حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

سئل عن أكل الضب فقال لا آكله ولا أحرمه - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب الأطعمة باب ما جاء في أكل الضب (حديث رقم: 1790 )


1790- عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن أكل الضب؟ فقال: «لا آكله ولا أحرمه» وفي الباب عن عمر، وأبي سعيد، وابن عباس، وثابت بن وديعة، وجابر، وعبد الرحمن ابن حسنة.
هذا حديث حسن صحيح وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخص فيه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وكرهه بعضهم ويروى عن ابن عباس أنه قال: «أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم تقذرا»

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (سئل عن أكل الضب فقال لا آكله ولا أحرمه)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ ) ‏ ‏فِيهِ جَوَازُ أَكْلِ الضَّبِّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَكْلَ الضَّبِّ حَلَالٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَتِهِ , وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ حَرَامٌ , وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ.
وَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ فَمَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ اِنْتَهَى.
‏ ‏فَإِنْ قُلْت : لَمَّا لَمْ يَكُنْ الضَّبُّ حَرَامًا فَمَا سَبَبُ عَدَمِ أَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ‏ ‏قُلْتُ : رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ , فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ , فَقَالُوا : هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَرَفَعَ يَدَهُ , فَقُلْت : أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ " , قَالَ خَالِدٌ : فَاجْتَرَرْته فَأَكَلْته وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ.
قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ : فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ أَيْ أَكْرَهُ أَكْلَهُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : فَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ , وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا لَمَا أَكَلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ , كَذَا أَطْلَقَ الْأَمْرَ , وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ الْإِذْنِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّقْرِيرِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنَّ فِيهَا : فَقَالَ لَهُمْ كُلُوا , فَأَكَلَ الْفَضْلُ وَخَالِدٌ وَالْمَرْأَةُ , وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُوا وَأَطْعِمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ " أَوْ قَالَ " لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ طَعَامِي ".
وَفِي هَذَا كُلِّهِ بَيَانُ سَبَبِ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَا اِعْتَادَهُ.
وَقَدْ وَرَدَ لِذَلِكَ سَبَبٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ مُرْسَلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَفِي آخِرِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلَا " , يَعْنِي لِخَالِدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ " فَإِنَّنِي يَحْضُرُنِي مِنْ اللَّهِ حَاضِرَةٌ ".
قَالَ الْمَازِرِيُّ : يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ , وَكَانَ لِلَحْمِ الضَّبِّ رِيحًا فَتَرَكَ أَكْلَهُ لِأَجْلِ رِيحِهِ كَمَا تَرَكَ أَكْلَ الثُّومِ مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا.
قَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا إِنْ صَحَّ يُمْكِنُ ضَمُّهُ إِلَى الْأَوَّلِ وَيَكُونُ لِتَرْكِهِ الْأَكْلَ مِنْ الضَّبِّ سَبَبَانِ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَوْلُهُ : ‏ ‏( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ اِبْنِ حَسَنَةَ ) ‏ ‏أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الضَّبِّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمْهُ , وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ , وَإِنَّمَا طَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاءِ مِنْهُ , وَلَوْ كَانَ عِنْدِي طَعِمْته.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ مُضِبَّةٍ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : ذَكَر لِي أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ : أَهْدَتْ خَالَتِي أُمُّ حُفَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا ,.
فَأَكَلَ مِنْ الْأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَتَرَكَ الْأَضُبَّ تَقَذُّرًا.
قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ , وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ فَأَصَبْنَا ضِبَابًا قَالَ فَشَوَيْت مِنْهَا ضَبًّا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْته بَيْنَ يَدَيْهِ , قَالَ فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابًّا فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيُّ الدَّوَابِّ هِيَ , قَالَ : فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ.
قَالَ الْحَافِظُ : وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَالَ لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنْ الْقُرُونِ الَّتِي مُسِخَتْ.
وَرَوَى اِبْنُ مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمْ الضَّبَّ وَلَكِنْ قَذِرَهُ وَإِنَّهُ لَطَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَأَكَلْته.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اِبْنِ حَسَنَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ : نَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضَّبَابِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُمْ طَبَخُوا مِنْهَا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا.
قَالَ الْحَافِظُ : وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِلَّا الضِّحَاكَ فَلَمْ يُخْرِجَا لَهُ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ‏ ‏( وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَكْلِ الضَّبِّ فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ ) ‏ ‏وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ , وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ اِسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِهِ , فَمِنْهَا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ , وَمِنْهَا أَحَادِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا أَلْفَاظَهَا , وَمِنْهَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ , وَمِنْهَا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ : كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ , فَنَادَتْهُمْ اِمْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَأَمْسَكُوا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُوا وَأَطْعِمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ " , أَوْ قَالَ " لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي " , كَذَا فِي نَصْب الرَّايَةِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ : دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ فَقَرَّبَ إِلَيْنَا ثَلَاثَةَ عَشْرَ ضَبًّا فَآكِلٌ وَتَارِكٌ , فَلَقِيت اِبْنَ عَبَّاسٍ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْته فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ حَتَّى , قَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ " , فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : بِئْسَمَا قُلْتُمْ مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُحَلِّلًا وَمُحَرِّمًا , إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَعِنْدَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ , فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَكَفَّ يَدَهُ وَقَالَ : " هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ , وَقَالَ لَهُمَا " كُلُوا " , فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ , وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ لَا آكُلُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ الْمُرْسَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا ضِبَابٌ , فَقَالَ " كُلُوا فَإِنِّي عَائِفُهُ ".
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُك لِأَسْأَلَك عَنْ أَحْنَاشِ الْأَرْضِ مَا تَقُولُ فِي الضَّبِّ ؟ قَالَ " لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ " , قَالَ : قُلْت فَإِنِّي آكُلُ مِمَّا لَمْ تُحَرِّمْ , وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَرَأَيْت خَلْقًا رَابَنِي" ‏ ‏( وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ ) ‏ ‏قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ : وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ أَكْلَ الضَّبِّ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَاحْتَجَّ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ ضَبٌّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ , فَقَامَ عَلَيْهِمْ سَائِلٌ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ , فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتُعْطِينَهُ مَا لَا تَأْكُلِينَ ؟ " قَالَ مُحَمَّدٌ : فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ أَكْلَ الضَّبِّ , قَالَ فَبِذَلِكَ نَأْخُذُ.
‏ ‏قَالَ الطَّحَاوِيُّ : مَا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ , قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ لَهَا أَنْ تُطْعِمَهُ السَّائِلَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا عَافَتْهُ وَلَوْلَا أَنَّهَا عَافَتْهُ لَمَا أَطْعَمَتْهُ إِيَّاهُ , وَكَانَ مَا تُطْعِمُهُ السَّائِلَ فَإِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى , فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مِنْ خَيْرِ الطَّعَامِ , كَمَا قَدْ نَهَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِالْبُسْرِ الرَّدِيءِ وَالتَّمْرِ الرَّدِيءِ.
قَالَ فَلِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا الصَّدَقَةَ بِالضَّبِّ لَا لِأَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَدِدْت أَنَّ عِنْدِي خُبْزَةً بَيْضَاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ مُلَبَّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ " , فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَاِتَّخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ , فَقَالَ : " فِي أَيْ شَيْءٍ كَانَ هَذَا ؟ " قَالَ : فِي عُكَّةِ ضَبٍّ , قَالَ : " اِرْفَعْهُ " , أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ الضَّبِّ أَوْ عَلَى كَرَاهَتِهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّمَا أَمَرَ بِرَفْعِهِ لِتَنَفُّرِ طَبْعِهِ عَنْ الضَّبِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِهِ , كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ خَالِدٍ , لَا لِنَجَاسَةٍ جِلْدِهِ وَإِلَّا لَأَمَرَهُ بِطَرْحِهِ وَنَهَاهُ عَنْ تَنَاوُلِهِ.
‏ ‏وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اِبْنِ حَسَنَةَ نَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ إِنَّهُمْ طَبَخُوا مِنْهَا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا " وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ بِالْإِكْفَاءِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْأَكْلِ إِنَّمَا هِيَ خَشْيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ الضِّبَابُ مِنْ الْأُمَّةِ الْمَمْسُوخَةِ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْأُمَّةَ الْمَمْسُوخَةَ لَا يَكُونُ لَهَا نَسْلٌ وَلَا عَقِبٌ , فَلَمَّا عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يَمْسَخْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً اِرْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ , وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا اِرْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ يَرْتَفِعُ الْمَعْلُولُ , عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَا يُقَاوِمَانِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِ الضَّبِّ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَاضِيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْحِلِّ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا نَصًّا وَتَقْرِيرًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَا حَمْلُ النَّهْيِ فِيهِ عَلَى أَوَّلِ الْحَالِ عِنْدَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا مُسِخَ وَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ , وَحَمْلُ الْإِذْنِ فِيهِ عَلَى ثَانِي الْحَالِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ , ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَسْتَقْذِرُهُ فَلَا يَأْكُلُهُ وَلَا يُحَرِّمُهُ وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ , فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ فِي حَقِّ مَنْ يَتَقَذَّرُ.
وَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَتَقَذَّرُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا اِنْتَهَى ‏ ‏( وَيُرْوَى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : أُكِلَ الضَّبُّ إِلَخْ ) ‏ ‏رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ.


حديث لا آكله ولا أحرمه وفي الباب عن عمر وأبي سعيد وابن عباس وثابت بن وديعة

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏أَنَّ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ ‏ ‏لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْبَاب ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُمَرَ ‏ ‏وَأَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏وَثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ ‏ ‏وَجَابِرٍ ‏ ‏وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏ ‏وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَكْلِ الضَّبِّ ‏ ‏فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَغَيْرِهِمْ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ ‏ ‏وَيُرْوَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَإِنَّمَا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏تَقَذُّرًا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

الضبع صيد هي قال نعم قال قلت آكلها قال نعم

عن ابن أبي عمار قال: قلت لجابر: الضبع صيد هي؟ قال: «نعم»، قال: قلت: آكلها؟ قال: «نعم»، قال: قلت له: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «نعم»: هذ...

أو يأكل الضبع أحد

عن حبان بن جزء، عن أخيه خزيمة بن جزء قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع، فقال: «أو يأكل الضبع أحد؟»، وسألته عن الذئب؟ فقال: «أويأكل ا...

أطعمنا رسول الله ﷺ لحوم الخيل

عن جابر قال: «أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر» وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر.<br>: وهذا حديث حسن صحيح، وهكذا روى...

نهى عن لحوم الحمر الأهلية

عن علي قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء زمن خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية» حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان، عن...

حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار...

عن أبي هريرة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع، والمجثمة، والحمار الإنسي» وفي الباب عن علي، وجابر، والبراء، وابن أبي...

أنقوها غسلا واطبخوا فيها ونهى عن كل سبع ذي ناب

عن أبي ثعلبة، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس، فقال: «أنقوها غسلا، واطبخوا فيها، ونهى عن كل سبع ذي ناب»: هذا حديث مشهور من حديث...

إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء

عن أبي ثعلبة الخشني، أنه قال: يا رسول الله، إنا بأرض أهل الكتاب، فنطبخ في قدورهم، ونشرب في آنيتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجدوا غير...

لقوها وما حولها وكلوه

عن ميمونة، أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه» وفي الباب عن أبي هريرة: هذا حديث حسن صحيح وقد...

لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله

عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله» وفي الباب عن جابر،...