حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قدمنا الحديبية مع رسول الله ﷺ ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها - صحيح مسلم

صحيح مسلم | كتاب الجهاد والسير باب غزوة ذي قرد وغيرها (حديث رقم: 4678 )


4678- حدثني إياس بن سلمة، حدثني أبي، قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها، قال: فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية، فإما دعا، وإما بصق فيها، قال: فجاشت، فسقينا واستقينا، قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة ، قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع، وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس، قال: «بايع يا سلمة» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، قال: «وأيضا»، قال: ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلا - يعني ليس معه سلاح -، قال: فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة - أو درقة -، ثم بايع، حتى إذا كان في آخر الناس، قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، وفي أوسط الناس، قال: «وأيضا»، قال: فبايعته الثالثة، ثم قال لي: «يا سلمة، أين حجفتك - أو درقتك - التي أعطيتك؟»، قال: قلت: يا رسول الله، لقيني عمي عامر عزلا، فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي "، ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، واصطلحنا، قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه، وأحسه، وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي، يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم، قال: فاخترطت سيفي، ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سلاحهم، فجعلته ضغثا في يدي، قال: ثم قلت، والذي كرم وجه محمد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه، قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات، يقال له: مكرز يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس، مجفف في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «دعوهم، يكن لهم بدء الفجور، وثناه»، فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: 24] الآية كلها، قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلا بيننا وبين بني لحيان جبل، وهم المشركون، فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي هذا الجبل الليلة كأنه طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثا، ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثا: يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع، فألحق رجلا منهم فأصك سهما في رحله، حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال: فوالله، ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة، فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة، قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحا، يستخفون ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى أتوا متضايقا من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري، فجلسوا يتضحون - يعني يتغدون - وجلست على رأس قرن، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، والله، ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قال: فلما أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدهم: أنا أظن، قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي، قال: فأخذت بعنان الأخرم، قال: فولوا مدبرين، قلت: يا أخرم، احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق، والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليته، فالتقى هو وعبد الرحمن، قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه ، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن، فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم، فخليتهم عنه - يعني أجليتهم عنه - فما ذاقوا منه قطرة، قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية، قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في نغض كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال: يا ثكلته أمه، أكوعه بكرة؟ قال: قلت: نعم يا عدو نفسه، أكوعك بكرة، قال: وأردوا فرسين على ثنية، قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حلأتهم عنه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل وكل شيء استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها، قال: قلت: يا رسول الله، خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار، فقال: «يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟» قلت: نعم، والذي أكرمك، فقال: «إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان»، قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: نحر لهم فلان جزورا فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة»، قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة، قال: فبينما نحن نسير، قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا، قال: فجعل يقول: «ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟» فجعل يعيد ذلك قال: فلما سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا، قال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمي، ذرني فلأسابق الرجل، قال: «إن شئت»، قال: قلت: اذهب إليك وثنيت رجلي، فطفرت فعدوت، قال: فربطت عليه شرفا - أو شرفين - أستبقي نفسي، ثم عدوت في إثره، فربطت عليه شرفا - أو شرفين -، ثم إني رفعت حتى ألحقه ، قال: فأصكه بين كتفيه، قال: قلت: قد سبقت والله، قال: أنا أظن، قال: فسبقته إلى المدينة، قال: فوالله، ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم تالله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، ونحن عن فضلك ما استغنينا، فثبت الأقدام إن لاقينا، وأنزلن سكينة علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» قال: أنا عامر، قال: «غفر لك ربك»، قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله، لولا ما متعتنا بعامر، قال: فلما قدمنا خيبر، قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه، ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب، قال: وبرز له عمي عامر، فقال: قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر، قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه، قال سلمة: فخرجت، فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، بطل عمل عامر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال ذلك؟» قال: قلت: ناس من أصحابك، قال: «كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين»، ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد، فقال: «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله» - أو «يحبه الله ورسوله» -، قال: فأتيت عليا، فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبسق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية، وخرج مرحب، فقال: قد علمت خيبر أني مرحب .
شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب، فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره .
كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه، قال إبراهيم: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عكرمة بن عمار، بهذا الحديث بطوله، عن عكرمة بن عمار بهذا

أخرجه مسلم


(جبا الركية) الجبا ما حول البئر.
والركي البئر.
والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء.
ووقع هنا الركية بالهاء.
وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
(وإما بسق) هكذا هو في النسخ: بسق.
وهي صحيحة.
يقال: بزق وبصق وبسق.
ثلاث لغات بمعنى.
والسين قليلة الاستعمال.
(فجاشت) أي ارتفعت وفاضت.
يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
(عزلا) ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي.
والثاني ضمهما.
وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه.
ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
(حجفة أو درقة) هما شبيهتان بالترس.
(إنك كالذي قال الأول) الذي صفة لمحذوف.
أي أنك كالقول الذي قاله الأول.
فالأول، بالرفع، فاعل.
والمراد به هنا، المتقدم بالزمان.
يعني أن شأنك هذا مع ابن عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(أبغني) أعطني.
(راسلونا) هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة.
أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(مشى بعضنا في بعض) في هنا بمعنى إلى.
أي مشى بعضنا إلى بع.
وربما كانت بمعنى مع.
فيكون المعنى مشى بعضنا مع بعض.
(كنت تبيعا لطلحة) أي خادما أتبعه.
(وأحسه) أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(فكسحت شوكها) أي كنست ما تحتها من الشوك.
(فاخترطت سيفي) أي سللته.
(شددت) حملت وكررت.
(ضغثا) الضغث الحزمة.
يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة.
قال في المصباح الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(الذي فيه عيناه) يريد رأسه.
(العبلات) أي عليه تجفاف.
وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح.
وجمعه تجافيف.
(يكن لهم بدء الفجور وثناه) البدء وهو الابتداء.
وأما ثناه فمعناه عودة ثانية.
قال في النهاي: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(وهم المشركون) هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره.
أحدهما وهم المشركون على الابتداء والخبر.
والثاني وهم المشركون، أي هموا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخافوا غائلتهم.
يقال: همني الأمر وأهمني.
وقيل: همني أذابني.
وأهمني أغمني وقيل: معناه هم أمر المشركين النبي صلى الله عليه وسلم خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم.
(بظهره) الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(أنديه) معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(فأصك سهما في رحله) أي أضرب.
(أرميهم وأعقر بهم) أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم.
أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف.
ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا.
وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه) التضايق ضد الاتساع.
أي تدانى.
فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
(فجعلت أرديهم بالحجارة) يعني لما امتنع على رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم.
يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره.
(حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) من، هنا، زائدة.
أتى بها لتأكيد العموم.
وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا.
ومن، في قوله: من ظهر، بيانية.
والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(إلا خلفته وراء ظهري) خلفته أي تركته.
يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
(ثم اتبعتهم) هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم.
وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع.
وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه.
وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعنى مشى خلفه على الإطلاق.
وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقعه.
ومنه قوله تعالى: {فأتبعهم فرعون بجنوده} أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه.
وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه.
والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
(يستخفون) أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
(آراما من الحجارة) الآرام هي الأعلام.
وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها.
واحدها إرم كعنب وأعناب.
(حتى أتوا متضايقا من ثنية) الثنية العقبة والطريق في الجبل.
أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
(على رأس قرن) هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.
(البرج) أي الشدة.
(يتخللون الشجر) أي يدخلون من خلالها، أي بينها.
(ذا قرد) هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد.
وفي بعضها: ذو قرد، وهو الوجه.
(فحليتهم عنه) أي طردتهم عنه.
وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه.
قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز.
قال وأصله الهمز، فسهله.
وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث.
(نغض) هو العظم الرقيق على طرف الكتف.
سمي بذلك لكثره تحركه.
وهو الناغض أيضا.
(قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة) معنى ثكلته أمه، فقدته.
وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم.
وبكرة منصوب غير منون.
قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة، بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين.
قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف.
لأنها من الظروف المتمكنة.
(وأرادوا) قال القاضي: رواية الجمهور بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة.
قال: وكلاهما متقارب المعنى.
فبالمعجمة معناه خلفوهما.
والرذى الضعيف من كل شيء.
وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما.
ومنه المتردية.
وأردت الفرس الفارس أسقطته.
(بسطيحة فيها مذقة من لبن) السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض.
والمذقة قليل من لبن ممزوج بماء.
(حلأتهم) كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم.
وفي بعضها حليتهم.
وقد سبق بيانه قريبا.
(من الإبل الذي) كذا هو في أكثر النسخ: الذي.
وفي بعضها: التي.
وهو أوجه.
لأن الإبل مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من الآدميين.
والأول صحيح أيضا.
وأعاد الضمير إلى الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل.
(نواجذه) أي أنيابه.
(ليقرون) أي يضافون، والقري الضيافة.
(العضباء) هو لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم.
والعضباء مشقوقة الأذن.
ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك، وإنما هو لقب لزمها.
(شدا) أي عدوا على الرجلين.
(فطفرت) أي وثبت وقفزت.
(فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي) معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد.
والشرف ما ارتفع من الأرض.
وقوله: أستبقي نفسي، لئلا يقطعني البهر.
(رفعت حتى ألحقه) أي أسرعت.
قوله: حتى ألحقه.
حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي.
وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(أظن) أي أظن ذلك.
حذف مفعوله للعلم به.
(فجعل عمي) هكذا قال، هنا: عمي.
وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي.
فلعله كان أخاه من الرضاعة، وكان عمه من النسب.
(يخطر بسيفه) أي يرفعه مرة ويضمه أخرى.
ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه أخرى.
(شاكي السلاح) أي تام السلاح.
يقال: شاكى السلاح، وشاك السلاح، وشاك في السلاح، من الشوكة وهي القوة.
والشوكة أيضا السلاح.
ومنه قوله تعالى: {وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}.
(بطل مجرب) أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان.
والبطل الشجاع.
يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا.
(بطل مغامر) أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها.
(يسفل له) أي يضربه من أسفله.
(كذب من قال) كذب، هنا بمعنى أخطأ.
(وهو أرمد) قال أهل اللغة: يقال رمد الإنسان يرمد رمدا فهو رمد وأرمد.
إذا هاجت عينه.
(أنا الذي سمتني أمي حيدرة) حيدرة اسم للأسد.
وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول ولا دته.
وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله.
فذره علي رضي الله عنه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه.
وسمي الأسد حيدرة لغلظه.
والحادر الغليظ القوي.
ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته.
(غابات) جمع غابة.
وهي الشجر الملتف.
وتطلق على عرين الأسد أي مأواه.
كما يطلق العرين على الغابة أيضا.
ولعل ذلك لاتخاذه إياه داخل الغاب غالبا.
(أوفيهم بالصاع كيل السندرة) معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا.
والسندرة مكيال واسع.
وقيل: هي العجلة.
أي أقتلهم عاجلا.
وقيل: مأخوذ من السندرة: وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي.

شرح حديث (قدمنا الحديبية مع رسول الله ﷺ ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها)

شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)

‏ ‏قَوْله : ( قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَة وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَة ) ‏ ‏هَذَا هُوَ الْأَشْهَر , وَفِي رِوَايَة : ( ثَلَاث عَشْرَةَ مِائَة ) , وَفِي رِوَايَة : ( خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَة ) , ‏ ‏قَوْله : ( فَقَعَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّة ) ‏ ‏الْجَبَا بِفَتْحِ الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحَّدَة مَقْصُور , وَهِيَ مَا حَوْل الْبِئْر , وَأَمَّا الرَّكِيّ : فَهُوَ الْبِئْر , وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة : رَكِيّ بِغَيْرِ هَاء , وَوَقَعَ هُنَا الرَّكِيَّة بِالْهَاءِ , وَهِيَ لُغَة حَكَاهَا الْأَصْمَعِيّ وَغَيْره.
‏ ‏قَوْله : ( فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا ) ‏ ‏هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ ( بَسَقَ ) بِالسِّينِ , وَهِيَ صَحِيحَة يُقَال : ( بَزَقَ وَبَصَقَ وَبَسَقَ ) ثَلَاث لُغَات بِمَعْنًى , وَالسِّين قَلِيلَة الِاسْتِعْمَال , وَ ( جَاشَتْ ) أَيْ اِرْتَفَعَتْ وَفَاضَتْ , يُقَال : جَاشَ الشَّيْء يَجِيش جَيَشَانًا إِذَا اِرْتَفَعَ , وَفِي هَذَا مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ سَبَقَ مِرَارًا كَثِيرَة التَّنْبِيه عَلَى نَظَائِرهَا.
‏ ‏قَوْله : ( وَرَآنِي عَزِلًا ) ‏ ‏ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدهمَا : فَتْح الْعَيْن مَعَ كَسْر الزَّاي , وَالثَّانِي : ضَمّهمَا , وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكِتَاب بِاَلَّذِي لَا سِلَاح مَعَهُ , وَيُقَال لَهُ أَيْضًا : بِأَعْزَلَ , وَهُوَ أَشْهَر اِسْتِعْمَالًا.
‏ ‏قَوْله : ( حَجَفَة أَوْ دَرَقَة ) ‏ ‏هُمَا شَبِيهَتَانِ بِالتُّرْسِ.
‏ ‏قَوْله : ( اللَّهُمَّ اِبْغِنِي حَبِيبًا ) ‏ ‏أَيْ أَعْطِنِي.
‏ ‏قَوْله : ( ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْح ) ‏ ‏كَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ ( رَاسَلُونَا ) مِنْ الْمُرَاسَلَة , وَفِي بَعْضهَا : ( رَاسُّونَا ) بِضَمِّ السِّين الْمُهْمَلَة الْمُشَدَّدَة , وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحهَا أَيْضًا وَهُمَا بِمَعْنَى ( رَاسَلُونَا ) مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : رَسَّ الْحَدِيث يَرُسُّهُ إِذَا اِبْتَدَأَهُ , وَقِيلَ : مِنْ رَسَّ بَيْنهمْ أَيْ أَصْلَحَ , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ فَاتَحُونَا , مِنْ قَوْلهمْ : بَلَغَنِي رَسّ مِنْ الْخَبَر , أَيْ أَوَّله , وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ : ( وَاسَوْنَا ) بِالْوَاوِ أَيْ اِتَّفَقْنَا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الصُّلْح , وَالْوَاو فِيهِ بَدَل مِنْ الْهَمْزَة , وَهُوَ مِنْ الْأُسْوَة.
‏ ‏قَوْله : ( كُنْت تَبَعًا لِطَلْحَةَ ) ‏ ‏أَيْ خَادِمًا أَتْبَعهُ.
‏ ‏قَوْله : ( أَسْقِي فَرَسه وَأَحُسّهُ ) ‏ ‏أَيْ أَحُكّ ظَهْره بِالْمِحَسَّةِ لِأُزِيلَ عَنْهُ الْغُبَار وَنَحْوه.
‏ ‏قَوْله : ( أَتَيْت شَجَرَة فَكَسَحْت شَوْكهَا ) ‏ ‏أَيْ كَنَسْت مَا تَحْتهَا مِنْ الشَّوْك.
‏ ‏قَوْله : ( قُتِلَ اِبْن زُنَيْم ) ‏ ‏هُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْح النُّون.
‏ ‏قَوْله : ( فَاخْتَرَطْت سَيْفِي ) ‏ ‏أَيْ سَلَلْته.
‏ ‏قَوْله : ( وَأَخَذْت سِلَاحهمْ فَجَعَلْته ضِغْثًا فِي يَدِي ) ‏ ‏الضِّغْث : الْحُزْمَة.
‏ ‏قَوْله : ( جَاءَ رَجُل مِنْ الْعَبَلَات يُقَال لَهُ مِكْرِز ) ‏ ‏هُوَ بِمِيمٍ مَكْسُورَة ثُمَّ كَافٍ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَة ثُمَّ زَاي.
وَالْعَبَلَات : بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة قَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح : الْعَبَلَات بِفَتْحِ الْعَيْن وَالْبَاء مِنْ قُرَيْش , وَهُمْ أُمَيَّة الصُّغْرَى , وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمْ ( عَبَلِيّ ) تَرُدّهُ إِلَى الْوَاحِد , قَالَ : لِأَنَّ اِسْم أُمّهمْ عَبْلَة , قَالَ الْقَاضِي : أُمَيَّة الْأَصْغَر وَأَخَوَاهُ نَوْفَل وَعَبْد اللَّه بْن شَمْس بْن عَبْد مَنَافٍ نُسِبُوا إِلَى أُمّ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيم اِسْمهَا : عَبْلَة بِنْت عُبَيْد.
‏ ‏قَوْله : ( عَلَى فَرَس مُجَفَّف ) ‏ ‏هُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَفَتْح الْفَاء الْأُولَى الْمُشَدَّدَة , أَيْ عَلَيْهِ تِجْفَاف بِكَسْرِ التَّاء , وَهُوَ ثَوْب كَالْحُلِّ يَلْبَسهُ الْفَرَس لِيَقِيَهُ مِنْ السِّلَاح , وَجَمْعه : تَجَافِيف.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْء الْفُجُور وَثِنَاهُ ) ‏ ‏أَمَّا الْبَدْء فَبِفَتْحِ الْبَاء وَإِسْكَان الدَّال وَبِالْهَمْزِ , أَيْ اِبْتِدَاؤُهُ , وَأَمَّا ( ثِنَاهُ ) فَوَقَعَ فِي أَكْثَر النُّسَخ ( ثِنَاهُ ) مُثَلَّثَة مَكْسُورَة , وَفِي بَعْضهَا : ( ثُنْيَاهُ ) بِضَمِّ الثَّاء وَبِيَاءٍ مُثَنَّاة تَحْت بَعْد النُّون , وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا الْقَاضِي , وَذَكَرَ الثَّانِي عَنْ رِوَايَة اِبْن مَاهَانَ وَالْأَوَّل عَنْ غَيْره قَالَ : وَهُوَ الصَّوَاب أَيْ عَوْدَة ثَانِيَة.
‏ ‏قَوْله : ( بَنِي لِحْيَان ) بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا لُغَتَانِ.
‏ ‏قَوْله : ( لِمَنْ رَقِيَ الْجَبَل ) ‏ ‏وَقَوْله بَعْده ( فَرَقِيت ) كِلَاهُمَا بِكَسْرِ الْقَاف.
‏ ‏قَوْله : ( فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بَيْننَا وَبَيْن بَنِي لِحْيَان جَبَل وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ ) ‏ ‏هَذِهِ اللَّفْظَة ضَبَطُوهَا بِوَجْهَيْنِ , ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْره : أَحَدهمَا ( وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ ) بِضَمِّ الْهَاء عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر.
وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْهَاء وَتَشْدِيد الْمِيم , أَيْ هَمُّوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَخَافُوا غَائِلَتهمْ , يُقَال : هَمَّنِي الْأَمْر وَأَهَمَّنِي , وَقِيلَ : هَمَّنِي أَذَابَنِي , وَأَهَمَّنِي : وَأَغَمَّنِي.
‏ ‏قَوْله : ( وَخَرَجْت بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أُنَدِّيهِ ) ‏ ‏هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ( أُنَدِّيه ) بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَة ثُمَّ نُون مَفْتُوحَة ثُمَّ دَال مَكْسُورَة مُشَدَّدَة , وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي فِي الشَّرْح عَنْ أَحَد مِنْ رُوَاة مُسْلِم غَيْر هَذَا , وَنَقَلَهُ فِي الْمَشَارِق عَنْ جَمَاهِير الرُّوَاة , قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْ أَبِي الْحَذَّاء فِي مُسْلِم ( أُبْدِيه ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة بَدَل النُّون , وَكَذَا قَالَهُ اِبْن قُتَيْبَة , أَيْ أُخْرِجهُ إِلَى الْبَادِيَة وَأُبْرِزهُ إِلَى مَوْضِع الْكَلَأ , وَكُلّ شَيْء أَظْهَرْته فَقَدْ أَبْدَيْته , وَالصَّوَاب رِوَايَة الْجُمْهُور بِالنُّونِ وَهِيَ رِوَايَة جَمِيع الْمُحَدِّثِينَ , وَقَوْل الْأَصْمَعِيّ وَأَبِي عُبَيْد فِي غَرِيبه وَالْأَزْهَرِيّ وَجَمَاهِير أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب , وَمَعْنَاهُ : أَنْ يُورِد الْمَاشِيَة الْمَاء فَتُسْقَى قَلِيلًا ثُمَّ تُرْسَل فِي الْمَرْعَى , ثُمَّ تَرِد الْمَاء فَتَرِد قَلِيلًا , ثُمَّ تُرَدّ إِلَى الْمَرْعَى , قَالَ الْأَزْهَرِيّ : أَنْكَرَ اِبْن قُتَيْبَة عَلَى أَبِي عُبَيْد وَالْأَصْمَعِيّ كَوْنهمَا جَعَلَاهُ بِالنُّونِ , وَزَعَمَ أَنَّ الصَّوَاب بِالْبَاءِ , قَالَ الْأَزْهَرِيّ : أَخْطَأَ اِبْن قُتَيْبَة , وَالصَّوَاب قَوْل الْأَصْمَعِيّ.
‏ ‏قَوْله : ( فَأَصُكّ سَهْمًا فِي رَحْله حَتَّى خَلَصَ نَصْل السَّهْم إِلَى كَتِفه ) ‏ ‏هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول الْمُعْتَمَدَة ( رَحْله ) بِالْحَاءِ , وَ ( كَتِفه ) بَعْدهَا فَاء , وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِب الْمَشَارِق وَالْمَطَالِع , وَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات وَالْأَوَّل وَهُوَ الْأَظْهَر , وَفِي بَعْضهَا : ( رِجْله ) بِالْجِيمِ وَ ( كَعْبه ) بِالْعَيْنِ ثُمَّ الْبَاء الْمُوَحَّدَة , قَالُوا : وَالصَّحِيح الْأَوَّل لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( فَأَصُكّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْض كَتِفه ) قَالَ الْقَاضِي فِي الشَّرْح : هَذِهِ رِوَايَة شُيُوخنَا , وَهُوَ أَشْبَه بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يُمْكِن أَنْ يُصِيب أَعْلَى مُؤْخِرَة الرَّحْل فَيُصِيب حِينَئِذٍ إِذَا أَنْفَذَهُ كَتِفه , وَمَعْنَى أَصُكّ : أَضْرِب.
‏ ‏قَوْله : ( فَمَا زِلْت أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِر بِهِمْ ) ‏ ‏أَيْ أَعْقِر خَيْلهمْ , وَمَعْنَى أَرْمِيهِمْ أَيْ بِالنَّبْلِ , قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ بَعْضهمْ هُنَا : ( أُرَدِّيهِمْ ) بِالدَّالِ.
‏ ‏قَوْله : ( فَجَعَلْت أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ ) ‏ ‏أَيْ أَرْمِيهِمْ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي تُسْقِطهُمْ وَتُنْزِلهُمْ.
‏ ‏قَوْله : ( جَعَلْت عَلَيْهِمْ آرَامًا مِنْ الْحِجَارَة ) ‏ ‏هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَة ثُمَّ رَاء مَفْتُوحَة وَهِيَ الْأَعْلَام وَهِيَ حِجَارَة تُجْمَع وَتُنْصَب فِي الْمَفَازَة , يُهْتَدَى بِهَا , وَاحِدهَا ( إِرَم ) كَعِنَبٍ وَأَعْنَاب.
‏ ‏قَوْله : ( وَجَلَسْت عَلَى رَأْس قَرْن ) ‏ ‏هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء , وَهُوَ كُلّ جَبَل صَغِير مُنْقَطِع عَنْ الْجَبَل الْكَبِير.
‏ ‏قَوْله : ( لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْح ) ‏ ‏هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء وَإِسْكَان الرَّاء أَيْ : شِدَّة.
‏ ‏قَوْله : ( يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَر ) ‏ ‏أَيْ : يَدْخُلُونَ مِنْ خِلَالهَا أَيْ : بَيْنَهَا.
‏ ‏قَوْله : ( مَاء يُقَال لَهُ : ذَا قَرَد ) ‏ ‏كَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ الْمُعْتَمَدَة ( ذَا ) بِأَلِفٍ , وَفِي بَعْضهَا : ( ذُو قَرَد ) بِالْوَاوِ , وَهُوَ الْوَجْه.
‏ ‏قَوْله : ( فَخَلَّيْتهمْ عَنْهُ ) ‏ ‏هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَلَام مُشَدَّدَة غَيْر مَهْمُوزَة أَيْ طَرَدْتهمْ عَنْهُ , وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيث بِقَوْلِهِ : يَعْنِي أَجْلَيْتهمْ عَنْهُ بِالْجِيمِ , قَالَ الْقَاضِي : كَذَا رِوَايَتنَا فِيهِ هُنَا غَيْر مَهْمُوز , قَالَ : وَأَصْله الْهَمْز فَسَهَّلَهُ , وَقَدْ جَاءَ مَهْمُوزًا بَعْد هَذَا فِي هَذَا الْحَدِيث.
‏ ‏قَوْله : ( فَأَصُكّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفه ) ‏ ‏هُوَ بِنُونٍ مَضْمُومَة ثُمَّ غَيْن مُعْجَمَة سَاكِنَة ثُمَّ ضَاد مُعْجَمَة , وَهُوَ الْعَظْم الرَّقِيق عَلَى طَرَف الْكَتِف , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ تَحَرُّكه , وَهُوَ النَّاغِض أَيْضًا.
‏ ‏قَوْله : ( يَا ثَكِلَتْهُ أُمّه أَكْوَعُهُ بُكْرَة ؟ قُلْت : نَعَمْ ) ‏ ‏مَعْنَى ثَكِلَتْهُ أُمّه : فَقَدَتْهُ , وَقَوْله : ( أَكْوَعه ) هُوَ بِرَفْعِ الْعَيْن , أَيْ : أَنْتَ الْأَكْوَع الَّذِي كُنْت بُكْرَة هَذَا النَّهَار , وَلِهَذَا قَالَ : نَعَمْ , ( وَبُكْرَة ) : مَنْصُوب غَيْر مَنُون , قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة : يُقَال : أَتَيْته بُكْرَة بِالتَّنْوِينِ , إِذَا أَرَدْت أَنَّك لَقِيته بَاكِرًا فِي يَوْم غَيْر مُعَيَّن , قَالُوا : وَإِنْ أَرَدْت بُكْرَة يَوْم بِعَيْنِهِ قُلْت : أَتَيْته بُكْرَة , غَيْر مَصْرُوف ; لِأَنَّهَا مِنْ الظُّرُوف غَيْر الْمُتَمَكِّنَة.
‏ ‏قَوْله : ( وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّة ) ‏ ‏قَالَ الْقَاضِي : رِوَايَة الْجُمْهُور بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة , وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِالْمُعْجَمَةِ , قَالَ : وَكِلَاهُمَا مُتَقَارِب الْمَعْنَى , فَبِالْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ : خَلَّفُوهُمَا.
وَالرَّذِيّ : الضَّعِيف مِنْ كُلّ شَيْء , وَبِالْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ : أَهْلَكُوهُمَا وَأَتْعَبُوهُمَا حَتَّى أَسْقَطُوهُمَا وَتَرَكُوهُمَا , وَمِنْهُ : التَّرْدِيَة , وَأَرَدْت الْفَرَس الْفَارِس أَسْقَطْته.
‏ ‏قَوْله : ( وَلَحِقَنِي عَامِر بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَة مِنْ لَبَن ) ‏ ‏السَّطِيحَة : إِنَاء مِنْ جُلُود سُطِحَ بَعْضهَا عَلَى بَعْض , وَالْمَذْقَة : بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الذَّال الْمُعْجَمَة , قَلِيل مِنْ لَبَن مَمْزُوج بِمَاءٍ.
‏ ‏قَوْله : ( وَهُوَ عَلَى الْمَاء الَّذِي حَلَأْتهُمْ عَنْهُ ) ‏ ‏كَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ ( حَلَأْتهمْ ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالْهَمْز , وَفِي بَعْضهَا ( حَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ ) بِلَامٍ مُشَدَّدَة غَيْر مَهْمُوز , وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله : ( نَحَرَ نَاقَة مِنْ الْإِبِل الَّذِي اُسْتُنْفِذَتْ مِنْ الْقَوْم ) ‏ ‏كَذَا فِي أَكْثَر النُّسَخ ( الَّذِي ) , وَفِي بَعْضهَا : ( الَّتِي ) وَهُوَ أَوْجَه ; لِأَنَّ الْإِبِل مُؤَنَّثَة , وَكَذَا أَسْمَاء الْجُمُوع مِنْ غَيْر الْآدَمِيِّينَ , وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا , وَأَعَادَ الضَّمِير إِلَى الْغَنِيمَة لَا إِلَى لَفْظ الْإِبِل.
‏ ‏قَوْله : ( ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه ) ‏ ‏بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَيْ أَنْيَابه , وَقِيلَ : أَضْرَاسه , وَالصَّحِيح الْأَوَّل , وَسَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الصِّيَام.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ خَيْر فُرْسَاننَا الْيَوْم أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْر رَجَّالَتنَا سَلَمَة ) ‏ ‏هَذَا فِيهِ اِسْتِحْبَاب الثَّنَاء عَلَى الشُّجْعَان وَسَائِر أَهْل الْفَضَائِل لَا سِيَّمَا عِنْد صَنِيعهمْ الْجَمِيل , لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرْغِيب لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الْإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ الْجَمِيل , وَهَذَا كُلّه فِي حَقّ مَنْ يَأْمَن الْفِتْنَة عَلَيْهِ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوه.
‏ ‏قَوْله : ( ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ : سَهْم الْفَارِس وَسَهْم الرَّاجِل فَجَمَعَهُمَا لِي ) ‏ ‏هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ الزَّائِد عَلَى سَهْم الرَّاجِل كَانَ نَفْلًا , وَهُوَ حَقِيق بِاسْتِحْقَاقِ النَّفْل - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - لِبَدِيعِ صُنْعه فِي هَذِهِ الْغَزْوَة.
‏ ‏قَوْله ( وَكَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار لَا يُسْبَق شَدًّا ) ‏ ‏يَعْنِي عَدْوًا عَلَى الرِّجْلَيْنِ.
‏ ‏قَوْله : ( فَطَفَرْت ) ‏ ‏أَيْ وَثَبْت وَقَفَزْت.
‏ ‏قَوْله : ( فَرَبَطْت عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي ) ‏ ‏مَعْنَى رَبَطْت حَبَسْت نَفْسِي عَنْ الْجَرْي الشَّدِيد , وَالشَّرَف : مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض.
وَقَوْله : ( أَسْتَبْقِي نَفَسِي ) بِفَتْحِ الْفَاء أَيْ لِئَلَّا يَقْطَعنِي الْبَهْر , وَفِي هَذَا دَلِيل لِجَوَازِ الْمُسَابَقَة عَلَى الْأَقْدَام , وَهُوَ جَائِز بِلَا خِلَاف إِذَا تَسَابَقَا بِلَا عِوَض , فَإِنْ تَسَابَقَا عَلَى عِوَض فَفِي صِحَّتهَا خِلَاف , الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا : لَا تَصِحّ.
‏ ‏قَوْله : ( فَجَعَلَ عَمِّي عَامِر يَرْتَجِز بِالْقَوْمِ ) ‏ ‏هَكَذَا قَالَ هُنَا ( عَمِّي ) وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيث أَبِي الطَّاهِر عَنْ اِبْن وَهْب أَنَّهُ قَالَ : ( أَخِي ) فَلَعَلَّهُ كَانَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَة , وَكَانَ عَمّه مِنْ النَّسَب.
‏ ‏قَوْله : ( يَخْطِر بِسَيْفِهِ ) ‏ ‏هُوَ بِكَسْرِ الطَّاء أَيْ : يَرْفَعهُ مَرَّة وَيَضَعهُ أُخْرَى , وَمِثْله خَطَرَ الْبَعِير بِذَنَبِهِ يَخْطِر بِالْكَسْرِ إِذَا رَفَعَهُ مَرَّة وَوَضَعَهُ مَرَّة.
‏ ‏قَوْله : ( شَاكِ السِّلَاح ) ‏ ‏أَيْ : تَامّ السِّلَاح , يُقَال : رَجُل شَاكِي السِّلَاح , وَشَاكِ السِّلَاح وَشَاك فِي السِّلَاح مِنْ الشَّوْكَة , وَهِيَ الْقُوَّة , وَالشَّوْكَة أَيْضًا : السِّلَاح , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ }.
‏ ‏قَوْله : ( بَطَل مُجَرَّب ) ‏ ‏هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ : مُجَرَّب بِالشَّجَاعَةِ وَقَهْر الْفُرْسَان , وَالْبَطَل الشُّجَاع , وَيُقَال : بَطُلَ الرَّجُل بِضَمِّ الطَّاء يَبْطُل بَطَالَة وَبُطُولَة أَيْ : صَارَ شُجَاعًا.
‏ ‏قَوْله : ( بَطَل مُغَامِر ) ‏ ‏بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة أَيْ : يَرْكَب غَمَرَات الْحَرْب وَشَدَائِدهَا وَيُلْقِي نَفْسه فِيهَا.
‏ ‏قَوْله : ( وَذَهَبَ عَامِر يُسْفِل لَهُ ) ‏ ‏أَيْ : يَضْرِبهُ مِنْ أَسْفَله وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان السِّين وَضَمّ الْفَاء.
‏ ‏قَوْله : ( وَهُوَ أَرْمَد ) ‏ ‏قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال : رَمِدَ الْإِنْسَان بِكَسْرِ الْمِيم يَرْمَد بِفَتْحِهَا رَمَدًا فَهُوَ رَمِد وَأَرْمَد , إِذْ هَاجَتْ عَيْنه.
‏ ‏قَوْله : ( أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَره ) ‏ ‏حَيْدَرَة اِسْم لِلْأَسَدِ , وَكَانَ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - قَدْ سُمِّيَ أَسَدًا فِي أَوَّل وِلَادَته , وَكَانَ ( مَرْحَب ) قَدْ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّ أَسَدًا يَقْتُلهُ فَذَكَّرَهُ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - ذَلِكَ لِيُخِيفَهُ وَيُضْعِف نَفْسه , قَالُوا : وَكَانَتْ أُمّ عَلِيّ سَمَّتْهُ أَوَّل وِلَادَته أَسَدًا بِاسْمِ جَدّه لِأُمِّهِ أَسَد بْن هِشَام بْن عَبْد مَنَافٍ , وَكَانَ أَبُو طَالِب غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ سَمَّاهُ عَلِيًّا , وَسُمِّيَ الْأَسَد حَيْدَرَة لِغِلَظِهِ , وَالْحَادِر : الْغَلِيظ الْقَوِيّ , وَمُرَاده أَنَا الْأَسَد عَلَى جُرْأَته وَإِقْدَامه وَقُوَّته.
‏ ‏قَوْله : ( أُوفِيهِمْ بِالصَّاعِ كَيْل السَّنْدَرَهْ ) ‏ ‏مَعْنَاهُ : أَقْتُل الْأَعْدَاء قَتْلًا وَاسِعًا ذَرِيعًا , وَالسَّنْدَرَة : مِكْيَال وَاسِع , وَقِيلَ : هِيَ الْعَجَلَة , أَيْ أَقْتُلهُمْ عَاجِلًا , وَقِيلَ : مَأْخُوذ مِنْ السَّنْدَرَة , وَهِيَ شَجَرَة الصَّنَوْبَر يُعْمَل مِنْهَا النَّبْل وَالْقِسِيّ.
‏ ‏قَوْله : ( فَضَرَبَ رَأْس مَرْحَب ) ‏ ‏يَعْنِي عَلِيًّا فَقَتَلَهُ , هَذَا هُوَ الْأَصَحّ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ قَاتِل مَرْحَب , وَقِيلَ : إِنَّ قَاتِل مَرْحَب هُوَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَابه الدُّرَر فِي مُخْتَصَر السِّيَر : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : إِنَّ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ هُوَ قَاتِله.
قَالَ : وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا كَانَ قَاتِله عَلِيًّا , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا , ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَلَمَة وَبُرَيْدَةَ , قَالَ اِبْن الْأَثِير : الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَر أَهْل الْحَدِيث وَأَهْل السِّيَر أَنَّ عَلِيًّا هُوَ قَاتِله.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنْوَاعًا مِنْ الْعِلْم سِوَى مَا سَبَقَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
‏ ‏مِنْهَا : أَرْبَع مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِحْدَاهَا : تَكْثِير مَاء الْحُدَيْبِيَة , وَالثَّانِيَة : إِبْرَاء عَيْن عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - , وَالثَّالِثَة : الْإِخْبَار بِأَنَّهُ يَفْتَح اللَّه عَلَى يَدَيْهِ , وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة غَيْر مُسْلِم هَذِهِ , وَالرَّابِعَة : إِخْبَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِي غَطَفَان , وَكَانَ كَذَلِكَ.
‏ ‏وَمِنْهَا : جَوَاز الصُّلْح مَعَ الْعَدُوّ.
‏ ‏وَمِنْهَا : بَعْث الطَّلَائِع وَجَوَاز الْمُسَابَقَة عَلَى الْأَرْجُل بِلَا عِوَض , وَفَضِيلَة الشَّجَاعَة وَالْقُوَّة.
‏ ‏وَمِنْهَا : مَنَاقِب سَلَمَة بْن الْأَكْوَع , وَأَبِي قَتَادَةَ , وَالْأَحْزَم الْأَسْعَدِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ -.
‏ ‏وَمِنْهَا : جَوَاز الثَّنَاء عَلَى مَنْ فَعَلَ جَمِيلًا وَاسْتِحْبَاب ذَلِكَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَة كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا , ‏ ‏وَمِنْهَا : جَوَاز عَقْر خَيْل الْعَدُوّ فِي الْقِتَال , وَاسْتِحْبَاب الرَّجَز فِي الْحَرْب , وَجَوَاز قَوْل الرَّامِي وَالطَّاعِن وَالضَّارِب : خُذْهَا وَأَنَا فُلَان أَوْ اِبْن فُلَان.
‏ ‏وَمِنْهَا : جَوَاز الْأَكْل مِنْ الْغَنِيمَة وَاسْتِحْبَاب التَّنْفِيل مِنْهَا لِمَنْ صَنَعَ صَنِيعًا جَمِيلًا فِي الْحَرْب , وَجَوَاز الْإِرْدَاف عَلَى الدَّابَّة الْمُطِيقَة , وَجَوَاز الْمُبَارَزَة بِغَيْرِ إِذْن الْإِمَام كَمَا بَارَزَ عَامِر.
وَمِنْهَا : مَا كَانَتْ الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - عَلَيْهِ مِنْ حُبّ الشَّهَادَة وَالْحِرْص عَلَيْهَا.
‏ ‏وَمِنْهَا : إِلْقَاء النَّفْس فِي غَمَرَات الْقِتَال , وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز التَّغْرِير بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَاد فِي الْمُبَارَزَة وَنَحْوهَا.
‏ ‏وَمِنْهَا : أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي حَرْب الْكُفَّار بِسَبَبِ الْقِتَال يَكُون شَهِيدًا سَوَاء مَاتَ بِسِلَاحِهِمْ أَوْ رَمَتْهُ دَابَّة أَوْ غَيْرهَا , أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحه كَمَا جَرَى لِعَامِرٍ.
‏ ‏وَمِنْهَا : تَفَقُّد الْإِمَام الْجَيْش وَمَنْ رَآهُ بِلَا سِلَاح أَعْطَاهُ سِلَاحًا.


حديث بايع يا سلمة قال قلت قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس قال وأيضا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ‏ ‏كِلَاهُمَا ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ‏ ‏وَهَذَا حَدِيثُهُ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏أَبِي ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَدِمْنَا ‏ ‏الْحُدَيْبِيَةَ ‏ ‏مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا ‏ ‏تُرْوِيهَا قَالَ فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَلَى ‏ ‏جَبَا ‏ ‏الرَّكِيَّةِ ‏ ‏فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا قَالَ ‏ ‏فَجَاشَتْ ‏ ‏فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ قَالَ فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ ‏ ‏بَايِعْ يَا ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ قَالَ وَأَيْضًا قَالَ وَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَزِلًا ‏ ‏يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ قَالَ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَجَفَةً ‏ ‏أَوْ ‏ ‏دَرَقَةً ‏ ‏ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ أَلَا تُبَايِعُنِي يَا ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ قَالَ وَأَيْضًا قَالَ فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ ثُمَّ قَالَ لِي يَا ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏أَيْنَ ‏ ‏حَجَفَتُكَ ‏ ‏أَوْ ‏ ‏دَرَقَتُكَ ‏ ‏الَّتِي أَعْطَيْتُكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيَنِي عَمِّي ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏عَزِلًا فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَقَالَ إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا قَالَ وَكُنْتُ ‏ ‏تَبِيعًا ‏ ‏لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ‏ ‏أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً ‏ ‏فَكَسَحْتُ ‏ ‏شَوْكَهَا فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا قَالَ فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَأَبْغَضْتُهُمْ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى وَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي يَا ‏ ‏لِلْمُهَاجِرِينَ ‏ ‏قُتِلَ ‏ ‏ابْنُ زُنَيْمٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَاخْتَرَطْتُ ‏ ‏سَيْفِي ثُمَّ ‏ ‏شَدَدْتُ ‏ ‏عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ‏ ‏ضِغْثًا ‏ ‏فِي يَدِي قَالَ ثُمَّ قُلْتُ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ وَجَاءَ عَمِّي ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏بِرَجُلٍ مِنْ ‏ ‏الْعَبَلَاتِ ‏ ‏يُقَالُ لَهُ ‏ ‏مِكْرَزٌ ‏ ‏يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَلَى فَرَسٍ ‏ ‏مُجَفَّفٍ ‏ ‏فِي سَبْعِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ ‏ ‏وَثِنَاهُ ‏ ‏فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏ { ‏وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏مِنْ بَعْدِ أَنْ ‏ ‏أَظْفَرَكُمْ ‏ ‏عَلَيْهِمْ ‏} ‏الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَ ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى ‏ ‏الْمَدِينَةِ ‏ ‏فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ ‏ ‏بَنِي لَحْيَانَ ‏ ‏جَبَلٌ وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِمَنْ ‏ ‏رَقِيَ ‏ ‏هَذَا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَصْحَابِهِ قَالَ ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ ‏ ‏أَوْ ثَلَاثًا ‏ ‏ثُمَّ قَدِمْنَا ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏ ‏فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِظَهْرِهِ ‏ ‏مَعَ ‏ ‏رَبَاحٍ ‏ ‏غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَنَا مَعَهُ وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ ‏ ‏طَلْحَةَ ‏ ‏أُنَدِّيهِ ‏ ‏مَعَ ‏ ‏الظَّهْرِ ‏ ‏فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ ‏ ‏قَدْ ‏ ‏أَغَارَ ‏ ‏عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ وَقَتَلَ رَاعِيَهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا ‏ ‏رَبَاحُ ‏ ‏خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ ‏ ‏طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ ‏ ‏وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ ‏ ‏أَغَارُوا ‏ ‏عَلَى ‏ ‏سَرْحِهِ ‏ ‏قَالَ ثُمَّ قُمْتُ عَلَى ‏ ‏أَكَمَةٍ ‏ ‏فَاسْتَقْبَلْتُ ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏ ‏فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا يَا ‏ ‏صَبَاحَاهْ ‏ ‏ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ ‏ ‏وَأَرْتَجِزُ ‏ ‏أَقُولُ ‏ ‏أَنَا ‏ ‏ابْنُ الْأَكْوَعِ ‏ ‏وَالْيَوْمُ ‏ ‏يَوْمُ الرُّضَّعِ ‏ ‏فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ ‏ ‏فَأَصُكُّ ‏ ‏سَهْمًا فِي ‏ ‏رَحْلِهِ ‏ ‏حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ قَالَ قُلْتُ خُذْهَا ‏ ‏وَأَنَا ‏ ‏ابْنُ الْأَكْوَعِ ‏ ‏وَالْيَوْمُ ‏ ‏يَوْمُ الرُّضَّعِ ‏ ‏قَالَ فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَجَعَلْتُ ‏ ‏أُرَدِّيهِمْ ‏ ‏بِالْحِجَارَةِ قَالَ فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ‏ ‏ظَهْرِ ‏ ‏رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِلَّا ‏ ‏خَلَّفْتُهُ ‏ ‏وَرَاءَ ظَهْرِي وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَسْتَخِفُّونَ وَلَا يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ ‏ ‏آرَامًا ‏ ‏مِنْ الْحِجَارَةِ يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَصْحَابُهُ حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ‏ ‏ثَنِيَّةٍ ‏ ‏فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ ‏ ‏فُلَانُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ ‏ ‏فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ ‏ ‏يَعْنِي يَتَغَدَّوْنَ وَجَلَسْتُ عَلَى ‏ ‏رَأْسِ قَرْنٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏الْفَزَارِيُّ ‏ ‏مَا هَذَا الَّذِي أَرَى قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا ‏ ‏الْبَرْحَ ‏ ‏وَاللَّهِ مَا فَارَقَنَا مُنْذُ ‏ ‏غَلَسٍ ‏ ‏يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا قَالَ فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ ‏ ‏نَفَرٌ ‏ ‏مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ قَالَ فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ قَالَ فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنْ الْكَلَامِ قَالَ قُلْتُ هَلْ تَعْرِفُونِي قَالُوا لَا وَمَنْ أَنْتَ قَالَ قُلْتُ أَنَا ‏ ‏سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ ‏ ‏وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي قَالَ أَحَدُهُمْ أَنَا أَظُنُّ قَالَ فَرَجَعُوا فَمَا ‏ ‏بَرِحْتُ ‏ ‏مَكَانِي حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ قَالَ فَإِذَا أَوَّلُهُمْ ‏ ‏الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ ‏ ‏عَلَى إِثْرِهِ ‏ ‏أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ ‏ ‏وَعَلَى إِثْرِهِ ‏ ‏الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ ‏ ‏قَالَ فَأَخَذْتُ ‏ ‏بِعِنَانِ ‏ ‏الْأَخْرَمِ ‏ ‏قَالَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ قُلْتُ يَا ‏ ‏أَخْرَمُ ‏ ‏احْذَرْهُمْ لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَصْحَابُهُ قَالَ يَا ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ قَالَ فَخَلَّيْتُهُ فَالْتَقَى هُوَ ‏ ‏وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَعَقَرَ ‏ ‏بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏فَرَسَهُ وَطَعَنَهُ ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏فَقَتَلَهُ وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ وَلَحِقَ ‏ ‏أَبُو قَتَادَةَ ‏ ‏فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَتَبِعْتُهُمْ ‏ ‏أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِي مِنْ أَصْحَابِ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَا غُبَارِهِمْ شَيْئًا حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى ‏ ‏شِعْبٍ ‏ ‏فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ‏ ‏ذَو قَرَدٍ ‏ ‏لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ قَالَ فَنَظَرُوا إِلَيَّ ‏ ‏أَعْدُو وَرَاءَهُمْ ‏ ‏فَخَلَّيْتُهُمْ ‏ ‏عَنْهُ ‏ ‏يَعْنِي أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً قَالَ وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِي ‏ ‏ثَنِيَّةٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ ‏ ‏فَأَصُكُّهُ ‏ ‏بِسَهْمٍ فِي ‏ ‏نُغْضِ ‏ ‏كَتِفِهِ قَالَ قُلْتُ خُذْهَا ‏ ‏وَأَنَا ‏ ‏ابْنُ الْأَكْوَعِ ‏ ‏وَالْيَوْمُ ‏ ‏يَوْمُ الرُّضَّعِ ‏ ‏قَالَ يَا ‏ ‏ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ ‏ ‏أَكْوَعُهُ ‏ ‏بُكْرَةَ ‏ ‏قَالَ قُلْتُ نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَكْوَعُكَ ‏ ‏بُكْرَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَأَرْدَوْا ‏ ‏فَرَسَيْنِ عَلَى ‏ ‏ثَنِيَّةٍ ‏ ‏قَالَ فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ وَلَحِقَنِي ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏بِسَطِيحَةٍ ‏ ‏فِيهَا ‏ ‏مَذْقَةٌ ‏ ‏مِنْ لَبَنٍ ‏ ‏وَسَطِيحَةٍ ‏ ‏فِيهَا مَاءٌ فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلَّأْتُهُمْ عَنْهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الْإِبِلَ وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ وَإِذَا ‏ ‏بِلَالٌ ‏ ‏نَحَرَ نَاقَةً مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي اسْتَنْقَذْتُ مِنْ الْقَوْمِ وَإِذَا هُوَ ‏ ‏يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّنِي ‏ ‏فَأَنْتَخِبُ ‏ ‏مِنْ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ ‏ ‏مُخْبِرٌ ‏ ‏إِلَّا قَتَلْتُهُ قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَتَّى بَدَتْ ‏ ‏نَوَاجِذُهُ ‏ ‏فِي ضَوْءِ النَّارِ فَقَالَ يَا ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا قُلْتُ نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ فَقَالَ إِنَّهُمْ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ ‏ ‏غَطَفَانَ ‏ ‏قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏غَطَفَانَ ‏ ‏فَقَالَ نَحَرَ لَهُمْ فُلَانٌ ‏ ‏جَزُورًا ‏ ‏فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا فَقَالُوا أَتَاكُمْ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا هَارِبِينَ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ ‏ ‏أَبُو قَتَادَةَ ‏ ‏وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏قَالَ ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏سَهْمَيْنِ ‏ ‏سَهْمَ ‏ ‏الْفَارِسِ ‏ ‏وَسَهْمَ ‏ ‏الرَّاجِلِ ‏ ‏فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا ثُمَّ ‏ ‏أَرْدَفَنِي ‏ ‏رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَرَاءَهُ عَلَى ‏ ‏الْعَضْبَاءِ ‏ ‏رَاجِعِينَ إِلَى ‏ ‏الْمَدِينَةِ ‏ ‏قَالَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ قَالَ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏الْأَنْصَارِ ‏ ‏لَا يُسْبَقُ شَدًّا قَالَ فَجَعَلَ يَقُولُ أَلَا مُسَابِقٌ إِلَى ‏ ‏الْمَدِينَةِ ‏ ‏هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهُ قُلْتُ أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ ‏ ‏شَرِيفًا ‏ ‏قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي ‏ ‏ذَرْنِي ‏ ‏فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ قَالَ إِنْ شِئْتَ قَالَ قُلْتُ اذْهَبْ إِلَيْكَ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ قَالَ ‏ ‏فَرَبَطْتُ ‏ ‏عَلَيْهِ ‏ ‏شَرَفًا ‏ ‏أَوْ ‏ ‏شَرَفَيْنِ ‏ ‏أَسْتَبْقِي ‏ ‏نَفَسِي ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ ‏ ‏فَرَبَطْتُ ‏ ‏عَلَيْهِ ‏ ‏شَرَفًا ‏ ‏أَوْ ‏ ‏شَرَفَيْنِ ‏ ‏ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ قَالَ ‏ ‏فَأَصُكُّهُ ‏ ‏بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ قُلْتُ قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ قَالَ أَنَا أَظُنُّ قَالَ فَسَبَقْتُهُ إِلَى ‏ ‏الْمَدِينَةِ ‏ ‏قَالَ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى ‏ ‏خَيْبَرَ ‏ ‏مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ فَجَعَلَ عَمِّي ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏يَرْتَجِزُ ‏ ‏بِالْقَوْمِ ‏ ‏تَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ‏ ‏وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا ‏ ‏وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ‏ ‏فَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا ‏ ‏وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ‏ ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏مَنْ هَذَا قَالَ أَنَا ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏قَالَ غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ قَالَ وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ قَالَ فَنَادَى ‏ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏ ‏وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا ‏ ‏بِعَامِرٍ ‏ ‏قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا ‏ ‏خَيْبَرَ ‏ ‏قَالَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ ‏ ‏مَرْحَبٌ ‏ ‏يَخْطِرُ ‏ ‏بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ ‏ ‏قَدْ عَلِمَتْ ‏ ‏خَيْبَرُ ‏ ‏أَنِّي ‏ ‏مَرْحَبُ ‏ ‏شَاكِي السِّلَاحِ ‏ ‏بَطَلٌ مُجَرَّبُ ‏ ‏إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ ‏ ‏تَلَهَّبُ ‏ ‏قَالَ وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏قَدْ عَلِمَتْ ‏ ‏خَيْبَرُ ‏ ‏أَنِّي ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏شَاكِي السِّلَاحِ ‏ ‏بَطَلٌ ‏ ‏مُغَامِرٌ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَاخْتَلَفَا ‏ ‏ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ ‏ ‏مَرْحَبٍ ‏ ‏فِي ‏ ‏تُرْسِ ‏ ‏عَامِرٍ ‏ ‏وَذَهَبَ ‏ ‏عَامِرٌ ‏ ‏يَسْفُلُ ‏ ‏لَهُ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ ‏ ‏أَكْحَلَهُ ‏ ‏فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ قَالَ ‏ ‏سَلَمَةُ ‏ ‏فَخَرَجْتُ فَإِذَا ‏ ‏نَفَرٌ ‏ ‏مِنْ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ ‏ ‏عَامِرٍ ‏ ‏قَتَلَ نَفْسَهُ قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأَنَا أَبْكِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ عَمَلُ ‏ ‏عَامِرٍ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ قَالَ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏وَهُوَ ‏ ‏أَرْمَدُ ‏ ‏فَقَالَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ‏ ‏أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ‏ ‏قَالَ فَأَتَيْتُ ‏ ‏عَلِيًّا ‏ ‏فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ ‏ ‏أَرْمَدُ ‏ ‏حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَبَسَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَخَرَجَ ‏ ‏مَرْحَبٌ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏قَدْ عَلِمَتْ ‏ ‏خَيْبَرُ ‏ ‏أَنِّي ‏ ‏مَرْحَبُ ‏ ‏شَاكِي السِّلَاحِ ‏ ‏بَطَلٌ مُجَرَّبُ ‏ ‏إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ ‏ ‏تَلَهَّبُ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏عَلِيٌّ ‏ ‏أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي ‏ ‏حَيْدَرَهْ ‏ ‏كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ ‏ ‏الْمَنْظَرَهْ ‏ ‏أُوفِيهِمُ ‏ ‏بِالصَّاعِ كَيْلَ ‏ ‏السَّنْدَرَهْ ‏ ‏قَالَ فَضَرَبَ رَأْسَ ‏ ‏مَرْحَبٍ ‏ ‏فَقَتَلَهُ ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِبْرَاهِيمُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ‏ ‏بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ السُّلَمِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ‏ ‏بِهَذَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح مسلم

سبب نزول هو الذي كف أيديهم عنكم

عن أنس بن مالك، " أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين، يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب...

حديث في غزوة النساء مع الرجال

عن أنس، أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:...

كان رسول الله ﷺ يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار

عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى»

لا تشرف لا يصبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك

عن أنس بن مالك، قال: «لما كان يوم أحد انهزم ناس من الناس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة»، قا...

حديث النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم والنهي عن...

عن يزيد بن هرمز، أن نجدة، كتب إلى ابن عباس يسأله، عن خمس خلال، فقال: ابن عباس: لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه، كتب إليه نجدة: أما بعد، فأخبرني هل كان...

سؤال عن العبد والمرأة يحضران المغنم هل يقسم لهما

عن يزيد بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله، عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان؟ وعن اليتيم متى ينقطع...

سألت عن المرأة والعبد هل كان لهما سهم معلوم

عن يزيد بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس، قال: فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه، وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس: والله لولا أن أرده عن نتن يقع ف...

أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأ...

عن أم عطية الأنصارية، قالت: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى»، حد...

حديث كم غزا رسول الله ﷺ

عن أبي إسحاق، أن عبد الله بن يزيد، خرج يستسقي بالناس، فصلى ركعتين، ثم استسقى، قال: فلقيت يومئذ زيد بن أرقم، وقال: ليس بيني وبينه غير رجل - أو بيني وبي...