27-
عن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا وسعد جالس، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: «أو مسلما» فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، فقلت: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: «أو مسلما».
ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «يا سعد إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار» ورواه يونس، وصالح، ومعمر، وابن أخي الزهري، عن الزهري
أخرجه مسلم في الإيمان باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه.
وفي الزكاة باب إعطاء من يخاف على إيمانه رقم 150
(رهطا) ما دون العشرة من الرجال.
(رجلا) هو جعيل بن سراقة الضمري.
(أعجبهم إلي) أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي.
(ما لك عن فلان) ما سبب عدولك عنه إلى غيره وفلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر أو سمي به المحدث عنه الخاص.
(أو مسلما) أي بل قل (مسلما) بدل (مؤمنا) لأنك تعلم ظاهر أمره ولا تعلم حقيقة حاله وليس لك أن تجزم بهذا.
(غلبني) حملني على القول ثانية.
(يكبه) يلقيه منكوسا على وجهه
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ سَعْد ) هُوَ اِبْن أَبِي وَقَّاص كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته , وَهُوَ وَالِد عَامِر الرَّاوِي عَنْهُ , كَمَا وَقَعَ فِي الزَّكَاة عِنْد الْمُصَنِّف مِنْ رِوَايَة صَالِح بْن كَيْسَانَ قَالَ فِيهَا " عَنْ عَامِر بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ " وَاسْم أَبِي وَقَّاص مَالِك , وَسَيَأْتِي تَمَام نَسَبه فِي مَنَاقِب سَعْد إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( أَعْطَى رَهْطًا ) الرَّهْط عَدَد مِنْ الرِّجَال مِنْ ثَلَاثَة إِلَى عَشَرَة , قَالَ الْقَزَّاز : وَرُبَّمَا جَاوَزُوا ذَلِكَ قَلِيلًا , وَلَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه , وَرَهْط الرَّجُل بَنُو أَبِيهِ الْأَدْنَى , وَقِيلَ قَبِيلَته.
وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي ذِئْب أَنَّهُ جَاءَهُ رَهْط فَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ فَتَرَكَ رَجُلًا مِنْهُمْ.
قَوْله : ( وَسَعْد جَالِس ) فِيهِ تَجْرِيد , وَقَوْله " أَعْجَبهُمْ إِلَيَّ " فِيهِ اِلْتِفَات , وَلَفْظه فِي الزَّكَاة " أَعْطَى رَهْطًا وَأَنَا جَالِس " فَسَاقَهُ بِلَا تَجْرِيد وَلَا اِلْتِفَات , وَزَادَ فِيهِ " فَقُمْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْته ".
وَغَفَلَ بَعْضهمْ فَعَزَا هَذِهِ الزِّيَادَة إِلَى مُسْلِم فَقَطْ , وَالرَّجُل الْمَتْرُوك اِسْمه جُعَيْل بْن سُرَاقَة الضَّمْرِيّ , سَمَّاهُ الْوَاقِدِيّ فِي الْمَغَازِي.
قَوْله : ( مَا لَك عَنْ فُلَان ) يَعْنِي أَيّ سَبَب لِعُدُولِك عَنْهُ إِلَى غَيْره ؟ وَلَفْظ فُلَان كِنَايَة عَنْ اِسْم أُبْهِمَ بَعْد أَنْ ذُكِرَ.
قَوْله : ( فَوَاَللَّهِ ) فِيهِ الْقَسَم فِي الْإِخْبَار عَلَى سَبِيل التَّأْكِيد.
قَوْله : ( لَأَرَاهُ ) وَقَعَ فِي رِوَايَتنَا مِنْ طَرِيق أَبِي ذَرّ وَغَيْره بِضَمِّ الْهَمْزَة هُنَا وَفِي الزَّكَاة , وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْره.
وَقَالَ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين رَحِمَهُ اللَّه : بَلْ هُوَ بِفَتْحِهَا أَيْ أَعْلَمهُ , وَلَا يَجُوز ضَمّهَا فَيَصِير بِمَعْنَى أَظُنّهُ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْد ذَلِكَ : غَلَبَنِي مَا أَعْلَم مِنْهُ ا ه.
وَلَا دَلَالَة فِيمَا ذُكِرَ عَلَى تَعَيُّن الْفَتْح لِجَوَازِ إِطْلَاق الْعِلْم عَلَى الظَّنّ الْغَالِب , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات ) , سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ إِطْلَاق الْعِلْم أَنْ لَا تَكُون مُقَدِّمَاته ظَنِّيَّة فَيَكُون نَظَرِيًّا لَا يَقِينِيًّا وَهُوَ الْمُمْكِن هُنَا , وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِب الْمُفْهِم فِي شَرْح مُسْلِم فَقَالَ : الرِّوَايَة بِضَمِّ الْهَمْزَة , وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ جَوَاز الْحَلِف عَلَى غَلَبَة الظَّنّ ; لِأَنَّ النَّبِيّ مَا نَهَاهُ عَنْ الْحَلِف , كَذَا قَالَ , وَفِيهِ نَظَر لَا يَخْفَى ; لِأَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى وِجْدَان الظَّنّ وَهُوَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يُقْسِم عَلَى الْأَمْر الْمَظْنُون كَمَا ظُنَّ.
قَوْله : ( فَقَالَ : أَوْ مُسْلِمًا ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاو لَا بِفَتْحِهَا , فَقِيلَ هِيَ لِلتَّنْوِيعِ , وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ لِلتَّشْرِيكِ , وَأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ أَحْوَط , وَيَرُدّ هَذَا رِوَايَة اِبْن الْأَعْرَابِيّ فِي مُعْجَمه فِي هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ " لَا تَقُلْ مُؤْمِن بَلْ مُسْلِم " فَوَضَحَ أَنَّهَا لِلْإِضْرَابِ , وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِنْكَار بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ إِطْلَاق الْمُسْلِم عَلَى مَنْ لَمْ يُخْتَبَر حَاله الْخِبْرَة الْبَاطِنَة أَوْلَى مِنْ إِطْلَاق الْمُؤْمِن ; لِأَنَّ الْإِسْلَام مَعْلُوم بِحُكْمِ الظَّاهِر , قَالَهُ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين مُلَخَّصًا.
وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيّ بِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ أَنْ لَا يَكُون الْحَدِيث دَالًّا عَلَى مَا عُقِدَ لَهُ الْبَاب , وَلَا يَكُون لِرَدِّ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْد فَائِدَة.
وَهُوَ تَعَقُّب مَرْدُود , وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه الْمُطَابَقَة بَيْن الْحَدِيث وَالتَّرْجَمَة قَبْل , وَمُحَصَّل الْقِصَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوسِع الْعَطَاء لِمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَام تَأَلُّفًا , فَلَمَّا أَعْطَى الرَّهْط وَهُمْ مِنْ الْمُؤَلَّفَة وَتَرَكَ جُعَيْلًا وَهُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ أَنَّ الْجَمِيع سَأَلُوهُ , خَاطَبَهُ سَعْد فِي أَمْره لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ جُعَيْلًا أَحَقّ مِنْهُمْ لِمَا اِخْتَبَرَهُ مِنْهُ دُونهمْ , وَلِهَذَا رَاجَعَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ مَرَّة , فَأَرْشَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا : إِعْلَامه بِالْحِكْمَةِ فِي إِعْطَاء أُولَئِكَ وَحِرْمَان جُعَيْل مَعَ كَوْنه أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّنْ أَعْطَى ; لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إِعْطَاء الْمُؤَلَّف لَمْ يُؤْمَن اِرْتِدَاده فَيَكُون مِنْ أَهْل النَّار , ثَانِيهمَا إِرْشَاده إِلَى التَّوَقُّف عَنْ الثَّنَاء بِالْأَمْرِ الْبَاطِن دُون الثَّنَاء بِالْأَمْرِ الظَّاهِر , فَوَضَحَ بِهَذَا فَائِدَة رَدّ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْد , وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِم مَحْض الْإِنْكَار عَلَيْهِ , بَلْ كَانَ أَحَد الْجَوَابَيْنِ عَلَى طَرِيق الْمَشُورَة بِالْأَوْلَى , وَالْآخَر عَلَى طَرِيق الِاعْتِذَار.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ لَمْ تُقْبَل شَهَادَة سَعْد لِجُعَيْل بِالْإِيمَانِ , وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ لَقُبِلَ مِنْهُ وَهِيَ تَسْتَلْزِم الْإِيمَان ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ كَلَام سَعْد لَمْ يَخْرُج مَخْرَج الشَّهَادَة وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَج الْمَدْح لَهُ وَالتَّوَسُّل فِي الطَّلَب لِأَجْلِهِ , فَلِهَذَا نُوقِشَ فِي لَفْظه , حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَة لَمَا اِسْتَلْزَمَتْ الْمَشُورَة عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْأَوْلَى رَدّ شَهَادَته , بَلْ السِّيَاق يُرْشِد إِلَى أَنَّهُ قَبِلَ قَوْله فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اِعْتَذَرَ إِلَيْهِ.
وَرَوَيْنَا فِي مُسْنَد مُحَمَّد بْن هَارُون الرُّويَانِيّ وَغَيْره بِإِسْنَادٍ صَحِيح إِلَى أَبِي سَالِم الْجَيْشَانِيّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : كَيْف تَرَى جُعَيْلًا ؟ قَالَ قُلْت : كَشَكْلِهِ مِنْ النَّاس , يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ.
قَالَ : فَكَيْف تَرَى فُلَانًا ؟ قَالَ قُلْت : سَيِّد مِنْ سَادَات النَّاس.
قَالَ : فَجُعَيْل خَيْر مِنْ مِلْء الْأَرْض مِنْ فُلَان.
قَالَ قُلْت : فَفُلَان هَكَذَا وَأَنْتَ تَصْنَع بِهِ مَا تَصْنَع , قَالَ : إِنَّهُ رَأْس قَوْمه , فَأَنَا أَتَأَلَّفهُمْ بِهِ.
فَهَذِهِ مَنْزِلَة جُعَيْل الْمَذْكُور عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَرَى , فَظَهَرَتْ بِهَذَا الْحِكْمَة فِي حِرْمَانه وَإِعْطَاء غَيْره , وَأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيف كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد التَّفْرِقَة بَيْن حَقِيقَتَيْ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام , وَتَرْك الْقَطْع بِالْإِيمَانِ الْكَامِل لِمَنْ لَمْ يَنُصّ عَلَيْهِ , وَأَمَّا مَنْع الْقَطْع بِالْجَنَّةِ فَلَا يُؤْخَذ مِنْ هَذَا صَرِيحًا وَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْض الشَّارِحِينَ.
نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَثْبُت فِيهِ النَّصّ , وَفِيهِ الرَّدّ عَلَى غُلَاة الْمُرْجِئَة فِي اِكْتِفَائِهِمْ فِي الْإِيمَان بِنُطْقِ اللِّسَان.
وَفِيهِ جَوَاز تَصَرُّف الْإِمَام فِي مَال الْمَصَالِح وَتَقْدِيم الْأَهَمّ فَالْأَهَمّ وَإِنْ خَفِيَ وَجْه ذَلِكَ عَلَى بَعْض الرَّعِيَّة.
وَفِيهِ جَوَاز الشَّفَاعَة عِنْد الْإِمَام فِيمَا يَعْتَقِد الشَّافِع جَوَازه , وَتَنْبِيه الصَّغِير لِلْكَبِيرِ عَلَى مَا يَظُنّ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْهُ , وَمُرَاجَعَة الْمَشْفُوع إِلَيْهِ فِي الْأَمْر إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى مَفْسَدَة , وَأَنَّ الْإِسْرَار بِالنَّصِيحَةِ أَوْلَى مِنْ الْإِعْلَان كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي كِتَاب الزَّكَاة " فَقُمْت إِلَيْهِ فَسَارَرْته " , وَقَدْ يَتَعَيَّن إِذَا جَرّ الْإِعْلَان إِلَى مَفْسَدَة.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَا يَعْتَقِدهُ الْمُشِير مَصْلَحَة لَا يُنْكَر عَلَيْهِ , بَلْ يُبَيَّن لَهُ وَجْه الصَّوَاب.
وَفِيهِ الِاعْتِذَار إِلَى الشَّافِع إِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَة فِي تَرْك إِجَابَته , وَأَنْ لَا عَيْب عَلَى الشَّافِع إِذَا رُدَّتْ شَفَاعَته لِذَلِكَ.
وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَرْك الْإِلْحَاح فِي السُّؤَال كَمَا اِسْتَنْبَطَهُ الْمُؤَلِّف مِنْهُ فِي الزَّكَاة , وَسَيَأْتِي تَقْرِيره هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُل ) حُذِفَ الْمَفْعُول الثَّانِي لِلتَّعْمِيمِ , أَيْ : أَيّ عَطَاء كَانَ.
قَوْله : ( أَعْجَب إِلَيَّ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " أَحَبّ " وَكَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة.
وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ بَعْد قَوْله أَحَبّ إِلَيَّ مِنْهُ " وَمَا أُعْطِيه إِلَّا مَخَافَة أَنْ يَكُبّهُ اللَّه " إِلَخْ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق مَعْمَر " إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا , وَأَدَع مَنْ هُوَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْهُمْ لَا أُعْطِيه شَيْئًا , مَخَافَة أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ ".
قَوْله : ( أَنْ يَكُبّهُ ) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمّ الْكَاف يُقَال : أَكَبَّ الرَّجُل إِذَا أَطْرَقَ , وَكَبَّهُ غَيْره إِذَا قَلَبَهُ , وَهَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَام لِأَنَّ الْفِعْل اللَّازِم يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا زِيدَتْ عَلَيْهِ الْهَمْزَة فَقُصِرَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّف هَذَا فِي كِتَاب الزَّكَاة فَقَالَ : يُقَال أَكَبَّ الرَّجُل إِذَا كَانَ فِعْله غَيْر وَاقِع عَلَى أَحَد , فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْل قُلْت : كَبَّهُ وَكَبَبْته.
وَجَاءَ نَظِير هَذَا فِي أَحْرُف يَسِيرَة مِنْهَا : أَنْسَلَ رِيش الطَّائِر وَنَسْلْته , وَأَنْزَفَتْ الْبِئْر وَنَزَفْتهَا , وَحَكَى اِبْن الْأَعْرَابِيّ فِي الْمُتَعَدِّي كَبَّهُ وَأَكَبَّهُ مَعًا.
( تَنْبِيه ) : لَيْسَ فِيهِ إِعَادَة السُّؤَال ثَانِيًا وَلَا الْجَوَاب عَنْهُ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن وَهْب وَرَشْدِين بْن سَعْد جَمِيعًا عَنْ يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ بِسَنَدٍ آخَر قَالَ : عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم.
وَنَقَلَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَطَأ مِنْ رَاوِيه وَهُوَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْهُمَا.
قَوْله ( وَرَوَاهُ يُونُس ) يَعْنِي اِبْن يَزِيد الْأَيْلِيَّ , وَحَدِيثه مَوْصُول فِي كِتَاب الْإِيمَان لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عُمَر الزُّهْرِيّ الْمُلَقَّب رُسْتَهْ بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَان السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ , وَقَبْل الْهَاء مُثَنَّاة مِنْ فَوْق مَفْتُوحَة , وَلَفْظه قَرِيب مِنْ سِيَاق الْكُشْمِيهَنِيّ , لَيْسَ فِيهِ إِعَادَة السُّؤَال ثَانِيًا وَلَا الْجَوَاب عَنْهُ.
قَوْله : ( وَصَالِح ) يَعْنِي اِبْن كَيْسَانَ , وَحَدِيثه مَوْصُول عِنْد الْمُؤَلِّف فِي كِتَاب الزَّكَاة.
وَفِيهِ مِنْ اللَّطَائِف رِوَايَة ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض وَهُمْ صَالِح وَالزُّهْرِيّ وَعَامِر.
قَوْله : ( وَمَعْمَر ) يَعْنِي اِبْن رَاشِد , وَحَدِيثه عِنْد أَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْحُمَيْدِيّ وَغَيْرهمَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ , وَقَالَ فِيهِ : إِنَّهُ أَعَادَ السُّؤَال ثَلَاثًا.
وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيّ.
وَوَقَعَ فِي إِسْنَاده وَهْم مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخه ; لِأَنَّ مُعْظَم الرِّوَايَات فِي الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ بِزِيَادَةِ مَعْمَر بَيْنهمَا , وَكَذَا حَدَّثَ بِهِ اِبْن أَبِي عُمَر شَيْخ مُسْلِم فِي مُسْنَده عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي مُسْتَخْرَجه مِنْ طَرِيقه , وَزَعَمَ أَبُو مَسْعُود فِي الْأَطْرَاف أَنَّ الْوَهْم مِنْ اِبْن أَبِي عُمَر , وَهُوَ مُحْتَمِل لِأَنْ يَكُون الْوَهْم صَدَرَ مِنْهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ مُسْلِمًا , لَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّن الْوَهْم فِي جِهَته , وَحَمَلَهُ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين عَلَى أَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّة بِإِسْقَاطِ مَعْمَر وَمَرَّة بِإِثْبَاتِهِ , وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ الرِّوَايَات قَدْ تَضَافَرَتْ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ بِإِثْبَاتِ مَعْمَر , وَلَمْ يُوجَد بِإِسْقَاطِهِ إِلَّا عِنْد مُسْلِم , وَالْمَوْجُود فِي مُسْنَد شَيْخه بِلَا إِسْقَاط كَمَا قَدَّمْنَاهُ , وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِي " تَعْلِيق التَّعْلِيق ".
وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر مِنْ الزِّيَادَة : قَالَ الزُّهْرِيّ : فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَام الْكَلِمَة , وَالْإِيمَان الْعَمَل.
وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى حَدِيث سُؤَال جِبْرِيل , فَإِنَّ ظَاهِره يُخَالِفهُ.
وَيُمْكِن أَنْ يَكُون مُرَاد الزُّهْرِيّ أَنَّ الْمَرْء يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ وَيُسَمَّى مُسْلِمًا إِذَا تَلَفَّظَ بِالْكَلِمَةِ - أَيْ : كَلِمَة الشَّهَادَة - وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْعَمَلِ , وَالْعَمَل يَشْمَل عَمَل الْقَلْب وَالْجَوَارِح , وَعَمَل الْجَوَارِح يَدُلّ عَلَى صِدْقه.
وَأَمَّا الْإِسْلَام الْمَذْكُور فِي حَدِيث جِبْرِيل فَهُوَ الشَّرْعِيّ الْكَامِل الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ ).
قَوْله : ( وَابْن أَخِي الزُّهْرِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ ) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ كَمَا رَوَاهُ شُعَيْب عَنْهُ , وَحَدِيث اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ مَوْصُول عِنْد مُسْلِم , وَسَاقَ فِيهِ السُّؤَال وَالْجَوَاب ثَلَاث مَرَّات , وَقَالَ فِي آخِره " خَشْيَة أَنْ يُكَبّ " عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ.
وَفِي رِوَايَة اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ لَطِيفَة , وَهِيَ رِوَايَة أَرْبَعَة مِنْ بَنِي زُهْرَة عَلَى الْوِلَاء هُوَ وَعَمّه وَعَامِر وَأَبُوهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ أَوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ أَوْ مُسْلِمًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ يَا سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»
عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن» قيل: أيكفرن بالله؟ قال: " يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو...
عن المعرور بن سويد، قال: لقيت أبا ذر بالربذة، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه...
عن الأحنف بن قيس قال ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد قلت أنصر هذا الرجل قال ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ال...
عن عبد الله قال: «لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينا لم يظلم؟ فأنزل الله: {إن الشرك لظلم عظ...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان "
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا...
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله...