حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب الفتن باب ما جاء في رفع الأمانة (حديث رقم: 2179 )


2179- عن حذيفة بن اليمان قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة» ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام نومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفطت فتراه منتبرا وليس فيه شيء»، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله قال: " فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرجل: ما أجلده وأظرفه وأعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان " قال: «ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت فيه لئن كان مسلما ليردنه علي دينه ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا»: هذا حديث حسن صحيح

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ ) ‏ ‏أَيْ فِي أَمْرِ الْأَمَانَةِ الْحَادِثَةِ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ , قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْأَوَّلُ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ إِلَى آخِرِهِ , وَالثَّانِي حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا , قَدْ رَأَيْت أَحَدَهُمَا , وَهُوَ نُزُولُ الْأَمَانَةِ ‏ ‏( وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ ) ‏ ‏وَهُوَ رَفْعُ الْأَمَانَةِ ‏ ‏( حَدَّثَنَا ) ‏ ‏وَهُوَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ‏ ‏( أَنَّ الْأَمَانَةَ ) ‏ ‏الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ } وَهِيَ عَيْنُ الْإِيمَانِ , أَوْ كُلُّ مَا يَخْفَى وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْمُرَادُ بِهَا التَّكْلِيفُ الَّذِي كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ أَوْ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ‏ ‏( نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيُكْسَرُ وَسُكُونُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ فِي أَصْلِ قُلُوبِهِمْ , وَجَذْرُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَيْ أَنَّ الْأَمَانَةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَتْ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا فَكَانَتْ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْأَخْذِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى بِ ‏ ‏قَوْلِهِ : ( ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا ) ‏ ‏أَيْ بِنُورِ الْإِيمَانِ ‏ ‏( مِنْ الْقُرْآنِ ) ‏ ‏أَيْ مِمَّا يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ نَفْلًا , حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا , مَأْخُوذًا مِنْ الْكِتَابِ أَوْ الْحَدِيثِ ‏ ‏( وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ , ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ بِإِعَادَةِ ثُمَّ , وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا السُّنَّةَ.
‏ ‏( ثُمَّ حَدَّثَنَا ) ‏ ‏وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّانِي ‏ ‏( عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ ) ‏ ‏أَيْ عَنْ ذَهَابِهَا أَصْلًا حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُوصَفُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا النَّادِرُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَنْ يُنْسَبُ لِلْأَمَانَةِ , فَإِنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الْأَوَّلِينَ.
فَاَلَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ مَا كُنْت أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا هُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَخِيرِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ , وَأَمَّا الَّذِي يَنْتَظِرُهُ فَإِنَّهُ حَيْثُ تُفْقَدُ الْأَمَانَةُ مِنْ الْجَمِيعِ إِلَّا النَّادِرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ‏ ‏( فَيَظَلُّ أَثَرُهَا ) ‏ ‏فَتَحَاتٌ بِتَشْدِيدِ لَامٍ أَيْ فَيَصِيرُ وَأَصْلُ ظَلَّ مَا عُمِلَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ وَقْتٍ , وَهِيَ هُنَا عَلَى بَابِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَالَةَ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ النَّوْمِ , وَهِيَ غَالِبًا تَقَعُ عِنْدَ الصُّبْحِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ تَذْهَبُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا الْأَثَرُ الْمَوْصُوفُ فِي الْحَدِيثِ ‏ ‏( مِثْلُ الْوَكْتِ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِثْلُ أَثَرِ الْوَكْتِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ الْأَثَرُ فِي الشَّيْءِ كَالنُّقْطَةِ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ يُقَالُ وَكَتَ الْبُسْرُ إِذْ بَدَتْ فِيهِ نُقْطَةُ الْإِرْطَابِ ‏ ‏( ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً ) ‏ ‏أَيْ أُخْرَى ‏ ‏( فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ ) ‏ ‏أَيْ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ قَلْبِهِ ‏ ‏( فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلُ أَثَرِ الْمَجْلِ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ بَعْدَهَا لَامٌ.
هُوَ أَثَرُ الْعَمَلِ فِي الْكَفِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكْتِ وَالْمَجْلِ أَنَّ الْوَكْتَ النُّقْطَةُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ والمجل غِلَظُ الْجِلْدِ مِنْ الْعَمَلِ لَا غَيْرُ ‏ ‏( كَجَمْرٍ ) ‏ ‏الْجِيمُ الْمَفْتُوحَةُ وَالْمِيمُ السَّاكِنَةُ أَيْ تَأْثِيرٌ كَتَأْثِيرِ جَمْرٍ وَقِيلَ أُبْدِلَ مِنْ مِثْلِ أَثَرِ الْمَجْلِ أَيْ يَكُونُ أَثَرُهَا فِي الْقَلْبِ كَأَثَرِ جَمْرٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ يَعْنِي أَثَرَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ ‏ ‏( دَحْرَجْته ) ‏ ‏أَيْ قَلَّبْته وَدَوَّرْته ‏ ‏( عَلَى رِجْلِك فَنَفِطَتْ ) ‏ ‏بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَفِطَتْ كَفَرِحَتْ نَفْطًا وَنَفَطًا وَنَفِيطًا قَرِحَتْ عَمَلًا أَوْ مَجِلَتْ ‏ ‏( فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا ) ‏ ‏بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ مُنْتَفِخًا وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ عَلَى إِرَادَةِ الْمَوْضِعِ الْمُدَحْرَجِ عَلَيْهِ الْجَمْرُ قِيلَ الْمَعْنَى : يُخَيَّلُ إِلَيْك أَنَّ الرَّجُلَ ذُو أَمَانَةٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَثَابَةِ نَفِطَةً تَرَاهَا مُنْتَفِطَةً مُرْتَفِعَةً كَبِيرَةً لَا طَائِلَ تَحْتَهَا ‏ ‏( وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ) ‏ ‏أَيْ صَالِحٌ بَلْ مَاءٌ فَاسِدٌ.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَزُولُ عَنْ الْقُلُوبِ شَيْئًا فَشَيْئًا , فَإِذَا زَالَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهَا زَالَ نُورُهَا وَحَلَفَتْهُ ظُلْمَةٌ كَالْوَكْتِ , وَهُوَ اِعْتِرَاضُ لَوْنٍ مُخَالِفٍ لِلَّوْنِ الَّذِي قَبْلَهُ , فَإِذَا زَالَ شَيْءٌ آخَرُ صَارَ كَالْمَجْلِ وَهُوَ أَثَرٌ مُحْكِمٌ لَا يَكَادُ يَزُولُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ , وَهَذِهِ الظُّلْمَةُ فَوْقَ الَّتِي قَبْلَهَا , ثُمَّ شَبَّة زَوَالَ ذَلِكَ النُّورِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ وَخُرُوجِهِ بَعْدَ اِسْتِقْرَارِهِ فِيهِ وَاعْتِقَابِ الظُّلْمَةِ إِيَّاهُ , بِجَمْرٍ يُدَحْرِجُهُ عَلَى رِجْلِهِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا ثُمَّ يَزُولُ الْجَمْرُ وَيَبْقَى النَّفْطُ اِنْتَهَى.
‏ ‏( قَالَ فَيُصْبِحُ النَّاسُ ) ‏ ‏أَيْ يَدْخُلُونَ فِي الصَّبَاحِ ‏ ‏( يَتَبَايَعُونَ ) ‏ ‏أَيْ السِّلَعَ وَنَحْوَهَا بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا أَحَدُهُمْ مِنْ الْآخَرِ ‏ ‏( لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ) ‏ ‏لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْأَمَانَةِ سَلَبَهَا حَتَّى صَارَ خَائِنًا ‏ ‏( وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ ) ‏ ‏أَيْ مِنْ أَرْبَابِ الدُّنْيَا , مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَطَبْعٍ فِي الشِّعْرِ وَالنَّثْرِ , وَفَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ وَصَبَاحَةٍ وَقُوَّةٍ بَدَنِيَّةٍ وَشَجَاعَةٍ وَشَوْكَةٍ ‏ ‏( مَا أَجْلَدَهُ ) ‏ ‏بِالْجِيمِ ‏ ‏( وَأَظْرَفَهُ ) ‏ ‏بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ‏ ‏( وَأَعْقَلَهُ ) ‏ ‏الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ , تَعَجُّبًا مِنْ كَمَالِهِ وَاسْتِغْرَابًا مِنْ مَقَالِهِ وَاسْتِبْعَادًا مِنْ جَمَالِهِ.
‏ ‏وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِكَثْرَةِ الْعَقْلِ وَالظَّرَافَةِ وَالْجَلَادَةِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ , وَلَا يَمْدَحُونَ أَحَدًا بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ‏ ‏( وَمَا فِي قَلْبِهِ ) ‏ ‏حَالٌ مِنْ الرَّجُلِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ‏ ‏( مِثْقَالُ حَبَّةٍ ) ‏ ‏أَيْ مِقْدَارُ شَيْءٍ قَلِيلٍ ‏ ‏( مِنْ خَرْدَلٍ ) ‏ ‏مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِحَبَّةٍ أَيْ هِيَ خَرْدَلٌ ‏ ‏( مِنْ إِيمَانٍ ) ‏ ‏أَيْ كَائِنًا مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ.
لَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَمَانَةِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ آخِرًا : وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ , فَهَلَّا حَمَلُوهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا لِقَوْلِهِ : وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيَكُونُ وَضْعُ الْإِيمَانِ آخِرًا مَوْضِعَهَا تَفْخِيمًا لِشَأْنِهَا , وَحَثًّا عَلَى أَدَائِهَا.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ " قَالَ الْقَارِي : إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ آخِرًا وَمَا صَدَّرَ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ : نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ.
فَإِنَّ نُزُولَ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَصْلِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يَعْلَمُونَ إِيقَانَهُ وَإِيقَانَهُمْ بِتَتَبُّعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
‏ ‏وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَهِيَ جُزْئِيَّةٌ مِنْ كُلِّيَّةٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ اِنْتَهَى.
‏ ‏( قَالَ ) ‏ ‏أَيْ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏( وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ ) ‏ ‏بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ‏ ‏( زَمَانٌ ) ‏ ‏كُنْت أَعْلَمُ فِيهِ أَنَّ الْأَمَانَةَ مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ ‏ ‏( وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْت فِيهِ ) ‏ ‏أَيْ بِعْت أَوْ اِشْتَرَيْت غَيْرَ مُبَالٍ بِحَالِهِ ‏ ‏( لَئِنْ ) ‏ ‏فَتْحُ اللَّامِ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ ‏ ‏( لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ ) ‏ ‏بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ ‏ ‏( دِينُهُ ) ‏ ‏بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَيْ فَلَا يَخُونُنِي بَلْ يَحْمِلُهُ إِسْلَامُهُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَأَنَا وَاثِقٌ بِأَمَانَتِهِ ‏ ‏( لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ ) ‏ ‏أَيْ الَّذِي أُقِيمُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَقُومُ بِوِلَايَتِهِ وَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ حَقِّي , وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ رَئِيسُهُمْ الَّذِي يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ وَقِيلَ أَيْ الْوَالِي الَّذِي عَلَيْهِ أَيْ يُنْصِفُنِي مِثْلُهُ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ فَهُوَ سَاعٍ عَلَيْهِمْ , يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُهْتَمِّينَ بِالْإِسْلَامِ فَيَحْفَظُونَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ , وَالْمُلُوكُ ذَوُو عَدْلٍ , فَمَا كُنْت أُبَالِي مَنْ أُعَامِلُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْ الْحَقِّ عَمَلُهُ بِمُقْتَضَى الْإِسْلَامِ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَنْصَفَنِي مِنْهُ عَامِلُهُ عَلَى الصَّدَقَةِ اِنْتَهَى ‏ ‏( فَأَمَّا الْيَوْمَ ) ‏ ‏فَقَدْ ذَهَبَتْ الْأَمَانَةُ وَظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَلَسْت أَثِقُ بِأَحَدٍ فِي بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ.
‏ ‏( فَمَا كُنْت أُبَايِعُ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ) ‏ ‏أَيْ أَفْرَادًا مِنْ النَّاسِ قَلَائِلَ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِمْ فَكَانَ يَثِقُ بِالْمُسْلِمِ لِذَاتِهِ , وَبِالْكَافِرِ لِوُجُودِ سَاعِيهِ , وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ , وَكَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ قَلَّ أَوْ جَلَّ إِلَّا الْمُسْلِمَ فَكَانَ وَاثِقًا بِإِنْصَافِهِ وَتَخْلِيصِهِ حَقَّهُ مِنْ الْكَافِرِ إِنْ خَانَهُ , بِخِلَافِ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ صَارَ لَا يُبَايِعُ إِلَّا أَفْرَادًا مِنْ النَّاسِ يَثِقُ بِهِمْ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَالَ الْأَمَانَةِ أَخَذَ فِي النَّقْصِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ.
وَكَانَتْ وَفَاةُ حُذَيْفَةَ أَوَّلَ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِقَلِيلٍ , فَأَدْرَكَ بَعْضَ الزَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّغَيُّرُ.
وَقَالَهُ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : قَالَ حُذَيْفَةُ هَذَا الْقَوْلُ لَمَّا تَغَيَّرَتْ الْأَحْوَالُ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ النُّبُوَّةِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ , فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِالْمُبَايَعَةِ وَكَنَّى عَنْ الْإِيمَانِ بِالْأَمَانَةِ وَعَمَّا يُخَالِفُ أَحْكَامَهُ بِالْخِيَانَةِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.


حديث أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَنَّادٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو مُعَاوِيَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْمَشِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ‏ ‏حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا ‏ ‏أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ فَقَالَ يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ ‏ ‏الْوَكْتِ ‏ ‏ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ ‏ ‏الْمَجْلِ ‏ ‏كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ ‏ ‏فَنَفَطَتْ ‏ ‏فَتَرَاهُ ‏ ‏مُنْتَبِرًا ‏ ‏وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهَا عَلَى رِجْلِهِ قَالَ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدُهُمْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا ‏ ‏أَجْلَدَهُ ‏ ‏وَأَظْرَفَهُ ‏ ‏وَأَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ ‏ ‏خَرْدَلٍ ‏ ‏مِنْ إِيمَانٍ قَالَ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ فِيهِ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط

عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله،...

لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله...

انفلق القمر على عهد رسول الله ﷺ

عن ابن عمر قال: انفلق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا»: وفي الباب عن ابن مسعود، وأنس، وجبير بن...

نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس أو تحشر الناس

عن حذيفة بن أسيد قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر...

لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزو جيش

عن صفية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزو جيش، حتى إذا كانوا بالبيداء أو ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآ...

يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف»، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا ظ...

تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها...

عن أبي ذر قال: دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: «يا أبا ذر، أتدري أين تذهب هذه؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإ...

فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد عشرا

عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرا وجهه وهو يقول: «لا إله إلا الله _ يرددها ثلاث مرات _ ويل للعرب من شر قد اقترب،...

يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام

عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقول...