608- عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى "
أخرجه مسلم في الصلاة باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه رقم 389
(وله ضراط) تمثيل لشدة خوفه عند إدباره أو يكون ذلك حقيقة لشدة خوفه أيضا.
(ثوب) أقم للصلاة وهو المراد هنا.
(النداء) الأذان.
(يخطر) يوسوس ويشغل المصلي عما هو فيه
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ ) وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِك " بِالصَّلَاةِ " وَهِيَ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا , وَيُمْكِنُ حَمْلُهُمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.
قَوْله : ( لَهُ ضُرَاطٌ ) جُمْلَة اِسْمِيَّة وَقَعَتْ حَالًا بِدُونِ وَاوٍ لِحُصُولِ الِارْتِبَاط بِالضَّمِيرِ , وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيِّ " وَلَهُ ضُرَاط " وَهِيَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي بَدْء الْخَلْق , قَالَ عِيَاض : يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِره لِأَنَّهُ جِسْمٌ مُتَغَذٍّ يَصِحّ مِنْهُ خُرُوج الرِّيح , وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا عِبَارَة عَنْ شِدَّة نِفَارِهِ , وَيُقَوِّيهِ رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " لَهُ حُصَاصٌ " بِمُهْمَلَاتٍ مَضْمُوم الْأَوَّل فَقَدْ فَسَّرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِشِدَّةِ الْعَدْوِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ : شَبَّهَ شُغْلَ الشَّيْطَان نَفْسه عَنْ سَمَاع الْأَذَان بِالصَّوْتِ الَّذِي يَمْلَأ السَّمْع وَيَمْنَعهُ عَنْ سَمَاع غَيْره , ثُمَّ سَمَّاهُ ضُرَاطًا تَقْبِيحًا لَهُ.
( تَنْبِيهٌ ) : الظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بِالشَّيْطَانِ إِبْلِيس , وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَام كَثِير مِنْ الشُّرَّاحِ كَمَا سَيَأْتِي , وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَاد جِنْس الشَّيْطَان وَهُوَ كُلّ مُتَمَرِّد مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْسِ , لَكِنَّ الْمُرَاد هُنَا شَيْطَانُ الْجِنّ خَاصَّةً.
قَوْله : ( حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِين ) ظَاهِره أَنَّهُ يَتَعَمَّد إِخْرَاجَ ذَلِكَ إِمَّا لِيَشْتَغِلَ بِسَمَاعِ الصَّوْت الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْ سَمَاع الْمُؤَذِّن , أَوْ يَصْنَع ذَلِكَ اِسْتِخْفَافًا كَمَا يَفْعَلهُ السُّفَهَاءُ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ سَمَاع الْأَذَان شِدَّةُ خَوْفٍ يُحْدِثُ لَهُ ذَلِكَ الصَّوْت بِسَبَبِهَا , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ لِيُقَابِل مَا يُنَاسِب الصَّلَاة مِنْ الطَّهَارَة بِالْحَدَثِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب رَفْعِ الصَّوْت بِالْأَذَانِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " حَتَّى لَا يَسْمَعَ " ظَاهِر فِي أَنَّهُ يَبْعُدُ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَفِي فِيهَا سَمَاعُهُ لِلصَّوْتِ , وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ الْغَايَة فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث جَابِر فَقَالَ " حَتَّى يَكُون مَكَانَ الرَّوْحَاء " وَحَكَى الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان رَاوِيه عَنْ جَابِر أَنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَالرَّوْحَاء سِتَّةً وَثَلَاثِينَ مِيلًا , هَذِهِ رِوَايَة قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِير عِنْدَ مُسْلِمٍ , وَأَخْرَجَهُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ جَرِير وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه , وَلَفْظ إِسْحَاق فِي مُسْنَدِهِ " حَتَّى يَكُونَ بِالرَّوْحَاءِ , وَهِيَ ثَلَاثُونَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَة " فَأَدْرَجَهُ فِي الْخَبَرِ , وَالْمُعْتَمَد رِوَايَة قُتَيْبَةَ , وَسَيَأْتِي حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي " فَضْل رَفْعِ الصَّوْت بِالْأَذَانِ " بَعْدَهُ.
قَوْله ( قُضِيَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ , وَالْمُرَاد بِالْقَضَاءِ الْفَرَاغ أَوْ الِانْتِهَاء , وَيُرْوَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ عَلَى حَذْفِ الْفَاعِل , وَالْمُرَاد الْمُنَادَى , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَصْلٌ , خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ فِي إِدْرَاك فَضِيلَة أَوَّل الْوَقْت أَنْ يَنْطَبِقَ أَوَّلُ التَّكْبِير عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ.
قَوْله : ( إِذَا ثُوِّبَ ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَة وَتَشْدِيد الْوَاو الْمَكْسُورَة قِيلَ هُوَ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ , وَقِيلَ مِنْ ثَوَّبَ إِذَا أَشَارَ بِثَوْبِهِ عِنْدَ الْفَرَاغ لِإِعْلَامِ غَيْره , قَالَ الْجُمْهُور : الْمُرَاد بِالتَّثْوِيبِ هُنَا الْإِقَامَة , وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحه وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ إِذَا أُقِيمَتْ , وَأَصْلُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَا يُشْبِه الْأَذَان , وَكُلّ مَنْ رَدَّدَ صَوْتًا فَهُوَ مُثَوِّبٌ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَة ذَهَبَ " وَزَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّثْوِيبِ قَوْل الْمُؤَذِّن بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة " حَيَّ عَلَى الصَّلَاة , حَيَّ عَلَى الْفَلَاح , قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة " وَحَكَى ذَلِكَ اِبْن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ , لَكِنْ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ اِبْن عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ التَّثْوِيب بَيْنَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة , فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ سَلَفًا فِي الْجُمْلَة , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوْل الْخَاصّ , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَا يَعْرِفُ الْعَامَّةُ التَّثْوِيبَ إِلَّا قَوْل الْمُؤَذِّن فِي الْأَذَان " الصَّلَاة خَيْرٌ مِنْ النَّوْم " لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث الْإِقَامَةُ , وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( أَقْبَلَ ) زَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَوَسْوَسَ ".
قَوْله : ( أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ ) بِضَمِّ الطَّاء , قَالَ عِيَاض : كَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاة , وَضَبَطْنَاهُ عَنْ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ , وَهُوَ الْوَجْهُ , وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ , وَأَصْلُهُ مِنْ خَطَرَ الْبَعِير بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ , وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَمِنْ الْمُرُور أَيْ يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ فَيَشْغَلَهُ , وَضَعَّفَ الْحَجَرِيُّ فِي نَوَادِره الضَّمَّ مُطْلَقًا وَقَالَ : هُوَ يَخْطِرُ بِالْكَسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْله : ( بَيْنَ الْمَرْء وَنَفْسه ) أَيْ قَلْبه , وَكَذَا هُوَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْه آخَرَ فِي بَدْء الْخَلْق , قَالَ الْبَاجِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنْ إِقْبَاله عَلَى صَلَاته وَإِخْلَاصه فِيهَا.
قَوْله : ( يَقُول : اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا ) ) وَقَعَ فِي رِوَايَة كَرِيمَةَ بِوَاوِ الْعَطْف " وَاذْكُرْ كَذَا " وَهِيَ لِمُسْلِمٍ , وَلِلْمُصَنِّفِ فِي صَلَاة السَّهْو " اُذْكُرْ كَذَا وَكَذَا " زَادَ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة عَبْدِ رَبّه عَنْ الْأَعْرَج " فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ وَذَكَّرَهُ مِنْ حَاجَاته مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ ".
قَوْله : ( لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُر ) أَيْ لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ دُخُوله فِي الصَّلَاة , وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ " , وَمِنْ ثَمَّ اِسْتَنْبَطَ أَبُو حَنِيفَة لِلَّذِي شَكَا إِلَيْهِ أَنَّهُ دَفَنَ مَالًا ثُمَّ لَمْ يَهْتَدِ لِمَكَانِهِ أَنْ يُصَلِّي وَيَحْرِصَ أَنْ لَا يُحَدِّث نَفْسه بِشَيْءٍ مِنْ أَمْر الدُّنْيَا , فَفَعَلَ , فَذَكَرَ مَكَانَ الْمَال فِي الْحَال.
قِيلَ : خَصَّهُ بِمَا يُعْلَمُ دُونَ مَا لَا يُعْلَمُ لِأَنَّهُ يَمِيل لِمَا يُعْلَمُ أَكْثَرَ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ لَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُذَكِّره بِمَا سَبَقَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لِيَشْتَغِلَ بَالُهُ بِهِ وَبِمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ لِيُوقِعهُ فِي الْفِكْرَةِ فِيهِ , وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُون فِي أُمُور الدُّنْيَا أَوْ فِي أُمُور الدِّين كَالْعِلْمِ , لَكِنْ هَلْ يَشْمَل ذَلِكَ التَّفَكُّر فِي مَعَانِي الْآيَات الَّتِي يَتْلُوهَا ؟ لَا يَبْعُد ذَلِكَ , لِأَنَّ غَرَضَهُ نَقْصُ خُشُوعه وَإِخْلَاصه بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
قَوْله : ( حَتَّى يَظَلّ الرَّجُل ) كَذَا لِلْجُمْهُورِ بِالظَّاءِ الْمُشَالَة الْمَفْتُوحَة , وَمَعْنَى يَظَلُّ فِي الْأَصْل اِتِّصَاف الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ نَهَارًا لَكِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى يَصِيرُ أَوْ يَبْقَى , وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ " يَضِلُّ " بِكَسْرِ السَّاقِطَة أَيْ يَنْسَى , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا ) أَوْ بِفَتْحِهَا , أَيْ يُخْطِئ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) وَالْمَشْهُور الْأَوَّلُ.
قَوْله : ( لَا يُدْرَى ) وَفِي رِوَايَة فِي صَلَاة السَّهْو " إِنْ يَدْرِي " بِكَسْرِ هَمْزَة إِنْ وَهِيَ نَافِيَة بِمَعْنَى لَا , وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرِّ عَنْ الْأَكْثَر فِي الْمُوَطَّأ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَوَجْهه بِمَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَة , وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : لَيْسَتْ رِوَايَة الْفَتْح لِشَيْءٍ إِلَّا مَعَ رِوَايَة الضَّاد السَّاقِطَة فَتَكُون أَنْ مَعَ الْفِعْل بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَر وَمَفْعُول ضَلَّ أَنْ بِإِسْقَاطِ حَرْف الْجَرّ أَيْ يَضِلَّ عَنْ دِرَايَته.
قَوْله : ( كَمْ صَلَّى ) وَلِلْمُصَنِّفِ فِي بَدْء الْخَلْق مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " حَتَّى لَا يَدْرِي أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا " وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أَبْوَاب السَّهْو إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحِكْمَة فِي هُرُوب الشَّيْطَان عِنْدَ سَمَاع الْأَذَان وَالْإِقَامَة دُونَ سَمَاع الْقُرْآن وَالذِّكْرِ فِي الصَّلَاة , فَقِيلَ يَهْرُب حَتَّى لَا يَشْهَد لِلْمُؤَذِّنِ يَوْمَ الْقِيَامَة , فَإِنَّهُ لَا يَسْمَع مَدَى صَوْت الْمُؤَذِّن جِنّ وَلَا إِنْس إِلَّا شَهِدَ لَهُ كَمَا يَأْتِي بَعْدُ , وَلَعَلَّ الْبُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِإِيرَادِهِ الْحَدِيث الْمَذْكُور عَقِبَ هَذَا الْحَدِيث.
وَنَقَلَ عِيَاض عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ اللَّفْظ عَامٌّ وَالْمُرَاد بِهِ خَاصٌّ , وَأَنَّ الَّذِي يَشْهَد مَنْ تَصِحّ مِنْهُ الشَّهَادَة كَمَا سَيَأْتِي الْقَوْل فِيهِ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْدَهُ.
وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَأَمَّا الْكُفَّار فَلَا تُقْبَل لَهُمْ شَهَادَة , وَرَدّهُ لِمَا جَاءَ مِنْ الْآثَار بِخِلَافِهِ , وَبَالَغَ الزَّيْنُ بْن الْمُنِير فِي تَقْرِير الْأَوَّل وَهُوَ مَقَامُ اِحْتِمَالٍ , وَقِيلَ يَهْرُبُ نُفُورًا عَنْ سَمَاع الْأَذَان ثُمَّ يَرْجِع مُوَسْوِسًا لِيُفْسِدَ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ , فَصَارَ رُجُوعه مِنْ جِنْس فِرَاره , وَالْجَامِع بَيْنَهُمَا الِاسْتِخْفَاف.
وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَذَان دُعَاء إِلَى الصَّلَاة الْمُشْتَمِلَة عَلَى السُّجُود الَّذِي أَبَاهُ وَعَصَى بِسَبَبِهِ , وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَعُود قَبْلَ السُّجُود , فَلَوْ كَانَ هَرَبُهُ لِأَجْلِهِ لَمْ يَعُدْ إِلَّا عِنْدَ فَرَاغِهِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَهْرُبُ عِنْدَ سَمَاع الدُّعَاء بِذَلِكَ لِيُغَالِط نَفْسه بِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِف أَمْرًا ثُمَّ يَرْجِع لِيُفْسِدَ عَلَى الْمُصَلِّي سَجْدَهُ الَّذِي أَبَاهُ , وَقِيلَ إِنَّمَا يَهْرُب لِاتِّفَاقِ الْجَمِيع عَلَى الْإِعْلَان بِشَهَادَةِ الْحَقّ وَإِقَامَة الشَّرِيعَة , وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاتِّفَاق عَلَى ذَلِكَ حَاصِل قَبْلَ الْأَذَان وَبَعْدَهُ مِنْ جَمِيع مَنْ يُصَلِّي , وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِعْلَان أَخَصُّ مِنْ الِاتِّفَاق فَإِنَّ الْإِعْلَان الْمُخْتَصّ بِالْأَذَانِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الْجَهْر بِالتَّكْبِيرِ وَالتِّلَاوَة مَثَلًا , وَلِهَذَا قَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْنِ زَيْد " أَلْقِهِ عَلَى بِلَال فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك " أَيْ أَقْعَدُ فِي الْمَدّ وَالْإِطَالَة وَالْإِسْمَاع لِيَعُمَّ الصَّوْتُ وَيَطُولَ أَمَدُ التَّأْذِين فَيَكْثُرَ الْجَمْعُ وَيَفُوتُ عَلَى الشَّيْطَان مَقْصُوده مِنْ إِلْهَاءِ الْآدَمِيِّ عَنْ إِقَامَة الصَّلَاة فِي جَمَاعَة أَوْ إِخْرَاجهَا عَنْ وَقْتهَا أَوْ وَقْت فَضِيلَتهَا فَيَفِرَّ حِينَئِذٍ , وَقَدْ يَيْأَس عَنْ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَمَّا أَعْلَنُوا بِهِ ثُمَّ يَرْجِع لِمَا طُبِعَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَذَى وَالْوَسْوَسَة.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : عَلَى الْأَذَان هَيْبَةٌ يَشْتَدّ اِنْزِعَاجُ الشَّيْطَان بِسَبَبِهَا , لِأَنَّهُ لَا يَكَاد يَقَعُ فِي الْأَذَان رِيَاء وَلَا غَفْلَةٌ عِنْدَ النُّطْق بِهِ , بِخِلَافِ الصَّلَاة فَإِنَّ النَّفْس تَحْضُرُ فِيهَا فَيَفْتَحُ لَهَا الشَّيْطَان أَبْوَاب الْوَسْوَسَة.
وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ " الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُؤَذِّن فِي أَذَانه وَإِقَامَته مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْوَسْوَسَة وَالرِّيَاء لِتَبَاعُدِ الشَّيْطَان مِنْهُ " وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَذَان إِعْلَام بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَل الْأَعْمَال بِأَلْفَاظٍ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الذِّكْرِ لَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا , بَلْ تَقَع عَلَى وَفْقِ الْأَمْر , فَيَفِرَّ مِنْ سَمَاعهَا.
وَأَمَّا الصَّلَاة فَلِمَا يَقَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ النَّاس فِيهَا مِنْ التَّفْرِيطِ فَيَتَمَكَّنُ الْخَبِيثُ مِنْ الْمُفَرِّطِ , فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ وَفَّى بِجَمِيعِ مَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا لَمْ يُقَرَّ بِهِ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَهُوَ نَادِر , وَكَذَا إِذَا اِنْضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَكُون أَنْدَرَ , أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن أَبِي جَمْرَة نَفَعَ اللَّه بِبَرَكَتِهِ.
( فَائِدَةٌ ) : قَالَ اِبْن بَطَّالٍ يُشْبِه أَنْ يَكُونَ الزَّجْرُ عَنْ خُرُوجِ الْمَرْءِ مِنْ الْمَسْجِد بَعْدَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى , لِئَلَّا يَكُونَ مُتَشَبِّهًا بِالشَّيْطَانِ الَّذِي يَفِرُّ عِنْدَ سَمَاع الْأَذَان وَاَللَّه أَعْلَم.
( تَنْبِيهَانِ ) : ( الْأَوَّل ) فَهِمَ بَعْض السَّلَف مِنْ الْأَذَان فِي هَذَا الْحَدِيث الْإِتْيَان بِصُورَةِ الْأَذَان وَإِنْ لَمْ تُوجَد فِيهِ شَرَائِط الْأَذَان مِنْ وُقُوعه فِي الْوَقْت وَغَيْر ذَلِكَ , فَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ رِوَايَة سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ " إِذَا سَمِعْت صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ " وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث , وَرَوَى مَالِك عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ نَحْوَهُ.
( الثَّانِي ) وَرَدَتْ فِي فَضْل الْأَذَان أَحَادِيث كَثِيرَة ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى , وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا هُنَا , لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَضَمَّنَ فَضْلًا لَا يُنَالُ بِغَيْرِ الْأَذَان , بِخِلَافِ غَيْره مِنْ الْأَخْبَار فَإِنَّ الثَّوَاب الْمَذْكُور فِيهَا يُدْرَكُ بِأَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنْ الْعِبَادَات , وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى
عن أبي سعيد الخدري، قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك، أو باديتك، فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه: «لا يسمع مدى صوت المؤذن،...
عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما، لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم،...
عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم النداء، فقولوا مثل ما يقول المؤذن»
عن عيسى بن طلحة، أنه سمع معاوية يوما، فقال مثله، إلى قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله
عن يحيى - نحوه - قال يحيى: وحدثني بعض إخواننا، أنه قال: لما قال: حي على الصلاة، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وقال: هكذا سمعنا نبيكم صلى الله عليه...
عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفض...
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في...
عن عبد الله بن الحارث، قال: خطبنا ابن عباس في يوم ردغ، فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة، فأمره أن ينادي «الصلاة في الرحال»، فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقا...
عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، ثم قال: وكان رجلا أعمى،...