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْده أَبَدًا , فَقَالُوا : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُر ) , وَفِي رِوَايَة : ( فَقَالَ عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَع , وَعِنْدكُمْ الْقُرْآن , حَسْبنَا كِتَاب اللَّه , فَاخْتَلَفَ أَهْل الْبَيْت فَاخْتَصَمُوا , ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضهمْ أَرَادَ الْكِتَاب , وَبَعْضهمْ وَافَقَ عُمَر , وَأَنَّهُ لَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْو وَالِاخْتِلَاف , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُومُوا ).
اِعْلَمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُوم مِنْ الْكَذِب , وَمِنْ تَغْيِير شَيْء مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فِي حَال صِحَّته وَحَال مَرَضه , وَمَعْصُوم مِنْ تَرْك بَيَان مَا أُمِرَ بَيَانه , وَتَبْلِيغ مَا أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْهِ تَبْلِيغه , وَلَيْسَ مَعْصُومًا مِنْ الْأَمْرَاض وَالْأَسْقَام الْعَارِضَة لِلْأَجْسَامِ وَنَحْوهَا مِمَّا لَا نَقْص فِيهِ لِمَنْزِلَتِهِ , وَلَا فَسَاد لِمَا تَمَهَّدَ مِنْ شَرِيعَته.
وَقَدْ سُحِرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْء وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَصْدُر مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا الْحَال كَلَام فِي الْأَحْكَام مُخَالِف لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَام الَّتِي قَرَّرَهَا.
فَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْكِتَاب الَّذِي هَمَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ , فَقِيلَ : أَرَادَ أَنْ يَنُصّ عَلَى الْخِلَافَة فِي إِنْسَان مُعَيَّن لِئَلَّا يَقَع نِزَاع وَفِتَن , وَقِيلَ : أَرَادَ كِتَابًا يُبَيِّن فِيهِ مُهِمَّات الْأَحْكَام مُلَخَّصَة ; لِيَرْتَفِع النِّزَاع فِيهَا , وَيَحْصُل الِاتِّفَاق عَلَى الْمَنْصُوص عَلَيْهِ , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْكِتَابِ حِين ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَة أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ , ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمَصْلَحَة تَرْكه , أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ , وَنُسِخَ ذَلِكَ الْأَمْر الْأَوَّل , وَأَمَّا كَلَام عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء الْمُتَكَلِّمُونَ فِي شَرْح الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَلَائِل فِقْه عُمَر وَفَضَائِله , وَدَقِيق نَظَره ; لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا ; وَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَنْصُوصَة لَا مَجَال لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا , فَقَالَ عُمَر : حَسْبنَا كِتَاب اللَّه ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء } وَقَوْله { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } فَعُلِمَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَكْمَلَ دِينه فَأَمِنَ الضَّلَال عَلَى الْأُمَّة , وَأَرَادَ التَّرْفِيه عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ عُمَر أَفْقَه مِنْ اِبْن عَبَّاس وَمُوَافِقِيهِ.
قَالَ الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِر كِتَابه دَلَائِل النُّبُوَّة : إِنَّمَا قَصَدَ عُمَر التَّخْفِيف عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين غَلَبَهُ الْوَجَع , وَلَوْ كَانَ مُرَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُب مَا لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ لَمْ يَتْرُكهُ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك } كَمَا لَمْ يَتْرُك تَبْلِيغ غَيْر ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ , وَمُعَادَاة مَنْ عَادَاهُ , وَكَمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ الْحَال بِإِخْرَاجِ الْيَهُود مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيث.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَقَدْ حَكَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَهْل الْعِلْم قَبْله أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُب اِسْتِخْلَاف أَبِي بَكْر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - , ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ اِعْتِمَادًا عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ تَقْدِير اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ , كَمَا هَمَّ بِالْكِتَابِ فِي أَوَّل مَرَضه حِين قَالَ : " وَارَأْسَاه " ثُمَّ تَرَكَ الْكِتَاب وَقَالَ : يَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْر , ثُمَّ نَبَّهَ أُمَّته عَلَى اِسْتِخْلَاف أَبِي بَكْر بِتَقْدِيمِهِ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاة , قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بَيَان أَحْكَام الدِّين وَرَفْع الْخِلَاف فِيهَا.
فَقَدْ عَلِمَ عُمَر حُصُول ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَقَع وَاقِعَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَفِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة بَيَانهَا نَصًّا أَوْ دَلَالَة , وَفِي تَكَلُّف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضه مَعَ شِدَّة وَجَعه كِتَابه ذَلِكَ مَشَقَّة , وَرَأَى عُمَر الِاقْتِصَار عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانه إِيَّاهُ نَصًّا أَوْ دَلَالَة تَخْفِيفًا عَلَيْهِ ; وَلِئَلَّا يَنْسَدّ بَاب الِاجْتِهَاد عَلَى أَهْل الْعِلْم وَالِاسْتِنْبَاط وَإِلْحَاق الْفُرُوع بِالْأُصُولِ , وَقَدْ كَانَ سَبَقَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا اِجْتَهَدَ الْحَاكِم فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِذَا اِجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر " , وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ بَعْض الْأَحْكَام إِلَى اِجْتِهَاد الْعُلَمَاء , وَجَعَلَ لَهُمْ الْأَجْر عَلَى الِاجْتِهَاد , فَرَأَى عُمَر الصَّوَاب تَرْكهمْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَة ; لِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَة الْعُلَمَاء بِالِاجْتِهَادِ , مَعَ التَّخْفِيف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَار عَلَى عُمَر دَلِيل عَلَى اِسْتِصْوَابه , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَلَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل قَوْل عُمَر عَلَى أَنَّهُ تَوَهَّمَ الْغَلَط عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ ظَنَّ بِهِ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيق بِهِ بِحَالٍ , لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا غَلَبَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَجَع , وَقُرْب الْوَفَاة مَعَ مَا اِعْتَرَاهُ مِنْ الْكَرْب خَافَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْقَوْل مِمَّا يَقُولهُ الْمَرِيض مِمَّا لَا عَزِيمَة لَهُ فِيهِ , فَتَجِد الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى الْكَلَام فِي الدِّين , وَقَدْ كَانَ أَصْحَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْض الْأُمُور قَبْل أَنْ يَجْزِم فِيهَا بِتَحْتِيمٍ , كَمَا رَاجَعُوهُ يَوْم الْحُدَيْبِيَة فِي الْخِلَاف , وَفِي كِتَاب الصُّلْح بَيْنه وَبَيْن قُرَيْش.
فَأَمَّا إِذَا أَمَرَ بِالشَّيْءِ أَمْر عَزِيمَة فَلَا يُرَاجِعهُ فِيهِ أَحَد مِنْهُمْ.
قَالَ : وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يَجُوز عَلَيْهِ الْخَطَأ فِيمَا لَمْ يَنْزِل عَلَيْهِ , وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلّهمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَيْهِ.
قَالَ : وَمَعْلُوم أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ رَفَعَ دَرَجَته فَوْق الْخَلْق كُلّهمْ فَلَمْ يُنَزِّههُ عَنْ سِمَات الْحَدَث وَالْعَوَارِض الْبَشَرِيَّة , وَقَدْ سَهَى فِي الصَّلَاة , فَلَا يُنْكَر أَنْ يُظَنّ بِهِ حُدُوث بَعْض هَذِهِ الْأُمُور فِي مَرَضه , فَيَتَوَقَّف فِي مِثْل هَذَا الْحَال حَتَّى تَتَبَيَّن حَقِيقَته , فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي وَشَبَههَا رَاجَعَهُ عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " اِخْتِلَاف أُمَّتِي رَحْمَة " فَاسْتَصْوَبَ عُمَر مَا قَالَهُ , وَقَدْ اِعْتَرَضَ عَلَى حَدِيث : اِخْتِلَاف أُمَّتِي رَحْمَة " رَجُلَانِ : أَحَدهمَا مَغْمُوض عَلَيْهِ فِي دِينه , وَهُوَ عُمَر بْن بَحْر الْجَاحِظ , وَالْآخَر مَعْرُوف بِالسُّخْفِ وَالْخَلَاعَة , وَهُوَ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْمَوْصِلِيّ ; فَإِنَّهُ لَمَّا وَضَعَ كِتَابه فِي الْأَغَانِي , وَأَمْكَنَ فِي تِلْكَ الْأَبَاطِيل لَمْ يَرْضَ بِمَا تَزَوَّدَ مِنْ إِثْمهَا حَتَّى صَدَّرَ كِتَابه بِذَمِّ أَصْحَاب الْحَدِيث , وَزَعَمَ أَنَّهُمْ يَرْوُونَ مَا لَا يَدْرُونَ , وَقَالَ هُوَ وَالْجَاحِظ : لَوْ كَانَ الِاخْتِلَاف رَحْمَة لَكَانَ الِاتِّفَاق عَذَابًا , ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ اِخْتِلَاف الْأُمَّة رَحْمَة فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة ; فَإِذَا اِخْتَلَفُوا سَأَلُوهُ , فَبَيَّنَ لَهُمْ.
وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاض الْفَاسِد : أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْن الشَّيْء رَحْمَة أَنْ يَكُون ضِدّه عَذَابًا , وَلَا يَلْتَزِم هَذَا وَيَذْكُرهُ إِلَّا جَاهِل أَوْ مُتَجَاهِل.
وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَمِنْ رَحْمَته جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل وَالنَّهَار لِتَسْكُنُوا فِيهِ } فَسَمَّى اللَّيْل رَحْمَة , وَلَمْ يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُون النَّهَار عَذَابًا , وَهُوَ ظَاهِر لَا شَكَّ فِيهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَالِاخْتِلَاف فِي الدِّين ثَلَاثَة أَقْسَام : أَحَدهَا : فِي إِثْبَات الصَّانِع وَوَحْدَانِيّته , وَإِنْكَار ذَلِكَ كُفْر.
وَالثَّانِي : فِي صِفَاته وَمَشِيئَته , وَإِنْكَارهَا بِدْعَة.
وَالثَّالِث فِي أَحْكَام الْفُرُوع الْمُحْتَمَلَة وُجُوهًا , فَهَذَا جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى رَحْمَة وَكَرَامَة لِلْعُلَمَاءِ , وَهُوَ الْمُرَاد بِحَدِيثِ : اِخْتِلَاف أُمَّتِي رَحْمَة , هَذَا آخِر كَلَام الْخَطَّابِيّ - رَحِمَهُ اللَّه - , وَقَالَ الْمَازِرِيّ : إِنْ قِيلَ : كَيْف جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْكِتَاب مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِئْتُونِي أَكْتُب ) وَكَيْف عَصَوْهُ فِي أَمْره ؟ فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَا خِلَاف أَنَّ الْأَوَامِر تُقَارِنهَا قَرَائِن تَنْقُلهَا مِنْ النَّدْب إِلَى الْوُجُوب عِنْد مَنْ قَالَ : أَصْلهَا لِلنَّدْبِ , وَمِنْ الْوُجُوب إِلَى النَّدْب عِنْد مَنْ قَالَ : أَصْلهَا لِلْوُجُوبِ , وَتَنْقُل قُرَيْش أَيْضًا صِيغَة أَفْعَل إِلَى الْإِبَاحَة وَإِلَى التَّخْيِير وَإِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ ضُرُوب الْمَعَانِي , فَلَعَلَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقَرَائِن مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِب عَلَيْهِمْ , بَلْ جَعَلَهُ إِلَى اِخْتِيَارهمْ , فَاخْتَلَفَ اِخْتِيَارهمْ بِحَسَبِ اِجْتِهَادهمْ , وَهُوَ دَلِيل عَلَى رُجُوعهمْ إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْعِيَّات , فَأَدَّى عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - اِجْتِهَاده إِلَى الِامْتِنَاع مِنْ هَذَا , وَلَعَلَّهُ اِعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْر قَصْد جَازِم , وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِمْ : هَجَرَ وَبِقَوْلِ عُمَر : غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَع , وَمَا قَارَنَهُ مِنْ الْقَرَائِن الدَّالَّة عَلَى ذَلِكَ عَلَى نَحْو مَا يَعْهَدُونَهُ مِنْ أُصُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغ الشَّرِيعَة , وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى غَيْره مِنْ طُرُق التَّبْلِيغ الْمُعْتَادَة مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَظَهَرَ ذَلِكَ لِعُمَر دُون غَيْره , فَخَالَفُوهُ , وَلَعَلَّ عُمَر خَافَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ قَدْ يَتَطَرَّقُونَ إِلَى الْقَدْح فِيمَا اِشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس بِكِتَابٍ يُكْتَب فِي خَلْوَة , وَآحَاد , وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ شَيْئًا لِيُشَبِّهُوا بِهِ عَلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض , وَلِهَذَا قَالَ : عِنْدكُمْ الْقُرْآن حَسْبنَا كِتَاب اللَّه , وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَوْ قَوْله : ( أَهَجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره ( أَهَجَرَ ) عَلَى الِاسْتِفْهَام وَهُوَ أَصَحّ مِنْ رِوَايَة : هَجَرَ وَيَهْجُر ; لِأَنَّ هَذَا كُلّه لَا يَصِحّ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ مَعْنَى هَجَرَ : هَذَى , وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِله اِسْتِفْهَامًا لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ : لَا تَكْتُبُوا , أَيْ لَا تَتْرُكُوا أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلَامه ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْجُر.
وَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَات الْأُخْرَى , كَانَتْ خَطَأ مِنْ قَائِلهَا قَالَهَا بِغَيْرِ تَحْقِيق , بَلْ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْحَيْرَة وَالدَّهْشَة ; لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَة الدَّالَّة عَلَى وَفَاته وَعَظِيم الْمُصَاب بِهِ , وَخَوْف الْفِتَن وَالضَّلَال بَعْده , وَأَجْرَى الْهَجْر مَجْرَى شِدَّة الْوَجَع , وَقَوْل عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - : حَسْبنَا كِتَاب اللَّه رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم.
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ حَتَّى رَأَيْتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَأَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوْ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَقَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ
عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون...
عن ابن عباس، أنه قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه، توفيت قبل أن تقضيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاقض...
عن عبد الله بن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ينهانا عن النذر، ويقول: «إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من الشحيح»
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «النذر لا يقدم شيئا، ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل»
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل»، عن سفيان، كلاهما عن منصور، بهذا الإسن...
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل»
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال: «إنه لا يرد من القدر، وإنما يستخرج به من البخيل»
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له، ولكن النذر يوافق القدر، فيخرج بذلك من البخيل ما...
عن عمران بن حصين، قال: كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل...