1814- عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعلك آذاك هوامك»، قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة»
أخرجه مسلم في الحج باب جواز حلق الرأس للمحرم إن كان به أذى.
.
رقم 1201
(هوامك) جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش والمراد هنا القمل وما شابهه مما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا ترك التنظيف زمنا طويلا.
(انسك بشاة) تقرب بشاة أي اذبحها قربة لله تعال
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ حُمَيْدِ بْن قَيْس ) فِي رِوَايَة أَشْهَب عَنْ مَالِك " أَنَّ حُمَيْدَ بْن قَيْس حَدَّثَهُ " , أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْمُوَطَّآت ".
قَوْله : ( مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ) صَرَّحَ سَيْف عَنْ مُجَاهِد بِسَمَاعِهِ مِنْ عَبْد الرَّحْمَن وَبِأَنَّ كَعْبًا حَدَّثَ عَبْد الرَّحْمَن كَمَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي رِوَايَة حُمَيْدِ بْن قَيْس هَذِهِ : كَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَر عَنْ مَالِك , وَرَوَاهُ اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَابْن عُفَيْر عَنْ مَالِك بِإِسْقَاطِ عَبْد الرَّحْمَن بَيْن مُجَاهِد وَكَعْب اِبْن عُجْرَة.
قُلْت : وَلِمَالِك فِيهِ إِسْنَادَانِ آخَرَانِ فِي " الْمُوَطَّإ " أَحَدهمَا عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِد وَفِي سِيَاقه مَا لَيْسَ فِي سِيَاق حُمَيْدِ بْن قَيْس , وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِك أَيْضًا عَلَى الْعَكْس مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى طَرِيق حُمَيْدِ بْن قَيْس , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : رَوَاهُ أَصْحَاب " الْمُوَطَّإ " عَنْ مَالِك عَنْ عَبْد الْكَرِيم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن لَمْ يَذْكُرُوا مُجَاهِدًا , حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّ مَالِكًا وَهَمَ فِيهِ , وَأَجَابَ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِأَنَّ اِبْن الْقَاسِم وَابْن وَهْب فِي " الْمُوَطَّإ " وَتَابَعَهُمَا جَمَاعَة عَنْ مَالِك خَارِج الْمُوَطَّإ مِنْهُمْ بِشْر بْن عُمَر الزَّهْرَانِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَإِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان وَالْوَلِيد بْن مُسْلِم أَثْبَتُوا مُجَاهِدًا بَيْنهمَا , وَهَذَا الْجَوَاب لَا يَرُدّ عَلَى الشَّافِعِيّ.
وَطَرِيق اِبْن الْقَاسِم الْمُشَار إِلَيْهَا عِنْد النَّسَائِيِّ وَطَرِيق اِبْن وَهْب عِنْد الطَّبَرِيّ وَطَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عِنْد أَحْمَد وَسَائِرهَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْغَرَائِب ".
وَالْإِسْنَاد الثَّالِث لِمَالِك فِيهِ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الْكُوفَة عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى أَوْ عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل , وَنَقَلَ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَحْمَد بْن صَالِح الْمِصْرِيّ قَالَ : حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة فِي الْفِدْيَة سُنَّة مَعْمُول بِهَا لَمْ يَرْوِهَا مِنْ الصَّحَابَة غَيْره , وَلَا رَوَاهَا عَنْهُ إِلَّا اِبْن أَبِي لَيْلَى وَابْن مَعْقِل.
قَالَ : وَهِيَ سُنَّة أَخَذَهَا أَهْل الْمَدِينَة عَنْ أَهْل الْكُوفَة.
قَالَ الزُّهْرِيُّ : سَأَلْت عَنْهَا عُلَمَاءَنَا كُلّهمْ حَتَّى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَلَمْ يُبَيِّنُوا كَمْ عَدَد الْمَسَاكِين.
قُلْت : فِيمَا أَطْلَقَهُ اِبْن صَالِح نَظَر , فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ السُّنَّة مِنْ رِوَايَة جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة غَيْر كَعْب , مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص عِنْد الطَّبَرِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ , وَأَبُو هُرَيْرَة عِنْد سَعِيد بْن مَنْصُور , وَابْن عُمَر عِنْد الطَّبَرِيّ , وَفُضَالَة الْأَنْصَارِيّ عَمَّنْ لَا يُتَّهَم مِنْ قَوْمه عِنْد الطَّبَرِيّ أَيْضًا.
وَرَوَاهُ عَنْ كَعْب بْنِ عُجْرَة غَيْر الْمَذْكُورِينَ أَبُو وَائِل عِنْد النَّسَائِيِّ , وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ عِنْد اِبْن مَاجَهْ , وَيَحْيَى بْن جَعْدَة عِنْد أَحْمَد , وَعَطَاء عِنْد الطَّبَرِيّ.
وَجَاءَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالشَّعْبِيّ أَيْضًا عَنْ كَعْب وَرِوَايَتهمَا عِنْد أَحْمَد , لَكِنَّ الصَّوَاب أَنَّ بَيْنهمَا وَاسِطَة وَهُوَ اِبْن أَبِي لَيْلَى عَلَى الصَّحِيح.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيّ حَدِيث كَعْب هَذَا فِي أَرْبَعَة أَبْوَاب مُتَوَالِيَة , وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي وَالطِّبّ وَكَفَّارَات الْأَيْمَان مِنْ طُرُق أُخْرَى مَدَار الْجَمِيع عَلَى اِبْن أَبِي لَيْلَى وَابْن مَعْقِل , فَيُقَيَّد إِطْلَاق أَحْمَد بْن صَالِح بِالصِّحَّةِ فَإِنَّ بَقِيَّة الطُّرُق الَّتِي ذَكَرْتهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَقَال إِلَّا طَرِيق أَبِي وَائِل , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي هَذِهِ الطُّرُق مِنْ فَائِدَة زَائِدَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَعَلَّك ) فِي رِوَايَة أَشْهَب الْمُقَدَّم ذِكْرهَا " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ " وَفِي رِوَايَة عَبْد الْكَرِيم " أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِم فَآذَاهُ الْقَمْل " وَفِي رِوَايَة سَيْف فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه " وَقَفَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَت قَمْلًا فَقَالَ : أَيُؤْذِيك هَوَامّك ؟ قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ : فَاحْلِقْ رَأْسك - الْحَدِيث وَفِيهِ - قَالَ فِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ) زَادَ فِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ مُجَاهِد عِنْد الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ أَهَلَّ فِي ذِي الْقَعْدَة , وَفِي رِوَايَة مُغِيرَة عَنْ مُجَاهِد عِنْد الطَّبَرِيّ أَنَّهُ لَقِيَهُ وَهُوَ عِنْد الشَّجَرَة وَهُوَ مُحْرِم , وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عَنْ مُجَاهِد فِي الْمَغَازِي " أَتَى عَلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُوقِد تَحْت بُرْمَة وَالْقَمْل يَتَنَاثَر عَلَى رَأْسِي " زَادَ فِي رِوَايَة اِبْن عَوْن عَنْ مُجَاهِد فِي الْكَفَّارَات " فَقَالَ اُدْنُ , فَدَنَوْت.
فَقَالَ : أَيُؤْذِيك ".
وَفِي رِوَايَة اِبْن بِشْر عَنْ مُجَاهِد فِيهِ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ , وَكَانَتْ لِي وَفْرَة فَجَعَلَتْ الْهَوَامّ تَتَسَاقَط عَلَى وَجْهِي , فَقَالَ : أَيُؤْذِيك هَوَامّ رَأْسك ؟ قُلْت.
نَعَمْ.
فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة ".
وَفِي رِوَايَة أَبِي وَائِل عَنْ كَعْب " أَحْرَمْت فَكَثُرَ قَمْل رَأْسِي فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَانِي وَأَنَا أَطْبُخ قِدْرًا لِأَصْحَابِي ".
وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد بَعْد بَابَيْنِ " رَآهُ وَإنَّهُ لَيَسْقُط الْقَمْل عَلَى وَجْهه , فَقَالَ : أَيُؤْذِيك هَوَامّك ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِق " وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يُبَيِّن لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ , وَهُمْ عَلَى طَمَع أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه الْفِدْيَة.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن كَثِير عَنْ مُجَاهِد بِهَذِهِ الزِّيَادَة , وَلِأَحْمَد وَسَعِيد بْن مَنْصُور فِي رِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ : " قَمِلْت حَتَّى ظَنَنْت أَنَّ كُلّ شَعْرَة فِي رَأْسِي فِيهَا الْقَمْل مِنْ أَصْلهَا إِلَى فَرْعهَا " زَادَ سَعِيد " وَكُنْت حَسَن الشَّعْر " , وَأَوَّل رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل بَعْد بَاب " جَلَسْت إِلَى كَعْب بْن عُجْرَة فَسَأَلْته عَنْ الْفِدْيَة فَقَالَ : نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّة وَهِيَ لَكُمْ عَامَّة , حُمِلَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْل يَتَنَاثَر عَلَى وَجْهِي فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى الْوَجَع بَلَغَ بِك مَا أَرَى " , زَادَ مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَة ( فَفِدْيَة مِنْ صِيَام ) الْآيَة ".
وَلِأَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر فِي هَذِهِ الطَّرِيق " وَقَعَ الْقَمْل فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي حَتَّى حَاجِبِي وَشَارِبِي , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَدَعَانِي , فَلَمَّا رَآنِي قَالَ : لَقَدْ أَصَابَك بَلَاء وَنَحْنُ لَا نَشْعُر , اُدْعُ إِلَيَّ الْحَجَّام , فَحَلَقَنِي " وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الْحَكَم بْن عُتَيْبَة عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب " أَصَابَتْنِي هَوَامّ حَتَّى تَخَوَّفْت عَلَى بَصَرِي ".
وَفِي رِوَايَة أَبِي وَائِل عَنْ كَعْب عِنْد الطَّبَرِيّ " فَحَكَّ رَأْسِي بِأُصْبُعِهِ فَانْتَثَرَ مِنْهُ الْقَمْل " زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق الْحَكَم " إِنَّ هَذَا لَأَذًى , قُلْت شَدِيد يَا رَسُول اللَّه " وَالْجَمْع بَيْن هَذَا الِاخْتِلَاف فِي قَوْل اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ فَرَآهُ , وَفِي قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَرَآهُ " أَنْ يُقَال : مَرَّ بِهِ أَوَّلًا فَرَآهُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَة فَاسْتَدْعَى بِهِ إِلَيْهِ فَخَاطَبَهُ وَحَلَقَ رَأْسه بِحَضْرَتِهِ , فَنَقَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَا لَمْ يَنْقُلهُ الْآخَر , وَيُوَضِّحهُ قَوْله فِي رِوَايَة اِبْن عَوْن السَّابِقَة حَيْثُ قَالَ فِيهَا " فَقَالَ اُدْنُ فَدَنَوْت " فَالظَّاهِر أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْنَاء كَانَ عَقِب رُؤْيَته إِيَّاهُ إِذْ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُوقِد تَحْت الْقِدْر.
قَوْله : ( لَعَلَّك آذَاك هَوَامّك ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا سُؤَال عَنْ تَحْقِيق الْعِلَّة الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْحُكْم , فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِالْمَشَقَّةِ الَّتِي نَالَتْهُ خَفَّفَ عَنْهُ.
و " الْهَوَامّ " بِتَشْدِيدِ الْمِيم جَمْع هَامَّة وَهِيَ مَا يَدِبّ مِنْ الْأَخْشَاش , وَالْمُرَاد بِهَا مَا يُلَازِم جَسَد الْإِنْسَان غَالِبًا إِذَا طَالَ عَهْده بِالتَّنْظِيفِ , وَقَدْ عُيِّنَ فِي كَثِير مِنْ الرِّوَايَات أَنَّهَا الْقَمْل , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَة مُرَتَّبَة عَلَى قَتْل الْقَمْل , وَتُعُقِّبَ بِذِكْرِ الْحَلْق , فَالظَّاهِر أَنَّ الْفِدْيَة مُرَتَّبَة عَلَيْهِ , وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة , يَظْهَر أَثَر الْخِلَاف فِيمَا لَوْ حَلَقَ وَلَمْ يَقْتُل قَمْلًا.
قَوْله : ( اِحْلِقْ رَأْسًا وَصُمْ ) قَالَ اِبْن قُدَامَةَ : لَا نَعْلَم خِلَافًا فِي إِلْحَاق الْإِزَالَة بِالْحَلْقِ سَوَاء كَانَ بِمُوسَى أَوْ مِقَصّ أَوْ نُورَةٍ أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَأَغْرَبَ اِبْن حَزْم فَأَخْرَجَ النَّتْف عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : يَلْحَق جَمِيع الْإِزَالَاتِ بِالْحَلْقِ إِلَّا النَّتْف.
قَوْله : ( أَوْ أَطْعِمْ ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بَيَان قَدْر الْإِطْعَام , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ بَعْدَ بَابٍ , وَهُوَ طَاهِر فِي التَّخْيِير بَيْنَ الصَّوْم وَالْإِطْعَام.
وَكَذَا قَوْله " أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " شَاة " بِغَيْرِ مُوَحَّدَة , وَالْأَوَّل تَقْدِيره تَقَرَّبْ بِشَاةِ وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِالْبَاءِ , وَالثَّانِي تَقْدِيره اِذْبَحْ شَاة.
وَالنُّسُك يُطْلَق عَلَى الْعِبَادَة وَعَلَى الذَّبْح الْمَخْصُوص , وَسِيَاق رِوَايَة الْبَاب مُوَافِق لِلْآيَةِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ بِهَذَا السَّبَب , وَقَدْ قَدَّمْت فِي أَوَّل الْبَاب أَنَّ رِوَايَة عَبْد الْكَرِيم صَرِيحَة فِي التَّخْيِير حَيْثُ قَالَ " أَيّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجَزَأَ ".
وَكَذَا رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ الَّتِي فِيهَا " إِنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت " وَوَافَقَتْهَا رِوَايَة عَبْد الْوَارِث عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح أَخْرَجَهَا مُسَدَّد فِي مُسْنَده وَمِنْ طَرِيقه الطَّبَرَانِيِّ , لَكِنَّ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل - الْآتِيَة بَعْدَ بَاب - تَقْتَضِي أَنَّ التَّخْيِير إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْإِطْعَام وَالصِّيَام لِمَنْ لَمْ يَجِد النُّسُك وَلَفْظه " قَالَ أَتَجِدُ شَاة ؟ قَالَ : لَا.
قَالَ : فَصُمْ أَوْ أَطْعِمْ " وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَة أُخْرَى " أَمَعَك دَم ؟ قَالَ : لَا.
قَالَ : فَإِنْ شِئْت فَصُمْ " وَنَحْوه لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيق عَطَاء عَنْ كَعْب , وَوَافَقَهُمْ أَبُو الزُّبَيْر عَنْ مُجَاهِد عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَزَادَ بَعْدَ قَوْله مَا أَجِد هَدْيًا " قَالَ : فَأَطْعِمْ.
قَالَ : مَا أَجِد.
قَالَ : صُمْ " وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ نُسُكًا لَا يَصُوم , يَعْنِي وَلَا يُطْعِم , لَكِنْ لَا أَعْرِف مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَّا مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره عَنْ سَعِيد اِبْن جُبَيْر قَالَ : النُّسُك شَاة , فَإِنْ لَمْ يَجِد قُوِّمَتْ الشَّاة دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِم طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ لِكُلِّ نِصْف صَاع يَوْمًا , أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْهُ قَالَ : فَذَكَرْته لِإِبْرَاهِيم فَقَالَ : سَمِعْت عَلْقَمَة مِثْله.
فَحِينَئِذٍ يُحْتَاج إِلَى الْجَمْع بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ , وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَوْجُهٍ.
مِنْهَا : مَا قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ إِنَّ فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى تَرْجِيح التَّرْتِيب لَا لِإِيجَابِهِ.
وَمِنْهَا : مَا قَالَ النَّوَوِيّ : لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ الصِّيَام أَوْ الْإِطْعَام لَا يُجْزِئ إِلَّا لِفَاقِدِ الْهَدْي , بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ اِسْتَخْبَرَهُ : هَلْ مَعَهُ هَدْي أَوْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ وَاجِده أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَام وَالْإِطْعَام , وَإِنْ لَمْ يَجِدهُ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْنَهُمَا.
وَمُحَصِّله أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ سُؤَاله عَنْ وِجْدَان الذَّبْح تَعْيِينه لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَجِدهُ لَأَخْبَرَهُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِطْعَام وَالصَّوْم.
وَمِنْهَا مَا قَالَ غَيْرهمَا : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي حَلْق رَأْسه بِسَبَبِ الْأَذَى أَفْتَاهُ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِالذَّبْحِ عَلَى سَبِيل الِاجْتِهَاد مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِوَحْيٍ غَيْر مَتْلُوٍّ , فَلَمَّا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَا يَجِد نَزَلَتْ الْآيَة بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الذَّبْح وَالْإِطْعَام وَالصِّيَام فَخَيَّرَهُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الصِّيَام وَالْإِطْعَام لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا ذَبْح مَعَهُ , فَصَامَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُطْعِمهُ.
وَيُوَضِّح ذَلِكَ رِوَايَة مُسْلِم فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل الْمَذْكُور حَيْثُ قَالَ " أَتَجِدُ شَاة ؟ قُلْت : لَا.
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ( فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) فَقَالَ : صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ أَطْعِمْ ".
وَفِي رِوَايَة عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ قَالَ " صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِين " قَالَ " وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُك بِهِ ".
وَنَحْوه فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ عَنْ كَعْب , وَسِيَاق الْآيَة يُشْعِر بِتَقْدِيمِ الصِّيَام عَلَى غَيْره , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَفْضَل فِي هَذَا الْمَقَام مِنْ غَيْره , بَلْ السِّرّ فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَة الَّذِينَ خُوطِبُوا شِفَاهًا بِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرهمْ يَقْدِر عَلَى الصِّيَام أَكْثَر مِمَّا يَقْدِر عَلَى الذَّبْح وَالْإِطْعَام.
وَعُرِفَ مِنْ رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر أَنَّ كَعْبًا اِفْتَدَى بِالصِّيَامِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اِبْن إِسْحَاق مَا يُشْعِر بِأَنَّهُ اِفْتَدَى بِالذَّبْحِ لِأَنَّ لَفْظه " صُمْ أَوْ أَطْعِمْ أَوْ اُنْسُكْ شَاة.
قَالَ : فَحَلَقْت رَأْسِي وَنَسَكْت ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ مِنْ طَرِيق ضَعِيفَة عَنْ عَطَاء بْن كَعْب فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه خِرْ لِي , قَالَ : أَطْعِمْ سِتَّة مَسَاكِين " وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي الْبَاب الْأَخِير وَفِيهِ بَقِيَّة مَبَاحِث هَذَا الْحَدِيث إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أن كعب بن عجرة، حدثه قال: وقف علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا، فقال: «يؤذيك هوامك؟»، قلت: نعم،...
عن عبد الله بن معقل، قال: جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه، فسألته عن الفدية، فقال: نزلت في خاصة، وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم...
عن مجاهد، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وأنه يسقط على وجهه، فقال: «أيؤذيك هوامك؟...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه»
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»
عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: انطلق أبي عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم يحرم، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم أن عدوا يغزوه، فانطلق النبي صلى الله عليه...
عن عبد الله بن أبي قتادة، أن أباه، حدثه قال: انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم أحرم، فأنبئنا بعدو بغيقة، فتوجهنا نحوه...
عن أبي محمد نافع، مولى أبي قتادة، سمع أبا قتادة رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة من المدينة على ثلاث ح وحدثنا علي بن عبد الل...
عبد الله بن أبي قتادة، أن أباه، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة، فقال: «خذوا ساحل البحر حتى...