حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب الصلاة باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة (حديث رقم: 312 )


312- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: «هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟»، فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: «إني أقول ما لي أنازع القرآن؟»، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الباب عن ابن مسعود، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله،: «هذا حديث حسن»، " وابن أكيمة الليثي اسمه عمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة "، وروى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث، وذكروا هذا الحرف: قال: قال الزهري: «فانتهى الناس عن القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم»، «وليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام، لأن أبا هريرة هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث» وروى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج، هي خداج، غير تمام»، فقال له حامل الحديث: إني أكون أحيانا وراء الإمام، قال: اقرأ بها في نفسك 313- عن أبي هريرة قال: «أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب»، " واختار أكثر أصحاب الحديث أن لا يقرأ الرجل إذا جهر الإمام بالقراءة، وقالوا: يتبع سكتات الإمام «،» وقد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم: القراءة خلف الإمام، وبه يقول مالك، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق " وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: «أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرءون، إلا قوما من الكوفيين، وأرى أن من لم يقرأ صلاته جائزة»، " وشدد قوم من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب، وإن كان خلف الإمام، فقالوا: لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلف الإمام، وذهبوا إلى ما روى عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم "، وقرأ عبادة بن الصامت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلف الإمام، وتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب»، «وبه يقول الشافعي، وإسحاق، وغيرهما» وأما أحمد بن حنبل فقال: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، إذا كان وحده، واحتج بحديث جابر بن عبد الله حيث قال: «من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فلم يصل إلا أن يكون وراء الإمام» قال أحمد: فهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، أن هذا إذا كان وحده، واختار أحمد مع هذا القراءة خلف الإمام، وأن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام

أخرجه الترمذي


(1) صحيح (2) صحيح موقوف

شرح حديث (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ ) ‏ ‏وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ ‏ ‏( عَنْ اِبْنِ أُكَيْمَةَ ) ‏ ‏بِالتَّصْغِيرِ اِسْمُهُ عُمَارَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ وَقِيلَ اِسْمُهُ عَمَّارٌ أَوْ عُمَرُ أَوْ عَامِرٌ يَأْتِي غَيْرَ مُسَمًّى ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( اِنْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً نَظُنُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ ‏ ‏( إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الزَّايِ وَنَصْبِ الْقُرْآنَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ فِيهِ كَذَا , قَالَ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ : وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أُدَاخَلُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأُغَالَبُ عَلَيْهَا , وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أُجَاذَبُ فِي قِرَاءَتِهِ كَأَنَّهُمْ جَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ فَشَغَلُوهُ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ.
وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ وَمِنْهُ نَزْعُ الْمَيِّتِ بِرُوحِهِ اِنْتَهَى ‏ ‏( قَالَ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَخْ ) ‏ ‏أَيْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَانْتَهَى النَّاسُ كَمَا رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَقَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَسَيَجِيءُ تَصْرِيحُ الْحُفَّاظِ بِكَوْنِهِ مَدْرَجًا.
وَالْحَدِيثُ قَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ , وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ) ‏ ‏أَمَّا حَدِيثُ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ : كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَقَالَ : أَيُّكُمْ قَرَأَ خَلْفِي بِسَبِّحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ , قَالَ : قَدْ عَلِمْت أَنَّ بِضْعَكُمْ خَالَجَنِيهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ : وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَرْفَ قَالَ : قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ إِلَخْ ) ‏ ‏يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَصَلَ قَوْلَهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَخْ عَنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ : قَوْلُهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ بَيَّنَهُ لِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَشَّرٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَاتَّعَظَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ فِيمَا جَهَرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ : قَالَ رَبِيعَةُ : إِذَا حَدَّثْت فَبَيِّنْ كَلَامَك مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ : قَوْلُهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ مِنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ , قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ صَاحِبُ الزُّهْرِيَّاتِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ , وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ حِينَ مَيَّزَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ , وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا خَافَتَ اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ : رِوَايَةُ اِبْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ , وَكَذَلِكَ اِنْتِهَاءُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ الْفُقَهَاءِ مَعَ اِبْنِ جُرَيْجٍ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ الزُّهْرِيِّ إِلَى قَوْلِهِ : مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ , الدَّالَّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ , فَفَصَلَ كَلَامَ الزُّهْرِيِّ مِنْ الْحَدِيثِ بِفَصْلٍ ظَاهِرٍ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ : وَقَوْلُهُ : فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَى آخِرِهِ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ بَيَّنَهُ الْخَطِيبُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالذُّهْلِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُدْخَلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَخْ ) ‏ ‏حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِينَ بِهَا , فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ الْخِدَاجِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا.
وَقَدْ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ : اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك , فَعُلِمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ مَا يُدْخَلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ , أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَضُرُّ الْقَائِلِينَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الدَّخَلُ مُحَرَّكَةٌ مَا دَاخَلَك مِنْ فَسَادٍ فِي عَقْلٍ أَوْ جِسْمٍ وَقَدْ دَخِلَ كَفَرِحَ وَعُنِيَ دَخْلًا وَدَخَلًا وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْعَيْبُ فِي الْحَسَبِ اِنْتَهَى ‏ ‏( وَرَوَى أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُنَادِيَ أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) ‏ ‏رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِأَسَانِيدَ وَأَلْفَاظٍ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ.
‏ ‏تَنْبِيهٌ : اِعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكٍ وَالزُّهْرِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ قَالُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ قَدْ اِسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ , لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ نَظَرٌ.
أَمَّا حَدِيثُ الْمُنَازَعَةِ الَّذِي رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَهِيَ الْقِرَاءَةُ بِالسِّرِّ وَفِي النَّفْسِ بِحَيْثُ لَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ , نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اِسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ , وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.
لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ سِرًّا وَالْمُنَازَعَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ جَهْرِ الْمُؤْتَمِّ لَا مَعَ إِسْرَارِهِ.
وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ : غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ , فَهُوَ إِنْ دَلَّ عَلَى النَّهْيِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَهْيِ الْقِرَاءَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ اِنْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ التَّخْلِيطِ عَلَى الْإِمَامِ , وَالتَّخْلِيطُ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا قُرِئَ خَلْفَ الْإِمَامِ بِالْجَهْرِ , وَأَمَّا إِذَا قُرِئَ خَلْفَهُ بِالسِّرِّ وَفِي النَّفْسِ فَلَا يَكُونُ التَّخْلِيطُ الْبَتَّةَ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ حَدِيثَ اِبْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمٍ كَانُوا يَقْرَءُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِقِرَاءَتِهِمْ خَلْفَهُ بِالْجَهْرِ , وَعَلَى ذَلِكَ أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ , فَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَهُوَ أَيْضًا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ : مَعْنَى قَوْلِهِ : خَالَجَنِيهَا أَيْ نَازَعَنِي , وَالْمُخَالَجَةُ هُنَا عِنْدَهُمْ كَالْمُنَازَعَةِ , فَحَدِيثُ عِمْرَانَ هَذَا الْحَدِيثَ اِبْنُ أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَلَا تَكُونُ الْمُنَازَعَةُ إِلَّا فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْمَأْمُومُ وَرَاءَ الْإِمَامِ , وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ : اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ : ثُمَّ إِنْ كَانَ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْئًا فَإِنَّمَا كَرِهَ جَهْرَهُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , أَلَا تَرَاهُ قَالَ : أَيُّكُمْ قَرَأَ بِسَبِّحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى , فَلَوْلَا أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ وَإِلَّا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا قَرَأَ , وَنَحْنُ نَكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , فَأَمَّا أَنْ يَتْرُكَ أَصْلَ الْقِرَاءَةِ فَلَا , وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , وَذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا اِنْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَبِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى : وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا , وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فَانْتَظِرْ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَاخْتَارَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَقْرَأَ الرَّجُلُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالُوا يَتَّبِعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ ) ‏ ‏جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَكْتُوبَةً مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي سَكَتَاتِهِ , وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَفِيهِ : مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَعَ إِمَامٍ يَجْهَرُ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ سَكَتَاتِهِ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ.
وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مَا لَفْظُهُ : وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَجٍّ بِهِ , وَكَذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَلِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ خَبَرًا عَنْ فِعْلِهِمْ , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ فَتْوَاهُمْ وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ اِنْتَهَى كَلَامُهُ.
‏ ‏قُلْت : قَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنْصَتَ , فَإِذَا قَرَأَ لَمْ يَقْرَءُوا وَإِذَا أَنْصَتَ قَرَءُوا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : كَانُوا إِذَا كَبَّرُوا لَا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ قَدْ قَرَءُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَقَرَأْت فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَصْنِيفَ الْبُخَارِيِّ قَالَ : قَالَ اِبْنُ خُثَيْمٍ : قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ سَمِعْت قِرَاءَتَهُ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَهُ , إِنَّ السَّلَفَ كَانَ إِذَا أَمَّ أَحَدُهُمْ النَّاسَ كَبَّرَ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْصَتَ اِنْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ.
‏ ‏قُلْت : قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ : هَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ , فَقَدْ أَدْرَكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ اِنْتَهَى.
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَا بَنِيَّ اِقْرَءُوا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ , فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ , قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنَمُوهُمَا : سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ وَسَكْتَةٌ حِينَ يَقُولُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
قَالَ فَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ , وَرِوَايَةُ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ بِالصِّحَّةِ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : رِوَايَةُ الْعَلَاءِ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ , فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ , فَقَالَ : اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك الْحَدِيثَ.
وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي هَذَا الْكِتَابِ ص 21 قَالَ : قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ , فَقَالَ يَا فَارِسِيُّ , أَوْ يَا اِبْنَ الْفَارِسِيِّ اِقْرَأْ فِي نَفْسِك.
وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَابِ ص 19 قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ قَالَ : اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك : ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ : قَالَ مَكْحُولٌ : اِقْرَأْ بِهَا , يَعْنِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَكَتَ سِرًّا وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ اِقْرَأْ بِهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى حَالٍ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ ) ‏ ‏وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ : اِقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , قُلْت : وَإِنْ كُنْت.
قَالَ : وَإِنْ كُنْت أَنَا قُلْت : وَإِنْ جَهَرْت ؟ قَالَ : وَإِنْ جَهَرْت.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَ إِسْنَادَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ اِقْرَءُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
خَرَّجَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ بِلَفْظِ : كَانَ يَأْمُرُ أَوْ يَقُولُ : اِقْرَءُوا خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك : قَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْمُرَانِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ اِنْتَهَى.
وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقِفَ عَلَى آثَارِ الصَّحَابَةِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ , وَإِلَى كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلْبَيْهَقِيِّ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ) ‏ ‏قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ : وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْمَلِيحِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَمَكْحُولٌ وَمَالِكُ بْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَرُوبَةَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ , وَقَالَ فِيهِ : وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ وَمَا لَا أُحْصِي مِنْ التَّابِعِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُ يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَإِنْ جَهَرَ اِنْتَهَى ‏ ‏( وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ يَقْرَءُونَ إِلَّا قَوْمٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ ) ‏ ‏يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا فِي الْجَهْرِيَّةِ , وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ اِبْنِ الْمُبَارَكِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اِبْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ غَيْرَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ‏ ‏( وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ ) ‏ ‏أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ ‏ ‏( صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ) ‏ ‏فَابْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ‏ ‏( وَشَدَّدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالُوا : لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهُ كَانَ أَوْ خَلْف الْإِمَامِ ) ‏ ‏قَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ ‏ ‏( وَذَهَبُوا إِلَى مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ : ( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) ‏ ‏.
فَإِنَّ لَفْظَ : مَنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ , فَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَأْمُومِ قَطْعًا كَمَا هُوَ شَامِلٌ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ , وَكَذَلِكَ لَفْظُ : صَلَاةَ فِي قَوْلِهِ : لَا صَلَاةَ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا , صَلَاةَ الْإِمَامِ كَانَتْ أَوْ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ أَوْ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ , سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً.
‏ ‏قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَتْرُكُ أَحَدٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ مُصَلِّيًا مِنْ مُصَلٍّ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَسَرَّ الْإِمَامُ أَوْ جَهَرَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ فَتَنْتَفِي عِنْدَ اِنْتِفَاءِ الْقِرَاءَةِ اِنْتَهَى.
‏ ‏( وَقَرَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ الْإِمَامِ ) ‏ ‏وَتَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَمَكْحُولٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ كَذَا قَالَ إِنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَقُلْت : رَأَيْتُك صَنَعْت فِي صَلَاتِك شَيْئًا قَالَ : وَمَا ذَاكَ قُلْت : سَمِعْتُك تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ : نَعَمْ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ : مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنَا أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَلَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ ‏ ‏( وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا ) ‏ ‏قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ : قَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ , وَافْتَرَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ , فَكَانَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا لَمْ يَجْهَرْ مِنْ الصَّلَاةِ , وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : يَقْرَأُ فِيمَا أَسَرَّ الْإِمَامُ فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ بِهِ , وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ أَوْ أَسَرَّ اِنْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ.
‏ ‏تَنْبِيهٌ : قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ تَحْتَ حَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ : اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ.
اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : هَذَا وَهْمٌ مِنْ الْعَيْنِيِّ , فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا عَرَفْت , وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ لَمْ يَكُونُوا قَائِلِينَ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ.
‏ ‏( وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏( إِذَا كَانَ وَحْدَهُ ) ‏ ‏وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قُلْت : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخُصُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِقَوْلِ أَحْمَدَ وَلَا بِقَوْلِ سُفْيَانَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ هَذَا قَوْلُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ‏ ‏( قَالَ أَحْمَدُ فَهَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ وَحْدَهُ ) ‏ ‏حَمْلُ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ , فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِلْمَأْمُومِ أَيْضًا , وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ قَدْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ , وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَدْرَى بِمُرَادِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ , عَنْهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ ص 151 : فَأَمَّا قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَجُمْلَةُ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا مَعَ ثُبُوتِ الدَّلَالَةِ فِيهِ عَنْ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ بِالْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ , فَمَنْ تَرَكَ تَفْسِيرَهُمَا وَأَخَذَ بِتَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الَّذِي وُلِدَ بَعْدَهُمَا بِسِنِينَ وَلَمْ يُشَاهِدْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاهَدَا , حَيْثُ قَالَ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذَا لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ أَخَذَ بِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَا مِنْ الْفُقَهَاءِ كَانَ تَارِكًا لِسَبِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ وَرَدِّهَا , فَنَحْنُ إِنَّمَا صِرْنَا إِلَى تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي حَمَلَ الْحَدِيثَ لِفَضْلِ عِلْمِهِ بِسَمَاعِ الْمَقَالِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَالِ عَلَى غَيْرِهِ , قَالَ : وَلَوْ صَارَ تَأْوِيلُ سُفْيَانَ حُجَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّيَ وَحْده إِنَّمَا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ اِنْتَهَى.
‏ ‏( وَاخْتَارَ أَحْمَدُ مَعَ هَذَا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ ) ‏ ‏وَكَذَلِكَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَلَ حَدِيثَ عُبَادَةَ الْمَذْكُورَ عَلَى الَّذِي يَكُونُ وَحْدَهُ , وَمَعَ هَذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
‏ ‏تَنْبِيهٌ : عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ لِلْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَابَيْنِ وَذَكَرَ فِيهِمَا مَذَاهِبَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ , فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَ مَذْهَبَهُمْ وَدَلَائِلَهُمْ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا بِالِاخْتِصَارِ , وَلَنَا كِتَابٌ مَبْسُوطٌ فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّيْنَاهُ تَحْقِيقَ الْكَلَامِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِيهِ بَابَانِ : الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إِثْبَاتِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ عَنْ أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ , وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَابَيْنِ وَبَسَطْنَاهُ.
وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارِ الْمِنَنِ.
فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ , قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ : لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اِنْتَهَى.
هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ , وَأَمَّا أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فَيَقُولُونَ إِنَّ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ , وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِدَلَائِلَ لَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا مَطْلُوبُهُمْ , وَكَانَ أَعْلَى دَلَائِلِهِمْ وَأَجَلُّهَا عِنْدَ أَجِلَّةِ عُلَمَائِهِمْ كَالشَّيْخِ اِبْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فَكَانُوا يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ { فَاسْتَمِعُوا } , عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ { وَأَنْصِتُوا } عَلَى الْمَنْعِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ.
وَالْآنَ قَدْ حَصْحَصَ الْحَقُّ لَهُمْ فَاعْتَرَفُوا بِمَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الِاخْتِلَالِ.
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فِي رِسَالَتِهِ إِمَامُ الْكَلَامِ : الْإِنْصَافُ الَّذِي يَقْبَلُهُ مَنْ لَا يَمِيلُ إِلَى الِاعْتِسَافِ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي اِسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُنَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ حَالَ السَّكْتَةِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فِي رِسَالَتِهِ الْفُرْقَانُ : إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ اِدَّعَوْا أَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } , وَاجْتَهَدُوا فِي إِثْبَاتِ النَّسْخِ بِهِ , وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا اِدِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ.
وَالْعَجَبُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ كَالْبَحْرِ الزَّخَّارِ كَيْفَ تَصَدَّوْا لِإِثْبَاتِ النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ اِنْتَهَى كَلَامُهُ مُتَرْجَمًا.
‏ ‏وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ.
بَعْد ذِكْرِ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ تَخْدِشُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا لَفْظُهُ : غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا اِحْتَمَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهَ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا تَمَسَّكَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ , أَوْضَحُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وُجُوهًا كَثِيرَةً كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اِسْتِدْلَالَ الْحَنَفِيَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُمْ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا خَمْسَةَ وُجُوهٍ مِنْهَا.
فَالْأَوَّلُ مِنْهَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ أُصُولِهِمْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحُ : مِثَالُ الْمَصِيرِ إِلَى السُّنَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } تَعَارَضَا فَصِرْنَا إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ , اِنْتَهَى.
وَكَذَا فِي نُورِ الْأَنْوَارِ وَزَادَ فِيهِ : فَالْأَوَّلُ بِعُمُومِهِ يُوجِبُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمُقْتَدِي , وَالثَّانِي بِخُصُوصِهِ يَنْفِيه , وَقَدْ وَرَدَا فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا فَتَسَاقَطَا فَيُصَارُ إِلَى حَدِيثٍ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ إِلَخْ.
فَالْعَجَبُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ مَعَ وُجُودِ هَذَا التَّصْرِيحِ فِي كُتُبِ أُصُولِهِمْ كَيْفَ اِسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ.
‏ ‏وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } إِنَّمَا يَنْفِيَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهْرًا وَبِرَفْعِ الصَّوْتِ , فَإِنَّهَا تَشْغَلُ عَنْ اِسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ خَلْفَهُ فِي النَّفْسِ وَبِالسِّرِّ فَلَا يَنْفِيهَا , فَإِنَّهَا لَا تَشْغَلُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ , فَنَحْنُ نَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ عَمَلًا بِأَحَادِيثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِ وَسِرًّا , وَنَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا لَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ اِسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } وَمَعَ هَذَا يَقُولُونَ إِذَا خَطَبَ الْخَطِيبُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِمُوا تَسْلِيمًا } فَيُصَلِّي السَّامِعُ سِرًّا وَفِي النَّفْسِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } الْآيَةَ فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ : قَوْلُهُ : فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ أَيْ فَيُصَلِّي بِلِسَانِهِ خَفِيًّا اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ : لَكِنْ إِذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } يُصَلِّي السَّامِعُ وَيُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ سِرًّا اِئْتِمَارًا لِلْأَمْرِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْبِنَايَةِ.
فَإِنْ قُلْت : تَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا , وَالْأَمْرُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } , قَالَ مُجَاهِدٌ : نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ , قُلْت : إِذَا صَلَّى فِي نَفْسِهِ وَنَصَتَ وَسَكَتَ يَكُونُ آتِيًا بِمُوجِبِ الْأَمْرَيْنِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ اِبْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ إِحْرَازًا لِلْفَضِيلَتَيْنِ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَالثَّالِثُ : قَالَ الرَّازِّي فِي تَفْسِيرِهِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ نَقُولَ الْفُقَهَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَبْ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } يُوجِبُ سُكُوتَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , وَقَوْلَهُ : لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ , وَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَازِمٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ اِنْتَهَى.
وَفِي تَفْسِيرِ النَّيْسَابُورِيِّ وَقَدْ سَلَّمَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عُمُومَ اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَخْصِيصَ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ هَاهُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ غَيْثِ الْغَمَامِ حَاشِيَةِ إِمَامِ الْكَلَامِ : ذَكَرَ اِبْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ وَالْعَضُدِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ تَخْصِيصَ عَامِّ الْقُرْآنِ بِالْمُتَوَاتِرِ جَائِزٌ اِتِّفَاقًا وَأَمَّا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَقَالَ بِجَوَازِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ , وَقَالَ اِبْنُ أَبَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ قَدْ خُصَّ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ مُنْفَصِلًا كَانَ أَوْ مُتَّصِلًا.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ قَدْ خُصَّ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلِ مُنْفَصِلًا قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا اِنْتَهَى.
‏ ‏وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ , فَإِنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا جَهَرَ وَقَدْ اِعْتَرَفَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا , فَقَالَ قَائِلٌ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ : وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالسِّرِّيَّةِ وَالْإِنْصَاتُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ كَانَ لَكَانَا أَوَرَسَننَا وَيَكُونُ فِي الْجَهْرِيَّةِ سِيَّمَا إِذَا اِجْتَمَعَ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ وَمَا مِنْ كَلَامٍ فَصِيحٍ يَكُونُ الْإِنْصَاتُ فِيهِ فِي السِّرِّ اِنْتَهَى.
فَنَحْنُ نَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ وَفِي الْجَهْرِيَّةِ أَيْضًا عِنْدَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ , فَإِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا إِذَا جَهَرَ , قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ : قِيلَ لَهُ اِحْتِجَاجُك بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } أَرَأَيْت إِذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ يَقْرَأُ خَلْفَهُ ؟ فَإِنْ قَالَ : لَا بَطَلَ دَعْوَاهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَإِنَّمَا يَسْتَمِعُ لِمَا يَجْهَرُ , مَعَ أَنَّا نَسْتَعْمِلُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { فَاسْتَمِعُوا لَهُ } نَقُولُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ السَّكَتَاتِ اِنْتَهَى , وَقَدْ اِعْتَرَفَ بِهَذَا كُلِّهِ بَعْدَ الْفَاضِلِ اللَّكْنَوِيِّ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ حَالَ السَّكْتَةِ.
‏ ‏الْخَامِسُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي اِبْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ.
قَالَ الرَّازِي فِي تَفْسِيرِهِ : وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ : الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّا نُجْرِي هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا , فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اِسْتِمَاعُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ نَزَلَتْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي اِبْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ وَلَيْسَ خِطَابًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مُنَاسِبٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَقْوَامًا مِنْ الْكُفَّارِ يَطْلُبُونَ آيَاتٍ مَخْصُوصَةً وَمُعْجِزَاتٍ مَخْصُوصَةً , فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَأْتِيهِمْ بِهَا قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا , فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ جَوَابًا عَنْ كَلَامِهِمْ : إِنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ أَقْتَرِحَ عَلَى رَبِّي , وَلَيْسَ لِي إِلَّا أَنْ أَنْتَظِرَ الْوَحْيَ , ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَ الْإِتْيَانَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي اِقْتَرَحُوهَا فِي صِحَّةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ تَامَّةٌ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ , وَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ { هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فَلَوْ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } الْمُرَادُ مِنْهُ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَانْقَطَعَ النَّظْمُ وَحَصَلَ فَسَادُ التَّرْكِيبِ , وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ سِوَى هَذَا الْوَجْهِ , وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا اِدَّعَى كَوْنَ الْقُرْآنِ بَصَائِرَ وَهُدًى وَرَحْمَةً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُعْجِزَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ , وَكَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِشَرْطٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ اِسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصَتُوا حَتَّى يَقِفُوا عَلَى فَصَاحَتِهِ وَيُحِيطُوا بِمَا فِيهِ مِنْ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ , فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ كَوْنَهُ مُعْجِزًا دَالًّا عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَسْتَغْنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ عَنْ طَلَبِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ , وَيَظْهَرُ لَهُمْ صِدْقَ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ.
فَثَبَتَ أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اِسْتَقَامَ النَّظْمُ وَحَصَلَ التَّرْتِيبُ , فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا } , خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ وَبِكَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ , وَعِنْدَ هَذَا يَسْقُطُ اِسْتِدْلَالُ الْخُصُومِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ.
وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وُجُوهٌ.
‏ ‏الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.
فَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَالسُّكُوتِ حَتَّى يُمْكِنَهُمْ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ الْبَالِغَةِ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ.
‏ ‏وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَحَكَمَ بِكَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ ثُمَّ قَالَ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } إِلَخْ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا هُمْ الْمُؤْمِنُونَ لَمَا قَالَ { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لِأَنَّهُ جَزَمَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لَعَلَّهُ يَكُونُ الْقُرْآنُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ هُمْ الْكَافِرُونَ صَحَّ حِينَئِذٍ ‏ ‏قَوْلُهُ : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } اِنْتَهَى كَلَامُ الرَّازِي مُلَخَّصًا.
فَإِنْ قُلْت : قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ اِنْتَهَى.
فَمَعَ إِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ فِيهَا خِطَابًا مَعَ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
‏ ‏قُلْت : لَمْ يَذْكُرْ الزَّيْلَعِيُّ إِسْنَادَ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ , وَقَدْ طَالَعْت كِتَابَ الْقِرَاءَةِ لَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ قَوْلَ أَحْمَدَ هَذَا , وَكَذَا طَالَعْت بَابَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ لَهُ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلَ , فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ وَكَيْفَ حَالُ إِسْنَادِهِ.
ثُمَّ هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ.
فَإِنَّ فِي شَأْنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالًا : مِنْهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ , وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ قَوْلُ اِبْنِ الْمُبَارَكِ.
أَنَا أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ يَقْرَءُونَ إِلَّا قَوْمٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ اِخْتَارَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فَتَفَكَّرْ.
وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدِّهِمْ صِحَّتَهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ اِخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ قَالَ بِهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فَتَفَكَّرْ.
فَإِنْ قُلْت : الْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْكُفَّارِ لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ.
قُلْت : لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ , لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَيْضًا فِي مَقَرِّهِ أَنَّ اللَّفْظَ لَوْ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ يَلْزَمُ التَّعَارُضُ وَالتَّنَاقُضُ , وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ , فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ.
قَالَ الشَّيْخُ اِبْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ , مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَضَرُّوا بِهِ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي لَفْظِ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ.
وَالْعِبْرَةُ إِنْ كَانَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إِلَخْ.
فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } عَلَى عُمُومِهِ لَزِمَ التَّعَارُضُ وَالتَّنَاقُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَأَحَادِيثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ هَذَا وَإِنْ شِئْت الْوُقُوفَ عَلَى الْوُجُوهِ الْأُخْرَى فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ.
‏ ‏وَالدَّلِيلُ الثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ : حَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَالَ : عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَؤُمُّكُمْ أَحَدُكُمْ , وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا , وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ.
قُلْت مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ قَوْلُهُ : وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا , وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ , قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى : وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالُوا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ اِنْتَهَى.
وَلَمْ سُلِّمَ أَنَّ لَفْظَ : وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ , كَمَا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا عَرَفْت.
وَعَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ وُجُوهٌ أُخْرَى ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ : وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا , مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ , جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ : قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي : وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيثِ : وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا , وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ , وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُنْصِتُ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ أَوْ يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ : وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ يَحْتَمِلُ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ قَرَأَ فِيمَا سَكَتَ الْإِمَامُ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُفْتِي بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ جَهْرِيَّةً كَانَتْ أَوْ سِرِّيَّةً وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ : وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا أَيْضًا.
‏ ‏وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ لِلْحَنَفِيَّةِ : حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ , أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
قُلْت الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ , فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ : قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي : وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا كَالْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ ; لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحَافِظِ , وَقَدْ اِسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ وَعَلَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : حَدِيثُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهَا مَعْلُولَةٌ اِنْتَهَى.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَلَنَا عَنْهُ أَجْوِبَةٌ عَدِيدَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي تَحْقِيقِ الْكَلَامِ فَمِنْهَا مَا قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي كِتَابِهِ إِمَامِ الْكَلَامِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ إِلَخْ لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى تَرْكِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَلْ يَحْتَمِلُهَا وَيَحْتَمِلُ قِرَاءَةَ مَا عَدَاهَا , وَتِلْكَ الرِّوَايَاتُ يَعْنِي رِوَايَاتِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ اِسْتِحْسَانِهَا نَصًّا فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ قَطْعًا اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا : حَدِيثُ عُبَادَةَ نَصٌّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَام , وَأَحَادِيثُ التَّرْكِ وَالنَّهْيِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَرْكِهَا نَصًّا بَلْ ظَاهِرًا , وَتَقْدِيمُ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ مَنْصُوصٌ فِي كُتُبِ الْأَعْلَامِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ : الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مَنْطُوقًا بِهِ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ يَكُونُ مُحْتَمِلًا يَعْنِي فَيَتَقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي اِنْتَهَى.
‏ ‏وَمِنْهَا : مَا قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ : فَلَوْ ثَبَتَ الْخَيْرُ أَنَّ كِلَاهُمَا لَكَانَ هَذَا تُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأَنَّ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ , وَقَوْلُهُ : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ جُمْلَةً وَقَوْلُهُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْجُمْلَةِ , كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا.
ثُمَّ قَالَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ إِلَّا الْمَقْبُرَةَ وَمَا اِسْتَثْنَاهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْمُسْتَثْنَى خَارِجٌ مِنْ الْجُمْلَةِ : وَكَذَلِكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ : مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَعَ اِنْقِطَاعِهِ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَمِنْهَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ : قَالَ صَاحِبُ إِمَامِ الْكَلَامِ : قَدْ يُقَالُ إِنَّ مَوْرِدَ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ قِرَاءَةُ رَجُلٍ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَاهِدٌ لِكَوْنِهِ وَارِدًا فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ : وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ , وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ , قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ , وَبِهَذَا يَجْمَعُ الْأَدِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْقِرَاءَةِ وَالنَّافِيَةَ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَمِنْهَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَقْرِيرُ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ أَنَّ جَابِرًا رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلِيٌّ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَكُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَيُفْتُونَ بِهَا.
وَعَمَلُ الرَّاوِي وَفَتْوَاهُ خِلَافُ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ عِنْدَهُمْ , أَمَّا قِرَاءَةُ جَابِرٍ فَقَدْ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيِّ فِي حَاشِيَةِ اِبْنِ مَاجَهْ قَوْلُهُ : كُنَّا نَقْرَأُ قَالَ الْمِزِّيُّ مَوْقُوفٌ ثُمَّ قَالَ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ اِنْتَهَى.
وَأَمَّا فَتْوَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ الْخِدَاجِ بِلَفْظِ : فَقِيلَ لِأَبِي.
هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْأَمَامِ , فَقَالَ اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك اِنْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ فَقُلْت لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ قَالَ يَا فَارِسِيُّ أَوْ اِبْنَ الْفَارِسِيِّ اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ : وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ , فَقَالَ يَا فَارِسِيُّ أَوْ اِبْنَ الْفَارِسِيِّ اِقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك اِنْتَهَى.
وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْفَتْوَى صَحِيحَةٌ.
وَأَمَّا فَتْوَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ قَالَ : كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , قَالَ وَكُنْت أَقُومُ إِلَى جَنْبِ أَنَسٍ فَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ وَيُسْمِعُنَا قِرَاءَتَهُ لِنَأْخُذَ عَنْهُ.
وَأَمَّا فَتْوَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ : سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ اِعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ.
وَأَمَّا فَتْوَى اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ قَالَ : اِقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهْرًا وَلَمْ يَجْهَرْ , وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : قَالَ لَا تَدَعْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ , جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ , وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا الْعَيْزَارُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ : سَمِعْت اِبْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : اِقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا فَتْوَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اِقْرَأْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ فِي الدُّنْيَا اِنْتَهَى.
وَأَمَّا فَتْوَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ قَالَ لَا تَزْكُوا صَلَاةُ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطَهُورِ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَغَيْرِ الْإِمَامِ.
‏ ‏وَمِنْهَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قِرَاءَةٍ حَقِيقِيَّةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ.
وَهَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ أَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ , بَلْ قِرَاءَةُ إِمَامِهِ تَكْفِيه عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ , وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ اِبْنِ أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ : إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ , وَبِحَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ , وَبِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا , وَهِيَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِ , وَبِالسِّرِّ , بِحَيْثُ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ , نَعَمْ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ.
‏ ‏تَنْبِيهٌ : اِعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدْ اِسْتَدَلُّوا عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِبَعْضِ آثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَأَثَرِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ زَيْدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ.
قُلْت : اِحْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ لَيْسَ بِشَيْءٍ , فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْحَنَفِيَّةَ كَالشَّيْخِ اِبْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ مِنْ السُّنَّةِ , وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَهِيَ تَنْفِي هَذِهِ الْآثَارَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا.
قَالَ صَاحِبُ إِمَامِ الْكَلَامِ : صَرَّحَ اِبْنُ الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ مِنْ السُّنَّةِ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ دَالَّةٌ عَلَى إِجَازَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ , فَكَيْفَ يُؤْخَذُ بِالْآثَارِ وَتَتْرُكُ السُّنَّةُ اِنْتَهَى.
وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُجِّيَّةَ آثَارِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا تَكُونُ مُفِيدَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَنُورِ الْأَنْوَارِ , وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ فِيهِ اِخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا عَرَفْت فَكَيْفَ يَصِحُّ اِحْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ , لَا بُدَّ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ لِئَلَّا تُخَالِفَ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَالثَّانِي أَنَّهُ أَيْ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ , فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُشْرَعُ لَهُ قِرَاءَتُهَا , وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِيُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ : وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ , وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ اِنْتَهَى.


حديث هل قرأ معي أحد منكم آنفا فقال رجل نعم يا رسول الله قال إني أقول

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الْأَنْصَارِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مَعْنٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏انْصَرَفَ ‏ ‏مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ ‏ ‏هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ ‏ ‏آنِفًا ‏ ‏فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي أَقُولُ مَالِي ‏ ‏أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْبَاب ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ مَسْعُودٍ ‏ ‏وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ‏ ‏وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ ‏ ‏وَابْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ ‏ ‏اسْمُهُ ‏ ‏عُمَارَةُ ‏ ‏وَيُقَالُ ‏ ‏عَمْرُو بْنُ أُكَيْمَةَ ‏ ‏وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَرْفَ قَالَ قَالَ ‏ ‏الزُّهْرِيُّ ‏ ‏فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ ‏ ‏لِأَنَّ ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏هَذَا الْحَدِيثَ ‏ ‏وَرَوَى ‏ ‏أَبُو هُرَيْرَةَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا ‏ ‏بِأُمِّ الْقُرْآنِ ‏ ‏فَهِيَ ‏ ‏خِدَاجٌ ‏ ‏فَهِيَ ‏ ‏خِدَاجٌ ‏ ‏غَيْرُ تَمَامٍ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏لَهُ حَامِلُ الْحَدِيثِ إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ‏ ‏وَرَوَى ‏ ‏أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَمَرَنِي النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنْ أُنَادِيَ أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ ‏ ‏فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَقْرَأَ الرَّجُلُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالُوا يَتَتَبَّعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ ‏ ‏وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَبِهِ يَقُولُ ‏ ‏مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ‏ ‏وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ‏ ‏وَالشَّافِعِيُّ ‏ ‏وَأَحْمَدُ ‏ ‏وَإِسْحَقُ ‏ ‏وَرُوِيَ عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ يَقْرَءُونَ إِلَّا قَوْمًا مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ‏ ‏وَشَدَّدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ ‏ ‏فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالُوا لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةِ ‏ ‏فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏وَحْدَهُ كَانَ أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ ‏ ‏وَذَهَبُوا إِلَى مَا رَوَى ‏ ‏عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَقَرَأَ ‏ ‏عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ‏ ‏بَعْدَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ ‏ ‏فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏وَبِهِ يَقُولُ ‏ ‏الشَّافِعِيُّ ‏ ‏وَإِسْحَقُ ‏ ‏وَغَيْرُهُمَا ‏ ‏وَأَمَّا ‏ ‏أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ ‏ ‏بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏إِذَا كَانَ وَحْدَهُ ‏ ‏وَاحْتَجَّ ‏ ‏بِحَدِيثِ ‏ ‏جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏حَيْثُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا ‏ ‏بِأُمِّ الْقُرْآنِ ‏ ‏فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏ ‏فَهَذَا رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ ‏ ‏بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏ ‏أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَاخْتَارَ ‏ ‏أَحْمَدُ ‏ ‏مَعَ هَذَا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ ‏ ‏فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ‏ ‏وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل

عن أبي نعيم وهب بن كيسان، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: «من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل، إلا أن يكون وراء الإمام»،: «هذا حديث حسن صحيح»...

رب افتح لي باب رحمتك رب افتح لي باب فضلك

عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: «ر...

إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس

عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس»، وفي الباب عن جابر، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وأبي...

الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»،: وفي الباب عن علي، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، وجا...

من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة

عن عثمان بن عفان، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة»، وفي الباب عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وعبد الله ب...

من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا بنى الله له بي...

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة»، حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا نوح بن قيس، عن عبد ا...

لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور

عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»، وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة،: «حديث ابن عباس حدي...

كنا ننام على عهد رسول الله ﷺ في المسجد ونحن شباب

عن ابن عمر قال: «كنا ننام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن شباب»، «حديث ابن عمر حديث حسن صحيح»، «وقد رخص قوم من أهل العلم في النوم...

نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والاشتراء...

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه «نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والاشتراء فيه، وأن يتحلق الناس فيه يو...