حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب العلم باب قول المحدث: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا (حديث رقم: 61 )


61- عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي» فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: «هي النخلة»

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم باب مثل المؤمن مثل النخلة رقم 2811 (مثل المسلم) من حيث كثرة النفع واستمرار الخير.
(فوقع الناس) ذهبت أفكارهم وجالت.
(البوادي) جمع بادية وهي خلاف الحاضرة من المدن.
(فاستحييت) أي أن أقول هي النخلة توقيرا لمن هم أكبر مني في المجلس

شرح حديث (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( إِنَّ مِنْ الشَّجَر شَجَرَة ) ‏ ‏زَادَ فِي رِوَايَة مُجَاهِد عِنْد الْمُصَنِّف فِي " بَاب الْفَهْم فِي الْعِلْم " قَالَ : صَحِبْت اِبْن عُمَر إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ " كُنَّا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ وَقَالَ : إِنَّ مِنْ الشَّجَر ".
وَلَهُ عَنْهُ فِي الْبُيُوع " كُنْت عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُل جُمَّارًا.
‏ ‏قَوْله : ( لَا يَسْقُط وَرَقهَا , وَإِنَّهَا مِثْل الْمُسْلِم ) ‏ ‏كَذَا فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ بِكَسْرِ مِيم مِثْل وَإِسْكَان الْمُثَلَّثَة , وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ وَكَرِيمَة بِفَتْحِهَا وَهُمَا بِمَعْنًى , قَالَ الْجَوْهَرِيّ : مِثْله وَمَثَله كَلِمَة تَسْوِيَة كَمَا يُقَال شِبْهه وَشَبَهه بِمَعْنًى , قَالَ : وَالْمَثَل بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا مَا يُضْرَب مِنْ الْأَمْثَال.
اِنْتَهَى.
وَوَجْه الشَّبَه بَيْن النَّخْلَة وَالْمُسْلِم مِنْ جِهَة عَدَم سُقُوط الْوَرَق مَا رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عُمَر وَلَفْظه " قَالَ : كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم فَقَالَ : إِنَّ مِثْل الْمُؤْمِن كَمِثْلِ شَجَرَة لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة , أَتَدْرُونَ مَا هِيَ ؟ قَالُوا : لَا.
قَالَ : هِيَ النَّخْلَة , لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة , وَلَا تَسْقُط لِمُؤْمِنٍ دَعْوَة ".
وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْأَطْعِمَة مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش قَالَ : حَدَّثَنِي مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " بَيْنَا نَحْنُ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ , فَقَالَ : إِنَّ مِنْ الشَّجَر لَمَا بَرَكَته كَبَرَكَةِ الْمُسْلِم " وَهَذَا أَعَمّ مِنْ الَّذِي قَبْله , وَبَرَكَة النَّخْلَة مَوْجُودَة فِي جَمِيع أَجْزَائِهَا , مُسْتَمِرَّة فِي جَمِيع أَحْوَالهَا , فَمِنْ حِين تَطْلُع إِلَى أَنْ تَيْبَس تُؤْكَل أَنْوَاعًا , ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يُنْتَفَع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا , حَتَّى النَّوَى فِي عَلْف الدَّوَابّ وَاللِّيف فِي الْحِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى , وَكَذَلِكَ بَرَكَة الْمُسْلِم عَامَّة فِي جَمِيع الْأَحْوَال , وَنَفْعه مُسْتَمِرّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْد مَوْته.
وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِم لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا وَلَا وَلَا وَلَا " كَذَا ذَكَرَ النَّفْي ثَلَاث مَرَّات عَلَى طَرِيق الِاكْتِفَاء , فَقِيلَ فِي تَفْسِيره : وَلَا يَنْقَطِع ثَمَرهَا وَلَا يُعْدَم فَيْؤُهَا وَلَا يَبْطُل نَفْعهَا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم ذِكْر النَّفْي مَرَّة وَاحِدَة فَظَنَّ إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان الرَّاوِي عَنْهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّق بِمَا بَعْده وَهُوَ قَوْله " تُؤْتِي أُكُلهَا " فَاسْتَشْكَلَهُ وَقَالَ : لَعَلَّ " لَا " زَائِدَة وَلَعَلَّهُ " وَتُؤْتِي أُكُلهَا " , وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ , بَلْ مَعْمُول النَّفْي مَحْذُوف عَلَى سَبِيل الِاكْتِفَاء كَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَقَوْله " تُؤْتِي " اِبْتِدَاء كَلَام عَلَى سَبِيل التَّفْسِير لِمَا تَقَدَّمَ.
وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ بِتَقْدِيمِ " تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين " عَلَى قَوْله " لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا " فَسَلِمَ مِنْ الْإِشْكَال.
‏ ‏قَوْله : ( فَوَقَعَ النَّاس ) ‏ ‏أَيْ ذَهَبَتْ أَفْكَارهمْ فِي أَشْجَار الْبَادِيَة , فَجَعَلَ كُلّ مِنْهُمْ يُفَسِّرهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاع وَذَهِلُوا عَنْ النَّخْلَة , يُقَال وَقَعَ الطَّائِر عَلَى الشَّجَرَة إِذَا نَزَلَ عَلَيْهَا.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَ عَبْد اللَّه ) ‏ ‏هُوَ اِبْن عُمَر الرَّاوِي.
‏ ‏قَوْله : ( وَوَقَعَ فِي نَفْسِي ) ‏ ‏بَيَّنَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر وَجْه ذَلِكَ قَالَ : فَظَنَنْت أَنَّهَا النَّخْلَة مِنْ أَجْل الْجُمَّار الَّذِي أُتِيَ بِهِ , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمُلْغَز لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّن لِقَرَائِن الْأَحْوَال الْوَاقِعَة عِنْد السُّؤَال , وَأَنَّ الْمُلْغِز يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُبَالِغ فِي التَّعْمِيَة بِحَيْثُ لَا يَجْعَل لِلْمُلْغَزِ بَابًا يَدْخُل مِنْهُ , بَلْ كُلَّمَا قَرَّبَهُ كَانَ أَوْقَع فِي نَفْس سَامِعه.
‏ ‏قَوْله : ( فَاسْتَحْيَيْت ) ‏ ‏زَادَ فِي رِوَايَة مُجَاهِد فِي " بَاب الْفَهْم فِي الْعِلْم " ; فَأَرَدْت أَنْ أَقُول هِيَ النَّخْلَة فَإِذَا أَنَا أَصْغَر الْقَوْم.
وَلَهُ فِي الْأَطْعِمَة : فَإِذَا أَنَا عَاشِر عَشَرَة أَنَا أَحْدَثهمْ.
وَفِي رِوَايَة نَافِع : وَرَأَيْت أَبَا بَكْر وَعُمَر لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْت أَنْ أَتَكَلَّم , فَلَمَّا قُمْنَا قُلْت لِعُمَر : يَا أَبَتَاهُ.
وَفِي رِوَايَة مَالِك عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عِنْد الْمُؤَلِّف فِي " بَاب الْحَيَاء فِي الْعِلْم " قَالَ عَبْد اللَّه : فَحَدَّثْت أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ : لَأَنْ تَكُون قُلْتهَا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُون لِي كَذَا وَكَذَا وَكَذَا.
زَادَ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه : أَحْسَبهُ قَالَ : حُمْر النَّعَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ اِمْتِحَان الْعَالِم أَذْهَان الطَّلَبَة بِمَا يَخْفَى مَعَ بَيَانه لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْأُغْلُوطَات - قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَد رُوَاته : هِيَ صِعَاب الْمَسَائِل - فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى مَا لَا نَفْع فِيهِ , أَوْ مَا خَرَجَ عَلَى سَبِيل تَعَنُّت الْمَسْئُول أَوْ تَعْجِيزه , وَفِيهِ التَّحْرِيض عَلَى الْفَهْم فِي الْعِلْم , وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّف " بَاب الْفَهْم فِي الْعِلْم ".
وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْحَيَاء مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى تَفْوِيت مَصْلَحَة , وَلِهَذَا تَمَنَّى عُمَر أَنْ يَكُون اِبْنه لَمْ يَسْكُت , وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّف فِي الْعِلْم وَفِي الْأَدَب.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى بَرَكَة النَّخْلَة وَمَا يُثْمِرهُ , وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّف أَيْضًا.
وَفِيهِ دَلِيل أَنَّ بَيْع الْجُمَّار جَائِز ; لِأَنَّ كُلّ مَا جَازَ أَكْله جَازَ بَيْعه , وَلِهَذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّف فِي الْبُيُوع.
وَتَعَقَّبَهُ اِبْن بَطَّال لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُجْمَع عَلَيْهِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَع مِنْ التَّنْبِيه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ عَقِب حَدِيث النَّهْي عَنْ بَيْع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا , فَكَأَنَّهُ يَقُول : لَعَلَّ مُتَخَيِّلًا يَتَخَيَّل أَنَّ هَذَا مِنْ ذَاكَ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَجْمِير النَّخْل , وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ فِي الْأَطْعِمَة لِئَلَّا يُظَنّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَاب إِضَاعَة الْمَال.
وَأَوْرَدَهُ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : ( ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة ) إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالشَّجَرَةِ النَّخْلَة.
وَقَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هِيَ ؟ قَالَ اِبْن عُمَر : لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ أَنَّهَا النَّخْلَة , فَمَنَعَنِي أَنْ أَتَكَلَّم مَكَان سِنِّي , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هِيَ النَّخْلَة ".
وَيُجْمَع بَيْن هَذَا وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْجُمَّارِ فَشَرَعَ فِي أَكْله تَالِيًا لِلْآيَةِ قَائِلًا : إِنَّ مِنْ الشَّجَر شَجَرَة إِلَى آخِره.
وَوَقَعَ عِنْد اِبْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ يُخْبِرنِي عَنْ شَجَرَة مِثْلهَا مِثْل الْمُؤْمِن , أَصْلهَا ثَابِت وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَهُوَ يُؤَيِّد رِوَايَة الْبَزَّار , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فَوَقَعَ التَّشْبِيه بَيْنهمَا مِنْ جِهَة أَنَّ أَصْل دِين الْمُسْلِم ثَابِت , وَأَنَّ مَا يَصْدُر عَنْهُ مِنْ الْعُلُوم وَالْخَيْر قُوت لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَاب , وَأَنَّهُ لَا يَزَال مَسْتُورًا بِدِينِهِ , وَأَنَّهُ يُنْتَفَع بِكُلِّ مَا يَصْدُر عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا , اِنْتَهَى.
وَقَالَ غَيْره : وَالْمُرَاد بِكَوْنِ فَرْع الْمُؤْمِن فِي السَّمَاء رَفْع عَمَله وَقَبُوله , وَرَوَى الْبَزَّار أَيْضًا مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِثْل الْمُؤْمِن مِثْل النَّخْلَة , مَا أَتَاك مِنْهَا نَفَعَك " هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَاده صَحِيح , وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَز عِبَارَة.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِع التَّشْبِيه بَيْن الْمُسْلِم وَالنَّخْلَة مِنْ جِهَة كَوْن النَّخْلَة إِذَا قُطِعَ رَأْسهَا مَاتَتْ , أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِل حَتَّى تُلَقَّحَ , أَوْ لِأَنَّهَا تَمُوت إِذَا غَرِقَتْ , أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَة مَنِيّ الْآدَمِيّ , أَوْ لِأَنَّهَا تَعْشَق , أَوْ لِأَنَّهَا تَشْرَب مِنْ أَعْلَاهَا , فَكُلّهَا أَوْجُه ضَعِيفَة ; لِأَنَّ جَمِيع ذَلِكَ مِنْ الْمُشَابِهَات مُشْتَرِك فِي الْآدَمِيِّينَ لَا يَخْتَصّ بِالْمُسْلِمِ , وَأَضْعَف مِنْ ذَلِكَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَة طِين آدَم فَإِنَّ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُت , وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِيهِ ضَرْب الْأَمْثَال وَالْأَشْبَاه لِزِيَادَةِ الْإِفْهَام , وَتَصْوِير الْمَعَانِي لِتَرْسَخ فِي الذِّهْن , وَلِتَحْدِيدِ الْفِكْر فِي النَّظَر فِي حُكْم الْحَادِثَة.
وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ تَشْبِيه الشَّيْء بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون نَظِيره مِنْ جَمِيع وُجُوهه , فَإِنَّ الْمُؤْمِن لَا يُمَاثِلهُ شَيْء مِنْ الْجَمَادَات وَلَا يُعَادِلهُ.
وَفِيهِ تَوْقِير الْكَبِير , وَتَقْدِيم الصَّغِير أَبَاهُ فِي الْقَوْل , وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرهُ بِمَا فَهِمَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَاب.
وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِم الْكَبِير قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْض مَا يُدْرِكهُ مَنْ هُوَ دُونه ; لِأَنَّ الْعِلْم مَوَاهِب , وَاَللَّه يُؤْتِي فَضْله مَنْ يَشَاء.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِك عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِر الَّتِي تَقَع فِي الْقَلْب مِنْ مَحَبَّة الثَّنَاء عَلَى أَعْمَال الْخَيْر لَا يَقْدَح فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلهَا لِلَّهِ , وَذَلِكَ مُسْتَفَاد مِنْ تَمَنِّي عُمَر الْمَذْكُور , وَوَجْه تَمَنِّي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا طُبِعَ الْإِنْسَان عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّة الْخَيْر لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ , وَلِتَظْهَر فَضِيلَة الْوَلَد فِي الْفَهْم مِنْ صِغَره , وَلِيَزْدَادَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُظْوَة , وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَدْعُو لَهُ إِذْ ذَاكَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْفَهْم.
وَفِيهِ الْإِشَارَة إِلَى حَقَارَة الدُّنْيَا فِي عَيْن عُمَر لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْم اِبْنه لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَة بِحُمْرِ النَّعَم مَعَ عِظَم مِقْدَارهَا وَغَلَاء ثَمَنهَا.
‏ ‏( فَائِدَة ) : ‏ ‏قَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنَده : وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا السِّيَاق إِلَّا اِبْن عُمَر وَحْده , وَلَمَّا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيث مُخْتَصَر لِأَبِي هُرَيْرَة أَوْرَدَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيره لَفْظه : " مِثْل الْمُؤْمِن مِثْل النَّخْلَة " , وَعِنْد التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : ( وَمَثَل كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة ) قَالَ : " هِيَ النَّخْلَة " تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ حَمَّاد بْن سَلَمَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَة مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ عَاشِر عَشَرَة , فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوع مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْر وَعُمَر وَابْن عُمَر , وَأَبَا هُرَيْرَة وَأَنَس بْن مَالِك إِنْ كَانَا سَمِعَا مَا رَوَيَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيث فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس.
وَاَللَّه أَعْلَم.


حديث إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي فوقع الناس

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏ ‏وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم

عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، حدثوني ما هي» قال: فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد ا...

أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في الي...

عن أنس بن مالك، يقول: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي ص...

دعا عليهم رسول الله ﷺ أن يمزقوا كل ممزق

عن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعث بكتابه رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزق...

إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما فاتخذ خاتما من فضة...

عن أنس بن مالك، قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا - أو أراد أن يكتب - فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة، نقشه: محمد ر...

أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاست...

عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم...

إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - قال: «أي يوم هذا»، فسكتنا حتى ظننا أن...

يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا

عن ابن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا عن ابن مسعود، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يتخولنا ب...

يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا

عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا»

كان النبي ﷺ يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا

عن أبي وائل، قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم؟ قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أم...