936- عن جابر بن عبد الله، قال: " بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاما، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما}
أخرجه مسلم في الجمعة باب قوله تعالى {وإذا رأوا.
.
}.
رقم 863
(عير) الإبل التي تحمل التجارة من طعام أو غيره والمراد بالطعام الحنطة وما شابهها.
(فالتفتوا إليها) انصرفوا.
(الآية) الجمعة 11.
(لهوا) هو الطبل الذي كان يضرب به إعلاما بقدوم التجارة.
(انفضوا) تفرقوا
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ حُصَيْنٍ ) هُوَ اِبْن عَبْد اَلرَّحْمَن اَلْوَاسِطِيّ وَمَدَار هَذَا اَلْحَدِيثِ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ عَلَيْهِ , وَقَدْ رَوَاهُ تَارَةً عَنْ سَالِم بْن أَبِي اَلْجَعْدِ وَحْدَهُ كَمَا هُنَا وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ , وَتَارَةً عَنْ أَبِي سُفْيَان طَلْحَة بْن نَافِع وَحْدَهُ وَهِيَ رِوَايَةُ قَيْس بْن اَلرَّبِيع وَإِسْرَائِيل عِنْدَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ , وَتَارَة جُمِعَ بَيْنَهُمَا عَنْ جَابِر وَهِيَ رِوَايَةُ خَالِد بْن عَبْد اَللَّه عِنْدَ اَلْمُصَنِّفِ فِي اَلتَّفْسِيرِ وَعِنْد مُسْلِم , وَكَذَا رِوَايَة هُشَيْم عِنْدَهُ أَيْضًا.
قَوْله : ( بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي ) فِي رِوَايَةِ خَالِد اَلْمَذْكُورَة عِنْد أَبِي نُعَيْم فِي اَلْمُسْتَخْرَجِ " بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اَلصَّلَاةِ " وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ اِنْفِضَاضَهُمْ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي اَلصَّلَاةِ , لَكِنْ وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَةِ عَبْد اَللَّه بْن إِدْرِيس عَنْ حُصَيْنٍ " وَرَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ " وَلَهُ فِي رِوَايَة هُشَيْمٍ " بَيْنَا اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم - زَادَ أَبُو عَوَانَةُ فِي صَحِيحِهِ وَاَلتِّرْمِذِيّ والدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ - يَخْطُبُ " وَمِثْلُهُ لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبَّاد بْن اَلْعَوَّام , وَلِعَبْد بْن حُمَيْد مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَان بْن كَثِير كِلَاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ , وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَيْس بْن اَلرَّبِيع وَإِسْرَائِيل , وَمِثْله فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس عِنْدَ اَلْبَزَّارِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد اَلطَّبَرَانِيّ فِي اَلْأَوْسَطِ وَفِي مُرْسَل قَتَادَةَ عِنْد اَلطَّبَرَانِيّ وَغَيْره.
فَعَلَى هَذَا فَقَوْله " نُصَلِّي " أَيْ نَنْتَظِرُ اَلصَّلَاةَ.
وَقَوْلُهُ " فِي اَلصَّلَاةِ " أَيْ فِي اَلْخُطْبَةِ مَثَلًا وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ اَلشَّيْءِ بِمَا قَارَبَهُ , فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ اَلرِّوَايَتَيْنِ , وَيُؤَيِّدُهُ اِسْتِدْلَال اِبْن مَسْعُود عَلَى اَلْقِيَامِ فِي اَلْخُطْبَةِ بِالْآيَةِ اَلْمَذْكُورَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ , وَكَذَا اِسْتَدَلَّ بِهِ كَعْبُ بْن عُجْرَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ , وَحَمَلَ اِبْن اَلْجَوْزِيِّ قَوْله " يَخْطُبُ قَائِمًا " عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ آخَرُ غَيْر خَبَر كَوْنهمْ كَانُوا مَعَهُ فِي اَلصَّلَاةِ فَقَالَ : اَلتَّقْدِيرُ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا اَلْحَدِيث , وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفه.
قَوْله : ( إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ ) بِكَسْرِ اَلْمُهْمَلَةِ هِيَ اَلْإِبِلُ اَلَّتِي تَحْمِلُ اَلتِّجَارَةَ طَعَامًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ , وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا.
وَنَقَلَ اِبْن عَبْد اَلْحَقّ فِي جَمْعِهِ أَنَّ اَلْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ قَوْلَهُ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا وَهُوَ ذُهُولٌ مِنْهُ , نَعَمْ سَقَطَ ذَلِكَ فِي اَلتَّفْسِيرِ وَثَبَتَ هُنَا وَفِي أَوَائِل اَلْبُيُوعِ وَزَادَ فِيهِ أَنَّهَا أَقْبَلَتْ مِنْ اَلشَّامِ , وَمِثْله لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِير عَنْ حُصَيْن , وَوَقَعَ عِنْدَ اَلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ اَلسُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِك وَمُرَّةَ فَرْقُهُمَا أَنَّ اَلَّذِي قَدِمَ بِهَا مِنْ اَلشَّامِ دِحْيَة بْن خَلِيفَة اَلْكَلْبِيّ , وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس عِنْدَ اَلْبَزَّارِ , وَلِابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق اَلضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس " جَاءَتْ عِيرٌ لِعَبْد اَلرَّحْمَن بْن عَوْف " وَجُمِعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ اَلرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ اَلتِّجَارَةَ كَانَتْ لِعَبْد اَلرَّحْمَن بْن عَوْف وَكَانَ دِحْيَة اَلسَّفِير فِيهَا أَوْ كَانَ مُقَارِضًا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اِبْنِ وَهْبٍ عَنْ اَللَّيْثِ أَنَّهَا كَانَتْ لِوَبَرَة اَلْكَلْبِيّ , وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ رَفِيق دِحْيَة.
قَوْله : ( فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا ) فِي رِوَايَةِ اِبْنِ فُضَيْلٍ فِي اَلْبُيُوعِ " فَانْفَضَّ اَلنَّاس " وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ اَلْقُرْآنِ وَدَالٌّ عَلَى أَنَّ اَلْمُرَادَ بِالِالْتِفَاتِ اَلِانْصِرَاف , وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَمَلَ اَلِالْتِفَات عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ : لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا اَلِانْصِرَافُ عَنْ اَلصَّلَاةِ وَقَطْعهَا , وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ اِلْتِفَاتهمْ بِوُجُوهِهِمْ أَوْ بِقُلُوبِهِمْ , وَأَمَّا هَيْئَةُ اَلصَّلَاة اَلْمُجْزِئَةُ فَبَاقِيَة.
ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اَلِانْفِضَاضَ وَقَعَ فِي اَلصَّلَاةِ , وَقَدْ تَرَجَّحَ فِيمَا مَضَى أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي اَلْخُطْبَةِ , فَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَمَا وَقَعَ هَذَا اَلْإِنْكَارُ اَلشَّدِيدُ , فَإِنَّ اَلِالْتِفَاتَ فِيهَا لَا يُنَافِي اَلِاسْتِمَاع , وَقَدْ غَفَلَ قَائِلُهُ عَنْ بَقِيَّةِ أَلْفَاظِ اَلْخَبَرِ.
وَفِي قَوْلِهِ " فَالْتَفَتُوا " اَلْحَدِيث اِلْتِفَات لِأَنَّ اَلسِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ فَالْتَفَتْنَا , وَكَأَنَّ اَلْحِكْمَةَ فِي عُدُولِ جَابِر عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ اِلْتَفَتْ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْله : ( إِلَّا اِثْنَيْ عَشَر ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَيْسَ هَذَا اَلِاسْتِثْنَاء مُفَرَّغًا فَيَجِبُ رَفْعُهُ , بَلْ هُوَ مِنْ ضَمِير بَقِيَ اَلَّذِي يَعُودُ إِلَى اَلْمُصَلِّي فَيَجُوزُ فِيهِ اَلرَّفْعُ وَالنَّصْبُ , قَالَ : وَقَدْ ثَبَتَ اَلرَّفْعُ فِي بَعْضِ اَلرِّوَايَاتِ ا ه.
وَوَقَعَ فِي تَفْسِير اَلطَّبَرِيّ وَابْن أَبِي حَاتِم بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ قَالَ " قَالَ لَهُمْ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ أَنْتُمْ ؟ فَعَدُّوا أَنْفُسهمْ , فَإِذَا هُمْ اِثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَاِمْرَأَة " وَفِي تَفْسِيرِ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي زِيَاد اَلشَّامِيِّ " وَاِمْرَأَتَانِ " وَلِابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس " وَسَبْع نِسْوَة " لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيف.
وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ اَلرِّوَايَات كُلّهَا عَلَى اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا إِلَّا مَا رَوَاهُ عَلِيّ بْن عَاصِم عَنْ حُصَيْنٍ بِالْإِسْنَادِ اَلْمَذْكُورِ فَقَالَ " إِلَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْن عَاصِم وَهُوَ ضَعِيف اَلْحِفْظ , وَخَالَفَهُ أَصْحَاب حُصَيْنٍ كُلّهمْ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمْ فَوَقَع فِي رِوَايَةِ خَالِد اَلطَّحَّان عِنْد مُسْلِم أَنَّ جَابِرًا قَالَ " أَنَا فِيهِمْ " وَلَهُ فِي رِوَايَة هُشَيْمٍ " فِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر " , وَفِي اَلتِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذِهِ اَلزِّيَادَةَ فِي رِوَايَة حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي سُفْيَان دُون سَالِم , وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ عَنْ اَلْحَسَنِ مُرْسَلًا وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات , وَفِي تَفْسِيرِ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي زِيَاد اَلشَّامِيِّ " أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُمْ " وَرَوَى اَلْعُقَيْلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ مِنْهُمْ اَلْخُلَفَاءَ اَلْأَرْبَعَةَ وَابْن مَسْعُود وَأُنَاسًا مِنْ اَلْأَنْصَارِ " وَحَكَى اَلسُّهَيْلِيّ أَنَّ أَسَد بْن عَمْرو رَوَى بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ " أَنَّ الْاِثْنَيْ عَشَر هُمْ اَلْعَشْرَة اَلْمُبَشَّرَة وَبِلَال وَابْن مَسْعُود " قَالَ وَفِي رِوَايَةِ " عَمَّار " بَدَلَ اِبْن مَسْعُود ا ه.
وَرِوَايَةُ اَلْعُقَيْلِيّ أَقْوَى وَأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ , ثُمَّ وَجَدْت رِوَايَة أَسَد بْن عَمْرو عِنْد اَلْعُقَيْلِيّ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ لَا كَمَا قَالَ اَلسُّهَيْلِيّ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة أَسَد عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِم.
قَوْله : ( فَنَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ ) ظَاهِر فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ قُدُومِ اَلْعِيرِ اَلْمَذْكُورَةِ , وَالْمُرَادِ بِاللَّهْوِ عَلَى هَذَا مَا يَنْشَأُ مِنْ رُؤْيَةِ اَلْقَادِمِينَ وَمَا مَعَهُمْ.
وَوَقَعَ عِنْدَ اَلشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا " كَانَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْم اَلْجُمُعَةِ , وَكَانَتْ لَهُمْ سُوق كَانَتْ بَنُو سَلِيمٍ يَجْلِبُونَ إِلَيْهَا اَلْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَاَلسَّمْن , فَقَدِمُوا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ اَلنَّاسُ وَتَرَكُوهُ , وَكَانَ لَهُمْ لَهْوٌ يَضْرِبُونَهُ فَنَزَلَتْ " وَوَصَلَه أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرِيّ بِذِكْرِ جَابِر فِيهِ " أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَكَحُوا تَضْرِبُ اَلْجَوَارِي بِالْمَزَامِيرِ فَيَشْتَدُّ اَلنَّاس إِلَيْهِمْ وَيَدْعُونَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ " وَفِي مُرْسَلِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْد بْن حُمَيْدٍ " كَانَ رِجَال يَقُومُونَ إِلَى نَوَاضِحِهِمْ , وَإِلَى اَلسَّفَرِ يَقْدَمُونَ يَبْتَغُونَ اَلتِّجَارَة وَاللَّهْو , فَنَزَلَتْ " وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ تَنْزِلَ فِي اَلْأَمْرَيْنِ مَعًا وَأَكْثَرَ , وَسَيَأْتِي اَلْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى مَعَ تَفْسِيرِ اَلْآيَةِ اَلْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ اَلتَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى.
وَالنُّكْتَةُ فِي قَوْله : ( اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا ) دُونَ قَوْلِهِ إِلَيْهِمَا أَوْ إِلَيْهِ أَنَّ اَللَّهْوَ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِذَاته وَإِنَّمَا كَانَ تَبَعًا لِلتِّجَارَةِ , أَوْ حُذِفَ لِدَلَالَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى اَلْآخَرِ.
وَقَالَ اَلزَّجَّاجُ : أُعِيدَ اَلضَّمِير إِلَى اَلْمَعْنَى , أَيْ اِنْفَضُّوا إِلَى اَلرُّؤْيَةِ أَيْ لِيَرَوْا مَا سَمِعُوهُ.
( فَائِدَة ) : ذَكَرَ اَلْحُمَيْدِيّ فِي اَلْجَمْعِ أَنَّ أَبَا مَسْعُود اَلدِّمَشْقِيّ ذَكَرَ فِي آخِرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَسَالَ بِكُمْ اَلْوَادِي نَارًا " قَالَ : وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي اَلْكِتَابَيْنِ وَلَا فِي مُسْتَخْرَجَيْ اَلْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبُرْقَانِيِّ , قَالَ : وَهِيَ فَائِدَةٌ مِنْ أَبِي مَسْعُود , وَلَعَلَّنَا نَجِدُهَا بِالْإِسْنَادِ فِيمَا بَعْدُ اِنْتَهَى.
وَلَمْ أَرَ هَذِهِ اَلزِّيَادَةَ فِي اَلْأَطْرَافِ لِأَبِي مَسْعُود وَلَا هِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ طَرُقِ حَدِيثِ جَابِر اَلْمَذْكُورَة , وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي مُرْسَلَيْ اَلْحَسَنِ وَقَتَادَةَ اَلْمُتَقَدِّم ذِكْرُهُمَا , وَكَذَا فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس عِنْدَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَس عِنْدَ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي زِيَاد وَسَنَده سَاقِط.
وَفِي هَذَا اَلْحَدِيثِ مِنْ اَلْفَوَائِدِ غَيْر مَا تَقَدَّمَ أَنَّ اَلْخُطْبَةَ تَكُونُ عَنْ قِيَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ , وَأَنَّهَا مُشْتَرَطَة فِي اَلْجُمُعَة حَكَاهُ اَلْقُرْطُبِيّ وَاسْتَبْعَدَهُ , وَأَنَّ اَلْبَيْعَ وَقْتَ اَلْجُمُعَة يَنْعَقِدُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ سَعِيد بْن مَنْصُور , وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِفَسْخٍ مَا تَبَايَعُوا فِيهِ مِنْ اَلْعِيرِ اَلْمَذْكُورَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ تَرْك سَمَاع اَلْخُطْبَةِ بَعْدَ اَلشُّرُوعِ فِيهَا , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز اِنْعِقَاد اَلْجُمُعَة بِاثْنَيْ عَشَر نَفْسًا وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَة , وَيَجِيءُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ , وَوَجْه اَلدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ اَلْعَدَدَ اَلْمُعْتَبَرَ فِي اَلِابْتِدَاءِ يُعْتَبَرُ فِي اَلدَّوَامِ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ اَلْجُمُعَة بِانْفِضَاض اَلزَّائِد عَلَى الِاثْنَيْ عَشَر دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَافٍ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَادَى حَتَّى عَادُوا أَوْ عَادَ مَنْ تُجْزِئُ بِهِمْ , إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي اَلْخَبَرِ أَنَّهُ أَتَمَّ اَلصَّلَاةَ.
وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَتَمّهَا ظُهْرًا.
وَأَيْضًا فَقَدْ فَرَّقَ كَثِير مِنْ اَلْعُلَمَاءِ بَيْنَ اَلِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ فِي هَذَا فَقِيلَ : إِذَا اِنْعَقَدَتْ لَمْ يَضُرَّ مَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بَقِيَ اَلْإِمَامُ وَحْدَهُ.
وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ بَقَاء وَاحِد مَعَهُ , وَقِيلَ اِثْنَيْنِ , وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا اِنْفَضُّوا بَعْد تَمَامِ اَلرَّكْعَةِ اَلْأُولَى فَلَا يَضُرُّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ , وَإِلَى ظَاهِرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ صَارَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ فَقَالَ : إِذَا تَفَرَّقُوا بَعْدَ اَلِانْعِقَادِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاء اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ تَرْجَمَةِ اَلْبُخَارِيّ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَقَيَّدَ اَلْجَمْع اَلَّذِي يَبْقَى مَعَ اَلْإِمَامِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ , وَتَقَدَّمَ تَرْجِيح كَوْنِ اَلِانْفِضَاض وَقَعَ فِي اَلْخُطْبَةِ لَا فِي اَلصَّلَاةِ , وَهُوَ اَللَّائِقُ بِالصَّحَابَةِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِمْ , وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي اَلصَّلَاةِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ اَلنَّهْي كَآيَة ( لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ , وَقَبْلَ اَلنَّهْيِ عَنْ اَلْفِعْلِ اَلْكَثِير فِي اَلصَّلَاةِ.
وَقَوْلُ اَلْمُصَنِّفِ فِي اَلتَّرْجَمَةِ " فَصَلَاة اَلْإِمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَة " يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ اَلْجَمِيعَ لَوْ اِنْفَضُّوا فِي اَلرَّكْعَةِ اَلْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اَلْإِمَامُ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ لَهُ اَلْجُمُعَة , وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ اَلْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَقِيلَ تَصِحُّ إِنْ بَقِيَ وَاحِد , وَقِيلَ إِنْ بَقِيَ اِثْنَانِ , وَقِيلَ ثَلَاثَة , وَقِيلَ إِنْ كَانَ صَلَّى بِهِمْ اَلرَّكْعَةَ اَلْأُولَى صَحَّتْ لِمَنْ بَقِيَ , وَقِيلَ يُتِمُّهَا ظُهْرًا مُطْلَقًا.
وَهَذَا اَلْخِلَافُ كُلّه أَقْوَال مُخَرَّجَة فِي مَذْهَبِ اَلشَّافِعِيِّ إِلَّا اَلْأَخِير فَهُوَ قَوْلُهُ فِي اَلْجَدِيدِ , وَإِنْ ثَبَتَ قَوْلُ مُقَاتِلِ بْن حَيَّان اَلَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي اَلْمَرَاسِيل أَنَّ اَلصَّلَاةَ كَانَتْ حِينَئِذٍ قَبْلَ اَلْخُطْبَةِ زَالَ اَلْإِشْكَال , لَكِنَّهُ مَعَ شُذُوذِهِ مُعْضِل.
وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ اَلْأَصِيلِي حَدِيث اَلْبَابِ فَقَالَ : إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ ( لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللَّهِ ثُمَّ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا اَلْحَدِيث كَانَ قَبْلَ نُزُولِ اَلْآيَةِ.
اِنْتَهَى.
وَهَذَا اَلَّذِي يَتَعَيَّنُ اَلْمَصِير إِلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي آيَةِ اَلنُّورِ اَلتَّصْرِيحُ بِنُزُولِهَا فِي اَلصَّحَابَةِ , وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّم لَهُمْ نَهْي عَنْ ذَلِكَ , فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة اَلْجُمُعَة.
وَفَهِمُوا مِنْهَا ذَمّ ذَلِكَ اِجْتَنَبُوهُ فَوُصِفُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا فِي آيَةِ اَلنُّورِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا }
عن عبد الله بن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا...
عن سهل بن سعد، قال: «كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق، فتجعله في قدر، ثم تجعل عليه قبضة من شع...
عن سهل، بهذا، وقال: «ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة»
عن حميد، قال: سمعت أنسا، يقول: «كنا نبكر إلى الجمعة، ثم نقيل»
عن سهل بن سعد، قال: «كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم تكون القائلة»
عن الزهري، قال: سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ - يعني صلاة الخوف - قال: أخبرني سالم، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: غزوت مع رسول الله...
عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد: إذا اختلطوا قياما، وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن كانوا أكثر من ذلك، فليصلوا قياما وركبانا»
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم معه، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثا...
عن جابر بن عبد الله، قال: جاء عمر يوم الخندق، فجعل يسب كفار قريش، ويقول: يا رسول الله، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، فقال النبي صلى الله عليه...