1872- عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الحنطة خمرا، ومن الشعير خمرا، ومن التمر خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن العسل خمرا» وفي الباب عن أبي هريرة: هذا حديث غريب 1873- عن إسرائيل، نحوه، وروى أبو حيان التيمي هذا الحديث، عن الشعبي، عن ابن عمر، عن عمر، قال: «إن من الحنطة خمرا»، فذكر هذا الحديث 1874- عن عمر بن الخطاب، «إن من الحنطة خمرا» وهذا أصح من حديث إبراهيم بن مهاجر، وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: لم يكن إبراهيم بن مهاجر بالقوي، وقد روي من غير وجه أيضا عن الشعبي، عن النعمان بن بشير
صحيح
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الذُّهْلِيُّ ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ) هُوَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ الْفِرْيَابِيُّ ( حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ) هُوَ اِبْنُ يُونُسَ ( حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ) هُوَ الْبَجْلِيُّ الْكُوفِيُّ.
قَوْلُهُ : ( إِنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا ) قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : تَسْمِيَتُهُ خَمْرًا مَجَازٌ لِإِزَالَتِهِ الْعَقْلَ.
قُلْت : قَوْلُ اِبْنِ الْمَلَكِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهُ خَمْرًا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ , وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ , وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ.
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ تَصْرِيحٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَهُ عُمَرُ مِنْ كَوْنِ الْخَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ , وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَمْرَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِأَعْيَانِهَا , وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُهَا خُصُوصًا لِكَوْنِهَا مَعْهُودَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ , فَكُلَّمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ ذُرَةٍ أَوْ سَلْتٍ أَوْ لُبِّ ثَمَرَةٍ وَعُصَارَةِ شَجَرَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُهَا كَمَا قُلْنَا فِي الرِّبَا وَرَدَدْنَا إِلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ كُلَّمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اِنْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي قَوْلَ عُمَرَ : نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ إِلَخْ أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْأَبْوَابِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ لِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ خَبَرُ صَحَابِيٍّ شَهِدَ التَّنْزِيلَ أَخْبَرَ عَنْ سَبَبِ نُزُولِهَا , وَقَدْ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ , فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْكَارُهُ , وَأَرَادَ عُمَرُ بِنُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ نُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } الْآيَةَ فَأَرَادَ عُمَرُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْمُتَّخَذَ مِنْ غَيْرِهَا : قَالَ قَوْلُهُ : وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَيْ غَطَّاهُ أَوْ خَالَطَهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى حَالِهِ , وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ , وَالْعَقْلُ هُوَ آلَةُ التَّمْيِيزِ فَلِذَلِكَ حُرِّمَ مَا غَطَّاهُ أَوْ غَيَّرَهُ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزُولُ الْإِدْرَاكُ الَّذِي طَلَبَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ لِيَقُومُوا بِحُقُوقِهِ.
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ , وَأَمَّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَهُوَ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَاصَّةً.
قَالَ الْحَافِظُ : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عُمَرَ لَيْسَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ اللُّغَةِ بَلْ هُوَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ : الْخَمْرُ الَّذِي وَقَعَ تَحْرِيمُهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ هُوَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ , عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اِخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْته , وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْخَمْرَ فِي اللُّغَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ فَالِاعْتِبَارُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ , وَقَدْ تَوَارَدَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا , وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ : النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ " , قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ تُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ , وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ شَرْعًا لَا تَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْغَالِبِ أَيْ أَكْثَرِ مَا يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ , وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى إِرَادَةِ اِسْتِيعَابِ ذِكْرِ مَا عُهِدَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْخَمْرُ.
قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ : سُمِّيَ الْخَمْرُ لِكَوْنِهِ خَامِرًا لِلْعَقْلِ أَيْ سَاتِرًا لَهُ , وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ اِسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ , وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ خَاصَّةً , وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ , وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ , فَرُجِّحَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَسْتُرُ الْعَقْلَ يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً , وَكَذَا قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ.
سُمِّيَتْ الْخَمْرُ خَمْرًا لِسَتْرِهَا الْعَقْلَ أَوْ لِاخْتِمَارِهَا , وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْجَوْهَرِيُّ.
وَنُقِلَ عَنْ اِبْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ سُمِّيَتْ الْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى اِخْتَمَرَتْ وَاخْتِمَارُهَا يُغَيِّرُ رَائِحَتَهَا , وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ.
نَعَمْ جَزَمَ اِبْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا هِيَ لِلْعِنَبِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ يُسَمَّى خَمْرًا مَجَازًا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي حَدِيثِ : إِيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ فَإِنَّهَا خَمْرُ الْعَالَمِ هِيَ نَبِيذُ الْحَبَشَةِ مُتَّخَذَةٌ مِنْ الذُّرَةِ , سُمِّيَتْ الْغُبَيْرَاءَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْغُبَيْرَةِ , وَقَوْلُهُ خَمْرُ الْعَالَمِ أَيْ هِيَ مِثْلُ خَمْرِ الْعَالَمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا , وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهَا مُعْظَمُ خَمْرِ الْعَالَمِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : الْخَمْرُ عِنْدَنَا مَا اُعْتُصِرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إِذَا اِشْتَدَّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ , قَالَ : وَقِيلَ هُوَ اِسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ".
وَلِأَنَّهُ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ , قَالَ : وَلَنَا إِطْبَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى تَخْصِيصِ الْخَمْرِ بِالْعِنَبِ وَلِهَذَا اُشْتُهِرَ اِسْتِعْمَالُهَا فِيهِ ; وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ قَطْعِيٌّ وَتَحْرِيمَ مَا عَدَا الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ ظَنِّيٌّ , قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْخَمْرُ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ لَا لِمُخَامَرَةِ الْعَقْلِ , قَالَ : وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ كَمَا فِي النَّجْمِ فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ ثُمَّ هُوَ خَاصٌّ بِالثُّرَيَّا اِنْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ : وَالْجَوَابُ عَنْ الْحُجَّةِ الْأُولَى : ثُبُوتُ النَّقْلِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْخَمْرَ إِلَّا مِنْ الْعِنَبِ , فَيُقَالُ لَهُمْ : إِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ سَمَّوْا غَيْرَ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ خَمْرًا عَرَبٌ فُصَحَاءُ , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْمُ صَحِيحًا لَمَا أَطْلَقُوهُ.
وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : قَالَ الْكُوفِيُّونَ : إِنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعِنَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَعْصِرُ خَمْرًا } قَالَ : فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ هُوَ مَا يُعْتَصَرُ لَا يُنْتَبَذُ , قَالَ : وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْحَصْرِ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَسَائِرُ الْحِجَازِيِّينَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ : كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا اُتُّخِذَ مِنْ الْعِنَبِ.
وَمِنْ الْحُجَّةُ لَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا نَزَلَ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَهِمَ الصَّحَابَةُ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَمَّى خَمْرًا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ , فَأَرَاقُوا الْمُتَّخَذَ مِنْ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَإِذَا ثَبَتَ تَسْمِيَةُ كُلِّ مُسْكِرٍ خَمْرًا مِنْ الشَّرْعِ كَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ.
وَعَنْ الثَّانِيَةِ : أَنَّ اِخْتِلَافَ مُشْتَرَكَيْنِ فِي الْحُكْمِ فِي الْغِلَظِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اِفْتِرَاقُهُمَا وَفِي التَّسْمِيَةِ كَالزِّنَا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً وَعَلَى وَطْءِ اِمْرَأَةِ جَارِهِ , وَالثَّانِي أَغْلَظُ مِنْ الْأَوَّلِ , وَعَلَى مَنْ وَطِئَ مَحْرَمًا لَهُ وَهُوَ أَغْلَظُ , وَاسْمُ الزِّنَا مَعَ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلثَّلَاثَةِ.
وَأَيْضًا فَالْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ , فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ وَعَدَمِ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ حَرَامًا بَلْ يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ إِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ ظَنِّيٍّ تَحْرِيمُهُ , وَكَذَا تَسْمِيَتُهُ خَمْرًا.
وَعَنْ الثَّالِثَةِ ثُبُوتُ النَّقْلِ عَنْ أَعْلَمْ النَّاسِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ بِمَا نَفَاهُ هُوَ , وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَقُولَ لَا لِمُخَامَرَةِ الْعَقْلِ مَعَ قَوْلِ عُمَرَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ , وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَا اِدَّعَاهُ مِنْ اِتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ , فَيُحْمَلُ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى الْمَجَازِ , لَكِنْ اِخْتَلَفَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ خَمْرًا , فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ : سُمِّيَتْ الْخَمْرُ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُخَامِرُ الْعَقْلَ أَيْ تُخَالِطُهُ , قَالَ : وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ خَامَرَهُ الدَّاءُ أَيْ خَالَطَهُ , وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْعَقْلَ أَيْ تَسْتُرُهُ , وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ وَجْهَهَا.
وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُخَالَطَةِ التَّغْطِيَةُ , وَقِيلَ سُمِّيَتْ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُخَمَّرُ حَتَّى تُدْرِكَ كَمَا يُقَالُ : خَمَّرْت الْعَجِينَ فَتَخَمَّرَ أَيْ تَرَكْته حَتَّى أَدْرَكَ , وَمِنْهُ خَمَّرْت الرَّأْيَ أَيْ تَرَكْته حَتَّى ظَهَرَ وَتَحَرَّرَ , وَقِيلَ سُمِّيَتْ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُغَطَّى حَتَّى تَغْلِيَ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قُلْت لِأَنَسٍ : الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا ؟ قَالَ : مَا خَمَّرْت مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْخَمْرُ , أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ , وَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لِثُبُوتِهَا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاللِّسَانِ.
قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : الْأَوْجُهُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَمْرِ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتْ وَسَكَنَتْ , فَإِذَا شُرِبَتْ خَالَطَتْ الْعَقْلَ حَتَّى تَغْلِبَ عَلَيْهِ وَتُغَطِّيَهُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ عَلَى صِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا تُبْطِلُ مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ الْعِنَبِ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى خَمْرًا وَلَا يَتَنَاوَلُهُ اِسْمُ الْخَمْرِ , وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلُغَةِ الْعَرَبِ وَلِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَلِلصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَهِمُوا مِنْ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الْخَمْرِ تَحْرِيمَ كُلِّ مُسْكِرٍ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ وَبَيْنَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِهِ , بَلْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا يُسْكِرُ نَوْعُهُ , وَلَمْ يَتَوَقَّفُوا وَلَا اِسْتَفْصَلُوا وَلَمْ يَشْكُلْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , بَلْ بَادَرُوا إِلَى إِتْلَافِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَبِلُغَتِهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِيهِ تَرَدُّدٌ لَتَوَقَّفُوا عَنْ الْإِرَاقَةِ حَتَّى يَسْتَكْشِفُوا وَيَسْتَفْصِلُوا وَيَتَحَقَّقُوا التَّحْرِيمَ لَمَّا كَانَ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ النَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ , فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَبَادَرُوا إِلَى الْإِتْلَافِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ فَهِمُوا التَّحْرِيمَ نَصًّا , فَصَارَ الْقَائِلُ بِالتَّفْرِيقِ سَالِكًا غَيْرَ سَبِيلِهِمْ , ثُمَّ اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ خُطْبَةُ عُمَرَ بِمَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَسَمِعَهُ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْكَارُ ذَلِكَ , وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى التَّعْمِيمِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ , وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَآخَرُونَ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
قَالَ الْحَافِظُ : وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ حَقِيقَةً يَكُونُ أَرَادَ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ , وَمَنْ نَفَى أَرَادَ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ , وَقَدْ أَجَابَ بِهَذَا اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ : إِنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ , وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ الْبُسْرِ إِذْ ذَاكَ , فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي مَاءِ الْعِنَبِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ أَنْ يُجَوِّزَ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا بَلَغَهُمْ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَرَاقُوا كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخَمْرِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا , وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ , فَصَحَّ أَنَّ الْكُلَّ خَمْرٌ حَقِيقَةً وَلَا اِنْفِكَاكَ عَنْ ذَلِكَ : وَعَلَى تَقْدِيرِ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ وَالتَّسْلِيمِ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَاصَّةً فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ , فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَالْكُلُّ خَمْرٌ حَقِيقَةً لِحَدِيثِ : " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ " , فَكُلُّ مَا اِشْتَدَّ كَانَ خَمْرًا , وَكُلُّ خَمْرٍ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ , وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا.
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ , كَذَا فِي الْمُنْتَقَى.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ.
فِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهَاجِرِ الْبَجْلِيُّ الْكُوفِيُّ , قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ اِنْتَهَى.
قَالَ اِبْنُ الْمَدِينِيِّ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ نَحْوُ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِهِ , وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالْقَطَّانُ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اِنْتَهَى.
قُلْت : وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ : صَدُوقٌ لَيِّنُ الْحِفْظِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا وَمِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا وَمِنْ التَّمْرِ خَمْرًا وَمِنْ الزَّبِيبِ خَمْرًا وَمِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ نَحْوَهُ وَرَوَى أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ إِنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا بِهَذَا وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ و قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ بِالْقَوِيِّ الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَيْضًا عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
حدثنا أبو كثير السحيمي، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة»: هذا حديث حسن صحيح وأبو...
عن جابر بن عبد الله، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا»: هذا حديث حسن صحيح
عن أبي سعيد، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البسر والتمر أن يخلط بينهما، وعن الزبيب والتمر أن يخلط بينهما، ونهى عن الجرار أن ينبذ فيها» وفي الباب...
عن الحكم، قال: سمعت ابن أبى ليلى يحدث، أن حذيفة، استسقى، فأتاه إنسان بإناء من فضة، فرماه به وقال: إني كنت قد نهيته فأبى أن ينتهي، «إن رسول الله صلى ال...
عن أنس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائما» فقيل: الأكل؟ قال: «ذاك أشد»: هذا حديث صحيح
عن الجارود بن المعلى، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما» وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس: هذا حديث حسن غريب، وهكذا روى غير واحد...
عن ابن عمر قال: «كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام»: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع،...
عن ابن عباس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم» وفي الباب عن علي، وسعد، وعبد الله بن عمرو، وعائشة: هذا حديث حسن صحيح
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا»: هذا حديث حسن