حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

صلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب الصلاة باب رفع اليدين عند الركوع (حديث رقم: 257 )


257- عن علقمة، قال: قال عبد الله بن مسعود: «ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة».
وفي الباب عن البراء بن عازب.
حديث ابن مسعود حديث حسن، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (صلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ) ‏ ‏هُوَ اِبْنُ الْجَرَّاحِ ‏ ‏( عَنْ سُفْيَانَ ) ‏ ‏هُوَ الثَّوْرِيُّ ‏ ‏( عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ) ‏ ‏قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي : عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ اِبْنُ الْمَدِينِيِّ : لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُفْرَدُ بِهِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ) ‏ ‏اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ , لَكِنَّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ) ‏ ‏قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِفْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ , وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْهُ.
وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : " ثُمَّ لَمْ يُعِدْ " مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ , وَرَوَاهُ عَنْهُ بِدُونِهَا شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَخَالِدٌ الطَّحَّانُ وَزُهَيْرٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ.
وَقَالَهُ الْحُمَيْدِيُّ : إِنَّمَا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ يَزِيدُ , وَيَزِيدُ يَزِيدُ.
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : لَا يَصِحُّ , وَكَذَا ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالدَّارِمِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى : سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ وَاهٍ , قَدْ كَانَ يَزِيدُ يُحَدِّثُ بِهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ لَا يَقُولُ فِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ " فَمَا لَقَّنُوهُ تَلَقَّنَ فَكَانَ يَذْكُرُهَا كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص 83 , وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ : فَقَدِمْت الْكُوفَةَ فَلَقِيت يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ " فَقُلْت لَهُ إِنَّ اِبْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي عَنْك وَفِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ " قَالَ لَا أَحْفَظُ هَذَا اِنْتَهَى.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ , وَقَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حَزْمٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ اِبْنُ الْمُبَارَكِ وَقَالَ : لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ص 272 بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ : هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ , وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ نَظَرْت فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ , لَيْسَ فِيهِ " ثُمَّ لَمْ يُعِدْ " فَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْكِتَابَ أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ يُحَدِّثُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ فَيَكُونُ كَمَا فِي الْكِتَابِ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ , ثنا اِبْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسْوَدِ , ثنا عَلْقَمَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ , ثُمَّ رَكَعَ وَطَبَّقَ يَدَيْهِ فَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ : صَدَقَ أَخِي أَلَا بَلْ قَدْ نَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ اِنْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيِّ.
‏ ‏وَقَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ : وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ " أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً " فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ الْبَزَّارُ فِيهِ أَيْضًا إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ فَحَدِيثٌ مَدَنِيٌّ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِيهِ.
وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْيَدَ مِنْ اِثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا اِنْتَهَى كَلَامُ اِبْنِ عَبْدِ الْبَرِّ.
‏ ‏وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ : قَالَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ : سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ " فَقَالَ أَبِي هَذَا خَطَأٌ يُقَالُ وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ , فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ وَقَالُوا كُلُّهُمْ " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِفْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ فَطَبَّقَ وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ " وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ اِنْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ.
‏ ‏وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ : وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حَزْمٍ وَقَالَ اِبْنُ الْمُبَارَكِ : لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي.
وَقَالَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَشَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ : هُوَ ضَعِيفٌ.
نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُمَا وَتَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : لَمْ يَثْبُتْ , وَقَالَ اِبْنُ حِبَّانَ فِي الصَّلَاةِ هَذَا أَحْسَنُ خَبَرٍ رُوِيَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي نَفْيِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ , وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَضْعَفُ شَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ لَهُ عِلَلًا تُبْطِلُهُ اِنْتَهَى.
فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ حَدِيثَ اِبْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا بِحَسَنٍ , بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ.
وَأَمَّا تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ فَلَا اِعْتِمَادَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسَاهُلِ.
وَأَمَّا تَصْحِيحُ اِبْنِ حَزْمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِحَّةَ السَّنَدِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْمَتْنِ عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَ اِبْنِ حَزْمٍ لَا اِعْتِمَادَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَنْبِ تَضْعِيفِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَلَى تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَنَسْخِهِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَوْ تَنَزَّلْنَا وَسَلَّمْنَا أَنَّ حَدِيثَ اِبْنِ مَسْعُودٍ هَذَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ اِبْنَ مَسْعُودٍ قَدْ نَسِيَهُ كَمَا قَدْ نَسِيَ أُمُورًا كَثِيرَةً.
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ لَيْسَ فِي نِسْيَانِ اِبْنِ مَسْعُودٍ لِذَلِكَ مَا يُسْتَغْرَبُ , قَدْ نَسِيَ اِبْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ , وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ , وَنَسَّى مَا اِتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ كَالتَّطْبِيقِ وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ , وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } وَإِذَا جَازَ عَلَى اِبْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ اِنْتَهَى.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ اِبْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَنْسَ فِي ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَالَ السُّيُوطِيُّ : إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عَرَفْت فِيمَا قَبْلُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ كَثْرَةُ عَدَدِ الرُّوَاةِ وَشُهْرَةُ الْمَرْوِيِّ , حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَرْوِيه وَاحِدٌ وَالْآخَرُ يَرْوِيه اِثْنَانِ فَاَلَّذِي يَرْوِيه اِثْنَانِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ : وَمِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ , وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ التَّوَاتُرُ اِنْتَهَى.
ثُمَّ حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ , بَلْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ , قَالَ اِبْنُ حَزْمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا لَفْظُهُ : إِنْ صَحَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ , فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ اِنْتَهَى.
قُلْت : هَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ , وَإِلَّا فَحَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا عَرَفْت.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى آثَارِ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ‏ ‏( وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ ) ‏ ‏وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ , اِسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ : رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ : قُلْت : فِيهِ إِنَّ هَذَا الْأَثَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ , قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ : رَوَاهُ اِبْنُ الْحَسَنِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ بِلَفْظِ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ " وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ " لَيْسَ فِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ " وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ اِنْتَهَى.
ثُمَّ هَذَا الْأَثَرُ يُعَارِضُهُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ : وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارَضُ بِهَا الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ اِنْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَيُعَارِضُهُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ اِنْتَهَى : ‏ ‏قُلْت : وَلِرِوَايَةِ طَاوُسٍ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ : أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْهِ إِذَا اِفْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ اِنْتَهَى.
‏ ‏تَنْبِيهٌ : زَعَمَ النِّيمَوِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِ : إِنَّ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ هِيَ سَهْوٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ , قَالَ وَالصَّوَابُ هَكَذَا عَنْ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَصْبِ الرَّايَةِ , وَيُعَارِضُهُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَالَ اِبْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَارَضَهُ الْحَاكِمُ بِرِوَايَةِ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ اِبْنِ كَيْسَانَ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ قَالَ.
فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْحَاكِمَ عَارَضَهُ بِرِوَايَةِ اِبْنِ عُمَرَ لَا بِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ اِنْتَهَى كَلَامُ النِّيمَوِيِّ.
قُلْت : دَعْوَى السَّهْوِ فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ : " إِنَّ عُمَرَ " بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ قَالَ رَأَيْت عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ بِرِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنَّ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ صَحِيحٌ ثَابِتٌ , فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ صَحَابِيٍّ بِأَثَرِ صَحَابِيٍّ آخَرَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ فِي الدِّرَايَةِ وَيُعَارِضُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ , كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ فَحَذَفَ الْحَافِظُ لَفْظَ " إِنَّ عُمَرَ " اِخْتِصَارًا.
وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ يَرْجِعُ إِلَى عُمَرَ وَكَذَلِكَ فَعَلَ اِبْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ شَائِعٌ اِخْتِصَارًا وَاعْتِمَادًا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَاصِمِ اِبْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدُ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : هُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ الْقَارِي : إِسْنَادُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
قُلْت : أَثَرُ عَلِيٍّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : ذَكَرْت لِلثَّوْرِيِّ حَدِيثَ النَّهْشَلِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ فَأَنْكَرَهُ اِنْتَهَى.
قُلْت : وَانْفَرَدَ بِهَذَا الْأَثَرِ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ الْأَوْلِيَاءِ لَكِنَّهُ مُرْجِئٌ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ , وَقَالَ اِبْنُ الْمَدِينِيِّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا اِنْفَرَدَ بِهِ اِنْتَهَى وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ أَثَرَ عَلِيٍّ هَذَا صَحِيحٌ فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ كَمَا زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ : ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ لِيَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ ثُمَّ يَتْرُكُ إِلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ اِنْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ عَلِيٍّ وَكَذَا تَرْكُ اِبْنِ مَسْعُودٍ وَتَرْكُ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا الرَّفْعَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً يَلْزَمُ الْأَخْذُ بِهَا وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي النَّسْخِ بَلْ لَا يَجْتَرِئُ بِنَسْخِ أَمْرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُجَرَّدِ حُسْنِ الظَّنِّ بِالصَّحَابِيِّ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ فِعْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ اِنْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ اِبْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : صَلَّيْت خَلْفَ اِبْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ.
قُلْت : أَثَرُ اِبْنِ عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ وَكَانَ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ , وَالثَّانِي أَنَّهُ شَاذٌّ فَإِنَّ مُجَاهِدًا خَالَفَ جَمِيعَ أَصْحَابِ اِبْنِ عُمَرَ وَهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ وَالثَّالِثُ أَنَّ إِمَامَ هَذَا الشَّأْنِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ إِنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ اِبْنَ عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ اِبْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهَا , أَلَا تَرَى أَنَّ اِبْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمِي مَنْ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالْحَصَى فَكَيْفَ يَتْرُكُ اِبْنُ عُمَرَ شَيْئًا يَأْمُرُ بِهِ غَيْرَهُ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ إِنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ : حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اِخْتَلَطَ بِآخِرِهِ , وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ وَاللَّيْثُ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَنَافِعٌ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَمُحَارَبُ بْنُ دِثَارٍ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا : رَأَيْنَا اِبْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ وَكَانَ يَرْوِيه أَبُو بَكْرٍ قَدِيمًا عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا مَوْقُوفًا : أَنَّ اِبْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا اِفْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَرْفَعُهُمَا بَعْدُ.
وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ , وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ اِبْنِ عُمَرَ.
قَالَ الْحَاكِمُ كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ ثُمَّ اِخْتَلَطَ حِينَ سَاءَ حِفْظُهُ فَرَوَى مَا خُولِفَ فِيهِ , فَكَيْفَ يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ أَوْ نَقُولُ إِنَّهُ تَرَكَ مَرَّةً لِلْجَوَازِ إِذْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ , فَفِعْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ اِنْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ.
‏ ‏وَقَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي : وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعَوَّلُوا عَلَى رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ اِبْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأُجِيبُوا بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ رَاوِيهِ سَاءَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا , وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ , لَا سِيَّمَا وَهُمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَاجِبًا , فَفَعَلَهُ تَارَةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
‏ ‏وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ أُصُولِ أَصْحَابِنَا : إِنَّ مُجَاهِدًا قَالَ صَحِبْت اِبْنَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً وَقَالُوا : قَدْ رَوَى اِبْنُ عُمَرَ حَدِيثَ الرَّفْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُ.
وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي إِذَا تَرَكَ مَرْوِيًّا ظَاهِرًا فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ لِلتَّأْوِيلِ يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَرْوِيِّ وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّيْت خَلْفَ اِبْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا اِبْنُ عُمَرَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ ثُمَّ قَدْ تَرَكَ الرَّفْعَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخَهُ وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ : ‏ ‏الْأَوَّلُ : مُطَالَبَةُ إِسْنَادِ مَا نَقَلُوهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْ أَنَّهُ صَحِبَ عَشْرَ سِنِينَ وَلَمْ يَرَ اِبْنَ عُمَرَ فِيهَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ.
‏ ‏الثَّانِي : الْمُعَارَضَةُ بِخَبَرِ طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُمْ رَأَوْا اِبْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ.
‏ ‏وَالثَّالِثُ : إِنَّ فِي طَرِيقِ الطَّحَاوِيِّ أَبُو بَكْرِ بْنِ عِيَاشٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَا تُوَازِي رِوَايَتُهُ رِوَايَةَ غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ بَعْدَمَا أَخْرَجَ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ عَيَّاشٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ : أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اِخْتَلَطَ بِآخِرِهِ , وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ وَلَيْثٌ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَنَافِعٌ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَغَيْرُهُمْ , قَالُوا رَأَيْنَا اِبْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْته فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ قُلْت : آخِذًا مِنْ شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اِبْنُ عُمَرَ فَعَلَ مَا رَآهُ طَاوُسٌ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِنَسْخِهِ ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ الْحُجَّةُ بِنَسْخِهِ عِنْدَهُ تَرَكَهُ وَفَعَلَ مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ.
قُلْت : هَذَا مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ , فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يُعَارِضَ وَيَقُولَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ اِبْنُ عُمَرَ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِلُزُومِ الرَّفْعِ , ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ عَنْهُ اِلْتَزَمَ الرَّفْعَ , عَلَى أَنَّ اِحْتِمَالَ النَّسْخِ اِحْتِمَالٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يُسْمَعُ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : الدَّلِيلُ هُوَ خِلَافُ الرَّاوِي مَرْوِيَّهُ قُلْنَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّسْخَ كَمَا مَرَّ.
‏ ‏وَالرَّابِعُ : وَهُوَ أَحْسَنُهَا أَنَّا سَلَّمْنَا ثُبُوتَ التَّرْكِ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِعَدَمِ رِوَايَةِ الرَّفْعِ سُنَّةً لَازِمَةً , فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الرَّفْعِ عَنْهُ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
‏ ‏وَالْخَامِسُ : أَنَّ تَرْكَ الرَّاوِي مَرْوِيَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ خِلَافَهُ بِيَقِينٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي كُتُبِهِمْ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ , لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَهُ اِبْنُ عُمَرَ عَلَى الْعَزِيمَةِ وَتَرَكَ أَحْيَانًا بَيَانًا لِلرُّخْصَةِ , فَلَيْسَ تَرْكُهُ خِلَافًا لِرِوَايَتِهِ بِيَقِينٍ اِنْتَهَى مَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ.
‏ ‏تَنْبِيهٌ : قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِي : وَلَنَا مَا فِي الطَّحَاوِيِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ اِبْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ : مَا رَأَيْت فَقِيهًا قَطُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرِ التَّحْرِيمَةِ اِنْتَهَى.
قُلْت : لَعَلَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَمَا سَاءَ حِفْظُهُ وَاخْتَلَطَ كَيْفَ وَقَدْ اِعْتَرَفَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِي بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ تَوَاتُرًا عَمَلًا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ كَمَا عَرَفْت.
وَقَالَ : وَلَنَا حَدِيثٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فِي خِلَافِيَّاتِ الْبَيْهَقِيِّ , وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّخْرِيجِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى أَوَّلِ إِسْنَادِهِ ( إِلَى قَوْلِهِ ) فَلَعَلَّ إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ اِنْتَهَى.
قُلْت : حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ , قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ خِلَافِيَّاتِ الْبَيْهَقِيِّ مَا لَفْظُهُ : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ : وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَنَقَلَ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ , اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
فَهَدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَؤُلَاءِ الْمُقَلَّدِينَ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ حَدِيثَ اِبْنِ عُمَرَ الصَّحِيحَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِحَدِيثِهِ الَّذِي حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْمُقَلِّدُ الَّذِي مَعَ عَدَمِ اِطِّلَاعِهِ عَلَى أَوَّلِ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ , وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ يَرْجُو أَنَّ إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ.
‏ ‏وَقَالَ : وَلَنَا حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ , وَعَبَّادٌ تَابِعِيٌّ , قَالَ لَمْ يَرْفَعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ.
وَمَرَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَقَالَ وَلْيُنْظَرْ فِي إِسْنَادِهِ , وَإِنِّي رَأَيْت السَّنَدَ وَبَدَا لِي فِي نَصْبِ الرَّايَةِ سَهْوَ الْكَاتِبِ , فَإِنَّهُ كَتَبَ مُحَمَّدُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ , وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ثِقَةٌ : فَصَارَ السَّنَدُ صَحِيحًا اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : لَمْ يَقُلْ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَلْيُنْظَرْ فِي إِسْنَادِهِ , بَلْ قَالَ : وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا مَنْ يُنْظَرُ فِيهِ , فَتَكَلَّمَ الْحَافِظُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَالثَّانِي أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِيهِ فَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ سَنَدِهِ ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ وَاتِّصَالِهِ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ.
وَأَمَّا دَعْوَى سَهْوِ الْكَاتِبِ فِي مُحَمَّدٍ أَبِي يَحْيَى فَبَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ , فَإِنَّ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ.
‏ ‏وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ , اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
‏ ‏وَالْجَوَابُ : أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَخْصُوصَةِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : " كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ , وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ , فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تُؤَمِّنُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ , إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُومِي بِيَدَيْهِ وَقَالَ اِبْنُ حِبَّانَ : ذَكَرَ الْخَبَرَ الْمُتَقَصِّي لِلْقِصَّةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ , بِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أُمِرُوا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ بِالتَّسْلِيمِ دُونَ الرَّفْعِ الثَّابِتِ عِنْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ رَوَاهُ كَنَحْوِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ : مَنْ اِحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فَلَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْعِلْمِ هَذَا مَشْهُورٌ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ.
‏ ‏وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ مُلَخَّصُهُ : وَاعْتَرَضَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ : وَأَمَّا اِحْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ , فَذَكَرَ حَدِيثَهُ الْمُخْتَصَرَ وَقَالَ : وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي الْقِيَامِ , فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ , قَالَ : سَمِعْت جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ : كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَكَرَ حَدِيثَهُ الطَّوِيلَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ بَلْ أَطْلَقَ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّهُمَا حَدِيثَانِ لَا يُفَسِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ : اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ.
وَاَلَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوُ ذَلِكَ , هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا فِي وَقْتٍ كَمَا شَاهَدَهُ وَرَوَى الْآخَرُ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا شَاهَدَهُ , وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : لَمْ يُجِبْ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ : وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ.
فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْهُ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ الرَّفْعِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَالِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ حَالَ التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي , فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّسْلِيمِ الثَّانِي هُوَ فِي الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَأَى رَجُلًا رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَتَفَكَّرْ.


حديث ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَنَّادٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏وَكِيعٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سُفْيَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَلْقَمَةَ ‏ ‏قَالَ قَالَ ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ‏ ‏أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْبَاب ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏حَدِيثُ ‏ ‏ابْنِ مَسْعُودٍ ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ ‏ ‏وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ ‏ ‏سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏ ‏وَأَهْلِ ‏ ‏الْكُوفَةِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب

عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال لنا عمر بن الخطاب: «إن الركب سنت لكم، فخذوا بالركب».<br> وفي الباب عن سعد، وأنس، وأبي حميد، وأبي أسيد، وسهل بن سعد،...

أمرنا أن نضع الأكف على الركب

قال سعد بن أبي وقاص: «كنا نفعل ذلك، فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع الأكف على الركب»، حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي يعفور، عن مصعب بن سعد، عن أبي...

ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يدي...

حدثنا عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: «أنا أعلمكم ب...

أستحب للإمام أن يسبح خمس تسبيحات لكي يدرك من خلفه...

عن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ركع أحدكم، فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد، فقال في...

يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان رب...

عن حذيفة، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم، وفي سجوده، سبحان ربي الأعلى»، وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل،...

نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب

عن علي بن أبي طالب، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي، والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع».<br> وفي الباب عن ابن عباس.<b...

لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل في الركوع والسجود

عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل - يعني - صلبه في الركوع والسجود».<br> وفي الباب عن علي...

ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما

عن علي بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض، وملء ما ب...

من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له...