1724- عن البراء، قال: «ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين لم يكن بالقصير ولا بالطويل»: وفي الباب عن جابر بن سمرة، وأبي رمثة، وأبي جحيفة وهذا حديث حسن صحيح
صحيح
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)
قَوْلُهُ : ( مَا رَأَيْت مِنْ ذِي لِمَّةٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ.
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : الْجُمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ , وَاللِّمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ الْجُمَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ , وَالْوَفْرَةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ ( فِي حُلَّةٍ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْحُلَّةُ بِالضَّمِّ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ بُرْدٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَا تَكُونُ حُلَّةً إِلَّا مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٍ لَهُ بِطَانَةٌ اِنْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : الْحُلَّةُ هِيَ ثَوْبَانِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ , قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَحِلُّ عَلَى الْآخِرِ , وَقِيلَ لَا تَكُونُ الْحُلَّةُ إِلَّا الثَّوْبَ الْجَدِيدَ الَّذِي يُحَلُّ مِنْ طَيِّهِ ( حَمْرَاءَ ) .
قَالَ اِبْنُ الْهُمَامِ : الْحُلَّةُ الْحَمْرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهُ أَحْمَرُ بَحْتٌ.
وَقَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ : غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا كَانَتْ حَمْرَاءَ بَحْتًا لَا يُخَالِطُهَا غَيْرُهَا , وَإِنَّمَا الْحُلَّةُ الْحَمْرَاءُ بُرْدَانِ يَمَانِيَّانِ مَنْسُوجَانِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ مَعَ الْأَسْوَدِ كَسَائِرِ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَّةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنْ الْخُطُوطِ , وَإِنَّمَا وَقَعَتْ شُبْهَةٌ مِنْ لَفْظِ الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ اِنْتَهَى.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا حَمْرَاءُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ , وَالْوَاجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْحَمْرَاءُ الْبَحْتُ , وَالْمَصِيرُ إِلَى الْمَجَازِ أَعْنِي كَوْنَ بَعْضِهَا أَحْمَرُ دُونَ بَعْضٍ لَا يُحْمَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ إِلَّا لِمُوجِبٍ , فَإِنْ أَرَادَ يَعْنِي اِبْنَ الْقَيِّمِ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ لُغَةً فَلَيْسَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهَا , فَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى , وَالْوَاجِبُ حَمْلُ مَقَالَةِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا لِسَانُهُ وَلِسَانُ قَوْمِهِ , فَإِنْ قَالَ إِنَّمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَمَعَ كَوْنِ كَلَامِهِ آبِيًا عَنْ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِ بِتَغْلِيطِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا الْحَمْرَاءُ الْبَحْتُ لَا مُلْجِئَ إِلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِدُونِهِ مَعَ أَنَّ حَمْلَهُ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عَلَى مَا ذَكَرَ يُنَافِي مَا اِحْتَجَّ بِهِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مِنْ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ رَأَى عَلَى رَوَاحِلِهِمْ أَكْسِيَةً فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ , وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ مَا فِيهِ الْخُطُوطُ وَتِلْكَ الْحُلَّةُ كَذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ اِنْتَهَى ( لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ ) أَيْ إِذَا تَدَلَّى شَعْرُهُ الشَّرِيفُ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ ( بَعِيدٌ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَرُوِيَ مُكَبَّرًا وَمُصَغَّرًا أَيْ عَرِيضُ أَعْلَى الظَّهْرِ.
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ اِبْنِ سَعْدٍ : رَحْبُ الصَّدْرِ ( لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ ) أَيْ الْمَعْيُوبَيْنِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ , وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ.
وَحَدِيثُ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ وَعَلِيٌّ أَمَامَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ , أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ بِسُوقِ الْمَجَازِ , وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ : أَنَّهُ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ أَحْمَرُ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ.
وَرَوَى اِبْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ نَحْوَهُ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَحْمَرِ.
وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثِرَانِ وَيَقُومَانِ , الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ , وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ : قَدْ اِحْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : جَاءَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا عَنْ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْبَرَاءِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وَأَبِي وَائِلٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ.
وَذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّة إِلَى الْكَرَاهَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ : مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ , أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ : هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اِسْمِهِ , فَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ , وَقِيلَ زَاذَانُ , وَقِيلَ عِمْرَانُ , وَقِيلَ مُسْلِمٌ , وَقِيلَ زِيَادٌ , وَقِيلَ يَزِيدُ وَهُوَ كُوفِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ.
هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا إِلَّا هَذِهِ الطَّرِيقُ وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٌ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى عَلَى رَوَاحِلِنَا وَعَلَى إِبِلِنَا أَكْسِيَةً فِيهَا خُيُوطُ عِهْنٍ حُمْرٌ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , " أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ " , فَقُمْنَا سِرَاعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلِنَا فَأَخَذْنَا الْأَكْسِيَةَ فَنَزَعْنَاهَا عَنْهَا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلًا مَجْهُولًا.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ : أَنَّ اِمْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ : كُنْت يَوْمًا عِنْدَ زَيْنَبَ اِمْرَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْبُغُ ثِيَابًا لَهَا بِمَغْرَةٍ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذَا طَلَعَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْمَغْرَةَ رَجَعَ , فَلَمَّا رَأَتْ زَيْنَبُ عَلِمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَرِهَ مَا فَعَلَتْ فَأَخَذَتْ فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا وَوَارَتْ كُلَّ حُمْرَةٍ , ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ فَاطَّلَعَ فَلَمَّا لَمْ يَرَ شَيْئًا دَخَلَ , أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ : وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ , وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عِيَاشٍ وَفِيهِمَا مَقَالٌ اِنْتَهَى.
وَمِنْ أَقْوَى حُجَجِهِمْ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ , وَكَذَلِكَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ : نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ , وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى , وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ , فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهَا مَعَ ثُبُوتِ لُبْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَرَّاتٍ.
وَمِنْ أَصْرَحِ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ بُرْدٍ أَوْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كَمَا قَالَ اِبْنُ قَانِعٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ وَكُلَّ ثَوْبٍ ذِي شُهْرَةٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ وَابْنُ قَانِعٍ وَابْنُ السَّكَنِ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ عَدِيٍّ , وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ : إِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا أَحَبُّ الزِّينَةِ إِلَى الشَّيْطَانِ.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَهَذَا إِنْ صَحَّ كَانَ أَنَصَّ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ , وَلَكِنَّك قَدْ عَرَفْت لُبْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ فِي غَيْرِ مَرَّةٍ , وَيَبْعُدُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ مَا حَذَّرَنَا مِنْ لُبْسِهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ , وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا فِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ مُشْعِرَةٌ بِعَدَمِ اِخْتِصَاصِ الْخِطَابِ بِنَا إِذْ تَجَنُّبُ مَا يُلَابِسُهُ الشَّيْطَانُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ.
فَإِنْ قُلْت : فَمَا الرَّاجِحُ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ ؟ قُلْتُ : قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لَمْ يُصَاحِبْهُ دَلِيلٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ كَانَ مُخَصِّصًا لَهُ عَنْ عُمُومِ الْقَوْلِ الشَّامِلِ لَهُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ فَيَكُونُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُخْتَصًّا بِهِ , وَلَكِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَافِظُ وَجَزَمَ بِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ وَقَدْ بَالَغَ الْجَوزْقَانِيُّ فَقَالَ بَاطِلٌ , فَالْوَاجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُعْتَضَدَةِ بِأَفْعَالِهِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيح , لَا سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ لُبْسِهِ لِذَلِكَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ , وَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهَا إِلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ , قَالُوا لِأَنَّ الْعُصْفُرَ يَصْبُغُ صِبَاغًا أَحْمَرَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى وَسَتَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْأَحْمَرِ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ.
وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ , وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاحْتِجَاجِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا , وَالثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا , وَالثَّالِثُ يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُشَبَّعِ بِالْحُمْرَةِ دُونَ مَا كَانَ صَبْغُهُ خَفِيفًا , جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ , وَكَانَ الْحُجَّةُ فِيهِ حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُفَدَّمِ , أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَالْمُفَدَّمُ بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ الْمُشَبَّعُ بِالْعُصْفُرِ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ , وَالرَّابِعُ يُكْرَهُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا لِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ وَيَجُوزُ فِي الْبُيُوتِ وَالْمِهْنَةِ , جَاءَ ذَلِكَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ , وَالْخَامِسُ يَجُوزُ لُبْسُ مَا كَانَ صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ وَيُمْنَعُ مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ , جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْحُلَّةَ الْوَارِدَةَ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي لُبْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ إِحْدَى حُلَلِ الْيَمَنِ وَكَذَلِكَ الْبُرْدُ الْأَحْمَرُ , وَبُرُودُ الْيَمَنِ يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ , وَالسَّادِسُ اِخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِمَا يُصْبَغُ بِالْعُصْفُرِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يُمْنَعُ مَا صُبِغَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْبَاغِ , قَالَ الْحَافِظُ : وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمَغْرَةِ الْمُتَقَدِّمُ ; وَالسَّابِعُ تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِالثَّوْبِ الَّذِي يُصْبَغُ كُلُّهُ وَأَمَّا مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَحْمَرِ مِنْ بَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا , وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ فَإِنَّ الْحُلَلَ الْيَمَانِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ ذَاتَ خُطُوطٍ حُمْرٍ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ غَالِبَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ : الَّذِي أُرَاهُ جَوَازُ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ بِكُلِّ لَوْنٍ إِلَّا أَنِّي لَا أُحِبُّ لُبْسَ مَا كَانَ مُشَبَّعًا بِالْحُمْرَةِ وَلَا لُبْسَ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا ظَاهِرًا فَوْقَ الثِّيَابِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ فِي زَمَانِنَا , فَإِنَّ مُرَاعَاةَ زِيِّ الزَّمَانِ مِنْ الْمُرُوءَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا , وَفِي مُخَالَفَتِهِ الزِّيَّ ضَرْبٌ مِنْ الشُّهْرَةِ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُلَخَّصَ مِنْهُ قَوْلٌ ثَامِنٌ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
قُلْتُ : الرَّاجِحُ عِنْدِي مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ هُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ , وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ : وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمَغْرَةِ الْمُتَقَدِّمُ فَفِيهِ أَنَّ فِي سَنَدِهِ ضَعْفًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ نَفْسُهُ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَفِيهِمَا مَقَالٌ اِنْتَهَى هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي رِمْثَةَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سمرة فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي لُبْسِ الْحُمْرَةِ لِلرِّجَالِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَدَبِ , وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رِمْثَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ , وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ وَفِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ صَحِيحِهِ.
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَمْ يَكُنْ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي رِمْثَةَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
عن علي قال: «نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي، والمعصفر»: وفي الباب عن أنس، وعبد الله بن عمرو وحديث علي حديث حسن صحيح
عن سلمان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء، فقال: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه...
عن عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت ابن عباس يقول: ماتت شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهلها: «ألا نزعتم جلدها، ثم دبغتموه فاستمتعتم به»
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا في جلود الميتة:...
عن عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»: هذا حديث حسن ويروى عن عبد الله بن عكيم، عن...
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء»: وفي الباب عن حذيفة، وأبي سعيد، وأبي هريرة، و...
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: «ير...
عن أم الحسن، أن أم سلمة حدثتهم، «أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبرا من نطاقها» وروى بعضهم، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أمه،...
عن أبي بردة، قال: أخرجت إلينا عائشة كساء ملبدا، وإزارا غليظا، فقالت: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين»: وفي الباب عن علي، وابن مسعود وحديث عا...