1549- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك "
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( لَبَّيْكَ ) هُوَ لَفْظ مُثَنًّى عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ تَبِعَهُ.
وَقَالَ يُونُس : هُوَ اِسْم مُفْرَد وَأَلِفُهُ إِنَّمَا اِنْقَلَبَتْ يَاء لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَيَّ.
وَرُدَّ بِأَنَّهَا قُلِبَتْ يَاء مَعَ الْمُظْهَر.
وَعَنْ الْفَرَّاء : هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر , وَأَصْله لَبًّا لَك فَثُنِّيَ عَلَى التَّأْكِيد أَيْ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَاب , وَهَذِهِ التَّثْنِيَة لَيْسَتْ حَقِيقِيَّة بَلْ هِيَ لِلتَّكْثِيرِ أَوْ الْمُبَالَغَة , وَمَعْنَاهُ إِجَابَة بَعْدَ إِجَابَة أَوْ إِجَابَة لَازِمَة.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَمِثْله حَنَانَيْك أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّن.
وَقِيلَ : مَعْنَى لَبَّيْكَ اِتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْك , مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ دَارِي تَلُبُّ دَارك أَيْ تُوَاجِههَا.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مَحَبَّتِي لَك مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ اِمْرَأَة لَبَّة أَيْ مُحِبَّة.
وَقِيلَ إِخْلَاصِي لَك مِنْ قَوْلهمْ حُبٌّ لَبَاب أَيْ خَالِص.
وَقِيلَ أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك مِنْ قَوْلهمْ لَبَّ الرَّجُل بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ.
وَقِيلَ قُرْبًا مِنْك مِنْ الْإِلْبَاب وَهُوَ الْقُرْب.
وَقِيلَ خَاضِعًا لَك.
وَالْأَوَّل أَظْهَر وَأَشْهَر لِأَنَّ الْمُحْرِم مُسْتَجِيب لِدُعَاءِ اللَّه إِيَّاهُ فِي حَجِّ بَيْته , وَلِهَذَا مَنْ دَعَا فَقَالَ لَبَّيْكَ فَقَدْ اِسْتَجَابَ.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم مَعْنَى التَّلْبِيَة إِجَابَة دَعْوَة إِبْرَاهِيم حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاس بِالْحَجِّ اِنْتَهَى.
وَهَذَا أَخْرَجَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ وَابْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم بِأَسَانِيدِهِمْ فِي تَفَاسِيرهمْ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَقَتَادَةَ وَغَيْر وَاحِد وَالْأَسَانِيد إِلَيْهِمْ قَوِيَّة , وَأَقْوَى مَا فِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد بْن مَنِيع فِي مُسْنَده وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق قَابُوس بْن أَبِي ظَبْيَان عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ : " لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ بِنَاء الْبَيْت قِيلَ لَهُ أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ , قَالَ : رَبِّ وَمَا يَبْلُغ صَوْتِي ؟ قَالَ : أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغ.
قَالَ فَنَادَى إِبْرَاهِيم : يَا أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق , فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض , أَفَلَا تَرَوْنَ أَنَّ النَّاس يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْض يُلَبُّونَ " , وَمِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس وَفِيهِ " فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أَصْلَاب الرِّجَال , وَأَرْحَام النِّسَاء.
وَأَوَّل مَنْ أَجَابَهُ أَهْل الْيَمَن , فَلَيْسَ حَاجٌّ يَحُجّ مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة إِلَّا مَنْ كَانَ أَجَابَ إِبْرَاهِيم يَوْمَئِذٍ " قَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ فِي الْحَاشِيَة : وَفِي مَشْرُوعِيَّة التَّلْبِيَة تَنْبِيه عَلَى إِكْرَام اللَّه تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَنَّ وُفُودهمْ عَلَى بَيْته إِنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَاءِ مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى.
قَوْله : ( إِنَّ الْحَمْد ) رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى الِاسْتِئْنَاف وَبِفَتْحِهَا عَلَى التَّعْلِيل , وَالْكَسْر أَجْوَد عِنْدَ الْجُمْهُور , وَقَالَ ثَعْلَب لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الْحَمْد لَك عَلَى كُلّ حَال , وَمَنْ فَتَحَ قَالَ مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَب.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَهِجَ الْعَامَّة بِالْفَتْحِ وَحَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ عَنْ الشَّافِعِيّ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : الْمَعْنَى عِنْدِي وَاحِد لِأَنَّ مَنْ فَتَحَ أَرَادَ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْد لَك عَلَى كُلّ حَال , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّقْيِيد لَيْسَ فِي الْحَمْد وَإِنَّمَا هُوَ فِي التَّلْبِيَة.
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الْكَسْر أَجْوَد لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُون الْإِجَابَة مُطْلَقَة غَيْر مُعَلَّلَة , وَأَنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال , وَالْفَتْح يَدُلّ عَلَى التَّعْلِيل فَكَأَنَّهُ يَقُول : أَجَبْتُك لِهَذَا السَّبَب وَالْأَوَّل أَعَمُّ فَهُوَ أَكْثَر فَائِدَة.
وَلَمَّا حَكَى الرَّافِعِيّ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْر تَرْجِيح رَجَّحَ النَّوَوِيّ الْكَسْر , وَهَذَا خِلَاف مَا نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ الشَّافِعِيّ اِخْتَارَ الْفَتْح وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَة اِخْتَارَ الْكَسْر.
قَوْله : ( وَالنِّعْمَة لَك ) الْمَشْهُور فِيهِ النَّصْب , قَالَ عِيَاض : وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء وَيَكُون الْخَبَر مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِير أَنَّ الْحَمْد لَك وَالنِّعْمَة مُسْتَقِرَّة لَك , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ فِي الْحَاشِيَة : قَرَنَ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَأَفْرَدَ الْمُلْك لِأَنَّ الْحَمْد مُتَعَلَّقُ النِّعْمَة , وَلِهَذَا يُقَال الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ فَجَمَعَ بَيْنهمَا كَأَنَّهُ قَالَ : لَا حَمْد إِلَّا لَك لِأَنَّهُ لَا نِعْمَة إِلَّا لَك , وَأَمَّا الْمُلْك فَهُوَ مَعْنًى مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ ذُكِرَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ النِّعْمَة كُلّهَا لِلَّهِ صَاحِب الْمُلْك.
قَوْله : ( وَالْمُلْك ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُور وَيَجُوز الرَّفْع , وَتَقْدِيره وَالْمُلْك كَذَلِكَ.
وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَةَ عَنْ نَافِع وَغَيْره عَنْ اِبْن عُمَر " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَته عِنْدَ مَسْجِد ذِي الْحُلَيْفَة أَهَلَّ فَقَالَ : لَبَّيْكَ " الْحَدِيث.
وَلِلْمُصَنِّفِ فِي اللِّبَاس مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلّ مُلَبِّدًا يَقُول : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " الْحَدِيث.
وَقَالَ فِي آخِره " لَا يَزِيد عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَات " زَادَ مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه " قَالَ اِبْن عُمَر : كَانَ عُمَر يُهِلّ بِهَذَا وَيَزِيد لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالرَّغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل " وَهَذَا الْقَدْر فِي رِوَايَة مَالِك أَيْضًا عَنْهُ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَزِيد فِيهَا فَذَكَرَ نَحْوه , فَعُرِفَ أَنَّ اِبْن عُمَر اِقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِأَبِيهِ , وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ قَالَ " كَانَتْ تَلْبِيَة عُمَر " فَذَكَرَ مِثْل الْمَرْفُوع وَزَادَ " لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إِلَيْك ذَا النَّعْمَاء وَالْفَضْل الْحَسَن " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب الزِّيَادَة عَلَى مَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَجَابِر وَعَمْرو بْن مَعْدِ يَكْرِب : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَة , غَيْر أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لَا بَأْس أَنْ يَزِيد فِيهَا مِنْ الذِّكْر لِلَّهِ مَا أَحَبَّ , وَهُوَ قَوْل مُحَمَّد وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيِّ , وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم قَالَ " كَانَ مِنْ تَلْبِيَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ إِلَه الْحَقّ لَبَّيْكَ " وَبِزِيَادَةِ اِبْن عُمَر الْمَذْكُورَة , وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَاد عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس كَمَا فِي حَدِيث عَمْرو بْن مَعْدِي كَرِبَ ثُمَّ فَعَلَهُ هُوَ وَلَمْ يَقُلْ لَبُّوا بِمَا شِئْتُمْ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْس هَذَا بَلْ عَلَّمَهُمْ كَمَا عَلَّمَهُمْ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة فَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عَلَّمَهُ.
ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيث عَامِر بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُول : لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِج ؟ فَقَالَ إِنَّهُ لَذُو الْمَعَارِج , وَمَا هَكَذَا كُنَّا نُلَبِّي عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ فَهَذَا سَعْد قَدْ كَرِهَ الزِّيَادَة فِي التَّلْبِيَة وَبِهِ نَأْخُذ اِنْتَهَى.
وَيَدُلّ عَلَى الْجَوَاز مَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ " كَانَ مِنْ تَلْبِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَهُ فَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُلَبِّي بِغَيْرِ ذَلِكَ , وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَر وَابْن عُمَر , وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق الْأَسْوَد بْن يَزِيد أَنَّهُ كَانَ يَقُول " لَبَّيْكَ غَفَّار الذُّنُوب " وَفِي حَدِيث جَابِر الطَّوِيل فِي صِفَة الْحَجّ " حَتَّى اِسْتَوَتْ بِهِ نَاقَته عَلَى الْبَيْدَاء أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إِلَخْ " قَالَ " وَأَهَلَّ النَّاس بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ , فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ , وَلَزِمَ تَلْبِيَتُهُ " وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ الْوَجْه الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ مُسْلِم قَالَ " وَالنَّاس يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِج وَنَحْوه مِنْ الْكَلَام وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَع فَلَا يَقُول لَهُمْ شَيْئًا " وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ " ذَا الْمَعَارِج وَذَا الْفَوَاضِل " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَار عَلَى التَّلْبِيَة الْمَرْفُوعَة أَفْضَل لِمُدَاوَمَتِهِ هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا بَأْس بِالزِّيَادَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور وَبِهِ صَرَّحَ أَشْهَب , وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ مَالِك الْكَرَاهَة قَالَ : وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ , وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد : حَكَى أَهْل الْعِرَاق عَنْ الشَّافِعِيّ يَعْنِي فِي الْقَدِيم أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَة عَلَى الْمَرْفُوع , وَغَلِطُوا بَلْ لَا يُكْرَه وَلَا يُسْتَحَبّ.
وَحَكَى التِّرْمِذِيّ عَنْ الشَّافِعِيّ قَالَ.
فَإِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَة شَيْئًا مِنْ تَعْظِيم اللَّه فَلَا بَأْس , وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْتَصِر عَلَى تَلْبِيَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّ اِبْن عُمَر حَفِظَ التَّلْبِيَة عَنْهُ ثُمَّ زَادَ مِنْ قِبَلِهِ زِيَادَة.
وَنَصَبَ الْبَيْهَقِيُّ الْخِلَاف بَيْنَ أَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فَقَالَ : الِاقْتِصَار عَلَى الْمَرْفُوع أَحَبُّ , وَلَا ضَيْق أَنْ يَزِيد عَلَيْهَا.
قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة إِنْ زَادَ فَحَسَن.
وَحَكَى فِي " الْمَعْرِفَة " عَنْ الشَّافِعِيّ قَالَ : وَلَا ضِيقَ عَلَى أَحَد فِي قَوْل مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عُمَر وَغَيْره مِنْ تَعْظِيم اللَّه وَدُعَائِهِ , غَيْر أَنَّ الِاخْتِيَار عِنْدِي أَنْ يُفْرِد مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ اِنْتَهَى.
وَهَذَا أَعْدَل الْوُجُوه , فَيُفْرِد مَا جَاءَ مَرْفُوعًا , وَإِذَا اِخْتَارَ قَوْل مَا جَاءَ مَوْقُوفًا أَوْ أَنْشَأَهُ هُوَ مِنْ قِبَل نَفْسه مِمَّا يَلِيق قَالَهُ عَلَى اِنْفِرَاده حَتَّى لَا يَخْتَلِط بِالْمَرْفُوعِ.
وَهُوَ شَبِيه بِحَالِ الدُّعَاء فِي التَّشَهُّد فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَة وَالثَّنَاء مَا شَاءَ " أَيْ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغ مِنْ الْمَرْفُوع كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعه.
( تَكْمِيل ) : لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنِّف لِحُكْمِ التَّلْبِيَة , وَفِيهَا مَذَاهِب أَرْبَعَة يُمْكِن تَوْصِيلهَا إِلَى عَشْرَة : الْأَوَّل أَنَّهَا سُنَّة مِنْ السُّنَن لَا يَجِب بِتَرْكِهَا شَيْء , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد.
ثَانِيهَا وَاجِبَة وَيَجِب بِتَرْكِهَا دَم , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ اِبْن أَبِي هُرَيْرَة مِنْ الشَّافِعِيَّة وَقَالَ إِنَّهُ وَجَدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصًّا يَدُلّ عَلَيْهِ , وَحَكَاهُ اِبْن قُدَامَةَ عَنْ بَعْض الْمَالِكِيَّة وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة , وَأَغْرَبَ النَّوَوِيّ فَحَكَى عَنْ مَالِك أَنَّهَا سُنَّة وَيَجِب بِتَرْكِهَا دَم , وَلَا يُعْرَف ذَلِكَ عِنْدهمْ إِلَّا أَنَّ اِبْن الْجَلَّاب قَالَ : التَّلْبِيَة فِي الْحَجّ مَسْنُونَة غَيْر مَفْرُوضَة , وَقَالَ اِبْن التِّين : يُرِيد أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَرْكَان الْحَجّ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَة وَلِذَلِكَ يَجِب بِتَرْكِهَا الدَّم وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَة لَمْ يَجِب , وَحَكَى اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّهُ يَجِب عِنْدهمْ بِتَرْكِ تَكْرَارهَا دَم وَهَذَا قَدْر زَائِد عَلَى أَصْل الْوُجُوب.
ثَالِثهَا وَاجِبَة لَكِنْ يَقُوم مَقَامهَا فِعْل يَتَعَلَّق بِالْحَجِّ كَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيق وَبِهَذَا صَدَّرَ اِبْن شَاسٍ مِنْ الْمَالِكِيَّة كَلَامه فِي " الْجَوَاهِر " لَهُ , وَحَكَى صَاحِب " الْهِدَايَة " مِنْ الْحَنَفِيَّة مِثْله لَكِنْ زَادَ الْقَوْل الَّذِي يَقُوم مَقَام التَّلْبِيَة مِنْ الذِّكْر كَمَا فِي مَذْهَبهمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِب لَفْظ مُعَيَّن , وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي : إِنْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ يَنْوِي بِذَلِكَ الْإِحْرَام فَهُوَ مُحْرِم.
رَابِعهَا أَنَّهَا رُكْن فِي الْإِحْرَام لَا يَنْعَقِد بِدُونِهَا حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ الثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَابْن حَبِيب مِنْ الْمَالِكِيَّة وَالزُّبَيْرِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَأَهْل الظَّاهِر قَالُوا : هِيَ نَظِير تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لِلصَّلَاةِ , وَيُقَوِّيه مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَحْث اِبْن عَبْد السَّلَام عَنْ حَقِيقَة الْإِحْرَام وَهُوَ قَوْل عَطَاء أَخْرَجَهُ سَعِيد بْن مَنْصُور بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْهُ قَالَ : التَّلْبِيَة فَرْض الْحَجّ , وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَة , وَحَكَى النَّوَوِيّ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ رَفْع الصَّوْت بِهَا وَهَذَا قَدْر زَائِد عَلَى أَصْل كَوْنهَا رُكْنًا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إني لأعلم كيف " كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك " تابعه أب...
عن أنس رضي الله عنه، قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة»
عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما، «إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي، ثم يركب، وإذا استوت به...
عن مجاهد، قال: كنا عند ابن عباس رضي الله عنهما، فذكروا الدجال أنه قال: مكتوب بين عينيه كافر، فقال ابن عباس: لم أسمعه ولكنه قال: «أما موسى كأني أنظر إل...
عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي صلى الله عليه...
عن جابر رضي الله عنه: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه أن يقيم على إحرامه» وذكر قول سراقة، وزاد محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال له النبي...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قدم علي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: «بما أهللت؟» قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه و...
عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: «بما أهللت؟» قلت: أهللت كإهلال النبي صلى الله ع...