1862- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم»، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: «اخرج معها»
أخرجه مسلم في الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره رقم 1341 (ذي محرم) هو كل ما يحرم عليها التزوج منه حرمة مؤبدة وكره مالك رحمه الله تعالى سفرها مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها على التأبيد لفساد الناس
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ عَمْرو ) هُوَ اِبْن دِينَار.
قَوْله : ( عَنْ أَبِي مَعْبَد ) كَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ وَابْن عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَمْرو عَنْ أَبِي مَعْبَد بِهِ , وَلِعَمْرٍو بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيث آخَر أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق وَغَيْره عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَة قَالَ " جَاءَ رَجُل إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْنَ نَزَلْت ؟ قَالَ : عَلَى فُلَانَة.
قَالَ : أَغْلَقْت عَلَيْهَا بَابك ؟ مَرَّتَيْنِ.
لَا تَحُجَّن اِمْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم.
وَرَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق أَيْضًا عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو " أَخْبَرَنِي عِكْرِمَة أَوْ أَبُو مَعْبَد عَنْ اِبْن عَبَّاس " قُلْت : وَالْمَحْفُوظ فِي هَذَا مُرْسَل عِكْرِمَة.
وَفِي الْآخَر رِوَايَة أَبِي مَعْبَد عَنْ اِبْن عَبَّاس.
قَوْله : ( لَا تُسَافِر الْمَرْأَة ) كَذَا أَطْلَقَ السَّفَر وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْآتِي فِي الْبَاب فَقَالَ " مَسِيرَة يَوْمَيْنِ " , وَمَضَى فِي الصَّلَاة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مُقَيَّدًا بِمَسِيرَةِ يَوْم وَلَيْلَة , وَعَنْهُ رِوَايَات أُخْرَى , وَحَدِيث اِبْن عُمَر فِيهِ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّام , وَعَنْهُ رِوَايَات أُخْرَى أَيْضًا , وَقَدْ عَمِلَ أَكْثَر الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْبَاب بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْيِيدَات.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : لَيْسَ الْمُرَاد مِنْ التَّحْدِيد ظَاهِره , بَلْ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا فَالْمَرْأَة مَنْهِيَّة عَنْهُ إِلَّا بِالْمَحْرَمِ , وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحْدِيد عَنْ أَمْر وَاقِع فَلَا يُعْمَل بِمَفْهُومِهِ.
وَقَالَ اِبْن الْمُنِير : وَقَعَ الِاخْتِلَاف فِي مَوَاطِن بِحَسَب السَّائِلِينَ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : يُحْتَمَل أَنْ يُقَال إِنَّ الْيَوْم الْمُفْرَد وَاللَّيْلَة الْمُفْرَدَة بِمَعْنَى الْيَوْم وَاللَّيْلَة , يَعْنِي فَمَنْ أَطْلَقَ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَة أَرَادَ بِيَوْمِهَا وَأَنْ يَكُون عِنْد جَمْعهمَا أَشَارَ إِلَى مُدَّة الذَّهَاب وَالرُّجُوع , وَعِنْد إِفْرَادهمَا أَشَارَ إِلَى قَدْر مَا تَقْضِي فِيهِ الْحَاجَة.
قَالَ : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون هَذَا كُلّه تَمْثِيلًا لِأَوَائِل الْأَعْدَاد , فَالْيَوْم أَوَّل الْعَدَد وَالِاثْنَانِ أَوَّل التَّكْثِير وَالثَّلَاث أَوَّل الْجَمْع , وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مِثْل هَذَا فِي قِلَّة الزَّمَن لَا يَحِلّ فِيهِ السَّفَر فَكَيْف بِمَا زَادَ.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذِكْر الثَّلَاث قَبْل ذِكْر مَا دُونهَا فَيُؤْخَذ بِأَقَلّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلّه الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ذِكْر الْبَرِيد , فَعَلَى هَذَا يَتَنَاوَل السَّفَر طَوِيل السَّيْر وَقَصِيره , وَلَا يَتَوَقَّف اِمْتِنَاع سَيْر الْمَرْأَة عَلَى مَسَافَة الْقَصْر خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ , وَحُجَّتهمْ أَنَّ الْمَنْع الْمُقَيَّد بِالثَّلَاثِ مُتَحَقِّق وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوك فِيهِ فَيُؤْخَذ بِالْمُتَيَقَّنِ , وَنُوقِضَ بِأَنَّ الرِّوَايَة الْمُطْلَقَة شَامِلَة لِكُلِّ سَفَر فَيَنْبَغِي الْأَخْذ بِهَا وَطَرْح مَا عَدَاهَا فَإِنَّهُ مَشْكُوك فِيهِ , وَمِنْ قَوَاعِد الْحَنَفِيَّة تَقْدِيم الْخَبَر الْعَامّ عَلَى الْخَاصّ , وَتَرْك حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد , وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ هُنَا , وَالِاخْتِلَاف إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْأَحَادِيث الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّقْيِيد , بِخِلَافِ حَدِيث الْبَاب فَإِنَّهُ لَمْ يُخْتَلَف عَلَى اِبْن عَبَّاس فِيهِ.
وَفَرَّقَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ بَيْن الْمَسَافَة الْبَعِيدَة فَمَنَعَهَا دُون الْقَرِيبَة , وَتَمَسّك أَحْمَد بِعُمُومِ الْحَدِيث فَقَالَ : إِذَا لَمْ تَجِد زَوْجًا أَوْ مَحْرَمًا لَا يَجِب عَلَيْهَا الْحَجّ , هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنْهُ.
وَعَنْهُ رِوَايَة أُخْرَى كَقَوْلِ مَالِك وَهُوَ تَخْصِيص الْحَدِيث بِغَيْرِ سَفَر الْفَرِيضَة , قَالُوا : وَهُوَ مَخْصُوص بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ السَّفَر فِي غَيْر الْفَرْض إِلَّا مَعَ زَوْج أَوْ مَحْرَم إِلَّا كَافِرَة أَسْلَمَتْ فِي دَار الْحَرْب أَوْ أَسِيرَة تَخَلَّصَتْ.
وَزَادَ غَيْره أَوْ اِمْرَأَة اِنْقَطَعَتْ مِنْ الرُّفْقَة فَوَجَدَهَا رَجُل مَأْمُون فَإِنَّهُ يَجُوز لَهُ أَنْ يَصْحَبهَا حَتَّى يُبَلِّغهَا الرُّفْقَة.
قَالُوا : وَإِذَا كَانَ عُمُومه مَخْصُوصًا بِالِاتِّفَاقِ فَلْيُخَصَّ مِنْهُ حَجَّة الْفَرِيضَة.
وَأَجَابَ صَاحِب " الْمُغْنِي " بِأَنَّهُ سَفَر الضَّرُورَة فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ حَالَة الِاخْتِيَار , وَلِأَنَّهَا تَدْفَع ضَرَرًا مُتَيَقَّنًا بِتَحَمُّلِ ضَرَر مُتَوَهَّم وَلَا كَذَلِكَ السَّفَر لِلْحَجِّ.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَة حَدِيث الْبَاب مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار بِلَفْظِ " لَا تَحُجَّن اِمْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم " فَنَصَّ فِي نَفْس الْحَدِيث عَلَى مَنْع الْحَجّ فَكَيْف يُخَصّ مِنْ بَقِيَّة الْأَسْفَار ؟ وَالْمَشْهُور عِنْد الشَّافِعِيَّة اِشْتِرَاط الزَّوْج أَوْ الْمَحْرَم أَوْ النِّسْوَة الثِّقَات , وَفِي قَوْل تَكْفِي اِمْرَأَة وَاحِدَة ثِقَة.
وَفِي قَوْل نَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهَذَّب تُسَافِر وَحْدهَا إِذَا كَانَ الطَّرِيق آمِنًا , وَهَذَا كُلّه فِي الْوَاجِب مِنْ حَجّ أَوْ عُمْرَة.
وَأَغْرَبَ الْقَفَّال فَطَرَدَهُ فِي الْأَسْفَار كُلّهَا , وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيّ قَالَ : إِلَّا أَنَّهُ خِلَاف النَّصّ.
قُلْت : وَهُوَ يُعَكِّر عَلَى نَفْي الِاخْتِلَاف الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ آنِفًا.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْمَحْرَم وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ شَرْط فِي وُجُوب الْحَجّ عَلَيْهَا أَوْ شَرْط فِي التَّمَكُّن فَلَا يَمْنَع الْوُجُوب وَالِاسْتِقْرَار فِي الذِّمَّة ؟ وَعِبَارَة أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ مِنْهُمْ : الشَّرَائِط الَّتِي يَجِب بِهَا الْحَجّ عَلَى الرَّجُل يَجِب بِهَا عَلَى الْمَرْأَة , فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُؤَدِّيه فَلَا يَجُوز لَهُمْ إِلَّا مَعَ مَحْرَم أَوْ زَوْج أَوْ نِسْوَة ثِقَات.
وَمِنْ الْأَدِلَّة عَلَى جَوَاز سَفَر الْمَرْأَة مَعَ النِّسْوَة الثِّقَات إِذَا أُمِنَ الطَّرِيق أَوَّل أَحَادِيث الْبَاب , لِاتِّفَاقِ عُمَر وَعُثْمَان وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَنِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَم نَكِير غَيْرهمْ مِنْ الصَّحَابَة عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ , وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ مِنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا أَبَاهُ مِنْ جِهَة خَاصَّة كَمَا تَقَدَّمَ لَا مِنْ جِهَة تَوَقُّف السَّفَر عَلَى الْمَحْرَم , وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ النُّكْتَة فِي إِيرَاد الْبُخَارِيّ الْحَدِيثَيْنِ أَحَدهمَا عَقِب الْآخَر , وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ النِّسَاء كُلّهنَّ فِي ذَلِكَ سَوَاء إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْوَلِيد الْبَاجِيّ أَنَّهُ خَصَّهُ بِغَيْرِ الْعَجُوز الَّتِي لَا تُشْتَهَى , وَكَأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ الْخِلَاف الْمَشْهُور فِي شُهُود الْمَرْأَة صَلَاة الْجَمَاعَة.
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيّ تَخْصِيص لِلْعُمُومِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى , يَعْنِي مَعَ مُرَاعَاة الْأَمْر الْأَغْلَب.
وَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطَة لَاقِطَة , وَالْمُتَعَقِّب رَاعَى الْأَمْر النَّادِر وَهُوَ الِاحْتِيَاط.
قَالَ : وَالْمُتَعَقِّب عَلَى الْبَاجِيّ يَرَى جَوَاز سَفَر الْمَرْأَة فِي الْأَمْن وَحْدهَا فَقَدْ نَظَرَ أَيْضًا إِلَى الْمَعْنَى , يَعْنِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِر عَلَى الْبَاجِيّ , وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْوَجْه الْمُتَقَدِّم وَالْأَصَحّ خِلَافه , وَقَدْ اِحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ عَدِيّ بْن حَاتِم مَرْفُوعًا " يُوشِك أَنْ تَخْرُج الظَّعِينَة مِنْ الْحِيرَة تَؤُمّ الْبَيْت لَا زَوْج مَعَهَا " الْحَدِيث.
وَهُوَ فِي الْبُخَارِيّ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى وَجُود ذَلِكَ لَا عَلَى جَوَازه , وَأُجِيب بِأَنَّهُ خَبَر فِي سِيَاق الْمَدْح وَرَفْع مَنَار الْإِسْلَام فَيُحْمَل عَلَى الْجَوَاز.
وَمِنْ الْمُسْتَظْرَف أَنَّ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَنْ لَمْ يَشْتَرِط الْمَحْرَم أَنَّ الْحَجّ عَلَى التَّرَاخِي , وَمِنْ مَذْهَب مَنْ يَشْتَرِطهُ أَنَّهُ حَجّ عَلَى الْفَوْر , وَكَانَ الْمُنَاسِب لِهَذَا قَوْل هَذَا وَبِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا مَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح حَدِيث جِبْرِيل فِي بَيَان الْإِيمَان وَالْإِسْلَام عِنْد قَوْله " أَنْ تَلِد الْأَمَة رَبَّتهَا " : فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى إِبَاحَة بَيْع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَلَا مَنْع بَيْعهنَّ , خِلَافًا لِمَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ فِي كُلّ مِنْهُمَا , لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلّ شَيْء أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ يَكُون مُحَرَّمًا وَلَا جَائِزًا.
اِنْتَهَى.
وَهُوَ كَمَا قَالَ , لَكِنَّ الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة تُقَوِّي الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْجَوَاز.
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : هَذِهِ الْمَسْأَلَة تَتَعَلَّق بِالْعَامَّيْنِ إِذَا تَعَارَضَا , فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) عَامّ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء , فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَة عَلَى السَّفَر إِذَا وُجِدَتْ وَجَبَ الْحَجّ عَلَى الْجَمِيع , وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا مَعَ مَحْرَم " عَامّ فِي كُلّ سَفَر فَيَدْخُل فِيهِ الْحَجّ , فَمَنْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ خَصَّ الْحَدِيث بِعُمُومِ الْآيَة , وَمَنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ خَصَّ الْآيَة بِعُمُومِ الْحَدِيث فَيَحْتَاج إِلَى التَّرْجِيح مِنْ خَارِج , وَقَدْ رُجِّحَ الْمَذْهَب الثَّانِي بِعُمُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَمْنَعُوا إِمَاء اللَّه مَسَاجِد اللَّه " وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَيِّدٍ لِكَوْنِهِ عَامًّا فِي الْمَسَاجِد فَيَخْرُج عَنْهُ الْمَسْجِد الَّذِي يَحْتَاج إِلَى السَّفَر بِحَدِيثِ النَّهْي.
قَوْله : ( إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم ) أَيْ فَيَحِلّ , وَلَمْ يُصَرِّح بِذِكْرِ الزَّوْج , وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي هَذَا الْبَاب بِلَفْظِ " لَيْسَ مَعَهَا زَوْجهَا أَوْ ذُو مَحْرَم مِنْهَا " وَضَابِط الْمَحْرَم عِنْد الْعُلَمَاء مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحهَا عَلَى التَّأْبِيد بِسَبَبٍ مُبَاح لِحُرْمَتِهَا , فَخَرَجَ بِالتَّأْبِيدِ أُخْت الزَّوْجَة وَعَمَّتهَا وَبِالْمُبَاحِ أُمّ الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَةٍ وَبِنْتهَا وَبِحُرْمَتِهَا الْمُلَاعَنَة , وَاسْتَثْنَى أَحْمَد مِنْ حَرُمَتْ عَلَى التَّأْبِيد مُسْلِمَة لَهَا أَب كِتَابِيّ فَقَالَ : لَا يَكُون مَحْرَمًا لَهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن أَنْ يَفْتِنهَا عَنْ دِينهَا إِذَا خَلَا بِهَا.
وَمَنْ قَالَ إِنَّ عَبْد الْمَرْأَة مَحْرَم لَهَا يَحْتَاج أَنْ يَزِيد فِي هَذَا الضَّابِط مَا يُدْخِلهُ , وَقَدْ رَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر مَرْفُوعًا " سَفَر الْمَرْأَة مَعَ عَبْدهَا ضَيْعَة " لَكِنْ فِي إِسْنَاده ضَعْف , وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ أَحْمَد وَغَيْره , وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَنْ يُقَيِّدهُ بِمَا إِذَا كَانَا فِي قَافِلَة بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَا وَحْدهمَا فَلَا لِهَذَا الْحَدِيث.
وَفِي آخِر حَدِيث اِبْن عَبَّاس هَذَا مَا يُشْعِر بِأَنَّ الزَّوْج يَدْخُل فِي مُسَمَّى الْمَحْرَم , فَإِنَّهُ لَمَّا اِسْتَثْنَى الْمَحْرَم فَقَالَ الْقَائِل إِنَّ اِمْرَأَتِي حَاجَّة فَكَأَنَّهُ فَهِمَ حَال الزَّوْج فِي الْمَحْرَم , وَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ مَا فَهِمَهُ بَلْ قِيلَ لَهُ " اُخْرُجْ مَعَهَا ".
وَاسْتَثْنَى بَعْض الْعُلَمَاء اِبْن الزَّوْج فَكَرِهَ السَّفَر مَعَهُ لِغَلَبَةِ الْفَسَاد فِي النَّاس.
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : هَذِهِ الْكَرَاهِيَة عَنْ مَالِك , فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّحْرِيمِ فَفِيهِ بُعْد لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيث , وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّنْزِيهِ فَيَتَوَقَّف عَلَى أَنَّ لَفْظ " لَا يَحِلّ " هَلْ يَتَنَاوَل الْمَكْرُوه الْكَرَاهَة التَّنْزِيهِيَّة ؟ قَوْله : ( وَلَا يَدْخُل عَلَيْهَا رَجُل إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَم ) فِيهِ مَنْع الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ إِجْمَاع , لَكِنْ اِخْتَلَفُوا هَلْ يَقُوم غَيْر الْمَحْرَم مَقَامه فِي هَذَا كَالنِّسْوَةِ الثِّقَات ؟ وَالصَّحِيح الْجَوَاز لِضَعْفِ التُّهْمَة بِهِ.
وَقَالَ الْقَفَّال : لَا بُدّ مِنْ الْمَحْرَم , وَكَذَا فِي النِّسْوَة الثِّقَات فِي سَفَر الْحَجّ لَا بُدّ مِنْ أَنْ يَكُون مَعَ إِحْدَاهُنَّ مَحْرَم.
وَيُؤَيِّدهُ نَصّ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّي بِنِسَاءٍ مُفْرَدَات إِلَّا أَنْ تَكُون إِحْدَاهُنَّ مَحْرَمًا لَهُ.
قَوْله : ( فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُج فِي جَيْش كَذَا وَكَذَا ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْم الرَّجُل وَلَا اِمْرَأَته وَلَا عَلَى تَعْيِين الْغَزْوَة الْمَذْكُورَة , وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَاد بِلَفْظِ " إِنِّي اِكْتَتَبْت فِي غَزْوَة كَذَا " أَيْ كَتَبَتْ نَفْسِي فِي أَسْمَاء مَنْ عُيِّنَ لِتَلِك الْغَزَاة.
قَالَ اِبْن الْمُنِير : الظَّاهِر أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّة الْوَدَاع فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْحَجّ عَلَى التَّرَاخِي إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْر لَمَا تَأَخَّرَ الرَّجُل مَعَ رُفْقَته الَّذِينَ عُيِّنُوا فِي تِلْكَ الْغَزَاة.
كَذَا قَالَ , وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ حَجُّوا قَبْل ذَلِكَ مَعَ مَنْ حَجَّ فِي سَنَة تِسْع مَعَ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , أَوْ أَنَّ الْجِهَاد قَدْ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْكُورِينَ بِتَعْيِينِ الْإِمَام , كَمَا لَوْ نَزَلَ عَدُوّ بِقَوْمٍ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّن عَلَيْهِمْ الْجِهَاد وَيَتَأَخَّر الْحَجّ اِتِّفَاقًا.
قَوْله : ( اُخْرُجْ مَعَهَا ) أَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْض أَهْل الْعِلْم فَأَوْجَبَ عَلَى الزَّوْج السَّفَر مَعَ اِمْرَأَته إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْره , وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَهُوَ وَجْه لِلشَّافِعِيَّةِ , وَالْمَشْهُور أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ كَالْوَلِيِّ فِي الْحَجّ عَنْ الْمَرِيض فَلَوْ اِمْتَنَعَ إِلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَهَا لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلهَا فَصَارَ فِي حَقّهَا كَالْمُؤْنَةِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْع اِمْرَأَته مِنْ حَجّ الْفَرْض , وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَهُوَ وَجْه لِلشَّافِعِيَّةِ , وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ أَنَّ لَهُ مَنْعهَا لِكَوْنِ الْحَجّ عَلَى التَّرَاخِي.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم الصَّائِغ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر مَرْفُوعًا فِي اِمْرَأَة لَهَا زَوْج وَلَهَا مَال وَلَا يَأْذَن لَهَا فِي الْحَجّ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِق إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجهَا ؟ فَأُجِيب عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى حَجّ التَّطَوُّع عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ , وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْع زَوْجَته مِنْ الْخُرُوج فِي الْأَسْفَار كُلّهَا , وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِيمَا كَانَ وَاجِبًا , وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ اِبْن حَزْم جَوَاز سَفَر الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج وَلَا مَحْرَم لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُر بِرَدِّهَا وَلَا عَابَ سَفَرهَا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا لَمَا أَمَرَ زَوْجهَا بِالسَّفَرِ مَعَهَا وَتَرْكه الْغَزْو الَّذِي كَتَبَ فِيهِ , وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد بِلَفْظِ " فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَخْرُج فِي جَيْش كَذَا وَكَذَا " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا مَا رَخَّصَ لَهُ فِي تَرْك النَّذْر , قَالَ النَّوَوِيّ : وَفِي الْحَدِيث تَقْدِيم الْأَهَمّ فَالْأَهَمّ مِنْ الْأُمُور الْمُتَعَارِضَة , فَإِنَّهُ لَمَّا عَرَضَ لَهُ الْغَزْو وَالْحَجّ رَجَّحَ الْحَجّ لِأَنَّ اِمْرَأَته لَا يَقُوم غَيْره مَقَامه فِي السَّفَر مَعَهَا بِخِلَافِ الْغَزْو , وَاللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: «ما منعك من الحج؟»، قالت: أبو فلان، تعني زوجها، كان...
عن قزعة، مولى زياد، قال: سمعت أبا سعيد، وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، قال: أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال:...
عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: «ما بال هذا؟»، قالوا: نذر أن يمشي، قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغن...
عن عقبة بن عامر، قال: نذرت أختي أن تمشي، إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفتيته، فقال صلى الله عليه وسلم: «لتمش، ولتر...
عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والم...
عن أنس رضي الله عنه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأمر ببناء المسجد، فقال: «يا بني النجار ثامنوني»، فقالوا: لا نطلب ثمنه، إلا إلى الله، فأمر...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حرم ما بين لابتي المدينة على لساني»، قال: وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بني حارثة، فقال:...
عن علي رضي الله عنه، قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم، ما بين عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا،...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحد...