حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر - صحيح البخاري

صحيح البخاري | أبواب الاستسقاء باب الاستسقاء في المسجد الجامع (حديث رقم: 1013 )


1013- عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أنه سمع أنس بن مالك، يذكر أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، فقال: يا رسول الله: هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقال: «اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا» قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة ولا شيئا وما بيننا وبين سلع من بيت، ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء، انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: «اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر» قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: «لا أدري»

أخرجه البخاري


(وجاه) مواجهه ومقابله

شرح حديث ( اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( أَنَّ رَجُلًا ) ‏ ‏لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَته فِي حَدِيث أَنَس , وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد مِنْ حَدِيث كَعْب بْن مُرَّة مَا يُمْكِن أَنْ يُفَسِّر هَذَا الْمُبْهَم بِأَنَّهُ كَعْب الْمَذْكُور وَسَأَذْكُرُ بَعْض سِيَاقه بَعْد قَلِيل , وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِل مِنْ طَرِيق مُرْسَلَة مَا يُمْكِن أَنْ يُفَسَّر بِأَنَّهُ خَارِجَة بْن حِصْن بْن حُذَيْفَة بْن بَدْر الْفَزَارِيُّ , وَلَكِنْ رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق شُرَحْبِيل بْن السَّمْط أَنَّهُ " قَالَ لِكَعْبِ بْن مُرَّة : يَا كَعْب حَدِّثْنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْذَرْ , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه اِسْتَسْقِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِسْقِنَا " الْحَدِيث.
فَفِي هَذَا أَنَّهُ غَيْر كَعْب , وَسَيَأْتِي بَعْد أَبْوَاب فِي هَذِهِ الْقِصَّة " فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَان " وَمِنْ ثَمَّ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّهُ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَهُوَ وَهْم لِأَنَّهُ جَاءَ فِي وَاقِعَة أُخْرَى كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي " بَاب إِذَا اِسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَة مِنْ رِوَايَة إِسْحَاق بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ أَنَس " أَصَابَ النَّاس سَنَة - أَيْ جَدْب - عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَيْنًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب يَوْم الْجُمُعَة قَامَ أَعْرَابِيّ " وَسَيَأْتِي مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَنَس " أَتَى رَجُل أَعْرَابِيّ مِنْ أَهْل الْبَدْو " وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة ثَابِت الْآتِيَة فِي " بَاب الدُّعَاء إِذَا كُثْر الْمَطَر " عَنْ أَنَس " فَقَامَ النَّاس فَصَاحُوا " فَلَا يُعَارِض ذَلِكَ , لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا سَأَلُوهُ بَعْد أَنْ سَأَلَ , وَيَحْتَمِل أَنَّهُ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ لِمُوَافَقَةِ سُؤَال السَّائِل مَا كَانُوا يُرِيدُونَهُ مِنْ طَلَب دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة ثَابِت أَيْضًا عِنْد أَحْمَد " إِذْ قَالَ بَعْض أَهْل الْمَسْجِد " وَهِيَ تُرَجِّح الِاحْتِمَال الْأَوَّل.
‏ ‏قَوْله : ( مِنْ بَاب كَانَ وِجَاه الْمِنْبَر ) ) ‏ ‏بِكَسْرِ وَاو وِجَاه وَيَجُوز ضَمّهَا أَيْ مُوَاجِهَة , وَوَقَعَ فِي شَرْح اِبْن التِّين أَنَّ مَعْنَاهُ مُسْتَدْبِر الْقِبْلَة , وَهُوَ وَهْم , وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْبَاب الْمَذْكُور كَانَ مُقَابِل ظَهْر الْمِنْبَر , وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر " مِنْ بَاب كَانَ نَحْو دَار الْقَضَاء " وَفَسَّرَ بَعْضهمْ دَارَ الْقَضَاء بِأَنَّهَا دَار الْإِمَارَة , وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ دَار عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَسُمِّيَتْ دَار الْقَضَاء لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاء دَيْنه فَكَانَ يُقَال لَهَا دَار قَضَاء دَيْن عُمَر , ثُمَّ طَالَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهَا دَار الْقَضَاء ذَكَرَهُ الزُّبَيْر بْن بَكَّار بِسَنَدِهِ إِلَى اِبْن عُمَر , وَذَكَرَ عُمَر بْن شَبَّة فِي " أَخْبَار الْمَدِينَة " عَنْ أَبِي غَسَّان الْمَدَنِيّ : سَمِعْت اِبْن أَبِي فُدَيْك عَنْ عَمّه كَانَتْ دَار الْقَضَاء لِعُمَر , فَأَمَرَ عَبْد اللَّه وَحَفْصَة أَنْ يَبِيعَاهَا عِنْد وَفَاته فِي دَيْن كَانَ عَلَيْهِ , فَبَاعُوهَا مِنْ مُعَاوِيَة , وَكَانَتْ تُسَمَّى دَار الْقَضَاء.
قَالَ اِبْن أَبِي فُدَيْك سَمِعْت عَمِّي يَقُول : إِنْ كَانَتْ لَتُسَمَّى دَار قَضَاء الدَّيْن.
قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمِّي أَنَّ الْخَوْخَة الشَّارِعَة فِي دَار الْقَضَاء غَرْبِيّ الْمَسْجِد هِيَ خَوْخَة أَبُو بَكْر الصِّدِّيق الَّتِي قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِد خَوْخَة إِلَّا خَوْخَة أَبِي بَكْر " وَقَدْ صَارَتْ بَعْد ذَلِكَ إِلَى مَرْوَان وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة , فَلَعَلَّهَا شُبْهَة مَنْ قَالَ إِنَّهَا دَار الْإِمَارَة فَلَا يَكُون غَلَطًا كَمَا قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع وَغَيْره , وَجَاءَ فِي تَسْمِيَتهَا دَار الْقَضَاء قَوْل آخَر رَوَاهُ عُمَر بْن شَبَّة فِي " أَخْبَار الْمَدِينَة " عَنْ أَبِي غَسَّان الْمَدَنِيّ أَيْضًا عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عِمْرَان عَنْ رَاشِد بْن حَفْص عَنْ أُمّ الْحَكَم بِنْت عَبْد اللَّه عَنْ عَمَّتهَا سَهْلَة بِنْت عَاصِم قَالَتْ : كَانَتْ دَار الْقَضَاء لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْف وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ دَار الْقَضَاء لِأَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف اِعْتَزَلَ فِيهَا لَيَالِي الشُّورَى حَتَّى قُضِيَ الْأَمْر فِيهَا فَبَاعَهَا بَنُو عَبْد الرَّحْمَن مِنْ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان.
قَالَ عَبْد الْعَزِيز : فَكَانَتْ فِيهَا الدَّوَاوِين وَبَيْت الْمَال , ثُمَّ صَيَّرَهَا السَّفَّاح رَحْبَة لِلْمَسْجِدِ.
وَزَادَ أَحْمَد فِي رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس " إِنِّي لَقَائِم عِنْد الْمِنْبَر " فَأَفَادَ بِذَلِكَ قُوَّة ضَبْطه لِلْقِصَّةِ لِقُرْبِهِ , وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَدِيث بِهَذَا السِّيَاق كُلّه إِلَّا مِنْ رِوَايَته.
‏ ‏قَوْله : ( قَائِم يَخْطُب ) ‏ ‏زَادَ فِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب " بِالْمَدِينَةِ ".
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه ) ‏ ‏هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السَّائِل كَانَ مُسْلِمًا فَانْتَفَى أَنْ يَكُون أَبَا سُفْيَان فَإِنَّهُ حِين سُؤَاله لِذَلِكَ كَانَ لَمْ يُسْلِم كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله : ( هَلَكَتْ الْأَمْوَال ) ‏ ‏فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأَبِي ذَرّ جَمِيعًا عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ " الْمَوَاشِي " وَهُوَ الْمُرَاد بِالْأَمْوَالِ هُنَا لَا الصَّامِت , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْجُمُعَة بِلَفْظِ " هَلَكَ الْكُرَاع " وَهُوَ بِضَمِّ الْكَاف يُطْلَق عَلَى الْخَيْل وَغَيْرهَا , وَفِي رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد الْآتِيَة " هَلَكَتْ الْمَاشِيَة , هَلَكَ الْعِيَال , هَلَكَ النَّاس " وَهُوَ مِنْ ذِكْر الْعَامّ بَعْد الْخَاصّ , وَالْمُرَاد بِهَلَاكِهِمْ عَدَم وُجُود مَا يَعِيشُونَ بِهِ مِنْ الْأَقْوَات الْمَفْقُودَة بِحَبْسِ الْمَطَر.
‏ ‏قَوْله : ( وَانْقَطَعَتْ السُّبُل ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيِّ " وَتَقَطَّعَتْ " بِمُثَنَّاةٍ وَتَشْدِيد الطَّاء , وَالْمُرَاد بِذَلِكَ أَنَّ الْإِبِل ضَعُفَتْ - لِقِلَّةِ الْقُوت - عَنْ السَّفَر , أَوْ لِكَوْنِهَا لَا تَجِد فِي طَرِيقهَا مِنْ الْكَلَأ مَا يُقِيم أَوَدَهَا , وَقِيلَ الْمُرَاد نَفَاد مَا عِنْد النَّاس مِنْ الطَّعَام أَوْ قِلَّته فَلَا يَجِدُونَ مَا يَحْمِلُونَهُ يَجْلِبُونَهُ إِلَى الْأَسْوَاق.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة قَتَادَة الْآتِيَة عَنْ أَنَس " قَحَطَ الْمَطَر " أَيْ قَلَّ , وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَالطَّاء وَحُكِيَ بِضَمٍّ ثُمَّ كَسْر , وَزَادَ فِي رِوَايَة ثَابِت الْآتِيَة عَنْ أَنَس " وَاحْمَرَّتْ الشَّجَر " وَاحْمِرَارهَا كِنَايَة عَنْ يُبْس وَرَقهَا لِعَدَمِ شُرْبهَا الْمَاء , أَوْ لِانْتِثَارِهِ فَتَصِير الشَّجَر أَعْوَادًا بِغَيْرِ وَرَق.
وَوَقَعَ لِأَحْمَد فِي رِوَايَة قَتَادَة " وَأَمْحَلَتْ الْأَرْض " وَهَذِهِ الْأَلْفَاظ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الرَّجُل قَالَ كُلّهَا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون بَعْض الرُّوَاة رَوَى شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهَا مُتَقَارِبَة فَلَا تَكُون غَلَطًا كَمَا قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع وَغَيْره.
‏ ‏قَوْله : ( فَادْعُ اللَّه يُغِيثنَا ) ‏ ‏أَيْ فَهُوَ يُغِيثنَا , وَهَذِهِ رِوَايَة الْأَكْثَر , وَلِأَبِي ذَرّ " أَنْ يُغِيثنَا " وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْآتِيَة لِلْكُشْمِيهَنِيّ " يُغِثْنَا " بِالْجَزْمِ , وَيَجُوز الضَّمّ فِي يُغِيثنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْإِغَاثَة وَبِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْغَيْث , وَيُرَجِّح الْأَوَّل قَوْله فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر " فَقَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة قَتَادَة " فَادْعُ اللَّه أَنْ يَسْقِيَنَا " وَلَهُ فِي الْأَدَب " فَاسْتَسْقِ رَبّك " قَالَ قَاسِم بْن ثَابِت رَوَاهُ لَنَا مُوسَى بْن هَارُون " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " وَجَائِز أَنْ يَكُون مِنْ الْغَوْث أَوْ مِنْ الْغَيْث , وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب غِثْنَا لِأَنَّهُ مِنْ الْغَوْث , وَقَالَ اِبْن الْقَطَّاع : غَاثَ اللَّه عِبَاده غَيْثًا وَغِيَاثًا سَقَاهُمْ الْمَطَر , وَأَغَاثَهُمْ أَجَابَ دُعَاءَهُمْ , وَيُقَال غَاثَ وَأَغَاثَ بِمَعْنًى , وَالرُّبَاعِيّ أَعْلَى.
وَقَالَ اِبْن دُرَيْد : الْأَصْل غَاثَهُ اللَّه يَغُوثهُ غَوْثًا فَأُغِيثَ , وَاسْتُعْمِلَ أَغَاثَهُ , وَمَنْ فَتَحَ أَوَّله فَمِنْ الْغَيْث وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى أَغِثْنَا أَعْطِنَا غَوْثًا وَغَيْثًا.
‏ ‏قَوْله : ( فَرَفَعَ يَدَيْهِ ) ) ‏ ‏زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَة سَعِيد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد " وَرَفَعَ النَّاس أَيْدِيهمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ " وَزَادَ فِي رِوَايَة شَرِيك " حِذَاء وَجْهه " وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَة حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس " حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إِبْطَيْهِ " وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَة بِلَفْظِ " فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا " زَادَ فِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب " فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاء ".
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِسْقِنَا ) ‏ ‏أَعَادَهُ ثَلَاثًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة ثَابِت الْآتِيَة عَنْ أَنَس " اللَّهُمَّ اِسْقِنَا " مَرَّتَيْنِ , وَالْأَخْذ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى , وَيُرَجِّحهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ".
‏ ‏قَوْله : ( وَلَا وَاَللَّه ) ‏ ‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْوَاوِ , وَلِأَبِي ذَرّ بِالْفَاءِ , وَفِي رِوَايَة ثَابِت الْمَذْكُورَة " وَأَيْم اللَّه ".
‏ ‏قَوْله : ( مِنْ سَحَاب ) ‏ ‏أَيْ مُجْتَمِع ‏ ‏( وَلَا قَزَعَة ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْقَاف وَالزَّاي بَعْدهَا مُهْمَلَة أَيْ سَحَاب مُتَفَرِّق , قَالَ اِبْن سِيده.
الْقَزَع قِطَع مِنْ السَّحَاب رِقَاق , زَادَ أَبُو عُبَيْد : وَأَكْثَر مَا يَجِيء فِي الْخَرِيف.
‏ ‏قَوْله : ( وَلَا شَيْئًا ) ‏ ‏بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَوْضِع الْجَارّ وَالْمَجْرُور أَيْ مَا نَرَى شَيْئًا , وَالْمُرَاد نَفْي عَلَامَات الْمَطَر مِنْ رِيح وَغَيْره.
‏ ‏قَوْله : ( وَمَا بَيْننَا وَبَيْن سَلْع ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام جَبَل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ , وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ بِفَتْحِ اللَّام.
‏ ‏قَوْله : ( مِنْ بَيْت وَلَا دَار ) ‏ ‏أَيْ يَحْجُبنَا عَنْ رُؤْيَته , وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ السَّحَاب كَانَ مَفْقُودًا لَا مُسْتَتِرًا بِبَيْتٍ وَلَا غَيْره.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة ثَابِت فِي عَلَامَات النُّبُوَّة قَالَ " قَالَ أَنَس : وَإِنَّ السَّمَاء لَفِي مِثْل الزُّجَاجَة " أَيْ لِشِدَّةِ صَفَائِهَا , وَذَلِكَ مُشْعِر بِعَدَمِ السَّحَاب أَيْضًا.
‏ ‏قَوْله : ( فَطَلَعَتْ ) ‏ ‏أَيْ ظَهَرَتْ ) ‏ ‏( مِنْ وَرَائِهِ ) ‏ ‏أَيْ سَلْعٍ , وَكَأَنَّهَا نَشَأَتْ مِنْ جِهَة الْبَحْر لِأَنَّ وَضْع سَلْعٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
‏ ‏قَوْله : ( مِثْل التُّرْس ) ‏ ‏أَيْ مُسْتَدِيرَة , وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا مِثْله فِي الْقَدْر لِأَنَّ فِي رِوَايَة حَفْص بْن عُبَيْد اللَّه عِنْد أَبِي عَوَانَة " فَنَشَأَتْ سَحَابَة مِثْل رِجْل الطَّائِر وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهَا " فَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَة , وَفِي رِوَايَة ثَابِت الْمَذْكُورَة " فَهَاجَتْ رِيح أَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ اِجْتَمَعَ " وَفِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب " فَنَشَأَ السَّحَاب بَعْضه إِلَى بَعْض " وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة " حَتَّى ثَارَ السَّحَاب أَمْثَال الْجِبَال " أَيْ لِكَثْرَتِهِ , وَفِيهِ " ثُمَّ لَمْ يَنْزِل عَنْ مِنْبَره حَتَّى رَأَيْنَا الْمَطَر يَتَحَادَر عَلَى لِحْيَته " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السَّقْف وُكِفَ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ جَرِيد النَّخْل.
‏ ‏قَوْله : ( فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاء اِنْتَشَرَتْ ) ‏ ‏هَذَا يُشْعِر بِأَنَّهَا اِسْتَمَرَّتْ مُسْتَدِيرَة حَتَّى اِنْتَهَتْ إِلَى الْأُفُق فَانْبَسَطَتْ حِينَئِذٍ , وَكَأَنَّ فَائِدَته تَعْمِيم الْأَرْض بِالْمَطَرِ.
‏ ‏قَوْله : ( مَا رَأَيْنَا الشَّمْس سَبْتًا ) ‏ ‏كِنَايَة عَنْ اِسْتِمْرَار الْغَيْم الْمَاطِر , وَهَذَا فِي الْغَالِب , وَإِلَّا فَقَدْ يَسْتَمِرّ الْمَطَر وَالشَّمْس بَادِيَة , وَقَدْ تُحْجَب الشَّمْس بِغَيْرِ مَطَر.
وَأَصْرَح مِنْ ذَلِكَ رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة بِلَفْظِ " فَمُطِرْنَا يَوْمنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَد وَمِنْ بَعْد الْغَد وَاَلَّذِي يَلِيه حَتَّى الْجُمُعَة الْأُخْرَى ".
وَأَمَّا قَوْله " سَبْتًا " فَوَقَعَ لِلْأَكْثَرِ بِلَفْظِ السَّبْت - يَعْنِي أَحَد الْأَيَّام - وَالْمُرَاد بِهِ الْأُسْبُوع , وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَة الشَّيْء بِاسْمِ بَعْضه كَمَا يُقَال جُمْعَة قَالَهُ صَاحِب النِّهَايَة.
قَالَ : وَيُقَال أَرَادَ قِطْعَة مِنْ الزَّمَان.
وَقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : قَوْله " سَبْتًا " أَيْ مِنْ السَّبْت إِلَى السَّبْت , أَيْ جُمْعَة.
وَقَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ مِثْله وَزَادَ أَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا لِأَنَّ السَّبْت لَمْ يَكُنْ مَبْدَأ وَلَا الثَّانِي مُنْتَهَى , وَإِنَّمَا عَبَّرَ أَنَس بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَنْصَار وَكَانُوا قَدْ جَاوَرُوا الْيَهُود فَأَخَذُوا بِكَثِيرٍ مِنْ اِصْطِلَاحهمْ , وَإِنَّمَا سَمَّوْا الْأُسْبُوع سَبْتًا لِأَنَّهُ أَعْظَم الْأَيَّام عِنْد الْيَهُود , كَمَا أَنَّ الْجُمُعَة عِنْد الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ.
وَحَكَى النَّوَوِيّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ كَثَابِتٍ فِي الدَّلَائِل أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ سَبْتًا قِطْعَة مِنْ الزَّمَان , وَلَفْظ ثَابِت : النَّاس يَقُولُونَ مَعْنَاهُ مِنْ سَبْت إِلَى سَبْت وَإِنَّمَا السَّبْت قِطْعَة مِنْ الزَّمَان.
وَأَنَّ الدَّاوُدِيّ رَوَاهُ بِلَفْظِ " سِتًّا " وَهُوَ تَصْحِيف.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الدَّاوُدِيّ لَمْ يَنْفَرِد بِذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي هُنَا سِتًّا , وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ شَرِيك , وَوَافَقَهُ أَحْمَد مِنْ رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس , وَكَأَنَّ مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ تَصْحِيف اِسْتَبْعَدَ اِجْتِمَاع قَوْله سِتًّا مَعَ قَوْله فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْآتِيَة سَبْعًا , وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ لِأَنَّ مَنْ قَالَ سِتًّا أَرَادَ سِتَّة أَيَّام تَامَّة , وَمَنْ قَالَ سَبْعًا أَضَافَ أَيْضًا يَوْمًا مُلَفَّقًا مِنْ الْجُمُعَتَيْنِ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة مَالِك عَنْ شَرِيك " فَمُطِرْنَا مِنْ جُمُعَة إِلَى جُمُعَة " وَفِي رِوَايَة لِلنَّسَفِيّ " فَدَامَتْ جُمْعَة " وَفِي رِوَايَة عَبْدُوسٍ وَالْقَابِسِيّ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاض " سَبَّتْنَا " كَمَا يُقَال جَمَّعَتْنَا , وَوَهَمَ مَنْ عَزَا هَذِهِ الرِّوَايَة لِأَبِي ذَرّ , وَفِي رِوَايَة قَتَادَة الْآتِيَة " فَمُطِرْنَا فَمَا كِدْنَا نَصِل إِلَى مَنَازِلنَا " أَيْ مِنْ كَثْرَة الْمَطَر , وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْجُمُعَة مِنْ وَجْه آخَر بِلَفْظِ " فَخَرَجْنَا نَخُوض الْمَاء حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلنَا " وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَة ثَابِت " فَأُمْطِرْنَا حَتَّى رَأَيْت الرَّجُل تُهِمّهُ نَفْسه أَنْ يَأْتِي أَهْله " وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَة حُمَيْدٍ " حَتَّى أَهَمَّ الشَّابّ الْقَرِيب الدَّار الرُّجُوع إِلَى أَهْله " وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَب مِنْ طَرِيق قَتَادَة " حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِب الْمَدِينَة " وَمَثَاعِب جَمْع مَثْعَب بِالْمُثَلَّثَةِ وَآخِره مُوَحَّدَة مَسِيل الْمَاء.
‏ ‏قَوْله : ( ثُمَّ دَخَلَ رَجُل مِنْ ذَلِكَ الْبَاب فِي الْجُمْلَة الْمُقْبِلَة ) ‏ ‏ظَاهِره أَنَّهُ غَيْر الْأَوَّل , لِأَنَّ النَّكِرَة إِذَا تَكَرَّرَتْ دَلَّتْ عَلَى التَّعَدُّد , وَقَدْ قَالَ شَرِيك فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث هُنَا " سَأَلْت أَنَسًا : أَهُوَ الرَّجُل الْأَوَّل ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَجْزِم بِالتَّغَايُرِ , فَالظَّاهِر أَنَّ الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة مَحْمُولَة عَلَى الْغَالِب لِأَنَّ أَنَسًا مِنْ أَهْل اللِّسَان وَقَدْ تَعَدَّدَتْ.
وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة إِسْحَاق عَنْ أَنَس " فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُل أَوْ غَيْره " وَكَذَا لِقَتَادَة فِي الْأَدَب , وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَة مِنْ وَجْه آخَر كَذَلِكَ , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَشُكّ فِيهِ , وَسَيَأْتِي مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد فَأَتَى الرَّجُل فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ".
وَمِثْله لِأَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق حَفْص عَنْ أَنَس بِلَفْظِ " فَمَا زِلْنَا نُمْطِر حَتَّى جَاءَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيّ فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى " وَأَصْله فِي مُسْلِم , وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَزْم بِكَوْنِهِ وَاحِدًا , فَلَعَلَّ أَنَسًا تَذَكَّرَهُ بَعْد أَنْ نَسِيَهُ , أَوْ نَسِيَهُ بَعْد أَنْ كَانَ تَذَكَّرَهُ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ فِي " الدَّلَائِل " مِنْ طَرِيق يَزِيد أَنَّ عُبَيْدًا السُّلَمِيّ قَالَ " لَمَّا قَفَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَتَاهُ وَفْد بَنِي فَزَارَة وَفِيهِ خَارِجَة بْن حِصْن أَخُو عُيَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى إِبِل عِجَاف فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه اُدْعُ لَنَا رَبّك أَنْ يُغِيثَنَا " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ " فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِسْقِ بَلَدك وَبَهِيمك , وَانْشُرْ بَرَكَتك.
اللَّهُمَّ اِسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مُرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْر آجِل نَافِعًا غَيْر ضَارٍ , اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَة لَا سُقْيَا عَذَاب , اللَّهُمَّ اِسْقِنَا الْغَيْث وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاء " وَفِيهِ " قَالَ فَلَا وَاَللَّه مَا نَرَى فِي السَّمَاء مِنْ قَزَعَة وَلَا سَحَاب , وَمَا بَيْن الْمَسْجِد وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاء " فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث أَنَس بِتَمَامِهِ وَفِيهِ " قَالَ الرَّجُل - يَعْنِي الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَسْتَسْقِي لَهُمْ - هَلَكَتْ الْأَمْوَال " الْحَدِيث كَذَا فِي الْأَصْل , وَالظَّاهِر أَنَّ السَّائِل هُوَ خَارِجَة الْمَذْكُور لِكَوْنِهِ كَانَ كَبِير الْوَفْد وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مِنْ بَيْنهمْ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة صِفَة الدُّعَاء الْمَذْكُور , وَالْوَقْت الَّذِي وَقَعَ فِيهِ.
‏ ‏قَوْله : ( هَلَكَتْ الْأَمْوَال وَانْقَطَعَتْ السُّبُل ) ‏ ‏أَيْ بِسَبَبِ غَيْر السَّبَب الْأَوَّل , وَالْمُرَاد أَنَّ كَثْرَة الْمَاء اِنْقَطَعَ الْمَرْعَى بِسَبَبِهَا فَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي مِنْ عَدَم الرَّعْي , أَوْ لِعَدَمِ مَا يُكِنُّهَا مِنْ الْمَطَر , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله فِي رِوَايَة سَعِيد عَنْ شَرِيك عِنْد النَّسَائِيِّ " مِنْ كَثْرَة الْمَاء " وَأَمَّا اِنْقِطَاع السُّبُل فَلِتَعَذُّرِ سُلُوك الطُّرُق مِنْ كَثْرَة الْمَاء.
وَفِي رِوَايَة حُمَيْدٍ عِنْد اِبْن خُزَيْمَةَ " وَاحْتَبَسَ الرَّكْبَانِ " وَفِي رِوَايَة مَالِك عَنْ شَرِيك " تَهَدَّمَتْ الْبُيُوت " وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة " هُدِمَ الْبِنَاء وَغَرِقَ الْمَال ".
‏ ‏قَوْله : ( فَادْعُ اللَّه يُمْسِكهَا ) ‏ ‏يَجُوز فِي يُمْسِكهَا الضَّمّ وَالسُّكُون , ولِلكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا " أَنْ يُمْسِكهَا " وَالضَّمِير يَعُود عَلَى الْأَمْطَار أَوْ عَلَى السَّحَاب أَوْ عَلَى السَّمَاء , وَالْعَرَب تُطْلِق عَلَى الْمَطَر سَمَاء , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد عَنْ شَرِيك " أَنْ يُمْسِك عَنَّا الْمَاء " وَفِي رِوَايَة أَحْمَد مِنْ طَرِيق ثَابِت " أَنْ يَرْفَعهَا عَنَّا " وَفِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب " فَادْعُ رَبّك أَنْ يَحْبِسهَا عَنَّا.
فَضَحِكَ " وَفِي رِوَايَة ثَابِت " فَتَبَسَّمَ " زَادَ فِي رِوَايَة حُمَيْدٍ " لِسُرْعَةِ مَلَال اِبْن آدَم ".
‏ ‏قَوْله : ( فَرَفَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ) ) ‏ ‏تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله : ( اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ) ‏ ‏بِفَتْحِ اللَّام وَفِيهِ حَذْف تَقْدِيره اِجْعَلْ أَوْ أَمْطِرْ , وَالْمُرَاد بِهِ صَرْف الْمَطَر عَنْ الْأَبْنِيَة وَالدُّور.
‏ ‏قَوْله : ( وَلَا عَلَيْنَا ) ‏ ‏فِيهِ بَيَان لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ " حَوَالَيْنَا " لِأَنَّهَا تَشْمَل الطُّرُق الَّتِي حَوْلهمْ فَأَرَادَ إِخْرَاجهَا بِقَوْلِهِ " وَلَا عَلَيْنَا ".
قَالَ الطِّيبِيُّ : فِي إِدْخَال الْوَاو هُنَا مَعْنًى لَطِيف , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَكَانَ مُسْتَسْقِيًا لِلْآكَامِ وَمَا مَعَهَا فَقَطْ , وَدُخُول الْوَاو يَقْتَضِي أَنَّ طَلَب الْمَطَر عَلَى الْمَذْكُورَات لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِيَكُونَ وِقَايَة مِنْ أَذَى الْمَطَر , فَلَيْسَتْ الْوَاو مُخَلَّصَة لِلْعَطْفِ وَلَكِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ , وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ تَجُوع الْحُرَّة وَلَا تَأْكُل بِثَدْيَيْهَا , فَإِنَّ الْجُوع لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِكَوْنِهِ مَانِعًا عَنْ الرَّضَاع بِأُجْرَةٍ إِذْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أَنَفًا ا ه.
‏ ‏قَوْله : ( اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَام ) ‏ ‏فِيهِ بَيَان الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " حَوَالَيْنَا " وَالْإِكَام بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَقَدْ تُفْتَح وَتُمَدّ : جَمْع أَكَمَة بِفَتَحَاتٍ , قَالَ اِبْن الْبَرْقِيّ : هُوَ التُّرَاب الْمُجْتَمِع , وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : هِيَ أَكْبَر مِنْ الْكُدْيَة.
وَقَالَ الْقَزَّاز : هِيَ الَّتِي مِنْ حَجَر وَاحِد وَهُوَ قَوْل الْخَلِيل.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : هِيَ الْهَضْبَة الضَّخْمَة , وَقِيلَ الْجَبَل الصَّغِير , وَقِيلَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض , وَقَالَ الثَّعَالِبِيّ : الْأَكَمَة أَعْلَى مِنْ الرَّابِيَة وَقِيلَ دُونهَا.
‏ ‏قَوْله : ( وَالظِّرَاب ) ‏ ‏بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَآخِره مُوَحَّدَة جَمْع ظَرِب بِكَسْرِ الرَّاء وَقَدْ تُسْكَن.
وَقَالَ الْقَزَّاز : هُوَ الْجَبَل الْمُنْبَسِط لَيْسَ بِالْعَالِي , وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الرَّابِيَة الصَّغِيرَة.
‏ ‏قَوْله : ( وَالْأَوْدِيَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مَالِك " بُطُون الْأَوْدِيَة " وَالْمُرَاد بِهَا مَا يَتَحَصَّل فِيهِ الْمَاء لِيُنْتَفَع بِهِ , قَالُوا : وَلَمْ تُسْمَع أَفْعِلَة جَمْع فَاعِل إِلَّا الْأَوْدِيَة جَمْع وَادٍ وَفِيهِ نَظَر , وَزَادَ مَالِك فِي رِوَايَته وَرُءُوس الْجِبَال.
‏ ‏قَوْله : ( فَانْقَطَعَتْ ) ‏ ‏أَيْ السَّمَاء أَوْ السَّحَابَة الْمَاطِرَة , وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَمْسَكَتْ عَنْ الْمَطَر عَلَى الْمَدِينَة , وَفِي رِوَايَة مَالِك " فَانْجَابَتْ عَنْ الْمَدِينَة اِنْجِيَاب الثَّوْب " أَيْ خَرَجَتْ عَنْهَا كَمَا يَخْرُج الثَّوْب عَنْ لَابِسه , وَفِي رِوَايَة سَعِيد عَنْ شَرِيك " فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَكَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَمَزَّقَ السَّحَاب حَتَّى مَا نَرَى مِنْهُ شَيْئًا " وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَا نَرَى مِنْهُ شَيْئًا " أَيْ فِي الْمَدِينَة , وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَة حَفْص " فَلَقَدْ رَأَيْت السَّحَاب يَتَمَزَّق كَأَنَّهُ الْمُلَاء حِين تُطْوَى " وَالْمُلَاء بِضَمِّ الْمِيم وَالْقَصْر وَقَدْ يُمَدّ جَمْع مُلَاءَة وَهُوَ ثَوْب مَعْرُوف , وَفِي رِوَايَة قَتَادَة عِنْد الْمُصَنِّف " فَلَقَدْ رَأَيْت السَّحَاب يَنْقَطِع يَمِينًا وَشِمَالًا يُمْطِرُونَ - أَيْ أَهْل النَّوَاحِي - وَلَا يُمْطِر أَهْل الْمَدِينَة " وَلَهُ فِي الْأَدَب " فَجَعَلَ السَّحَاب يَتَصَدَّع عَنْ الْمَدِينَة - وَزَادَ فِيهِ - يُرِيهِمْ اللَّه كَرَامَة نَبِيّه وَإِجَابَة دَعَوْته " وَلَهُ فِي رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس " فَتَكَشَّطَتْ - أَيْ تَكَشَّفَتْ - فَجَعَلَتْ تُمْطِر حَوْل الْمَدِينَة وَلَا تُمْطِر بِالْمَدِينَةِ قَطْرَة , فَنَظَرْت إِلَى الْمَدِينَة وَإِنَّهَا لَمِثْل الْإِكْلِيل " وَلِأَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَتَقَوَّرَ مَا فَوْق رُءُوسنَا مِنْ السَّحَاب حَتَّى كَأَنَّا فِي إِكْلِيل " وَالْإِكْلِيل بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْكَاف كُلّ شَيْء دَارَ مِنْ جَوَانِبه , وَاشْتُهِرَ لِمَا يُوضَع عَلَى الرَّأْس فَيُحِيط بِهِ , وَهُوَ مِنْ مَلَابِس الْمُلُوك كَالتَّاجِ , وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق عَنْ أَنَس " فَمَا يُشِير بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَة مِنْ السَّحَاب إِلَّا تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتْ الْمَدِينَة فِي مِثْل الْجَوْبَة " وَالْجَوْبَة بِفَتْحِ الْجِيم ثُمَّ الْمُوَحَّدَة وَهِيَ الْحُفْرَة الْمُسْتَدِيرَة الْوَاسِعَة , وَالْمُرَاد بِهَا هُنَا الْفُرْجَة فِي السَّحَاب.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِالْجَوْبَةِ هُنَا التُّرْس , وَضَبَطَهَا الزَّيْن بْن الْمُنِير تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِنُونٍ بَدَل الْمُوَحَّدَة , ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالشَّمْسِ إِذْ ظَهَرَتْ فِي خِلَال السَّحَاب.
لَكِنْ جَزَمَ عِيَاض بِأَنَّ مَنْ قَالَهُ بِالنُّونِ فَقَدْ صَحَّفَ.
وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق مِنْ الزِّيَادَة أَيْضًا " وَسَالَ الْوَادِي - وَادِي قَنَاة - شَهْرًا , وَقَنَاة بِفَتْحِ الْقَاف وَالنُّون الْخَفِيفَة عَلَم عَلَى أَرْض ذَات مَزَارِع بِنَاحِيَةِ أُحُد , وَوَادِيهَا أَحَد أَوْدِيَة الْمَدِينَة الْمَشْهُورَة قَالَهُ الْحَازِمِيّ.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمَخْزُومِيّ فِي " أَخْبَار الْمَدِينَة " بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ أَوَّل مَنْ سَمَّاهُ وَادِي قَنَاة تُبَّع الْيَمَانِيّ لَمَّا قَدِمَ يَثْرِب قَبْل الْإِسْلَام.
وَفِي رِوَايَة لَهُ أَنَّ تُبَّعًا بَعَثَ رَائِدًا يَنْظُر إِلَى مَزَارِع الْمَدِينَة فَقَالَ : نَظَرْت فَإِذَا قَنَاة حَبّ وَلَا تِبْن , وَالْجُرُف حَبّ وَتِبْن , وَالْحِرَار - يَعْنِي جَمْع حِرَّة بِمُهْمَلَتَيْنِ - لَا حَبّ وَلَا تِبْن ا ه.
وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَة مِنْ هَذَا الْوَجْه " وَسَالَ الْوَادِي قَنَاة " وَأُعْرِبَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبَدَل عَلَى أَنَّ قَنَاة اِسْم الْوَادِي وَلَعَلَّهُ مِنْ تَسْمِيَة الشَّيْء بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ.
وَقَرَأْت بِخَطِّ الرَّضِيّ الشَّاطِبِيّ قَالَ : الْفُقَهَاء تَقُولهُ بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِين يَتَوَهَّمُونَهُ قَنَاة مِنْ الْقَنَوَات , وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا ه.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَدْ جَزَمَ بِهِ بَعْض الشُّرَّاح وَقَالَ : هُوَ عَلَى التَّشْبِيه.
أَيْ سَالَ مِثْل الْقَنَاة.
وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة " إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ " هُوَ بِفَتْحِ الْجِيم الْمَطَر الْغَزِير , وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمَطَر اِسْتَمَرَّ فِيمَا سِوَى الْمَدِينَة , فَقَدْ يُشْكِل بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِم أَنَّ قَوْل السَّائِل " هَلَكَتْ الْأَمْوَال وَانْقَطَعَتْ السُّبُل " لَمْ يَرْتَفِع الْإِهْلَاك وَلَا الْقَطْع وَهُوَ خِلَاف مَطْلُوبه , وَيُمْكِن الْجَوَاب بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الْمَطَر اِسْتَمَرَّ حَوْل الْمَدِينَة مِنْ الْإِكَام وَالظِّرَاب وَبُطُون الْأَوْدِيَة لَا فِي الطُّرُق الْمَسْلُوكَة , وَوُقُوع الْمَطَر فِي بُقْعَة دُون بُقْعَة كَثِير وَلَوْ كَانَتْ تُجَاوِرهَا , وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُوجَد لِلْمَاشِيَةِ أَمَاكِن تُكِنّهَا وَتَرْعَى فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَضُرّهَا الْمَطَر فَيَزُول الْإِشْكَال.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ جَوَاز مُكَالَمَة الْإِمَام فِي الْخُطْبَة لِلْحَاجَةِ , وَفِيهِ الْقِيَام فِي الْخُطْبَة وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِع بِالْكَلَامِ وَلَا تَنْقَطِع بِالْمَطَرِ , وَفِيهِ قِيَام الْوَاحِد بِأَمْرِ الْجَمَاعَة , وَإِنَّمَا لَمْ يُبَاشِر ذَلِكَ بَعْض أَكَابِر الصَّحَابَة لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْلُكُونَ الْأَدَب بِالتَّسْلِيمِ وَتَرْك الِابْتِدَاء بِالسُّؤَالِ , وَمِنْهُ قَوْل أَنَس , " كَانَ يُعْجِبنَا أَنْ يَجِيء الرَّجُل مِنْ الْبَادِيَة فَيَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَسُؤَال الدُّعَاء مِنْ أَهْل الْخَيْر وَمَنْ يُرْجَى مِنْهُ الْقَبُول وَإِجَابَتهمْ لِذَلِكَ , وَمِنْ أَدَبه بَثّ الْحَال لَهُمْ قَبْل الطَّلَب لِتَحْصِيلِ الرِّقَّة الْمُقْتَضِيَة لِصِحَّةِ التَّوَجُّه فَتُرْجَى الْإِجَابَة عِنْده , وَفِيهِ تَكْرَار الدُّعَاء ثَلَاثًا , وَإِدْخَال دُعَاء الِاسْتِسْقَاء فِي خُطْبَة الْجُمُعَة وَالدُّعَاء بِهِ عَلَى الْمِنْبَر وَلَا تَحْوِيل فِيهِ وَلَا اِسْتِقْبَال , وَالِاجْتِزَاء بِصَلَاةِ الْجُمُعَة عَنْ صَلَاة الِاسْتِسْقَاء , وَلَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ نَوَاهَا مَعَ الْجُمُعَة , وَفِيهِ عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة فِي إِجَابَة اللَّه دُعَاء نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَقِبه أَوْ مَعَهُ اِبْتِدَاء فِي الِاسْتِسْقَاء وَانْتِهَاء فِي الِاسْتِصْحَاء وَامْتِثَال السَّحَاب أَمْره بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَة , وَفِيهِ الْأَدَب فِي الدُّعَاء حَيْثُ لَمْ يَدْعُ بِرَفْعِ الْمَطَر مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ الِاحْتِيَاج إِلَى اِسْتِمْرَاره فَاحْتَرَزَ فِيهِ بِمَا يَقْتَضِي رَفْع الضَّرَر وَبَقَاء النَّفْع , وَيُسْتَنْبَط مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَسَخَّطهَا لِعَارِضٍ يَعْرِض فِيهَا , بَلْ يَسْأَل اللَّه رَفْع ذَلِكَ الْعَارِض وَإِبْقَاء النِّعْمَة.
وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء بِرَفْعِ الضَّرَر لَا يُنَافِي التَّوَكُّل وَإِنْ كَانَ مَقَام الْأَفْضَل التَّفْوِيض لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَالِمًا بِمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ الْجَدْب , وَأَخَّرَ السُّؤَال فِي ذَلِكَ تَفْوِيضًا لِرَبِّهِ , ثُمَّ أَجَابَهُمْ إِلَى الدُّعَاء لَمَّا سَأَلُوهُ فِي ذَلِكَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَتَقْرِير السُّنَّة فِي هَذِهِ الْعِبَادَة الْخَاصَّة , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن أَبِي جَمْرَة نَفَعَ اللَّه بِهِ.
وَفِيهِ جَوَاز تَبَسُّم الْخَطِيب عَلَى الْمِنْبَر تَعَجُّبًا مِنْ أَحْوَال النَّاس , وَجَوَاز الصِّيَاح فِي الْمَسْجِد بِسَبَبِ الْحَاجَة الْمُقْتَضِيَة لِذَلِكَ.
وَفِيهِ الْيَمِين لِتَأْكِيدِ الْكَلَام , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ جَرَى عَلَى لِسَان أَنَس بِغَيْرِ قَصْد الْيَمِين , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الِاسْتِسْقَاء بِغَيْرِ صَلَاة مَخْصُوصَة , وَعَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاء لَا تُشْرَع فِيهِ صَلَاة , فَأَمَّا الْأَوَّل فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيّ وَكَرِهَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَة كَمَا تَقَدَّمَ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة مُجَرَّد دُعَاء لَا يُنَافِي مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة لَهَا , وَقَدْ بُيِّنَتْ فِي وَاقِعَة أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الِاكْتِفَاء بِدُعَاءِ الْإِمَام فِي الِاسْتِسْقَاء قَالَهُ اِبْن بَطَّال , وَتُعُقِّبَ بِمَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد " وَرَفَعَ النَّاس أَيْدِيهمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ " وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّف فِي الدَّعَوَات عَلَى رَفْع الْيَدَيْنِ فِي كُلّ دُعَاء.
وَفِي الْبَاب عِدَّة أَحَادِيث جَمَعَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي جُزْء مُفْرَد وَأَوْرَدَ مِنْهَا النَّوَوِيّ فِي صِفَة الصَّلَاة فِي شَرْح الْمُهَذَّب قَدْر ثَلَاثِينَ حَدِيثًا , وَسَنَذْكُرُ وَجْه الْجَمْع بَيْنهَا وَبَيْن قَوْل أَنَس " كَانَ لَا يَرْفَع يَدَيْهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاء " بَعْد أَرْبَعَة عَشْر بَابًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ جَوَاز الدُّعَاء بِالِاسْتِصْحَاء لِلْحَاجَةِ , وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيّ بَعْد ذَلِكَ.


حديث اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدٌ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنَا ‏ ‏أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏ ‏يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا قَالَ ‏ ‏أَنَسُ ‏ ‏وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا ‏ ‏قَزَعَةً ‏ ‏وَلَا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ ‏ ‏سَلْعٍ ‏ ‏مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ ‏ ‏التُّرْسِ ‏ ‏فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ قَالَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ‏ ‏اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى ‏ ‏الْآكَامِ ‏ ‏وَالْجِبَالِ ‏ ‏وَالْآجَامِ ‏ ‏وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏شَرِيكٌ ‏ ‏فَسَأَلْتُ ‏ ‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏ ‏أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ قَالَ لَا أَدْرِي ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا

عن أنس بن مالك: أن رجلا، دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم...

لقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا يمطرون ولا يمطر...

عن أنس بن مالك، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا فمطرنا،...

قال تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فادع ا...

عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت المواشي، وتقطعت السبل، فدعا، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، ثم جاء، فقال: تهدمت الب...

جاء فقال تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي ف...

عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله فدعا رسول الله صلى الله عليه...

فدعا الله يستسقي

عن أنس بن مالك: أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هلاك المال وجهد العيال «فدعا الله يستسقي» ولم يذكر أنه حول رداءه ولا استقبل القبلة

اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت...

عن أنس بن مالك، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وتقطعت السبل، فادع الله، فدعا الله، فمطرنا من الج...

يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون

عن مسروق، قال: أتيت ابن مسعود، فقال: إن قريشا أبطئوا عن الإسلام، «فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظ...

يا رسول الله قحط المطر واحمرت الشجر وهلكت البهائم...

عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة، فقام الناس، فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله، قحط المطر، واحمرت الشجر، وهلكت البهائم، فاد...

استسقى فقام بهم على رجليه على غير منبر فاستغفر

عن أبي إسحاق، خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري وخرج معه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم رضي الله عنهم «فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر ، ث...