687-
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: «ضعوا لي ماء في المخضب».
قالت: ففعلنا، فاغتسل، فذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال صلى الله عليه وسلم: «أصلى الناس؟» قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: «ضعوا لي ماء في المخضب» قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: «أصلى الناس؟» قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: «ضعوا لي ماء في المخضب»، فقعد، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: «أصلى الناس؟» فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف في المسجد، ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا -: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك، فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد، قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هات، فعرضت عليه حديثها، فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أخرجه مسلم في الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر رقم 418
(ثقل) اشتد مرضه.
(المخضب) وعاء من خشب أو حجر.
(لينوء) لينهض بجهد.
(عكوف) مجتمعون جمع عاكف واصل العكوف اللبث
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( ذَهَبَ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " ثُمَّ ذَهَبَ ".
( لِيَنُوءَ ) بِضَمِّ النُّون بَعْدَهَا مَدَّةٌ , أَيْ لِيَنْهَضَ بِجُهْدٍ قَوْله : ( فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ) فِيهِ أَنَّ الْإِغْمَاء جَائِز عَلَى الْأَنْبِيَاء لِأَنَّهُ شَبِيه بِالنَّوْمِ , قَالَ النَّوَوِيّ : جَازَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مَرَض مِنْ الْأَمْرَاض بِخِلَافِ الْجُنُون فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ نَقْص.
قَوْله : ( يَنْتَظِرُونَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاء ) ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَامِ التَّعْلِيل , وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ وَالسَّرَخْسِيّ " لِصَلَاةِ الْعِشَاء الْآخِرَة " , وَتَوْجِيهه أَنَّ الرَّاوِيَ كَأَنَّهُ فَسَّرَ الصَّلَاة الْمَسْئُول عَنْهَا فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَصَلَّى النَّاس " فَذَكَرَهُ , أَيْ الصَّلَاة الْمَسْئُول عَنْهَا هِيَ الْعِشَاء الْآخِرَة.
قَوْله : ( فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِلْبَاقِينَ " وَخَرَجَ " بِالْوَاوِ.
قَوْله : ( لِصَلَاةِ الظُّهْر ) هُوَ صَرِيح فِي أَنَّ الصَّلَاة الْمَذْكُورَة كَانَتْ الظُّهْرَ , وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّهَا الصُّبْح , وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة أَرْقَمَ بْن شُرَحْبِيلَ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَة مِنْ حَيْثُ بَلَغَ أَبُو بَكْر " هَذَا لَفْظ اِبْن مَاجَهْ وَإِسْنَاده حَسَن , لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ لَمَّا قَرُبَ مِنْ أَبِي بَكْر الْآيَةَ الَّتِي كَانَ اِنْتَهَى إِلَيْهَا خَاصَّةً , وَقَدْ كَانَ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا فِي الصَّلَاة السَّرِيَّة كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ , ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهَا الصُّبْح بَلْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْمَغْرِب , فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمّ الْفَضْل بِنْت الْحَارِث قَالَتْ " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الْمَغْرِب بِالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا , ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه " وَهَذَا لَفْظ الْبُخَارِيّ , وَسَيَأْتِي فِي بَاب الْوَفَاة مِنْ آخِر الْمَغَازِي , لَكِنْ وَجَدْت بَعْدُ فِي النَّسَائِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاة الَّتِي ذَكَرَتْهَا أُمّ الْفَضْل كَانَتْ فِي بَيْته , وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ فِي مَرَض مَوْته فِي الْمَسْجِد إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً , وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا قَاعِدًا , وَكَانَ أَبُو بَكْر فِيهَا أَوَّلًا إِمَامًا ثُمَّ صَارَ مَأْمُومًا يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ.
قَوْله : ( فَجَعَلَ أَبُو بَكْر يُصَلِّي وَهُوَ قَائِم ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَلِلْمُسْتَمْلِيّ وَالسَّرَخْسِيّ " وَهُوَ يَأْتَمُّ " مِنْ الِائْتِمَام , وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ اِسْتِخْلَاف الْإِمَام الرَّاتِب إِذَا اِشْتَكَى أَوْلَى مِنْ صَلَاته بِهِمْ قَاعِدًا , لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْر وَلَمْ يُصَلِّ بِهِمْ قَاعِدًا غَيْر مَرَّة وَاحِدَة , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّة إِمَامَة الْقَاعِد الْمَعْذُور بِمِثْلِهِ وَبِالْقَائِمِ أَيْضًا , وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِك فِي الْمَشْهُور عَنْهُ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن فِيمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ , وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِر عَنْ الشَّعْبِيّ مَرْفُوعًا " لَا يَؤُمَّنَّ أَحَد بَعْدِي جَالِسًا " وَاعْتَرَضَهُ الشَّافِعِيّ فَقَالَ : قَدْ عَلِمَ مَنْ اِحْتَجَّ بِهَذَا أَنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُرْسَل , وَمِنْ رِوَايَة رَجُل يَرْغَب أَهْل الْعِلْم عَنْ الرِّوَايَة عَنْهُ يَعْنِي جَابِرًا الْجُعْفِيَّ , وَقَالَ اِبْن بَزِيزَةَ : لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّة لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مَنْع الصَّلَاة بِالْجَالِسِ , أَيْ يُعْرَبُ قَوْله جَالِسًا مَفْعُولًا لَا حَالًا.
وَحَكَى عِيَاض عَنْ بَعْض مَشَايِخهمْ أَنَّ الْحَدِيث الْمَذْكُور يَدُلّ عَلَى نَسْخ أَمْره الْمُتَقَدِّم لَهُمْ بِالْجُلُوسِ لَمَّا صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاج لَوْ صَحَّ إِلَى تَارِيخ , وَهُوَ لَا يَصِحّ.
لَكِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ تَقَوَّى بِأَنَّ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ لَمْ يَفْعَلهُ أَحَد مِنْهُمْ , قَالَ : وَالنَّسْخ لَا يَثْبُت بَعْدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَكِنْ مُوَاظَبَتهمْ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِصِحَّةِ الْحَدِيث الْمَذْكُور.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عَدَم النَّقْل لَا يَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُقُوع , ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ لَا يَلْزَم مِنْهُ عَدَم الْجَوَاز لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا اِكْتَفَوْا بِاسْتِخْلَافِ الْقَادِر عَلَى الْقِيَام لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ صَلَاة الْقَاعِد بِالْقَائِمِ مَرْجُوحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَلَاة الْقَائِم بِمِثْلِهِ , وَهَذَا كَافٍ فِي بَيَان سَبَب تَرْكِهِمْ الْإِمَامَةَ مِنْ قُعُود , وَاحْتُجَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحّ التَّقَدُّم بَيْنَ يَدَيْهِ لِنَهْيِ اللَّه عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَئِمَّة شُفَعَاء وَلَا يَكُون أَحَد شَافِعًا لَهُ , وَتُعُقِّبَ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَهُوَ ثَابِت بِلَا خِلَاف.
وَصَحَّ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْر كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْعَجَب أَنَّ عُمْدَة مَالِكٍ فِي مَنْع إِمَامَة الْقَاعِد قَوْل رَبِيعَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي تِلْكَ الصَّلَاة مَأْمُومًا خَلْفَ أَبِي بَكْر , وَإِنْكَاره أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّ فِي مَرَض مَوْته قَاعِدًا كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيّ فِي الْأُمّ , فَكَيْفَ يَدَّعِي أَصْحَابه عَدَمَ تَصْوِير أَنَّهُ صَلَّى مَأْمُومًا ؟ وَكَأَنَّ حَدِيث إِمَامَته الْمَذْكُور لَمَّا كَانَ فِي غَايَة الصِّحَّة وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ رَدُّهُ سَلَكُوا فِي الِانْتِصَار وُجُوهًا مُخْتَلِفَة , وَقَدْ تَبَيَّنَ بِصَلَاتِهِ خَلْفَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف أَنَّ الْمُرَاد بِمَنْعِ التَّقَدُّم بَيْنَ يَدَيْهِ فِي غَيْر الْإِمَامَة , وَأَنَّ الْمُرَاد بِكَوْنِ الْأَئِمَّة شُفَعَاء أَيْ فِي حَقّ مَنْ يَحْتَاج إِلَى الشَّفَاعَة.
ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَؤُمَّهُ أَحَد لَمْ يَدُلّ ذَلِكَ عَلَى مَنْع إِمَامَة الْقَاعِد , وَقَدْ أَمَّ قَاعِدًا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة بَعْدَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أُسَيْدُ بْن حُضَيْرٍ وَجَابِر وَقَيْس بْن قَهْد وَأَنَس بْن مَالِك , وَالْأَسَانِيد عَنْهُمْ بِذَلِكَ صَحِيحَة أَخْرَجَهَا عَبْد الرَّزَّاق وَسَعِيد بْن مَنْصُور وَابْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْرهمْ , بَلْ اِدَّعَى اِبْن حِبَّانَ وَغَيْره إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَى صِحَّة إِمَامَة الْقَاعِد كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : لَا جَوَاب لِأَصْحَابِنَا عَنْ حَدِيث مَرَض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُص عِنْدَ السَّبْك , وَاتِّبَاع السُّنَّة أَوْلَى , وَالتَّخْصِيص لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ.
قَالَ : إِلَّا أَنِّي سَمِعْت بَعْض الْأَشْيَاخ يَقُول : الْحَال أَحَد وُجُوه التَّخْصِيص , وَحَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّك بِهِ وَعَدَم الْعِوَض عَنْهُ يَقْتَضِي الصَّلَاة مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَال كَانَ عَلَيْهَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَنَقْصُ صَلَاة الْقَاعِد عَنْ الْقَائِم لَا يُتَصَوَّر فِي حَقّه , وَيُتَصَوَّر فِي حَقّ غَيْره.
وَالْجَوَاب عَنْ الْأَوَّل رَدُّهُ بِعُمُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " , وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النَّقْص إِنَّمَا هُوَ فِي حَقّ الْقَادِر فِي النَّافِلَة , وَأَمَّا الْمَعْذُور فِي الْفَرِيضَة فَلَا نَقْصَ فِي صَلَاته عَنْ الْقَائِم , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نَسْخ الْأَمْر بِصَلَاةِ الْمَأْمُوم قَاعِدًا إِذَا صَلَّى الْإِمَام قَاعِدًا لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الصَّحَابَة عَلَى الْقِيَام خَلْفَهُ وَهُوَ قَاعِد , هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيّ , وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّف فِي آخِرِ الْبَاب عَنْ شَيْخه الْحُمَيْدِيِّ وَهُوَ تِلْمِيذ الشَّافِعِيّ , وَبِذَلِكَ يَقُول أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف وَالْأَوْزَاعِيُّ , وَحَكَاهُ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ مَالِك , وَأَنْكَرَ أَحْمَد نَسْخَ الْأَمْر الْمَذْكُور بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِتَنْزِيلِهِمَا عَلَى حَالَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا إِذَا اِبْتَدَأَ الْإِمَام الرَّاتِب الصَّلَاة قَاعِدًا لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَحِينَئِذٍ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ قُعُودًا , ثَانِيَتُهُمَا إِذَا اِبْتَدَأَ الْإِمَام الرَّاتِب قَائِمًا لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا سَوَاء طَرَأَ مَا يَقْتَضِي صَلَاة إِمَامهمْ قَاعِدًا أَمْ لَا كَمَا فِي الْأَحَادِيث الَّتِي فِي مَرَضِ مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ تَقْرِيره لَهُمْ عَلَى الْقِيَام دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُمْ الْجُلُوس فِي تِلْكَ الْحَالَة لِأَنَّ أَبَا بَكْر اِبْتَدَأَ الصَّلَاة بِهِمْ قَائِمًا وَصَلَّوْا مَعَهُ قِيَامًا , بِخِلَافِ الْحَالَة الْأُولَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْتَدَأَ الصَّلَاة جَالِسًا فَلَمَّا صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ.
وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْع أَنَّ الْأَصْل عَدَم النَّسْخ , لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَة يَسْتَلْزِم دَعْوَى النَّسْخ مَرَّتَيْنِ , لِأَنَّ الْأَصْل فِي حُكْم الْقَادِر عَلَى الْقِيَام أَنْ لَا يُصَلِّيَ قَاعِدًا , وَقَدْ نُسِخَ إِلَى الْقُعُود فِي حَقّ مَنْ صَلَّى إِمَامه قَاعِدًا , فَدَعْوَى نَسْخ الْقُعُود بَعْدَ ذَلِكَ تَقْتَضِي وُقُوع النَّسْخ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ , وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ نَقْل عِيَاض فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوع النَّسْخ ثَلَاث مَرَّات , وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ أَحْمَد جَمَاعَة مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّة كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْن الْمُنْذِر وَابْن حِبَّانَ , وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث الْبَاب بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى مِنْهَا قَوْل اِبْن خُزَيْمَةَ : إِنَّ الْأَحَادِيث الَّتِي وَرَدَتْ بِأَمْرِ الْمَأْمُوم أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا تَبَعًا لِإِمَامِهِ لَمْ يُخْتَلَف فِي صِحَّتِهَا وَلَا فِي سِيَاقهَا , وَأَمَّا صَلَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا فَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا.
قَالَ : وَمَا لَمْ يُخْتَلَف فِيهِ لَا يَنْبَغِي تَرْكه لِمُخْتَلَفٍ فِيهِ.
وَأُجِيبَ بِدَفْعِ الِاخْتِلَاف وَالْحَمْل عَلَى أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا مَرَّة وَمَأْمُومًا أُخْرَى.
وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضهمْ جَمَعَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْر بِالْجُلُوسِ كَانَ لِلنَّدْبِ , وَتَقْرِيره قِيَامهمْ خَلْفَهُ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَاز , فَعَلَى هَذَا الْأَمْر مَنْ أَمَّ قَاعِدًا لِعُذْرٍ تَخَيَّرَ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ بَيْنَ الْقُعُود وَالْقِيَام , وَالْقُعُود أَوْلَى لِثُبُوتِ الْأَمْر بِالِائْتِمَامِ وَالِاتِّبَاع وَكَثْرَة الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ.
وَأَجَابَ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ اِسْتِبْعَاد مَنْ اِسْتَبْعَدَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَمْر قَدْ صَدَرَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَل الصَّحَابَة فِي حَيَاته وَبَعْدَهُ , فَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ قَيْس بْن قَهْد بِفَتْحِ الْقَاف وَسُكُون الْهَاء الْأَنْصَارِيّ " أَنَّ إِمَامًا لَهُمْ اِشْتَكَى لَهُمْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَكَانَ يَؤُمُّنَا وَهُوَ جَالِس وَنَحْنُ جُلُوس ".
وَرَوَى اِبْن الْمُنْذِر بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ أُسَيْدِ بْن حُضَيْرٍ " أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمه , فَاشْتَكَى , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ شَكْوَاهُ , فَأَمَرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَالَ : إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَنْ أُصَلِّيَ قَائِمًا فَاقْعُدُوا , فَصَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قُعُود ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أُسَيْدِ بْن حُضَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ " يَا رَسُول اللَّه إِنَّ إِمَامَنَا مَرِيض , قَالَ : إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا " وَفِي إِسْنَاده اِنْقِطَاع.
وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ جَابِر " أَنَّهُ اِشْتَكَى , فَحَضَرَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَصَلَّوْا مَعَهُ جُلُوسًا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَإِسْنَاده صَحِيح أَيْضًا , وَقَدْ أَلْزَمَ اِبْن الْمُنْذِر مَنْ قَالَ بِأَنَّ الصَّحَابِيّ أَعْلَم بِتَأْوِيلِ مَا رُوِيَ بِأَنْ يَقُول بِذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة وَجَابِرًا رَوَيَا الْأَمْر الْمَذْكُور , وَاسْتَمَرَّا عَلَى الْعَمَل بِهِ وَالْفُتْيَا بَعْدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَلْزَم ذَلِكَ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا رَوَى وَعَمِلَ بِخِلَافِهِ أَنَّ الْعِبْرَة بِمَا عَمِلَ مِنْ بَاب الْأَوْلَى لِأَنَّهُ هُنَا عَمِلَ بِوَفْقِ مَا رَوَى.
وَقَدْ اِدَّعَى اِبْن حِبَّانَ الْإِجْمَاع عَلَى الْعَمَل بِهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ السُّكُوت , لِأَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ أَرْبَعَة مِنْ الصَّحَابَة الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَقَالَ : إِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة غَيْرِهِمْ الْقَوْل بِخِلَافِهِ لَا مِنْ طَرِيق صَحِيح وَلَا ضَعِيفٍ.
وَكَذَا قَالَ اِبْن حَزْمٍ إِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَة خِلَافُ ذَلِكَ , ثُمَّ نَازَعَ فِي ثُبُوت كَوْنِ الصَّحَابَة صَلَّوْا خَلْفَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاعِدٌ قِيَامًا غَيْر أَبِي بَكْر , قَالَ : لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ صَرِيحًا , وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا طَائِل فِيهِ.
وَاَلَّذِي اِدَّعَى نَفْيَهُ قَدْ أَثْبَتَهُ الشَّافِعِيّ وَقَالَ : إِنَّهُ فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة , ثُمَّ وَجَدْته مُصَرَّحًا بِهِ أَيْضًا فِي مُصَنَّف عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاء فَذَكَرَ الْحَدِيث وَلَفْظه " فَصَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا وَجَعَلَ أَبُو بَكْر وَرَاءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاس وَصَلَّى النَّاس وَرَاءَهُ قِيَامًا " وَهَذَا مُرْسَل يَعْتَضِدُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي عَلَّقَهَا الشَّافِعِيّ عَنْ النَّخَعِيِّ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَر , فَإِنَّهُمْ اِبْتَدَءُوا الصَّلَاة مَعَ أَبِي بَكْر قِيَامًا بِلَا نِزَاع , فَمَنْ اِدَّعَى أَنَّهُمْ قَعَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَان.
ثُمَّ رَأَيْت اِبْن حِبَّانَ اِسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَعَدُوا بَعْدَ أَنْ كَانُوا قِيَامًا بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ " اِشْتَكَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِد وَأَبُو بَكْر يُسْمِعُ النَّاس تَكْبِيره , قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا.
فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : إِنْ كِدْتُمْ لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ , فَلَا تَفْعَلُوا " الْحَدِيثَ.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم , لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي مَرَض مَوْته , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ سَقَطَ عَنْ الْفَرَس كَمَا فِي رِوَايَة أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر أَيْضًا قَالَ " رَكِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْع نَخْلَة فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح , فَلَا حُجَّة عَلَى هَذَا لِمَا اِدَّعَاهُ , إِلَّا أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر " وَأَبُو بَكْر يُسْمِعُ النَّاس التَّكْبِير " وَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي مَرَض مَوْته لِأَنَّ صَلَاته فِي مَرَضه الْأَوَّل كَانَتْ فِي مَشْرَبَة عَائِشَة وَمَعَهُ نَفَر مِنْ أَصْحَابه لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يُسْمِعُهُمْ تَكْبِيره بِخِلَافِ صَلَاته فِي مَرَض مَوْته فَإِنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَسْجِد بِجَمْعٍ كَثِير مِنْ الصَّحَابَة فَاحْتَاجَ أَبُو بَكْر أَنْ يُسْمِعهُمْ التَّكْبِير.
اِنْتَهَى.
وَلَا رَاحَة لَهُ فِيمَا تَمَسَّكَ بِهِ لِأَنَّ إِسْمَاع التَّكْبِير فِي هَذَا لَمْ يُتَابِع أَبَا الزُّبَيْر عَلَيْهِ أَحَدٌ , وَعَلَى تَقْدِير أَنَّهُ حَفِظَهُ فَلَا مَانِع أَنْ يُسْمِعَهُمْ أَبُو بَكْر التَّكْبِير فِي تِلْكَ الْحَالَة لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ صَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَفِيًّا مِنْ الْوَجَع , وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَجْهَر بِالتَّكْبِيرِ فَكَانَ أَبُو بَكْر يَجْهَر عَنْهُ بِالتَّكْبِيرِ لِذَلِكَ.
وَوَرَاءَ ذَلِكَ كُلّه أَنَّهُ أَمْر مُحْتَمَلٌ لَا يُتْرَكُ لِأَجْلِهِ الْخَبَر الصَّرِيح بِأَنَّهُمْ صَلَّوْا قِيَامًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُرْسَل عَطَاء وَغَيْره , بَلْ فِي مُرْسَل عَطَاء أَنَّهُمْ اِسْتَمَرُّوا قِيَامًا إِلَى أَنْ اِنْقَضَتْ الصَّلَاة.
نَعَمْ وَقَعَ فِي مُرْسَل عَطَاء الْمَذْكُور مُتَّصِلًا بِهِ بَعْدَ قَوْله : وَصَلَّى النَّاس وَرَاءَهُ قِيَامًا " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا صَلَّيْتُمْ إِلَّا قُعُودًا , فَصَلُّوا صَلَاةَ إِمَامِكُمْ مَا كَانَ , إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا " وَهَذِهِ الزِّيَادَة تُقَوِّي مَا قَالَ اِبْن حِبَّانَ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ فِي مَرَض مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُسْتَفَاد مِنْهَا نَسْخ الْأَمْر بِوُجُوبِ صَلَاة الْمَأْمُومِينَ قُعُودًا إِذَا صَلَّى إِمَامهمْ قَاعِدًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّة الْأَخِيرَة بِالْإِعَادَةِ , لَكِنْ إِذَا نُسِخَ الْوُجُوب يَبْقَى الْجَوَاز , وَالْجَوَاز لَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَاب فَيُحْمَلُ أَمْرُهُ الْأَخِير بِأَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا عَلَى الِاسْتِحْبَاب لِأَنَّ الْوُجُوب قَدْ رُفِعَ بِتَقْرِيرِهِ لَهُمْ وَتَرْك أَمْرهمْ بِالْإِعَادَةِ.
هَذَا مُقْتَضَى الْجَمْع بَيْنَ الْأَدِلَّة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى بَاقِي فَوَائِد هَذَا الْحَدِيث فِي " بَاب حَدّ الْمَرِيض أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ ".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بَلَى ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ فَقُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ قَالَ أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَاتِ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك، فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف...
عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا، فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال:...
عن البراء - وهو غير كذوب -، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره، حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أما يخشى أحدكم - أو: لا يخشى أحدكم - إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الل...
عن عبد الله بن عمر، قال: «لما قدم المهاجرون الأولون العصبة - موضع بقباء - قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أك...
عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة»
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:...
عن عبيد الله بن عدي بن خيار، أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه، - وهو محصور - فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج؟ ف...
عن أنس بن مالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة»