1855- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم» وذلك في حجة الوداع
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( كَانَ الْفَضْل ) يَعْنِي اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَخُو عَبْد اللَّه وَكَانَ أَكْبَر وَلَد الْعَبَّاس وَبِهِ كَانَ يُكْنَى.
قَوْله : ( رَدِيف ) زَادَ شُعَيْب " عَلَى عَجُز رَاحِلَته ".
قَوْله : ( فَجَاءَتْهُ اِمْرَأَة مِنْ خَثْعَمَ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُثَلَّثَة قَبِيلَة مَشْهُورَة.
قَوْله : ( فَجَعَلَ الْفَضْل يَنْظُر إِلَيْهَا ) فِي رِوَايَة شُعَيْب " وَكَانَ الْفَضْل رَجُلًا وَضِيئًا - أَيْ جَمِيلًا - وَأَقْبَلَتْ اِمْرَأَة مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَة فَطَفِقَ الْفَضْل يَنْظُر إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنهَا ".
قَوْله : ( يَصْرِف وَجْه الْفَضْل ) فِي رِوَايَة شُعَيْب " فَالْتَفَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفَضْل يَنْظُر إِلَيْهَا فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْل فَدَفَعَ وَجْهه عَنْ النَّظَر إِلَيْهَا " وَهَذَا هُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث عَلِيٍّ " فَلَوَى عُنُق الْفَضْل " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ فِي حَدِيث عَلَى " وَكَانَ الْفَضْل غُلَامًا جَمِيلًا , فَإِذَا جَاءَتْ الْجَارِيَة مِنْ هَذَا الشِّقّ صَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْه الْفَضْل إِلَى الشِّقّ الْآخَر , فَإِذَا جَاءَتْ إِلَى الشِّقّ الْآخَر صَرَفَ وَجْهه عَنْهَا - وَقَالَ فِي آخِره - رَأَيْت غُلَامًا حَدَثًا وَجَارِيَة حَدَثَة فَخَشِيت أَنْ يَدْخُل بَيْنهمَا الشَّيْطَان ".
قَوْله : ( إِنَّ فَرِيضَة اللَّه أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا ) فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز وَشُعَيْب " إِنَّ فَرِيضَة اللَّه عَلَى عِبَاده فِي الْحَجّ " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار " إِنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجّ " , وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَات كُلّهَا عَنْ اِبْن شِهَاب عَلَى أَنَّ السَّائِلَة كَانَتْ اِمْرَأَة وَأَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْ أَبِيهَا , وَخَالَفَهُ يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ سُلَيْمَان فَاتَّفَقَ الرُّوَاة عَنْهُ عَلَى أَنَّ السَّائِل رَجُل , ثُمَّ اِخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده وَمَتْنه , أَمَّا إِسْنَاده فَقَالَ هُشَيْم عَنْهُ " عَنْ سُلَيْمَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس " وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْهُ " عَنْ سُلَيْمَان عَنْ الْفَضْل " أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ , وَقَالَ اِبْن عُلَيَّة عَنْهُ " عَنْ سُلَيْمَان حَدَّثَنِي أَحَد اِبْنَيْ الْعَبَّاس إِمَّا الْفَضْل وَإِمَّا عَبْد اللَّه " أَخْرَجَهُ أَحْمَد.
وَأَمَّا الْمَتْن فَقَالَ هُشَيْم " إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ فَقَالَ : إِنَّ أَبِي مَاتَ " وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ " فَجَاءَ رَجُل فَقَالَ : إِنَّ أُمِّي عَجُوز كَبِيرَة " وَقَالَ اِبْن عُلَيَّة " فَجَاءَ رَجُل فَقَالَ : إِنَّ أَبِي أَوْ أُمِّي " وَخَالَفَ الْجَمِيع مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق فَقَالَ فِي رِوَايَته " إِنَّ اِمْرَأَة سَأَلَتْ عَنْ أُمّهَا " وَهَذَا الِاخْتِلَاف كُلّه عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار , فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَنْظُر فِي سِيَاق غَيْره فَإِذَا كُرَيْب قَدْ رَوَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ حُصَيْن بْن عَوْف الْخَثْعَمِيّ قَالَ " قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجّ " وَإِذَا عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ قَدْ رَوَى " عَنْ أَبِي الْغَوْث بْن حُصَيْنٍ الْخَثْعَمِيّ أَنَّهُ اِسْتَفْتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَّة كَانَتْ عَلَى أَبِيهِ " أَخْرَجَهُمَا اِبْن مَاجَةَ.
وَالرِّوَايَة الْأُولَى أَقْوَى إِسْنَادًا , وَهَذَا يُوَافِق رِوَايَة هُشَيْم فِي أَنَّ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ رَجُل سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ , وَيُوَافِقهُ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد عَنْ الْفَضْل بْن عَبَّاس " أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبِي شَيْخ كَبِير " وَيُوَافِقهُمَا مُرْسَل الْحَسَن عِنْد اِبْن خُزَيْمَةَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق عَوْف عَنْ الْحَسَن قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رَجُل فَقَالَ إِنَّ أَبِي شَيْخ كَبِير أَدْرَكَ الْإِسْلَام لَمْ يَحُجّ " الْحَدِيث , ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيق عَوْف عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ مِثْله إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ السَّائِل سَأَلَ عَنْ أُمّه.
قُلْت : وَهَذَا يُوَافِق رِوَايَة اِبْن سِيرِينَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالَّذِي يَظْهَر لِي مِنْ مَجْمُوع هَذِهِ الطُّرُق أَنَّ السَّائِل رَجُل وَكَانَتْ اِبْنَته مَعَهُ فَسَأَلَتْ أَيْضًا وَالْمَسْئُول عَنْهُ أَبُو الرَّجُل وَأُمّه جَمِيعًا.
وَيُقَرِّب ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِإسْنَادٍ قَوِيّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ الْفَضْل بْن عَبَّاس قَالَ " كُنْت رِدْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْرَابِيّ مَعَهُ بِنْت لَهُ حَسْنَاء فَجَعَلَ الْأَعْرَابِيّ يَعْرِضهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاء أَنْ يَتَزَوَّجهَا , وَجَعَلْت أَلْتَفِت إِلَيْهَا , وَيَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِي فَيَلْوِيه , فَكَانَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعَقَبَة " فَعَلَى هَذَا فَقَوْل الشَّابَّة إِنَّ أَبِي لَعَلَّهَا أَرَادَتْ بِهِ جَدّهَا لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ مَعَهَا وَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَع كَلَامهَا وَيَرَاهَا رَجَاء أَنْ يَتَزَوَّجهَا , فَلَمَّا لَمْ يَرْضَهَا سَأَلَ أَبُوهَا عَنْ أَبِيهِ , وَلَا مَانِع أَنْ يَسْأَل أَيْضًا عَنْ أُمّه.
وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ اِسْم الرَّجُل حُصَيْنُ بْن عَوْف الْخَثْعَمِيّ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّهُ أَبُو الْغَوْث بْن حُصَيْن فَإِنَّ إِسْنَادهَا ضَعِيف وَلَعَلَّهُ كَانَ فِيهِ عَنْ أَبِي الْغَوْث حُصَيْن فَزِيدَ فِي الرِّوَايَة اِبْن أَوْ أَنَّ أَبَا الْغَوْث أَيْضًا كَانَ مَعَ أَبِيهِ حُصَيْنٍ فَسَأَلَ كَمَا سَأَلَ أَبُوهُ وَأُخْته.
وَاللَّه أَعْلَم.
وَوَقَعَ السُّؤَال عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْ شَخْص آخَر وَهُوَ أَبُو رَزِين - بِفَتْحِ الرَّاء وكَسْرِ الزَّاي - الْعُقَيْلِيّ بِالتَّصْغِيرِ وَاسْمه لَقِيط بْن عَامِر , فَفِي السُّنَن وَصَحِيح اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْرهمَا مِنْ حَدِيثه أَنَّهُ قَالَ " يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبِي شَيْخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع الْحَجّ وَلَا الْعُمْرَة , قَالَ : حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ " وَهَذِهِ قِصَّة أُخْرَى , وَمَنْ وَحَّدَ بَيْنهَا وَبَيْن حَدِيث الْخَثْعَمِيّ فَقَدْ أَبْعَد وَتَكَلَّفَ.
قَوْله : ( شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُت عَلَى الرَّاحِلَة ) قَالَ الطِّيبِيُّ : " شَيْخًا " حَال وَلَا يَثْبُت صِفَة لَهُ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون حَالًا أَيْضًا وَيَكُون مِنْ الْأَحْوَال الْمُتَدَاخِلَة , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجّ بِأَنْ أَسْلَمَ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَة.
وَقَوْله " لَا يَثْبُت " وَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز وَشُعَيْب " لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَسْتَوِي " وَفِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " لَا يَسْتَمْسِك عَلَى الرَّحْل ".
فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق مِنْ الزِّيَادَة " وَإِنْ شَدَدْته خَشِيت أَنْ يَمُوت " وَكَذَا فِي مُرْسَل الْحَسَن , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد اِبْن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ " وَإِنْ شَدَدْته بِالْحَبْلِ عَلَى الرَّاحِلَة خَشِيت أَنْ أَقْتُلهُ " وَهَذَا يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى غَيْر هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الثُّبُوت عَلَى الرَّاحِلَة أَوْ الْأَمْن عَلَيْهِ مِنْ الْأَذَى لَوْ رُبِطَ لَمْ يُرَخَّص لَهُ فِي الْحَجّ عَنْهُ كَمَنْ يَقْدِر عَلَى مَحْمِل مُوَطَّأ كَالْمِحَفَّةِ.
قَوْله : ( أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ) أَيْ أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَنُوب عَنْهُ فَأَحُجّ عَنْهُ , لِأَنَّ مَا بَعْد الْفَاء الدَّاخِلَة عَلَيْهَا الْهَمْزَة مَعْطُوف عَلَى مُقَدَّر , وَفِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز وَشُعَيْب " فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ " وَفِي حَدِيث عَلِيّ " هَلْ يُجْزِئ عَنْهُ ".
قَوْله : ( قَالَ نَعَمْ ) فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ " اُحْجُجْ عَنْ أَبِيك ".
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز الْحَجّ عَنْ الْغَيْر , وَاسْتَدَلَّ الْكُوفِيُّونَ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَاز صِحَّة مَنْ لَمْ يَحُجّ نِيَابَة عَنْ غَيْره , وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُور فَخَصُّوهُ بِمَنْ حَجّ عَنْ نَفْسه , وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي السُّنَن وَصَحِيح اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَيْضًا " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ : أَحَجَجْت عَنْ نَفْسك ؟ فَقَالَ : لَا.
قَالَ : هَذِهِ عَنْ نَفْسك ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ ".
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَة تَكُون بِالْغَيْرِ كَمَا تَكُون بِالنَّفْسِ , وَعَكَسَ بَعْض الْمَالِكِيَّة فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِنَفْسِهِ لَمْ يُلَاقِهِ الْوُجُوب , وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث الْبَاب بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ السَّائِل عَلَى جِهَة التَّبَرُّع وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ طُرُقه تَصْرِيح بِالْوُجُوبِ , وَبِأَنَّهَا عِبَادَة بَدَنِيَّة فَلَا تَصِحّ النِّيَابَة فِيهَا كَالصَّلَاةِ , وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ النِّيَابَة لَا تَدْخُل فِي الصَّلَاة , قَالُوا وَلِأَنَّ الْعِبَادَات فُرِضَتْ عَلَى جِهَة الِابْتِلَاء , وَهُوَ لَا يُوجَد فِي الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة إِلَّا بِإِتْعَابِ الْبَدَن فَبِهِ يَظْهَر الِانْقِيَاد أَوْ النُّفُور , بِخِلَافِ الزَّكَاة فَإِنَّ الِابْتِلَاء فِيهَا بِنَقْصِ الْمَال , وَهُوَ حَاصِل بِالنَّفْسِ وَبِالْغَيْرِ.
وَأُجِيب بِأَنَّ قِيَاس الْحَجّ عَلَى الصَّلَاة لَا يَصِحّ , لِأَنَّ عِبَادَة الْحَجّ مَالِيَّة بَدَنِيَّة مَعًا فَلَا يَتَرَجَّح إِلْحَاقهَا بِالصَّلَاةِ عَلَى إِلْحَاقهَا بِالزَّكَاةِ , وَلِهَذَا قَالَ الْمَازِرِيّ : مَنْ غَلَّبَ حُكْم الْبَدَن فِي الْحَجّ أَلْحَقهُ بِالصَّلَاةِ , وَمَنْ غَلَّبَ حُكْم الْمَال أَلْحَقهُ بِالصَّدَقَةِ.
وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّة الْحَجّ عَنْ الْغَيْر إِذَا أَوْصَى بِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي الصَّلَاة , وَبِأَنَّ حَصْر الِابْتِلَاء فِي الْمُبَاشَرَة مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُوجَد فِي الْآمِر مِنْ بَذْله الْمَال فِي الْأُجْرَة.
وَقَالَ عِيَاض : لَا حُجَّة لِلْمُخَالِفِ فِي حَدِيث الْبَاب لِأَنَّ قَوْله " إِنَّ فَرِيضَة اللَّه عَلَى عِبَاده إِلَخْ " مَعْنَاهُ أَنَّ إِلْزَام اللَّه عِبَاده بِالْحَجِّ الَّذِي وَقَعَ بِشَرْطِ الِاسْتِطَاعَة صَادَفَ أَبِي بِصِفَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيع فَهَلْ أَحُجّ عَنْهُ ؟ أَيْ هَلْ يَجُوز لِي ذَلِكَ , أَوْ هَلْ فِيهِ أَجْر وَمَنْفَعَة ؟ فَقَالَ : نَعَمْ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي بَعْض طُرُقه التَّصْرِيح بِالسُّؤَالِ عَنْ الْإِجْزَاء فَيَتِمّ الِاسْتِدْلَال , وَتَقَدَّمَ فِي بَعْض طُرُق مُسْلِم " إِنَّ أَبِي عَلَيْهِ فَرِيضَة اللَّه فِي الْحَجّ " وَلِأَحْمَد فِي رِوَايَة " وَالْحَجّ مَكْتُوب عَلَيْهِ " وَادَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة مُخْتَصَّة بِالْخَثْعَمِيَّة كَمَا اِخْتَصَّ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة بِجَوَازِ إِرْضَاع الْكَبِير , حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْل عَدَم الْخُصُوصِيَّة , وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَبْد الْمَلِك بْن حَبِيب صَاحِب " الْوَاضِحَة " بِإِسْنَادَيْنِ مُرْسَلَيْنِ فَزَادَ فِي الْحَدِيث " حُجَّ عَنْهُ , وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْده " وَلَا حُجَّة فِيهِ لِضَعْفِ الْإِسْنَادَيْنِ مَعَ إِرْسَالهمَا.
وَقَدْ عَارَضَهُ قَوْله فِي حَدِيث الْجُهَنِيَّة الْمَاضِي فِي الْبَاب " اِقْضُوا اللَّه فَاللَّه أَحَقّ بِالْوَفَاءِ " وَادَّعَى آخَرُونَ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِالِابْنِ يَحُجّ عَنْ أَبِيهِ , وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ جُمُود.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : رَأَى مَالِك أَنَّ ظَاهِر حَدِيث الْخثْعَمِيّة مُخَالِف لِظَاهِرِ الْقُرْآن فَرَجَّحَ ظَاهِر الْقُرْآن , وَلَا شَكَّ فِي تَرْجِيحه مِنْ جِهَة تَوَاتُره وَمِنْ جِهَة أَنَّ الْقَوْل الْمَذْكُور قَوْل اِمْرَأَة ظَنَّتْ ظَنًّا , قَالَ : وَلَا يُقَال قَدْ أَجَابَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُؤَالهَا , وَلَوْ كَانَ ظَنّهَا غَلَطًا لَبَيَّنَهُ لَهَا , لِأَنَّا نَقُول إِنَّمَا أَجَابَهَا عَنْ قَوْلهَا " أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ حُجِّي عَنْهُ " لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصهَا عَلَى إِيصَال الْخَيْر وَالثَّوَاب لِأَبِيهَا , ا ه.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي تَقْرِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ حُجَّة ظَاهِرَة , وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَزَادَ فِي الْحَدِيث " حَجّ عَنْ أَبِيك فَإِنْ لَمْ يَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ يَزِدْهُ شَرًّا " فَقَدْ جَزَمَ الْحُفَّاظ بِأَنَّهَا رِوَايَة شَاذَّة , وَعَلَى تَقْدِير صِحَّتهَا فَلَا حُجَّة فِيهَا لِلْمُخَالِفِ.
وَمِنْ فُرُوع الْمَسْأَلَة أَنْ لَا فَرْق بَيْن مَنْ اِسْتَقَرَّ الْوُجُوب فِي ذِمَّته قَبْل الْعَضْب أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ , وَلِلْجُمْهُورِ ظَاهِر قِصَّة الْخثْعَمِيّة وَأَنَّ مَنْ حَجّ عَنْ غَيْره وَقَعَ الْحَجّ عَنْ الْمُسْتَنِيب , خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْن الْحَسَن فَقَالَ : يَقَع عَنْ الْمُبَاشِر وَلِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَجْر النَّفَقَة.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا أَذَاعُوا فِي الْمَعْضُوب فَقَالَ الْجُمْهُور : لَا يُجْزِئهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَيْئُوسًا مِنْهُ.
وَقَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق : لَا تَلْزَمهُ الْإِعَادَة لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى إِيجَاب حَجَّتَيْنِ.
وَاتَّفَقَ مَنْ أَجَازَ النِّيَابَة فِي الْحَجّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئ فِي الْفَرْض إِلَّا عَنْ مَوْت أَوْ عَضْب , فَلَا يَدْخُل الْمَرِيض لِأَنَّهُ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَا الْمَجْنُون لِأَنَّهُ تُرْجَى إِفَاقَته وَلَا الْمَحْبُوس لِأَنَّهُ يُرْجَى خَلَاصه وَلَا الْفَقِير لِأَنَّهُ يُمْكِن اِسْتِغْنَاؤُهُ , وَاللَّه أَعْلَم.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا جَوَاز الِارْتِدَاف وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا قُبَيْل كِتَاب الْأَدَب , وَارْتِدَاف الْمَرْأَة مَعَ الرَّجُل , وَتَوَاضُع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْزِلَة الْفَضْل بْن عَبَّاس مِنْهُ , وَبَيَان مَا رُكِّبَ فِي الْآدَمِيّ مِنْ الشَّهْوَة وَجُبِلَتْ طِبَاعه عَلَيْهِ مِنْ النَّظَر إِلَى الصُّوَر الْحَسَنَة.
وَفِيهِ مَنْع النَّظَر إلَى الْأَجْنَبِيَّات وَغَضّ الْبَصَر , قَالَ عِيَاض : وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّهُ غَيْر وَاجِب إِلَّا عِنْد خَشْيَة الْفِتْنَة.
قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ غَطَّى وَجْه الْفَضْل أَبْلَغ مِنْ الْقَوْل.
ثُمَّ قَالَ : لَعَلَّ الْفَضْل لَمْ يَنْظُر نَظَرًا يُنْكَر بَلْ خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَئُول إِلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ قَبْل نُزُول الْأَمْر بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيب.
وَيُؤْخَذ مِنْهُ التَّفْرِيق بَيْن الرِّجَال وَالنِّسَاء خَشْيَة الْفِتْنَة , وَجَوَاز كَلَام الْمَرْأَة وَسَمَاع صَوْتهَا لِلْأَجَانِبِ عِنْد الضَّرُورَة كَالِاسْتِفْتَاءِ عَنْ الْعِلْم وَالتَّرَافُع فِي الْحُكْم وَالْمُعَامَلَة.
وَفِيهِ أَنَّ إِحْرَام الْمَرْأَة فِي وَجْههَا فَيَجُوز لَهَا كَشْفه فِي الْإِحْرَام , وَرَوَى أَحْمَد وَابْن خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْفَضْلِ حِين غَطَّى وَجْهه يَوْم عَرَفَة " هَذَا يَوْم مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعه وَبَصَره وَلِسَانه غُفِرَ لَهُ ".
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا النِّيَابَة فِي السُّؤَال عَنْ الْعِلْم حَتَّى مِنْ الْمَرْأَة عَنْ الرَّجُل وَأَنَّ الْمَرْأَة تَحُجّ بِغَيْرِ مَحْرَم , وَأَنَّ الْمَحْرَم لَيْسَ مِنْ السَّبِيل الْمُشْتَرَط فِي الْحَجّ , لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ أَبِيهَا قَدْ يَرِد عَلَى ذَلِكَ.
وَفِيهِ بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَالِاعْتِنَاء بِأَمْرِهِمَا وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِمَا مِنْ قَضَاء دَيْن وَخِدْمَة وَنَفَقَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُور الدِّين وَالدُّنْيَا.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَة غَيْر وَاجِبَة لِكَوْنِ الْخثْعَمِيّة لَمْ تَذْكُرهَا , وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّ مُجَرَّد تَرْك السُّؤَال لَا يَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُجُوب لِاسْتِفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ حُكْم الْحَجّ , وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون أَبُوهَا قَدْ اِعْتَمَرَ قَبْل الْحَجّ , عَلَى أَنَّ السُّؤَال عَنْ الْحَجّ وَالْعُمْرَة قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي رَزِين كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : حَدِيث الْخثْعَمِيّة أَصْل مُتَّفَق عَلَى صِحَّته فِي الْحَجّ خَارِج عَنْ الْقَاعِدَة الْمُسْتَقِرَّة فِي الشَّرِيعَة مِنْ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى رِفْقًا مِنْ اللَّه فِي اِسْتِدْرَاك مَا فَرَّطَ فِيهِ الْمَرْء بِوَلَدِهِ وَمَاله , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُمْكِن أَنْ يَدْخُل فِي عُمُوم السَّعْي , وَبِأَنَّ عُمُوم السَّعْي فِي الْآيَة مَخْصُوص اِتِّفَاقًا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: «بعثني أو قدمني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل من جمع بليل»
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: أقبلت وقد ناهزت الحلم، أسير على أتان لي «ورسول الله صلى الله عليه...
عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، قال: «حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين»
عن الجعيد بن عبد الرحمن، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز، يقول: للسائب بن يزيد، «وكان قد حج به في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم»
وقال لي أحمد بن محمد هو الأزرقي: حدثنا إبراهيم، عن أبيه، عن جده، «أذن عمر رضي الله عنه، لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثم...
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: «لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور»، فقالت عائشة «فلا أدع...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم»، فقال رجل: يا رسول...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: «ما منعك من الحج؟»، قالت: أبو فلان، تعني زوجها، كان...
عن قزعة، مولى زياد، قال: سمعت أبا سعيد، وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، قال: أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال:...