1129- عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
وَقَوْله : ( صَلَّى ذَات لَيْلَة فِي الْمَسْجِد ) تَقَدَّمَ قَبِيل صِفَة الصَّلَاة مِنْ رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة " أَنَّهُ صَلَّى فِي حُجْرَته " وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَا بَيْته وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْحَصِير الَّتِي كَانَ يَحْتَجِرهَا بِاللَّيْلِ فِي الْمَسْجِد فَيَجْعَلهَا عَلَى بَابِ بَيْت عَائِشَة فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَجْلِس عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ , وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مِنْ طَرِيق سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة , وَهُوَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي كِتَاب اللِّبَاس وَلَفْظه " كَانَ يَحْتَجِر حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَبْسُطهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِس عَلَيْهِ " وَلِأَحْمَد مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة " فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْصِب لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْت.
فَخَرَجَ " فَذَكَرَ الْحَدِيث.
قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى يَحْتَجِر يُحَوِّط مَوْضِعًا مِنْ الْمَسْجِد بِحَصِيرٍ يَسْتُرهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَمُرّ بَيْن يَدَيْهِ مَارّ لِيَتَوَفَّر خُشُوعه وَيَتَفَرَّغ قَلْبه.
وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ لَفْظ الْحَدِيث لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اِحْتِجَاره كَانَ فِي الْمَسْجِد قَالَ : وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ الَّذِي أُمِرَ النَّاس بِهِ حَيْثُ قَالَ " فَصَلُّوا فِي بُيُوتكُمْ فَإِنَّ أَفْضَل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيْته إِلَّا الْمَكْتُوبَة " ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِد فَهُوَ إِذَا اِحْتَجَرَ صَارَ كَأَنَّهُ بَيَّتَ بِخُصُوصِيَّتِهِ , أَوْ أَنَّ السَّبَب فِي كَوْن صَلَاة التَّطَوُّع فِي الْبَيْت أَفْضَل عَدَم شَوْبَة بِالرِّيَاءِ غَالِبًا , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّه عَنْ الرِّيَاء فِي بَيْته وَفِي غَيْر بَيْته.
قَوْله : ( ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَة ) أَيْ مِنْ اللَّيْلَة الْمُقْبِلَة , وَهُوَ لَفْظ مَعْمَر عَنْ اِبْنِ شِهَاب عِنْد أَحْمَد , وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ " ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِل " أَيْ الْوَقْت.
قَوْله : ( ثُمَّ اِجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة ) كَذَا رَوَاهُ مَالِك بِالشَّكِّ , وَفِي رِوَايَة عُقَيْل عَنْ اِبْنِ شِهَاب كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَة " فَصَلَّى رِجَال بِصَلَاتِهِ , فَأَصْبَحَ النَّاس فَتَحَدَّثُوا " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة يُونُس عَنْ اِبْنِ شِهَاب " يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ " وَنَحْوه فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة الْمَاضِيَة قَبْل الصَّلَاة , وَلِأَحْمَد مِنْ رِوَايَة اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ اِبْنِ شِهَاب " فَلَمَّا أَصْبَحَ تُحَدَّثُوا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِد مِنْ جَوْف اللَّيْل , فَاجْتَمَعَ أَكْثَر مِنْهُمْ " زَادَ يُونُس " فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَصَلَّوْا مَعَهُ , فَأَصْبَحَ النَّاس يَذْكُرُونَ ذَلِكَ , فَكَثُرَ أَهْل الْمَسْجِد مِنْ اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ , فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَة الرَّابِعَة عَجَزَ الْمَسْجِد عَنْ أَهْله " وَلِابْنِ جُرَيْجٍ " حَتَّى كَانَ الْمَسْجِد يَعْجِز عَنْ أَهْله " وَلِأَحْمَد مِنْ رِوَايَة مَعْمَر عَنْ اِبْنِ شِهَاب " اِمْتَلَأَ الْمَسْجِد حَتَّى اِغْتَصَّ بِأَهْلِهِ " وَلَهُ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْهُ " فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَة الرَّابِعَة غَصَّ الْمَسْجِد بِأَهْلِهِ ".
قَوْله : ( فَلَمْ يَخْرُج ) زَادَ أَحْمَدْ فِي رِوَايَة اِبْنِ جُرَيْجٍ " حَتَّى سَمِعْت نَاسًا مِنْهُمْ يَقُولُونَ : الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بْن حُسَيْن " فَقَالُوا مَا شَأْنه " وَفِي حَدِيث زَيْد بْن ثَابِت كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام " فَفَقَدُوا صَوْته وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ , فَجَعَلَ بَعْضهمْ يَتَنَحْنَح لِيَخْرُج إِلَيْهِمْ " وَفِي حَدِيثه فِي الْأَدَب " فَرَفَعُوا أَصْوَاتهمْ وَحَصَبُوا الْبَاب ".
قَوْله : ( فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : قَدْ رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُمْ ) فِي رِوَايَة عُقَيْل " فَلَمَّا قَضَى صَلَاة الْفَجْر أَقْبَلَ عَلَى النَّاس فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانكُمْ " وَفِي رِوَايَة يُونُس وَابْنِ جُرَيْجٍ " لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنكُمْ " وَزَادَ فِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " اِكْلَفُوا مِنْ الْعَمَل مَا تُطِيقُونَ " وَفِي رِوَايَة مَعْمَر أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْد أَنْ أَصْبَحَ عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ طُرُقه بَيَان عَدَد صَلَاته فِي تِلْكَ اللَّيَالِي , لَكِنْ رَوَى اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّان مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان ثَمَان رَكَعَات ثُمَّ أَوْتَرَ , فَلَمَّا كَانَتْ الْقَابِلَة اِجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِد وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُج إِلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا , ثُمَّ دَخَلْنَا فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه " الْحَدِيث , فَإِنْ كَانَتْ الْقِصَّة وَاحِدَة اِحْتُمِلَ أَنْ يَكُونُ جَابِر مِمَّنْ جَاءَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَلِذَلِكَ اِقْتَصَرَ عَلَى وَصْف لَيْلَتَيْنِ , وَكَذَا مَا وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَنَس " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي رَمَضَان , فَجِئْت فَقُمْت إِلَى جَنْبه.
فَجَاءَ رَجُل فَقَامَ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا , فَلَمَّا أَحَسَّ بِنَا تَجَوَّزَ ثُمَّ دَخَلَ رَحْله " الْحَدِيث , وَالظَّاهِر أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قِصَّة أُخْرَى.
قَوْله : ( إِلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَض عَلَيْكُمْ ) ظَاهِر فِي أَنَّ عَدَم خُرُوجه إِلَيْهِمْ كَانَ لِهَذِهِ الْخَشْيَة , لَا لِكَوْنِ الْمَسْجِد اِمْتَلَأَ وَضَاقَ عَنْ الْمُصَلِّينَ.
قَوْله : ( أَنْ تُفْرَض عَلَيْكُمْ ) فِي رِوَايَة عُقَيْل وَابْنِ جُرَيْجٍ " فَتَعْجِزُوا عَنْهَا " وَفِي رِوَايَة يُونُس " وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَض عَلَيْكُمْ صَلَاة اللَّيْل فَتَعْجِزُوا عَنْهَا " , وَكَذَا فِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة الْمَذْكُورَة قُبَيْل صِفَة الصَّلَاة " خَشِيت أَنْ تُكْتَب عَلَيْكُمْ صَلَاة اللَّيْل " وَقَوْله " فَتَعْجِزُوا عَنْهَا " أَيْ تَشُقّ عَلَيْكُمْ فَتَتْرُكُوهَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا , وَلَيْسَ الْمُرَاد الْعَجْز الْكُلِّيّ لِأَنَّهُ يُسْقِط التَّكْلِيف مِنْ أَصْله.
ثُمَّ إِنَّ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَقَّعَ تَرَتُّب اِفْتِرَاض الصَّلَاة بِدَلِيلِ جَمَاعَة عَلَى وُجُود الْمُوَاظَبَة عَلَيْهَا , وَفِي ذَلِكَ إِشْكَال , وَقَدْ بَنَاهُ بَعْض الْمَالِكِيَّة عَلَى قَاعِدَتهمْ فِي أَنَّ الشُّرُوع مُلْزِم وَفِيهِ نَظَر , وَأَجَابَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّك إِنْ وَاظَبْت عَلَى هَذِهِ الصَّلَاة مَعَهُمْ اِفْتَرَضَتْهَا عَلَيْهِمْ فَأَحَبَّ التَّخْفِيف عَنْهُمْ فَتَرَكَ الْمُوَاظَبَة , قَالَ : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ فِي نَفْسه كَمَا اِتَّفَقَ فِي بَعْض الْقُرَب الَّتِي دَاوَمَ عَلَيْهَا فَافْتُرِضَتْ , وَقِيلَ خَشِيَ أَنْ يَظُنّ أَحَد مِنْ الْأُمَّة مِنْ مُدَاوَمَته عَلَيْهَا الْوُجُوب , وَإِلَى هَذَا الْأَخِير نَحَا الْقُرْطُبِيّ فَقَالَ : قَوْله : " فَتُفْرَض عَلَيْكُمْ " أَيْ تَظُنُّونَهُ فَرْضًا فَيَجِب عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ , كَمَا إِذَا ظَنَّ الْمُجْتَهِد حِلّ شَيْء أَوْ تَحْرِيمه فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ.
قَالَ وَقِيلَ : كَانَ حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا وَاظَبَ عَلَى شَيْء مِنْ أَعْمَال الْبِرّ وَاقْتَدَى النَّاس بِهِ فِيهِ أَنَّهُ يُفْرَض عَلَيْهِمْ اِنْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى بُعْد هَذَا الْأَخِير , فَقَدْ وَاظَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَوَاتِب الْفَرَائِض وَتَابَعَهُ أَصْحَابه وَلَمْ تُفْرَض , وَقَالَ اِبْن بَطَّال يُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ هَذَا الْقَوْل صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ قِيَام اللَّيْل فَرْضًا عَلَيْهِ دُون أُمَّته فَخَشِيَ إِنْ خَرَجَ إِلَيْهِمْ وَالْتَزَمُوا مَعَهُ قِيَام اللَّيْل أَنْ يُسَوِّي اللَّه بَيْنه وَبَيْنهمْ فِي حُكْمه , لِأَنَّ الْأَصْل فِي الشَّرْع الْمُسَاوَاة بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن أُمَّته فِي الْعِبَادَة.
قَالَ : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ خَشِيَ مِنْ مُوَاظَبَتهمْ عَلَيْهَا أَنْ يَضْعُفُوا عَنْهَا فَيَعْصِي مَنْ تَرَكَهَا بِتَرْكِ اِتِّبَاعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ الْخَطَّابِيُّ أَصْل هَذِهِ الْخَشْيَة مَعَ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ " هُنَّ خَمْس وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ " فَإِذَا أُمِنَ التَّبْدِيل فَكَيْف يَقَع الْخَوْف مِنْ الزِّيَادَة ؟ وَهَذَا يُدْفَع فِي صُدُور الْأَجْوِبَة الَّتِي تَقَدَّمَتْ , وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ صَلَاة اللَّيْل كَانَتْ وَاجِبَة عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَفْعَاله الشَّرْعِيَّة يَجِب عَلَى الْأُمَّة الِاقْتِدَاء بِهِ فِيهَا - يَعْنِي عِنْد الْمُوَاظَبَة - فَتَرَكَ الْخُرُوج إِلَيْهِمْ لِئَلَّا يَدْخُل ذَلِكَ فِي الْوَاجِب مِنْ طَرِيق الْأَمْر بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ لَا مِنْ طَرِيق إِنْشَاء فَرْض جَدِيد زَائِد عَلَى الْخَمْس , وَهَذَا كَمَا يُوجِب الْمَرْء عَلَى نَفْسه صَلَاة نَذْر فَتَجِب عَلَيْهِ , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة فَرْض فِي أَصْل الشَّرْع.
قَالَ : وَفِيهِ اِحْتِمَال آخَر , وَهُوَ أَنَّ اللَّه فَرَضَ الصَّلَاة خَمْسِينَ ثُمَّ حَطَّ مُعْظَمهَا بِشَفَاعَةِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا عَادَتْ الْأُمَّة فِيمَا اِسْتَوْهَبَ لَهَا وَالْتَزَمَتْ مَا اِسْتَعْفَى لَهُمْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ لَمْ يُسْتَنْكَر أَنْ يَثْبُت ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ , كَمَا اِلْتَزَمَ نَاس الرَّهْبَانِيَّة مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ ثُمَّ عَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ التَّقْصِير فِيهَا فَقَالَ ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا ) فَخَشِيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونُ سَبِيلهمْ سَبِيل أُولَئِكَ , فَقَطَعَ الْعَمَل شَفَقَة عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ تَلَقَّى هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مِنْ الْخَطَّابِيّ جَمَاعَة مِنْ الشُّرَّاح كَابْنِ الْجَوْزِيّ , وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ قِيَام اللَّيْل كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى وُجُوب الِاقْتِدَاء بِأَفْعَالِهِ.
وَفِي كُلّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ نِزَاع.
وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ حَدِيث الْإِسْرَاء يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ ) الْأَمْن مِنْ نَقْص شَيْء مِنْ الْخَمْس , وَلَمْ يَتَعَرَّض لِلزِّيَادَةِ اِنْتَهَى.
لَكِنْ فِي ذِكْر التَّضْعِيف بِقَوْلِهِ " هُنَّ خَمْس وَهُنَّ خَمْسُونَ " إِشَارَة إِلَى عَدَم الزِّيَادَة أَيْضًا , لِأَنَّ التَّضْعِيف لَا يَنْقُص عَنْ الْعَشْر , وَدَفَعَ بَعْضهمْ فِي أَصْل السُّؤَال بِأَنَّ الزَّمَان كَانَ قَابِلًا لِلنَّسْخِ فَلَا مَانِع مِنْ خَشْيَة الِافْتِرَاض.
وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ قَوْله : ( لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ ) خَبَر وَالنَّسْخ لَا يَدْخُلهُ عَلَى الرَّاجِح , وَلَيْسَ هُوَ كَقَوْلِهِ مَثَلًا لَهُمْ صُومُوا الدَّهْر أَبَدًا فَإِنَّهُ يَجُوز فِيهِ النَّسْخ.
وَقَدْ فَتَحَ الْبَارِي بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَة أُخْرَى : أَحَدهَا يُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ الْمَخُوف اِفْتِرَاض قِيَام اللَّيْل , بِمَعْنَى جَعْل التَّهَجُّد فِي الْمَسْجِد جَمَاعَة شَرْطًا فِي صِحَّة التَّنَفُّل بِاللَّيْلِ , وَيُومِئ إِلَيْهِ فِي قَوْله فِي حَدِيث زَيْد بْن ثَابِت " حَتَّى خَشِيت أَنْ يُكْتَب عَلَيْكُمْ , وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ , فَصَلُّوا أَيّهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ " فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيع فِي الْمَسْجِد إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ اِشْتِرَاطه وَأُمِنَ مَعَ إِذْنه فِي الْمُوَاظَبَة عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتهمْ مِنْ اِفْتِرَاضه عَلَيْهِمْ.
ثَانِيهَا يُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ الْمَخُوف اِفْتِرَاض قِيَام اللَّيْل عَلَى الْكِفَايَة لَا عَلَى الْأَعْيَان , فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْس , بَلْ هُوَ نَظِير مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْم فِي الْعِيد وَنَحْوهَا.
ثَالِثهَا يُحْتَمَل أَنْ يَكُونُ الْمَخُوف اِفْتِرَاض قِيَام رَمَضَان خَاصَّة , فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث الْبَاب أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَان , وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بْن حُسَيْن خَشِيت أَنْ يُفْرَض عَلَيْكُمْ قِيَام هَذَا الشَّهْر , فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِع الْإِشْكَال , لِأَنَّ قِيَام رَمَضَان لَا يَتَكَرَّر كُلّ يَوْم فِي السَّنَة فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْس.
وَأَقْوَى هَذِهِ الْأَجْوِبَة الثَّلَاثَة فِي نَظَرِي الْأَوَّل , وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ.
وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ نَدْب قِيَام اللَّيْل وَلَا سِيَّمَا فِي رَمَضَان جَمَاعَة , لِأَنَّ الْخَشْيَة الْمَذْكُورَة أُمِنَتْ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب عَلَى أُبَيِّ بْن كَعْب كَمَا سَيَأْتِي فِي الصِّيَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ جَوَاز الْفِرَار مِنْ قَدَر اللَّه إِلَى قَدَر اللَّه قَالَهُ الْمُهَلَّب , وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِير إِذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَاف مَا اِعْتَادَهُ أَتْبَاعه أَنْ يَذْكُر لَهُمْ عُذْره وَحُكْمه وَالْحِكْمَة فِيهِ , وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّهَادَة فِي الدُّنْيَا وَالِاكْتِفَاء بِمَا قَلَّ مِنْهَا وَالشَّفَقَة عَلَى أُمَّته وَالرَّأْفَة بِهِمْ , وَفِيهِ تَرْك بَعْض الْمَصَالِح لِخَوْفِ الْمَفْسَدَة وَتَقْدِيم أَهَمّ الْمَصْلَحَتَيْنِ , وَفِيهِ جَوَاز الِاقْتِدَاء بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ نَفْي النِّيَّة لَمْ يُنْقَل وَلَا يُطَّلَع عَلَيْهِ بِالظَّنِّ , وَفِيهِ تَرْك الْأَذَان وَالْإِقَامَة لِلنَّوَافِلِ إِذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ
عن المغيرة رضي الله عنه، يقول: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه - أو ساقاه - فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا»
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى...
عن أشعث، سمعت أبي، قال: سمعت مسروقا، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، أي العمل كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: «الدائم»، قلت: متى كان يقوم؟...
عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما ألفاه السحر عندي إلا نائما» تعني النبي صلى الله عليه وسلم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت رضي الله عنه تسحرا، فلما فرغا من سحورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إل...
عن عبد الله رضي الله عنه، قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء»، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي...
عن حذيفة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك»
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: إن رجلا قال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: «مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح، فأوتر بواحدة»
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة» يعني بالليل